حوار مع الشيخ د. عبدالرحمن بن صالح المحمود

منذ 2009-10-07

فبيان الأمريكان والغربيين ينطلق من الغرور الثقافي عندهم ويحمل الاتهامات للمسلمين ولدينهم. وبعض بيانات العرب - خاصة التي تبنّاها جمع من العَلْمانيين والليبراليين العرب - أخذت طابع الدفاع والتنازلات عن مسلَّمات الدين والعقيدة، والبحث عن أُطر التقاء



- لم يتم حوار حضارات حقيقي.

- الآخر مصطلح لغوي وقرآني، لكن لنحذر من أبعاده الجديدة التي يتخفّى وراءها.

- يمكن للعلماء المسلمين ودُعاتهم وضع إطار عام للمبادئ الإنسانية يقرُّها الإسلام للتعايش والتفاهم والتعاون حولها بين الأمم.

- الحاجز النفسي الذي تقيمه الأديان لحماية أتباعها من الذوبان في غيرها يُعدُّ عائقاً للحوار بين الحضارات.

- بيانات عَلْمانيينا وليبراليينا أخذت طابع الدفاع والتنازلات عن مسلَّمات الدين والبحث عن أُطر التقاء لا يمكن أن تروي غليلاً.

- إذا أُريد للحوار أن يتم وينجح فلا بد من توفر شروط مهمة.


- البيان: إذا حررنا أن المراد بـ (نحن) أهل الإسلام؛ فهل يمكن قبول لفظ (الآخر) لغيرهم؟

- مصطلح الآخر من الناحية اللغوية ومن ناحية الاستعمال في مجالات الحياة؛ مصطلح عادي لا شيء فيه، هذا في الأصل، فأنت تقول في رجلين: هذا فعل كذا أو قال كذا؛ والآخر لم يفعل أو لم يقل، فيكون دالاً على نوع من التقابل. وقد يستعمل فيما طريقه التنويع دون تقابل؛ كأن تقول: تكلم الأول بكذا ثم تكلم الآخر الذي معه بمثل كلامه، أو أيَّده الآخر.. وهكذا.

وقد جاء كتاب الله - تعالى - بهذه المعاني؛ فجاء في آيات كثيرة:

- لفظ (آخر)، قال -تعالى-: {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} [المائدة: ٧٢].

وقال -تعالى-: {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِـحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: ٢٠١]. وتكرَّر هــذا في مقام التوحيد ونفي الشرك؛ فقال -تعالى- مثلاً: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ} [الإسراء: ٢٢].

- ولفظ (آخرون)؛ كقوله -تعالى-: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102]، وقوله -تعالى-: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: 106]، وفي آخر المزمل: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20]، {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].

- ولفظ (آخرين) أيضاً في موضع النصب أو الجر: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ} [الشعراء: 172].

- ولفظ (أخرى)؛ كقوله -تعالى-: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم: 20]، وتكرر في هذه السورة أربع مرات.

- ولفظ (أخراهم)؛ كقوله -تعالى-: {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ} [الأعراف: 39]. وأخراكم كقوله: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153].

- ولفظ (أُخر)؛ كقوله -سبحانه-: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].

وهكذا فهو - أي: مصطلح الآخر - مصطلح قرآني، ولكن بالمعاني اللغوية التي وردت عن العرب.
وأردت من هذا دفع توهُّم الاعتراض على هذا المصطلح بأنه ليس في كتاب الله، وإنما في كتاب الله الكافر واليهودي والنصراني والمشرك... فقد يظن الظانُّ - لأول وهلة - أن لفظ (الآخر) لم يرد في كتاب الله تعالى، والأمر ليس كذلك كما سبق.

ولكن المشكلة في الموضوع هي استخدام لفظ (الآخر) مصطلحاً له مدلول خاص في عصرنا هذا، ولا أدري من الذي استخدمه أولاً. ولكن - مع العولمة الثقافية والفكرية والعقدية والتشريعية، ومع ظروف وأحوال وأحداث معروفة - تحوَّل هذا المصطلح من بُعْده اللغوي إلى بُعْد عقدي وفكري، أي: انتقل من الحقيقة اللغوية إلى حقيقة اصطلاحية تحمل أبعاداً كثيرة تخفّى بها، ومن أبرزها:

1 - تخصيصها بفئات دينية معينة من اليهود والنصارى والمشركين؛ فتسمية هؤلاء بـ (الآخر) مما لا تجمله دلالة هذا المصطلح مباشرة دون قيد في السياق ونحوه.

2 - اختلاط هذا المصطلح (الآخر) بغيره؛ فمثلاً: المخالف من أهل البدع يسمَّى: الآخر، والمخالف من أصحاب الفكر المنحرف يسمَّى: الآخر، والمخالف في اللغة يسمَّى: الآخر، والمخالف في الانتساب إلى وطنٍ ما يُسمَّى: الآخر.

بل قد سرى هذا - ضرورة - إلى مصطلح (نحن)؛ فهل يُقصَد به المسلمون عموماً، أو يُقصَد به أهل السنة أو العرب أو أهل مصر؟

وقد نشأ عن ذلك اضطراب وتناقض في الخطاب الإعلامي؛ فمرة يكون الآخر الكافر (البعيد أو القريب في داخل بلاد المسلمين)، ومرة يكون الآخر المخالف لك في الاتجاه السياسي، ومرة يكون الآخر المخالف لك في الرأي أو المذهب؛ سواء كان عقدياً أو فقهياً، ومرات يكون الآخر هو من كان من بلد غير بلدك أو قبيلة غير قبيلتك.. وهكذا.

3 - أنه قصد به تخفيف الفارق بين المسلمين والكفار، وهذا من أخطر آثار هذا المصـطلح، حيـث إن مـن أطلـقـه أو أشاع استعماله عن قصد إنما أراد إلغاء عقيدة الولاء والبراء أو إضعافها، ومحو التوحيد والإيمان والإسلام المفرِّق بين المسلمين والكافرين أو إضعاف ذلك.

فبناء على ذلك لا يمكن قبول لفظ (الآخر) بهذا الاعتبار؛ نظراً إلى آثاره الخطيرة التي سبق الإشارة إلى بعضها.

- البيان: هل نصوص الولاء والبراء والتضييق على الكافر في الطريق وعدم بدئه بالسلام؛ ترفض أرضية قبول التعايش مع الآخر؟

- جواب هذا السؤال يكمن في الاستفصال عن مصطلح ورد في آخره وهو (التعايش مع الآخر)؛ فمصطلح (التعايش) دخله ما دخل مصطلح (الآخر)؛ إذ إن مدلوله اللغوي واضح وهو العيش على هذه الأرض من بني آدم كافة دون تفريق.

وقد جاء هذا المعنى في كتاب الله تعالى:

- فقال -سبحانه -: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: ١١]؛ فهو معاش للمخلوقات كافة.

- وقال -تعالى-: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: ٢٣]. والمعيشة والأرزاق مقسومة في هذه الدنيا لكل الناس، ومن ذلك ما يحتاج فيه بعضهم إلى بعض لتعمر هذه الحياة.

- وقال - تعالى -: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: 10]. وقال: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20].

وبناء على هذا؛ فقضية عيش بني الإنسان وتعامل بعضهم مع بعض سنَّة كونية؛ فإذا أُطلق التعايش بين الأمم - على اختلاف أديانهم - مقصوداً به هذ المعنى؛ فهو حق. ومنذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تزل أكثر المأكولات والمصنوعات والملبوسات والآلات الحربية ونحوها تتبادل بين المسلمين وغيرهم، وهذا ظاهر معلوم، وكلام العلماء والفقهاء في ذلك واضح.
والمشكلة هي انتقال هذا المعنى إلى مصطلح (التعايش) بمدلول جديد يحمل معاني ودلالات ولوازم تمسُّ جوهر عقيدة الإسلام وشريعته ونظامه.

وهــذا مـــا يفسِّر شيـــوع هذا المصطلح والزجَّ به في لغــة الإعــلام والخطاب والثقافة والفكر والحوار والعلاقات.. إلخ.

ومن أخطر المعاني والدلالات التي أريد لهذا المصطلح أن يحملها:

1 - إلغاء الفارق العقدي والشرعي والسلوكي بين المسلمين والكفار أو إضعافه؛ فهو مصطلح يحمل بديلاً عن أشياء أخرى عرفها المسلمون وعايشوها وأساسها الفارق بين الإسلام والكفر وفروع هذا الفارق ولوازمه.

2 - الانتقال من البُعْد النظري أو العلمي إلى البُعْد العملي في حياة المسلمين، وذلك بأن يعايشوا الكفار على أساس إلغاء تلك الفروق بين المسلمين والكفار أو إضعافها؛ فهو مصطلح يرمي بالمسلم - والمسلمين عموماً - إلى أن يعايش الكفار في عباداتهم وأخلاقهم وقوانينهم دون التفات إلى أصولها العقدية والفكرية.

3 - الخطورة في هذا المصطلح الظرف الزماني والآني الذي به يرفع اليوم؛ وهو طغيان الحضارة الغربية بعقائدها ونُظمها وأخلاقها، حتى وُصفت بأنها هي الأعلى، وهي القدوة، وهي الغاية التي يسعى كل شعب للحاق بها. كيف لا؛ وهي نهاية التاريخ؛ كما عبر بعضهم.

فهي تدعو المغلوب إلى أن يقلِّد الغالب ويعايشه ويسير خلفه، وليس التعايش الذي هو التفاعل بين الطرفين على أقل تقدير.

4 - إن هذا التعايش له آثار سلبية في أمور كثيرة، منها:

- ضعف اعتزاز المسلم بدينه.

- إضعاف عقيدة الولاء والبراء أو إلغاؤها.

- ضعف وحدة المسلمين وأخوّتهم.

- الذوبان في تلك الحضارة في الطرف الأسوأ فيها؛ كالفلسفات الإلحادية، وأفكار الحداثة والعبثية والوجودية، وأخلاقيات الإباحة والشذوذ والتفكك الأسري.. إلخ.

5 - أما ما يُزعم من الاستفادة من الحضارة الغربية وتقدُّمها العلمي والمادي والتقني والصناعي.. إلخ؛ فهذا غير مقصود - حسب استعمال مصطلح (التعايش) -؛ لأمرين:

أحدهما: أن هذا لو كان مقصوداً لكانت وسائله سهلة؛ ومنها: نقل التقنية إلى داخل بلاد المسلمين.

الثاني: أن التجربة والواقع يشهدان بأن ما نخسره من التعايش عشرة أضعاف ما نكسبه من مكتسبات الحضارة وأكثر.

وبناء على ما سبق يكون الجواب عن السؤال كما يلي:

1 - نصوص الولاء والبراء والتضييق على الكافر وعدم بَدْئه بالسلام جاءت بها أدلة صريحة من الكتاب والسنة الصحيحة، وهي جزء من كلّ مرتبط بالتوحيد والإسلام، والقرآن ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وتفاصيل العقيدة والشريعة، ومنها: ما يتعلق بعلاقة المسلمين مع بعضهم، وعلاقاتهم مع الكفار على مختلف الأحوال؛ في الحرب والذمة والعهد.. إلخ.

ولهذه المسائل - التي وردت في السؤال - أحكام تفصيلية، كما أن الحكمة منها كلها ظاهرة جليَّة في الدين، بل إن البراءة من الكافرين، وشروط الذمة المعروفة، وجهاد الكافر؛ هي من الأسس العظيمة للدعوة إلى الله تعالى وإخراج الكفار من الظلمات إلى النور، على عكس ما قد يظن مَنْ ضد ذلك (وتفصيل هذا ليس هنا موضعه).

2 - وعلى ذلك فنصوص الولاء والبراء والتضييق.. إلخ تتصادم مع مصطلح (التعايش مع الآخر)؛ لأنها جزء من كل، ولأن الإسلام يرفض الذوبان في الآخر أو التنازل عن أصوله وشريعته أو بعضها بحجة التعايش مع الآخر؛ كما هو مفهوم وغاية هذا المصطلح من جانب المنادين به من تيارات العَلْمانية والعقلانية البدعية ونحوها.

3 - ثم نقول: هذه النصوص ونحوها لا تعزل الأمة الإسلامية عزلاً تاماً عن بقية العالم؛ فعندها ألوان من التعايش بالمصطلح اللغوي لا المصطلح الجديد الذي شاع لدى العَلْمانيين والمفتونين بالغرب من المسلمين؛ فالعلاقات التجارية، والاستفادة مما عند الأمم الأخرى من التجارب والأمور النافعة - ألم يأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة الأحزاب بنظام الفرس في الحرب؟ وكذلك العلاقة بأهل الذمة داخل البلاد الإسلامية - غير جزيرة العرب - وكذلك علاقة المسلم بأبيه أو أمه أو أخيه أو أخته أو قريبه الكافر أو زوجته الكتابية، أو جاره الكافر.. إلخ؛ كل هذا لا تلغيه عقيدة الولاء والبراء والتضييق.. إلخ.

4 - أخيراً: يجب وضع النصوص في موضعها الصحيح حسب دلالاتها وحسب تطبيق الصحابة ثم السلف لها، وأما تحميلها ما لم تحتمله من طرفي الإفراط أو التفريط فهو خطأ.

وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسِيَر الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وسير الصحابة - رضي الله عنهم - أكبر شاهد على هذا المنهج الوسطي الواضح.

- البيان: هل يصح القول باحترام المعتقدات والمبادئ الأساسية لكل طرف من منطلق قوله -تعالى-: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]؟

هناك فرق بين احترام المعتقدات والسبّ. والآية إنما جاءت بالنهي عن السبِّ لآلهة المشركين؛ دفعاً لمفسدة سبِّهم لله تعالى، وعلى هذا:

1 - فالنهي عن سبِّ آلهة الكفار وشتمها لا ينفي وجوب بيان بطلان عبادتها بالأدلة النقلية والعقلية المتعددة؛ كما هو منهج القرآن الكريم ومنهج نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويدخل في ذلك بيان التوحيد وأدلته والدعوة إليه - كما هو معلوم - ومعلوم أن هذا يغضب الكفار ولا يرضيهم.

2 - هناك قيود ينبغي اعتبارها في مسألة سبِّ آلهة الكفار، منها:

أ - الابتداء بالسبِّ هو المنهيُّ عنه، لكن لو سبوا إلهنا فلا مـانـع مـن مقـابلـة ذلك: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40].

ب - قوله -تعالى-: {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فيه إشارة إلى عُبَّاد الأصنام الجهلة الذين يظنون صواب دينهم ويتعصبون له.

أما العتاة من الطواغيت فإنهم لا ينتظرون في عدوانهم مبادأة المسلمين لهم كما هي الحال في طغاة الغرب الصليبي اليوم.

وأما عامة النصارى أو البوذيين ونحوهم فينطبق عليهم ما جاء في آية النهي عن سبِّ آلهة المشركين؛ والله أعلم.

3 - احترام المعتقدات الفاسدة للمخالفين له شقان:

أحدهما: مطلوب في مراحل الدعوة لا الجهاد؛ وهو السكوت عن إهانتها واحتقارها. وانظر إلى الفرق بين حالتي عمرة القضاء حين كانت الأصنام حول الكعبة فلم يتعرَّض لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام وهم يطوفون حول الكعبة، وحالة الفتح حين كسرها - صلى الله عليه وسلم - وأهانها.

ثانيهما: منهيٌّ عنه؛ وهو احترامها المقتضي الإقرار بها، والاعتراف بأحقيتها، أو مدحها والثناء على أصحابها.

4 - ومن تأمَّل التاريخ القديم والحديث رأى الفرق واضحاً بين أفعال المسلمين في حسن تعاملهم مع معتقدات مخالفيهم؛ وما يفعله الأعداء اليوم من اعتداء وإهانات لمعتقدات المسلمين، وما الذي فعله المسلمون في كنائس النصارى وماذا فعل الصليبيون قديماً وحديثاً في مساجد المسلمين.
- البيان - : احترام المبادئ الإنسانية المشتركة؛ كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ونحوها؛ هل يمكن جعله منطلقاً لحوار الحضارات؟

1 - ملحوظة على السؤال:

من الأمور العجيبة غلبة المصطلحات الغربية علينا، فإذا استخدم الغرب مصطلحاً تحوَّل إلى مصطلح عالمي يقاس به تقدُّم الأمم وتأخُّرها، وقد سرى هذا إلينا نحن المسلمين.

وإذا كانت الحرية وحقوق الإنسان فيها وفيها؛ فما معنى إقحام الديمقراطية - وهي منهج عَلْماني غربي - لتكون من المبادئ العالمية التي تحولت إلى غاية الغايات؛ وخاصة النموذج والتطبيق الغربي لها؟

2 - هناك مبادئ كبرى وعظمى جاء بها الإسلام وشريعته الخالدة ويجمعها حفظ الضروريات الخمس المعروفة:

- حفظ الدين.

- حفظ العقل.

- حفظ العرض.

- حفظ المال.

- حفظ النفس.

وفي الشريعة من تفصيلاتها العجب العجاب.

وإذا كـانت هـذه لنـا فيـمكن أن نقـدِّمها للعالم كله، ولو تأمَّلت الانهيار الحضاري اليوم لوجدت من أهمِّ أسبابه الإخلال بهذه الضروريات، وتأمَّل - مثلاً - مسألتَيْ العقل والعرض، وكيف أن الإخلال بهما يكاد يحوِّل حضارة الغرب إلى مزبلة.

3 - ونقول في الجملة: هذه المبادئ - التي وردت في السؤال ونحوها - تعتمد على الإجابة عن سؤال كبير وكبير جداً؛ ألا وهو:

بأيِّ مقياس وميزان ستُوزن هذه المبادئ؟

- بالميزان الغربي؟ (والغرب لأنه قوي مادياً لا يقبل إلا موازينه ويرفض بل يحتقر موازين الآخرين).
- أم بغيره من الموازين؟ ومن؟ الصينيون، أم الهنود، أم اليابانيون، أم الأفارقة، أم المسلمون؟

4 - وبالنسبة للمبادئ المذكورة ونحوها؛ هل يمكن أن تكون منطلقاً لحوار الحضارات؟

أ - هناك مبادئ أخرى يتفق عليها الجميع وتنادي بها الشعوب كلها؛ ومنها:

- العدل.

- عدم الظلم.

- الإحسان.

- وحقوق الإنسان (في الجملة).

ولكـن كـما قـال العـلماء - ومنـهم شيخ الإسلام ابن تيمية -: معرفة تلك الأمور على وجه التفصيل لا يُعرف إلا عن طريق الرسل. (وليس للعالم اليوم طريق إليهم إلا الطريق الذي جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ نظراً إلى التحريف والتبديل للكتب والأديان السابقة).

ب - هذه المبادئ العالمية - للأسف - يقترحها المجرمون الكبار في الغرب، وهم الذين يحدِّدون معالمها ويشرفون على تطبيقها.

فحوار بهذه الكيفية هو حوار فاشل ومن جانب واحد.

ج - من الممكن أن يعقد الثقاة من علماء المسلمين ودعاتهم مؤتمرات أو ندوات يحددون فيها هذه المبادئ على ضوء قواعد الشرع ويقدمونها للعالم ويحاورونهم عليها.

- البيان: هل يمكن وضع إطار عام يقرُّه الإسلام للتعايش والتفاهم والتعاون بين الأمم؟

1 - في آخر الجواب السابق جاءت الإشارة إلى ذلك.

2 - ينبغي أن يُعلَم أن الإسلام ليس للمسلمين فقط؛ فهو للعالم كله، ومن ثم فلا يملك أحد - كائناً من كان - أن يحدِّد للإسلام معالم أو أطراً يحشره فيها لا يتجاوزها في دعوته للناس كافة.

أعني بذلك: أن الإسلام ليس ملكاً للمسلمين يأخذون منه ما يريدون ويعطون الناس الباقي، أي: ليس لهم أن يتنازلوا عن أمور أصيلة في هذا الدين، منها:

- عالمية الإسلام.

- نسخه لما قبله من الديانات.

- الأساس الذي يقوم عليه توحيد الله وحده لا شريك له واتِّباع شرعه.

- محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين وهو رسول إلى الناس كافة.

- من لم يوحِّد الله فهو كافر تجب عداوته، ومن لم يتبع نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - فهو كذلك.

- إن الإسلام يقسم العالم إلى كفر وإيمان، وليس إلى شرق وغرب ونحو ذلك.

3 - وبناء على ذلك فلا يملك أحد أن يتحدث باسم الإسلام؛ بل لا يجوز له ذلك بحيث يرضى في دعوته ونشر مبادئه أن يكتفي بالحرية وحقوق الإنسان بدل التوحيد والعبادة لله رب العالمين، كما لا يجوز له أن يقدِّم ذلك للناس باسم الإسلام.

ونحن إنما نتحدث عن حوار حضارات ولا نتحدث عـن مجـموعة مـن المتسوِّلين على أبواب الغـرب يـنادون: يا محسنون! أعطونا (شوية) حرية و (شوية) حقوق إنسان؛ كما هو حاصل الآن.

4 - هناك فرق بين حالتي الضعف والقوة، وذلك لكل الأمم.

وفي سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيان واضح لذلك في مرحلتَيْ العهد المكي والعهد المدني.

وهذا واضح لا يحتاج إلى شرح؛ ومع هذا:

أ - لم يتنازل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن دعوته وأصول دينه، بل تحمَّل هو وأصحابه في سبيل ذلك الصعاب والشدائد في مكة.

ب - استفاد - صلى الله عليه وسلم - من النظام العشائري للعرب، كما استفاد من مجامع العرب وأسواقهم ونحو ذلك.

وهذا يشبه استفادة المسلمين مما عند الغرب من حرية في بلادهم.

6 - وأخيراً: فإنني لا أظن أنه يمكن وضع إطار عام - في ظل الهيمنة الغربية الصليبية - للتعايش يقرُّه الإسلام؛ لأن الأمر سيؤول إلى إسلام أو لا إسلام: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].

وأنا أعلم أن الشواهد في الكتاب والسنة والسيرة وأفعال الصحابة على كثير من تلك المبادئ في العدل والإحسان والحرية وحقوق الإنسان والحيوان؛ كثيرة.

ولكن الكلام هنا عن أسسٍ ومبادئ لحوار حضاراتٍ لكل منها أسسه العقدية والفكرية والشرعية، ولا تنفك المبادئ التفصيلية عن تلك الأسس، وانظر إلى مبادئ الأمم المتحدة؛ على أي أساس تقوم؟ وتصوَّر مبادئ يمكن أن تقوم عالمياً بدون تلك الأسس؛ لا يمكن على حدِّ علمي؛ والله أعلم.

- البيان: بعضهم ينطلق من مفهوم جهاد الطلب أنه هو أساس مفهوم التصادم، وسلب حق الآخرين في حرية المعتقد؛ فهل هذا صحيح؟

1 - للأسف يُفهم الجهاد - وأساسه عند الإطلاق جهاد الطلب - على أنه - بالنسبة للمسلمين - ممارسة القتل والاحتلال والتسلُّط على الأمم الأخرى ولا شيء غير ذلك.

ومعلوم أن شريعة الجاهلية هي السائدة لدى كل الأمم التـي لم تتَّـبع الرُّسُـل قـديـماً وحـديـثاً؛ إذ كـل دولـة أو أمـة أو قبيلة ترى من نفسها قوة، ومن عدوها أو من جاورها ضعفاً؛ فإنها تبادر إلى غزوه واحتلال أرضه وشعبه وممتلكاته.

وأشهر صور ذلك:

- حروب الرومان.

- وحروب الصليبيين حين عبروا المحيط لغزو بلاد المسلمين.

- والتتار الذين جاؤوا بعدهم.

- وأبشع الصور ما جرى في العصر الحديث وخاصة بعد الحرب العالمية الأولى وإلى يومنا هذا فيما يجري في أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال، ودول الجمهوريات الإسلامية في الشرق أو دول البلقان.

إذًا؛ هي حالة عالمية، تشبه ما يجري بين الناس من اعتداء وسرقة وانتهاك أعراض وغصب وظلم، ما لم يضبطه دين وشريعة أو قانون، فلا يمكن وجود المدينة المثالية الأفلاطونية، ومن ثم فلا بدّ لكل الأمم من أحكام وشريعة وقوانين تنظم حياتهم.

- قد يسارع القارئ ويقول تعليقاً على ما سبق: وكذا المسلمون احتلوا بلاد فارس والروم والقبط والبربر والشرق والغرب.

والجواب في الفقرة التالية:

2 - الجهاد في الإسلام قام على أسس تخالف جميع المناهج الأرضية الجاهلية، وهذا ليس مختصاً بالإسلام الذي جاء به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، بل هو شريعة الرسل من قبله ممن شرع لهم الجهاد في سبيل الله؛ كما جاء مفصلاً في القرآن.

وأهم هذه الأسس:

أ - أنه لإعلاء كلمة الله، وإقامة توحيده وحده لا شريك له والبراءة من الشرك وأهله، وكثيراً ما يأتي القيد في كتاب الله عند ذكر الجهاد والقتال والحث عليه ومدح أصحابه وبيان جزائهم عند الله - تعالى - بأنه في سبيل الله.

وقد فرَّق -تعالى- بين قتال المؤمنين وقتال الكافرين فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} [النساء: 76].

ب - أن أيَّ قتال وجهاد لا يكون في سبيل الله ولتكون كلمة الله هي العليا؛ فهو جهاد للدنيا؛ أي: أنه ليس في سبيل الله، قال - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل للمغنم ويقاتل رياء أيّ ذلك في سبيل الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». بل جاء أن أول من تُسَعَّر بهم جهنم يوم القيامة ثلاثة: أحدهم مات في المعركة مجاهداً كما يزعم لكنه قاتل ليقال: جريء، فيقول الله له: كذبت، ثم يؤمر به إلى نار جهنم.

وعلى هذا فأيُّ قتال لدول أو لأفراد لا يراد به إعلاء كلمة الله فليس جهاداً في سبيل الله.

ج - أن تكون غاية الجهاد ونتائجه على أرض الواقع إقامة دين الله وتحكيم شريعته، قال - تعالى -: {الَّذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْـمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41].

إذاً؛ ليس الجهاد لأجل طغيان قوم على قوم أو تنفيذ قوانين أمة ونُظمها على أمة أخرى، وإنما هو لإقامة حكم الله على الجميع.

د - الانضباط والتقيُّد بأحكام الله - تعالى - في الجهاد في سبيل الله قبل المعركة وأثناءها وبعدها، وهي آداب وضوابط لا يوجد لها مثيل في أنظمة العالم كله ولن يوجد.

والشاهد التاريخي يشهد بكل وضوح كيف كان جهاد المسلمين الأوائل وكيف حال البلاد التي فتحوها، حيث أخرجوهم من الشرك إلى التوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن الجور إلى عدل الإسلام، ومن ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام.

وقد شهد بذلك أصحاب البلاد المفتوحة حيث فضَّلوا المسلمين على من كان قبلهم من حكَّامهم، وفتحوا للمسلمين بلدانهم وقلوبهم، ودخلوا في دين الله أفواجاً بلا إكراه.

هـ - والجــهاد له غاية وهي إزالة الطواغيت الذين يصدون عن الحق، فإذا ما تحقق ذلك رجعت الأمة إلى السلم والإسلام والإيمان.

3 - الجهاد شريعة الله التي شرعها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن اتَّبعه من المؤمنين إلى يوم القيامة، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق تجاهد في سبيل الله حتى يأتي أمر الله - تعالى - كما جاء بذلك الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وبناء على ذلك؛ فحكمه قائم وباقٍ ولا يملك أحد له إلغاءً أو تأويلاً أو ادِّعاءَ نسخ، أو أنه لعصور سابقة ولا يصلح لعصرنا الحاضر، ونحو ذلك مما يزعمه تلامذة الاستعمار وعبدة الغرب من العَلْمانيين المعاصرين وأذنابهم أو يتأثر بهم من أصحاب الاتجاهات العقلانية المهزومة فكرياً.

4 - إذا تبيَّن ما سبق فخلاصة جواب السؤال:

أ - مسألة التصادم وصدام الحضارات سيأتي الحديث عنها (في جواب السؤال السابع).

ب - ومسألة حرية المعتقد لها تفصيل مرتبط بأحكام شرعية مفصلة في كتب الجهاد وغيرها، والإسلام جاءت أحكامه بإبقاء أهل الذمة من أهل الكتاب على معتقدهم في غير جزيرة العرب بشروط ذكرها العلماء، حيث تكلموا عنها وعن أحكام الردة.

وشواهد التاريخ كثيرة في أن اليهود والنصارى لم يجدوا أحسن حكماً وأَرْأف من المسلمين لما كانوا مطبِّقين لدينهم وأحكام شريعتهم.

ج - ليس مفهوم الجهاد هو أساس التصادم - بالمفهوم الغربي المعاصر - الذي هو الحروب المدمرة التي لا تبقي ولا تذر دون أن يكون له غاية إلا حب التسلُّط والقضاء على الآخرين وإذلالهم.

وإنما مفهوم الجهاد هو أساس التوحيد والإيمان والرحمة بالخلق ونشر الأمن والحياة المستقرة وإسعاد البشر في الدنيا والآخرة.

نعم؛ مفهوم وشريعة الجهاد تصادم رؤوس الكفر والطواغيت ومن شايعهم - كما سبق - والله أعلم.

- البيان: ينظر بعضهم إلى أيديولوجية صدام الحضارات ذات الصدى في الأوساط الأكاديمية بأنها هي التي تحول دون المقاربة السليمة للعالم الإسلامي مع الغرب؛ فما رأيكم؟

1 - هذا السؤال مع السؤال السابق حول الجهاد وهل مفهومه أساس التصادم يوحي برأي ربما تداولته بعض الكتابات حول هذا الموضوع؛ خلاصته: أن المشكلة القائمة في العالم اليوم بين الشرق والغرب، أو بين العالم الإسلامي والعالم الغربي؛ إنما نشأت بسبب المتطرفين من الطرفين؛ من المسلمين الذين ينطلقون من شريعتهم ومنها الجهاد في سبيل الله، ومن الغربيين الذين يغذون الصراع من خلال نظرية صدام الحضارات حيث يؤطِّرون القضية من خلال دراسات أكاديمية توحي بهيبة البحث والتحليل.

ونتيجة هذا الرأي الحالم أننا لو سلمنا من هؤلاء وهؤلاء لعاد السلام والتعايش والوئام بين أمم الأرض؛ ومنهم المسلمون والغرب، ولساد العالم التعاون والرخاء وإسعاد هذا الإنسان على وجه هذه الأرض.. إلخ.

ويكفي في التعليق على هذا أنه رأي حالم ومثالي وخيالي.

2 - نظرية صدام الحضارات التي كُتب عنها كثيراً واشتهرت باسم من ألَّف فيها كتاباً وهو (هنتنجتون) - كما هو معروف -؛ نظريةٌ كَثُر الكلام والجدل حولها في الغرب والشرق. ولا يمكن في هذه العجالة أن نشير إلا إلى خطوط عريضة تفيدنا في الجواب عن السؤال فقط.

وقد وقفتُ عند مفارقة عجيبة في التعامل مع هذه النظرية بين الغرب والشرق -أعني: المسلمين-:

1 - حيث استغلّ هذه النظرية سَدَنة الغرب وكثير من قادة الفكر والسياسة وغيرهم، وعلى رأس هؤلاء أصحاب العقيدة الأصولية الإنجيلية المتحدة مع الصهيونية في أمريكا وأوروبا، حيث تبنَّوْا ما في هذه النظرية من زعم بأن الإسلام وحضارته هما الخطر، وأنه لا بدّ من الصدام مع المسلمين، ولا خيار إلا التعجيل بهذا الصدام.

وهذا ما وقع ونُفِّذ فعلاً في حرب الخليج الأولى والثانية وحروب البلقان، ثم بعد أحداث سبتمبر 2001م وغزو أفغانسـتان والعـراق، والصـومال - عن طريق الوكلاء الإثـيوبيين - ولا تزال المعركـة على أشدِّها إلى اليـوم؛ حيث امتدت إلى حرب عقدية وأخلاقية تدخل بلاد المسلمين كافة؛ حيث شمل الصدام والحرب الاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية والنُّظم والتعليم والمرأة وفوق ذلك الدين والعقيدة والإيمان والشريعة - كما سبق - حتى أصبح كثير من هذه الدول ممن لا حول له ولا قوة إلا ما أراده الصليبيون.

2 - يقابل ذلك هلع من بعض المسلمين من هذه النظرية - نظرية صدام الحضارات - حيث انتقدها هؤلاء، وشنَّعوا عليها، وحزنوا أشدّ الحزن؛ لأنها صدرت عن البلاد الغربية الديمقراطية التي تقود العالم إلى الحضارة والرقي، وبادر هؤلاء إلى الدفاع عن أنفسهم وعن الإسلام الذي يُنسبون إليه شاؤوا أو أبوا، وانقسم هؤلاء إلى فئات:

فئة: انتهزت الفرصة لتنتقم من الإسلام وحَمَلَته، فشنَّت حَمْلَة شعواء على الإسلام والأصولية والتطرف الكامن فيه، وقادوا حملة عَلْمانية ضد الإسلام تفوق عَلْمانية الغرب عدة مرات، واستعانوا بالغرب على ذلك.

وفئة: هالها الهجوم على الإسلام فتراجعت ونكصت على عقبيها تتبرَّأ من كثير من أُسسه وثوابته العقدية والشرعية، وانبرت مستخدمة ما عندها من خلفية ثقافية - وشرعية أحياناً - لتُعْمل في الإسلام التأويل والتحريف والإنكار.

وهذا ما فعلته الفئات التي تطلق على نفسها التنويرية والعقلانية، المنتسبة إلى الإسلام.

وفئة: صار همها أن تحافظ على كيانها ومصالحها؛ فأصبحت تنفِّذ ما يريده الغرب منها، ولو على كرهٍ منها في بعض الأحيان.

ويقابل هؤلاء من انطـلق في تحليــله لهــذه النظريــة ولما صحبها من الهجوم الصليبي على المسلمين؛ من خلال أسسه وثوابته العقدية والشرعية المنطلقة من الكتاب والسنة ومنهاج السلف الصالح، مع دراسة الواقع: واقع الغرب وأهدافه وحضارته وواقع المسلمين وتفرُّقهم وضعفهم؛ فأظهروا الرأي السديد والمنهج الشرعي الرشيد ونصحوا أنفسهم وقومهم وبيَّنوا أسس النهوض بهذه الأمة في المجالات كافة.

وهؤلاء - والحمد لله - ليسوا قلة، بل هم كثيرون في بلدان المسلمين كافة وصوتهم مسموع وجماهير المسلمين المسلمة إنما تسمع لهم؛ خاصة بعد أن فُضح الغرب في دعاويه وأكاذيبه: في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبعد أن فُضح المدّ العَلْماني في بلاد المسلمين حيث فشل في أن يقدِّم للمسلمين أيَّ مشروع للنهوض بالأمة؛ ففشلت مشاريعه الأممية الشيوعية، كما فشلت مشاريعه القومية، وأخيراً فشلت مشاريعه التي يسوقها من بلاد الغرب؛ لأن أسياده فشلوا وفُضِحوا. وكذلك بعد أن فُضِحت الاتجاهات التنويرية والعقلانية؛ حيث انكشف عوارها وشكها وتأرجحها وتبعيتها للمناهج العَلْمانية والاستشراقية والتنصيرية؛ فأصبح يصدق عليهم أنهم في مشروعهم: (لا للإسلام نصروا، ولا للغرب الصليبي كسروا).

3 - خلاصة ما أراه حيال نظرية صدام الحضارات يقوم على أساسين:

أحدهما: أن هذه النظرية صحيحة من جهة الصراع بين الكفر والإسلام، حيث إن الإسلام بتوحيده وعبوديته لله والإيمان بأركان الإيمان الستة، وما ينبثق عن ذلك من شريعة ونظام حياة؛ لا بدّ أن يصطدم بالغرب الصليبي الكافر العابد لغير الله والخاضع لشريعة الطاغوت.

والحضارة والثقافة الإسلامية بأُسسها وثوابتها تصطدم بحضارة الغرب بأُسسها وثوابتها.

وهــذا الصراع أو الصدام هـو حكـم رباني جاء به الأنبياء جميعاً، ونصوص الكتاب والسنة قائمة على هذا الفرقان بين الحق والباطل، والأدلة حاسمة في هذا الباب. قال -تعالى- عن الكفار: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وقال -تعالى-: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، ونصوص السنة الصحيحة جاءت مبيِّنة أن القتال مع اليهود والنصارى سيبقى حتى يخرج الدجال وينزل عيسى بن مريم؛ عليه الصلاة والسلام.

وإنني أقول بكل وضوح: إنه لا مهرب من هــذا الصــراع أو الصـدام بيــن المســلمين والكفار من الغرب الصليبي - ونحوهم - حتى لو أُنشئت مئات المنظمات العالمية ووقَّع عليها الزعماء كافة، ودبج المثقفون والمفكرون من الطرفين عشرات البيانات للتعايش والوئام؛ إذا لم يجمعهم التوحيد والإسلام الذي جاء به خاتم الرسل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ومن المعلوم أن الشرك وعبادة غير الله لا يمكن أن يلتقيا مع التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، كما أن من كفر بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كفر ببقية الرُّسُل؛ لأن الإيمان بهم جميعاً متلازم.

الثاني: هناك منطلقات وفروع لهذه النظرية غير مسلَّم بها، ويجب الاعتراض عليها، ومن ذلك:

أ - الإيحاء بأن الصراع أو الصدام إنما هو مع حضارة الغرب في جانبها المادي والتقني، والزعم بأن الإسلام يعادي الحضارة؛ لأنها تقدُّم وحضارة.

وهذا كذب على الإسلام وفرية. وقد توسَّع عدد كبير من الكتّاب الإسلاميين في بيان ذلك والرد على الغرب ودهاقنته في مجال الفكر من المستشرقين والمنصِّرين وأذنابهم من العَلْمانيين في بلاد المسلمين.

وهي من الوضوح بحيث أصبح الحديث عنها مكرراً مملاً.

ب - أيضاً الإيحاء بأن الإسلام يحقد على الغرب حسداً منه، أو خوفاً من الحضارة واكتشافاتها ونحو ذلك، وهذا فيه ما فيه من البهت؛ حيث ما من مسلم صادق إلا وهو يفرح ويتمنى لو أن الغرب وغيرهم أطاعوا الله وعبدوه وحده لا شريك له، وهم على ما هم عليه من القوة والسلطان. والمسلمون ليس عداؤهم شخصياً للغرب، وإنما هو الولاء والبراء في الله، هكذا علَّمهم دينهم، وهكذا تلقَّوا عن نبيهم نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - .

ج - استغلال هذه النظرية لشنِّ حملة على الإسلام وعلى المسلمين وتصوير المسلمين بأنهم إرهابيون أصوليون متطرفون معادون للحضارة؛ لأنهم ضد الحضارة، ولأنهم متخلِّفون عن ركب العالم الذي هو الغرب بعولمته.

د - حصر الصدام بأنه مع المسلمين فقط، بينما يصطرع العالم قديماً وحديثاً صراعات مادية أساسها اختلاف المناهج وبسط النفوذ، والشواهد على ذلك كثيرة، منها:

- الحرب العالمية الأولى والثانية كانت بين دول أوروبية نصرانية، وقد أزهقت ملايين الأنفس ودمَّرت بلداناً ومدناً بأكملها.

- قامت الشيوعية في روسيا وامتدَّ نفوذها إلى عدد كبير من البلدان الإسلامية التي أُدخلت بالقوة والحديد ضمن الحكم الشيوعي؛ كما هو معلوم.

- الصراع بين الشرق والغرب تحت مسمى: الصراع بين الشيوعية والرأسمالية، وكل منهما ماديّ عَلْماني ملحد، وقد استمرت الحرب الباردة عشرات السنين وكادت أن تتحول إلى حرب حقيقية بينهما في عدة مناسبات؛ منها: أزمة خليج الخنازير المعروفة.

- وبوادر الصــرع مع الصين قائمة اليوم والله أعلــم بما ستؤول إليه.

ومع هذا كله تجد نظرية صدام الحضارات تحولت إلى نظرية أيديولوجية ضد الإسلام؛ والإسلام فقط.
4 - أخيراً: لا شك أن نظرية صدام الحضارات تؤجج الصراع، وقد قُصِد منها ذلك، واستُخدمت لهذا الغرض، فحالت دون نوع من المقاربة للعالم الإسلامي مع الغرب والتي قد يسعى إليها فئام من الطرفين؛ من المسلمين، ومن الغرب المنصفين الذين قد لا يحملون عداءً محدداً للمسلمين.
أما رأيي في هذه المقاربة وإن وصفت بأنها مقاربة سليمة؛ إلا أنها صعبة المنال في ظل قوة الغرب وجبروته وغطرسته وسياسة الإخضاع لعولمته:

أ - العسكرية.

ب - السياسية.

ج - الاقتصادية.

د - التقنية.

هـ - الفكرية والعقدية والثقافية.

والتي يوجهها للعالم أجمع، ولكن يركز في تطبيقها وتسويقها - ولو بالقوة - على العالم الإسلامي وعلى المسلمين في كل مكان نظراً لإدراكه أن الخطر عليه قادم من الإسلام.

وفي المقابل؛ فالمسلمون لن يتخلَّوا عن إسلامهم ودينهم لأجل الغرب أو خوفاً منه، وهم وإن كانوا ضعفاء مادياً وفيهم من يسعى جاهداً للارتماء في أحضان الغرب مهما كان الثمن؛ إلا أن علماءهم ودُعاتهم ورجالهم وأهل الرأي فيهم - ومعهم عامة المسلمين - يرفضون الخضوع والاستسلام للغرب، مهما كان ثمن هذا الرفض، والله معهم وهو مولاهم؛ فنعم المولى ونعم النصير.

- البيان: رفض بعض المسلمين المؤسسات الدولية العامة مثل: الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية ونحوهما.. هل هذا الرفض سيعيق حوار الحضارات، أم هو جزء من حرية المشتركات الإنسانية؟

1 - المؤسسات الدولية اليوم وعلى رأسها الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها؛ أصبحت - فيما آلت إليه - مرفوضة من عموم المسلمين إلا القليل، وسبب ذلك معلوم ومشاهد ولا يحتاج إلى بحث واستدلال بحيث أصبحت لا يوثق بها، بل الأمر أدهى وأمرّ؛ فقد أصبحت سيفاً مصلتاً على رقاب المسلمين وبلدانهم في أية قضية من قضاياهم.

وهذه المؤسسات العالمية منذ تأسيسها إنما قامت من أجل مصالح الغرب وهيمنته على ما يسمونه بدول العالم الثالث وعلى رأس هذا العالم الثالث العالم الإسلامي.

- فمن الذي وراء هذه المنظمات ويتحكم فيها؟

- وكيف تصدر قرارات نظام مجلس الأمن الجائر؟ ولمن؟ وعلى من؟

- وغزو أفغانستان والعراق وغيرهما تباركه المنظمات الدولية، وإن اعترضت بعض المنظمات فإنما هو اعتراض على الممارسة، ويأتي بصوت خافت.

- وما موقف الغرب ومنظماته مما عملته دولة اليهود؟

- وأنظمة التعليم العالمي تحت مظلة اليونسكو تُدار بنُظم غربية عَلْمانية ويُرغم المسلمون على تطبيقها في تعليمهم.

- ومؤتمرات السكان والمرأة وغيرها هي حرب عالمية على الفضيلة ونشر للرذيلة، ومن ثم إرغام الدول الإسلامية على السير في هذا الركب القذر.
- وفضيحة الكيل بمكيالين أصبحت على كل لسان.

2 - ولهذا أقول: يحق للمسلمين كافة رفض هذه المؤسسات الدولية؛ لأنها مؤسسات مفضوحة كما سبق، ولأن الإسلام بعقيدته وشريعته وأخلاقه وثقافته هو المستهدف.

ولا شك أن هذا الرفض سيعيق حوار الحضارات. وسبب الإعاقة جاء من الغرب أولاً؛ لأنه يريد حوار الاستسلام والخنوع والخضوع.

3 - وكثير من أنظمة تلك المؤسسات العالمية على مستوى التنظير - وإن كان على مستوى التطبيق تتخذ أبعاداً استعمارية بشعة - فيها كثير مما يخالف شريعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويخالف شريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في عقيدته وأحكام دينه.

وإذا كانت السياسة الشرعية في التعامل مع هذه الدول وتلك القوى والمؤسسات مما تضبطه قواعد الشريعة وأسسها حسب حال المسلمين قوة وضعفاً، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها بعد تقواها لربها تبارك وتعالى؛ إلا أن الأمر زاد على حدّه في سعي تلك المؤسسات العالمية لنشر الإلحاد، وحرب التدين، والاعتداء على خصوصيات الأمم في شريعتها وأحكام دينها، وتجاوزت في باب الأخلاقيات تحت مسمى المساواة بين الرجل والمرأة والحرية حدَّ ما هو متفق عليه بين العقلاء قبل أن يكون هناك دين وشريعة، وتسويق الرذيلة والشذوذ وحرب الحشمة ومعاداة من يعارض هذا كله.

وهذا ما لا يقبله عقلاء الأمم فضلاً عن أمة الإسلام أمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وبناء على ذلك؛ فلنحذر من أن نصنِّف من يعترض على هذه الأمور بأنه ضد العالم كله وأنه شاذ مارق.. إلخ؛ فالمسألة مفضوحة سياسياً ومكشوفة أخلاقياً وهي مصادمة لديننا وثوابتنا.

- البيان: هل الحاجز النفسي الذي تقيمه الأديان لحماية أتباعها من الذوبان في غيرهم يُعدُّ عائقاً لحوار الحضارات؟

1 - الجواب في الجملة: نعم، والأمر طبيعي، خاصة في ظل حوار الحضارات القائم على عولمة الغرب في ثقافته وأخلاقه ونُظمه.

ومع التلاقي السياسي والعسكري والاستراتيجي بين أوروبا وأمريكا مثلاً؛ إلا أن بعض دول أوروبا ترفض عولمة أمريكا، وهذا مشاهَد وقائم في ألمانيا، وفرنسا، واليابان أيضاً. وإنما ذكرت العولمة لأن أساس حوار الحضارات فكري وثقافي وأخلاقي ونُظم حياة قبل أن يكون سياسياً وعسكرياً.

فإذا كانت هذه حال من يسير في ركب الغرب وسياساته؛ فكيف بالأمم الأخرى التي لا ترى من الغرب إلا استعماراً وتدخُّلاً في شؤونها؟ ثم كيف بالمسلمين الذين نالهم النصيب الأوفر من عِداء الغرب وحربه وتدخّلاته في بلادهم وشؤونهم؟

2 - الإسلام يختلف عن الأديان والـمِلَل الأخرى الكافرة؛ لأن تلك الأديان محرَّفة، ولا ضيرَ عندها في أن تغيِّر دينها وشريعتها، وأن تقتبس من غيرها ما تشاء، بناء على أنها ديانات قابلة للتطوير والتحوير وإن كان هذا صعباً في بعض الأحيان.

أما الإسلام فهو دين محفوظ وقائم، أسسه ومصادره من الكتاب والسنة قائمة كالجبال الراسيات؛ فلا يمــلك أحد ولا يستطيع لها تغييراً ولا تبديلاً، وكل المحاولات من هذا النوع منذ بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - باءت بالفشل الذريع. والمحاولات المعاصرة التي تقوم بها دوائر الاستعمار والاستشراق والاستخبارات في الغرب بجهود وضغوط منها وباستخدام العَلْمانيين أو الليبراليين أو مَنْ دونَهم من أصحاب الأهواء من الفرق الإسلامية أو أصحاب الاتجاهات التنويرية ونحوها في بلاد المسلمين، وتجييش ذلك كله لإخضاع الإسلام وتغيير أصوله وقواعده وشريعته؛ باءت كلها وستبوء بالفشل الذريع.

3 - أرى أن نقوم - نحن المسلمين - بحماية أمتنا من ذلك الذوبـان ولو على حـساب ضـعف حـوار الحـضارات وما أشبهه، لكن على ألا ننسى أن ديننا للعالم أجمع، وأن ديننا هو دين التوحيد والرحمة بالخلق، قال -تعالى- عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

يضاف إلى ذلك أن نأخذ بأسباب القوة والرقي الحضاري النافع - ومسائله متاحة إذا صدقنا العزم والنية والعمل - حتى لا نكون عالة على غيرنا، وحتى نكون نحن الأقوى بعون من الله وتوفيقه، وفي هذه الحالة سنكون نحن الهداة - كما كانت أمتنا سابقاً - الذين يقدمون للعالم كله المبادئ والأسس والأصول التي تسعده.

- البيان: هل لكم أن تقيِّموا تجربة حوار الحضارات خلال السنوات العشر الماضية من خلال اطِّلاعكم ورؤيتكم لمجريات الأحداث في الساحة العالمية؟

1- الأجوبة السابقة فيها بيان لجزء كبير من تقويمي لما يُسمَّى بحوار الحضارات، وقد مرت مسائل وتساؤلات مهمة في هذا الباب.

2 - وخلاصة تقويمي لما جرى على ضوء الواقع كما يلي:

أ - لم يتم حوار حضارات حقيقي - على حدِّ علمي - وإنما هي محاولات ثقافية بين المثقفين هنا أو هناك، وحوارات مع النصارى في إيطاليا وغيرها بما يدخل تحت مسمى (التقارب بين الأديان) ونحو ذلك.

ب - الذي وقع ويمارس هو حوار حضارات من طرف واحد قوي مادياً متغلِّب مغرور، يريد إخضاع الحضارات الأخرى لنفوذه السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي والأخلاقي... يقابل ذلك طرف أو أطراف ليس لها من الأمر شيء سوى أن تسمع وتطيع، أو تقول: لا؛ وعليها أن تتحمَّل العواقب.

ج - بيانات المثقفين في أوروبا وأمريكا الموجهة إلى المسلمين، وكذلك بيانات المثقفين في بلاد العرب والمسلمين الموجهة إلى الغرب؛ كانت كلها بيانات تثير التساؤلات أكثر مما تجيب عما ينبغي أن يكون عليه الواقع والعلاقة مع الغرب.

فبيان الأمريكان والغربيين ينطلق من الغرور الثقافي عندهم ويحمل الاتهامات للمسلمين ولدينهم.
وبعض بيانات العرب - خاصة التي تبنّاها جمع من العَلْمانيين والليبراليين العرب - أخذت طابع الدفاع والتنازلات عن مسلَّمات الدين والعقيدة، والبحث عن أُطر التقاء لا يمكن أن تروي غليلاً أو تشفي عليلاً.

ومن أحسنها مشروع البيان الذي قُدِّم إلى مؤتمر الكويت لتعظيم حرمات الإسلام، وللأسف لم يحظ بالقبول لدى بعضهم.

د - عنوان حوار الحضارات مع الغرب اليوم ما يجري في فلسطين - ومنها: غزة المحاصرة - وما جرى ويجري في أفغانستان والعراق والصومال، وما يجري كل يوم من ضغط على البلاد العربية والإسلامية لتنوب عن الغرب في حرب الإسلام وثوابته باسم حرب التطرف والإرهاب.

وأظـن أن مـا جرى خـلال السنوات العـشر الماضـية وما سيجري لاحقاً زاد وسيزيد الأمر تعقيداً، ولذا فالتفاؤل بعيد عن تحقيق بعض ما يصبو إليه من يحسن الظن بتلك المحاولات.

هـ - إذا أُريد لحــوار أن يتـم وينجـح فلا بد من توفر شروط؛ أهمها: الأسس والمنطلقات التي ينشأ عليها ويبنى عليها مثل هذا الحوار، وهذا في الحوارات الجزئية أو بين أتباع الدين الواحد.
أما حوار الحضارات بين الشرق والغرب فالأمر يحتاج إلى مرتكزات كبرى أساسُها اتِّباع الدين الذي رضيه الله - تعالى - للعالمين جميعاً وهو الإسلام الذي جاء به النبي الخاتم - صلى الله عليه وسلم - . والبشرية لن تجد استقراراً وأمناً وخروجاً من هذا المأزق الذي تعيشه الأمم إلا بذلك. ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ، وله الحكمة البالغة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


البيان



المصدر: مجلة البيان

عبد الرحمن بن صالح المحمود

أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا.

  • 1
  • 0
  • 12,209

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً