محدث الشام ومحدث العصر(3)

منذ 2015-12-25

محمد ناصر الدين الألباني محدث الشام ومحدث العصر (1333هـ/1914م-1420هـ/ 1999م)

أعماله وانجازاته

  • عمل الشيخ مدة طويلة في المكتب الإسلامي للشيخ زهير الشاويش، مع كل من العلماء المشايخ: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، ومحمد بن لطفي الصباغ، وعبد القادر الحتاوي .. وغيرهم، وقد أفاد من هذا العمل أيما فائدة، إذ كان كثيرٌ من نتاجه العلميِّ في التحقيق والتأليف والتخريج والتعليق من ثمار هذا المكتب الذي نفع الله به المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
  • اختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي، التي عزمت الجامعة على إصدارها عام (1955م).
  • اختير عضواً في لجنة الحديث، التي شكلت في عهد الوحدة بين مصر وسوريا، للإشراف على نشر كتب السنة وتحقيقها.
  • طلبت إليه الجامعة السلفية في «بنارس» بالهند أن يتولى مشيخة الحديث، فاعتذر عن ذلك لصعوبة اصطحاب الأهل والأولاد بسبب الحرب بين الهند وباكستان آنذاك.
  • طلب إليه معالي وزير المعارف في المملكة العربية السعودية الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ عام (1388هـ)، أن يتولى الإشراف على قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة، وقد حالت الظروف دون تحقيق ذلك.
  • درَّس الشيخ بالجامعة الإسلامية في المدينة المنوَّرة عند تأسيسها عام (1381هـ) مدة عامين، ثم عاد إلى مكانه المخصَّص له في المكتبة الظاهرية، وأكبَّ على الدِّراسة والتَّأليف.

ومن آثار الشيخ الألباني - رحمه الله - على الجامعة أنه وضع القاعدة لمادة الإسناد، وسبق كل الجامعات الموجودة بذلك، لكن لإخلاصه أثارت عليه الحاقدين من بعض أساتذة الجامعة فكادوا له ووشوا به عند المسؤولين ولفقوا عليه الدسائس والافتراءات حتى أجبرت الجامعة على الاستغناء عنه.

  • اختير عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من عام (1395- 1398هـ.).
  • لبى دعوة من اتحاد الطلبة المسلمين في أسبانيا، وألقى محاضرة مهمة طبعت فيما بعد بعنوان: «الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام».
  • زار قطر وألقى فيها محاضرة بعنوان: «منزلة السنة في الإسلام».
  • انتدب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء للدعوة في مصر والمغرب وبريطانيا للدعوة إلى التوحيد والاعتصام بالكتاب والسنة والمنهج الإسلامي الحق.
  • دعي إلى عدة مؤتمرات، حضر بعضها و اعتذر عن كثير بسبب انشغالاته العلمية الكثيرة.
  • زار الكويت والإمارات وألقى فيهما محاضرات عديدة، وزار أيضا عدداً من دول أوروبا، والتقى فيها بالجاليات الإسلامية والطلبة المسلمين، وألقى دروساً علمية مفيدة.
  • كما ذكرنا آنفا .. قررت لجنة الإختيار لجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية من منح الجائزة عام (1419هـ /1999م)، وموضوعها «الجهود العلمية التي عنيت بالحديث النبوي تحقيقاً وتخريجاً ودراسة» لفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني السوري الجنسية، تقديراً لجهوده القيمة في خدمة الحديث النبوي تخريجاً وتحقيقاً ودراسة وذلك في كتبه التي تربو على المئة.

الثمرات:

أما عن التأليف والتصنيف، فقد ابتدأهما في العقد الثاني من عمره، وكان أول مؤلفاته الفقهية المبنية على معرفة الدليل والفقه المقارن كتاب «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» وهو مطبوع مراراً، ومن أوائل تخاريجه الحديثية المنهجية أيضاً كتاب «الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير» ولا يزال مخطوطاً.
ترك الشيخ - رحمه الله - كثيراً من المؤلَّفات والكتب المحقَّقة أربت على المئتين، وقد تميَّزت كتبُه بالتَّحقيق العلمي، والإحاطة بالأسانيد والشَّواهد، وتتبُّع أقوال المحدِّثين، وكان جُلُّ اعتماده على المخطوطات بالمكتبة الظاهرية.
كما خلَّف عدداً كبيراً من الأشرطة المسجَّلة، من كلامه ودروسه، يُعمَل على نشرها على شكل فتاوى موضوعية.

ومن أهم كتبه:

  1. آداب الزفاف في السُّنَّة المطهَّرة.
  2. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السَّبيل.
  3. أحكام الجنائز.
  4. تحذير السَّاجد من اتِّخاذ القبور مساجد.
  5. التوسُّل أحكامه وأنواعه.
  6. حِجَّة النَّبي -صلى الله عليه وسلم- كما رواها عنه جابر - رضي الله عنه -.
  7. جلباب المرأة المسلمة.
  8. الذبُّ الأحمد عن مسند الإمام أحمد.
  9. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقها وفوائدها.
  10. سلسلة الأحاديث الضَّعيفة والموضوعة وأثرها السيِّئ في الأمة.
  11. صحيح الترغيب والترهيب.
  12. ضعيف الترغيب والترهيب.
  13. صحيح الجامع الصغير وزياداته.
  14. ضعيف الجامع الصغير وزياداته.
  15. صحيح السُّنن الأربعة وضعيفها.
  16. صفة صلاة النَّبي -صلى الله عليه وسلم-.
  17. غاية المرام في تخريج الحلال والحرام.
  18. فهرس مخطوطات الظاهرية في علم الحديث.
  19. قيام رمضان.
  20. مختصر صحيح البخاري.

وترك غير قليل من الكتب والرسائل مخطوطة.

رجوعه إلى الحق
والشيخ - رحمه الله - عرف عنه رجوعه إلى الحق، حتى أصبح متميزاً به، فكم من حديث صححه وانتشر في الآفاق بسببه، ولما تبين له ضعفه من بعد الطلبة تراجع عنه بقوة وإنصاف، ومثال ذلك حديث دخول المنزل «اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج» فهو حديث صححه الشيخ ثم تراجع عنه.

وقل الأمر نفسه في المسائل الفقهية العملية، كما هو الحال في مسألة جماع الزوجة بعد طهرها من الحيض، حيث كان الشيخ يرى أنه يكتفى بانقطاع الدم دون الغسل، ثم تراجع عنه إلى قول الجمهور، وهو عدم جواز الجماع إلا بعد الغسل وهذا الأمر أعني تراجعه إذا تبين له الحق استغله بعض الجهلة والحساد لبيان أن ذلك من تناقضه ولم يدر هؤلاء أن هذا من أعظم أخلاق الدين، وقد قل أهله في هذا الزمان، فكم من إنسان جادل بالباطل من بعد ما تبين له الحق فأصر مستكبراً كأن لم يسمع الحق؟!!

والشيخ برأه الله من ذلك وكتبه طافحة برجوعه عن أقواله التي تبين فيها خطؤه ملياً، ولم ينقصه ذلك بل رفعه الله به، ولكن عند المنصفين العقلاء، وهذا هو المهم، والأهم أنه كان يراقب ربه ولا يهمه ما يقال بعد ذلك.
نماذج من أخلاق الشيخ -رحمه الله -

كراهيته للمدح
لم يكن الشيخ - رحمه الله - يحب أن يمدحه أحد، وخاصة في وجهه، وكتبه كلها ليس فيها لفظ (الشيخ) قبل اسمه!! وقد مدحه مرة الشيخ محمد إبراهيم شقرة في وجهه فبكى، ومدحه آخر فبكى وأنكر على من مدحه.

خوفه من الرياء
وجاءه مرة بعض إخواننا من بنغلادش من أهل الحديث وقالوا للشيخ: إن عددهم حوالي أربعة ملايين وأنهم يودون زيارة الشيخ لهم هناك، وقد جهزوا ملعباً يتسع لأعداد كبيرة للقائه والاستماع إليه، فرفض الشيخ الدعوة.

فقال الداعي: إنها أسبوع يا شيخ!! فرفض الشيخ: فأنزل المدة إلى ثلاثة أيام!! فرفض الشيخ فأنزلها إلى يوم واحد!! فرفض الشيخ وبشدة، فقال الداعي في النهاية: نريد محاضرة وتغادر على نفس الطائرة!! فرفض الشيخ وبشدة أيضاً، فتعجب الرجل من رفض الشيخ وكذلك الذين معه، وانصرف الرجل حزيناً، فسأل الأخُ أبو ليلى - وهو الذي حدثني بهذه القصة الشيخَ: لم رفضت يا شيخ؟ فرد عليه - رحمه الله -: ألم تسمع ماذا قال؟ فقال أبو ليلى: وماذا قال يا شيخ؟ فقال: ألم تسمع قوله إنهم أربعة ملايين!! فتصور أني أحاضر بمثل هذا العدد، فهل آمن على نفسي من الرياء؟!! وكان درساً عظيماً من الشيخ لتلاميذه وللناس جميعاً بالبعد عن المواضع المهلكة للداعية.

تفقده لإخوانه
كنا مرة في رحلة معه، فانتهينا منها في الواحدة ليلاً وكنا في خمس سيارات، وأنا أقود واحدة منها، فسبقنا الشيخ، ففوجئت بأن إطار سيارتي قد ذهب هواؤه، فأصلحته وقد ذهبتْ السيارات جميعاً، فما هي إلا لحظات حتى رجع إلينا الشيخ مع السيارات، وسأل عن سبب التأخر، فلما رأى السبب علم بالحال، وكان - رحمه الله - قد افتقدنا في الطريق ورأى أن سيارة قد نقصت، فسأل عنها، فلما لم يُعطَ جواباً فرجع من طريقه فرآنا على تلك الحال، فطلبنا من الشيخ أن يذهب إلى أهله وبيته ونحن نصلح الإطار، ونلحق بهم، فأبى - رحمه الله - إلا أن ينتظرنا لننتهي مما نحن فيه، وكان ذلك وغادرنا سوياً.

وحدثني بعض تلامذته أنه كان يتصل بالشيخ كل يوم، وفي يومٍ من الأيام لم يفعل ذلك، فما هو إلا أن يدق جرس الهاتف، ويتبين للأخ أنه الشيخ الإمام الألباني!! وأنه افتقد هذا الأخ لعدم اتصاله، فسارع للسؤال عنه.

ودخل هذا الأخ نفسه المستشفى لحادث وقع له، وإذ بالشيخ الإمام يأتي لزيارته في المستشفى!! قال: فأثرت هذه الزيارة فيَّ وفي أهلي الشيء الكثير.

مقابلته الإحسان بالإحسان
وكان بعض تجار عمان على علاقة بالشيخ - رحمه الله -، قال: ففاجئني الشيخ يوماً بزيارة إلى محلي!! وجاء معه بمجموعة قيمة من الكتب وقدَّمها هدية لي!!

بكاؤه
والشيخ - رحمه الله - على خلاف ما يظن الكثيرون رقيق القلب، غزير الدمع، فهو لا يُحدَّث بشيء فيه ما يبكي إلا وأجهش في البكاء، ومن ذلك:

  1. حدثته امرأة جزائرية أنها رأته يسأل عن الطريق الذي سلكه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدُلَّ عليه فسار على خطواته لا يخطئها، فلم يحتمل كلامها، وأجهش بالبكاء.
  2. وقد حدثه أحد الإخوة عن رؤيا رآها بعض إخواننا، وهي أنه رأى هذا الأخ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فسأله: إذا أشكل عليَّ شيء في الحديث مَن أسأل؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: سل محمد ناصر الدين الألباني. فما أن انتهيت من حديثي حتى بكى بكاءً عظيماً، وهو يردد «اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون».
  3. وحدثه بعض إخواننا عن سب والده للرب والدين والعياذ بالله فبكى الشيخ لما سمع من جرأة من ينتسب للدين على بعض هذه القبائح والعظائم في حق الله، وحكم على والده بأنه مرتد كافر.
  4. وأخبره بعض إخواننا عن مشكلة حصلت معه، وأنه في ورطة، فقال الأخ: فما هو إلا أن رأيت الشيخ وقد دمعت عيناه ودعا لي بأن يفرج الله كربي، فكان ذلك.[1]

تلاميذه:

تخرَّج على يديه وعلى كتبه، وتأثَّر بمنهجه جمٌّ غفيرٌ من طلبة العلم، منهم على سبيل المثال: الشيخ محمد نسيب الرِّفاعي - رحمه الله تعالى -، والشيخ محمد زهير الشَّاويش (الذي آزر الشيخ وكان له الفضل الكبير في نشر علمه)، والشيخ عبد الرحمن الباني، والشيخ د. محمد بن لطفي الصباغ، ود. محمد هيثم الخياط، والشيخ عبد الرحمن النحلاوي - رحمه الله -، والشيخ محمد إبراهيم شقرة، والشيخ محمد عيد العبَّاسي، والشيخ علي الخشَّان، والشيخ عدنان عرعور، والشيخ علي حسن الحلبي، والشيخ سليم الهلالي، والشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله -، والأستاذ محمد مهدي الإستانبولي - رحمه الله -، والشيخ أبو إسحاق الحويني، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، والدكتور عمر سليمان الأشقر، وآخرون.

_________________
[1] أثبتنا مصادر هذه النقول في نهايه الترجمة

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 3
  • 0
  • 3,828

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً