أنفلونزا الخنازير، ليست عذرًا في ترك الحج
محمد صالح المنجد
.. والناس يخافون جدًا على صحتهم أكثر من خشيتهم وخوفهم من أجل
دينهم..
- التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
4/11/1430 هـ
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
شروط وجوب الحج
الحج ركن من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره العظام، التي بني الإسلام عليها {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: من الآية97].
ثم هدد وتوعد فقال: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: من الآية97].
هذا الحج الواجب على المسلم البالغ العاقل الحر المستطيع، مرةً واحدة في العمر فمن زاد فهو تطوع، وحج التطوع يجبر نقص حج الفريضة، كما جاء في الأحاديث الدالة على جبر نقصان الفرائض من النوافل.
وشروط وجوبه أولاً: الإسلام، لأن العبادة لا تصح من كافر، لأن الله قال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54].
وثانيًا: العقل والبلوغ، لحديث «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
لكن لو حج الصبي فله أجر الحج ولوليه أجر الدلالة على الخير والتمكين منه، «أن امرأة رفعت صبيا فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر» [رواه مسلم].
وكذلك من شروطه القدرة والاستطاعة لقوله {مَنِ اسْتَطَاعَ} [آل عمران: من الآية97]، وهذا يشمل الإستطاعة البدنية والإستطاعة المالية، وأمن الطريق والتمكين من الوصول، فإذا كان صحيح البدن يتحمل مشقة السفر سالمًا من الأمراض المعيقة والعاهات فإنه يجب عليه أن يذهب، وبناءً عليه فإذا كان مريضًا مرضًا مزمنا، أو مصاب بعاهةٍ مستديمةٍ تمنع من الذهاب، أو مقعدًا كبيرًا لا يمكنه التنقل، فإنه لا يجب عليه، لحديث: «إن فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة» [صحيح البخاري]، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم وجعل حج ابنته عنه مجزأة، ومنه يعلم أن حج المرأة عن الرجل صحيح، وكذلك حجه عنها. ومن كان قادرًا على الحج بمساعدة غيره فإنه لا يلزم بأخذ ما يكون لغيره منّة عليه، فإذا كان أخذه فيه منة للغير عليه لم يجب عليه، وإن تيسر ذلك بغير منة ذهب وحج. ومن كان عنده عذر يرجى زواله، لا يوكل فإن العذر يزول وقد يكون العذر مرضًا غير مزمن يرجى شفاءه، وقد يكون قرعة ينتظر خروجها ليتمكن من الذهاب، وقد يكون سنًا معينًا ينتظر بلوغه كي يسمح له بالسفر في بعض البلدان فهذا ينتظر، ولا يوكل. وإما الإستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهابًا وإيابا، مع نفقة أهله في غيابه، فإن لم يملكها فليس عليه الحج ولا يمد يده للناس، ولا يسأل فإن الله لم يكلفه ذلك، وأيضًا فإن من ملك ما يوصله من راحلةٍ وما يقوم مقامها من آلةٍ وأجرة ذلك مما يناسب حاله ذهابًا وإيابًا، مع محرمٍ للمرأة فإن ذلك مما يوجب الحج.
ولما قال العلماء النفقة التي توصله للبيت الحرام فاضلة عن حاجاته الأصلية ونفقاته الشرعية وقضاء ديونه فإن المراد بالديون حقوق الله كالكفارات وحقوق الآدميين، فمن كان عليه دين وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين، يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج. وبعض الناس يحصر القضية في أذن الدائن، وهذا لا يبرأه تمامًا، فإن الدين سيبقى في رقبته، وذمته مشغولة، ولذلك فلو أذن الدائن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة، ويبقى تسديد الدين مقدماً على الحج، وأذن الغريم لا يبرأه من الدين، ليبرأ ذمته فيقضي الدين أولا. وإذا مات المدين الذي منعه سداد دينه من الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيعٍ ولا مفرط. أما لو قدم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضاءه فهو على خطر، فإن الشهيد يغفر له كل شيءٍ إلا الدين، وقد توسع الناس اليوم في الديون، حتى لقلما تجد إنسانًا ليس عليه دين، وهذا من توسعهم في الكماليات، وأيضًا من إستسهالهم لأخذ القروض وعدم تقدير المسألة حق قدرها، وكذلك فإنه لا يلزم المسلم أن يحج برأس مال تجارته ويصفيها، أو أن يبيع ما يحتاج إليه من راحلةٍ ومسكنٍ ليحج به، اللهم إلا إن كان زائدًا على حاجته.
وجوب المحرم للمرأة
هذا المحرم للمرأة شأنه عظيم، ويكفينا أنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما صار الأمن والصحابة ثقات لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لرجل كان يريد الذهاب في الجهاد لا في السياحة أن يذهب في الجهاد، وإنما أمره أن يلحق بامرأته، فقال يومًا : «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله أن امرأتي حاجةً، وأني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك» [صحيح مسلم]، فكانوا قافلة وصحابة والرفقة مأمونة والرجل يريد أن يذهب في الجهاد في سبيل الله ومع ذلك قال: «انطلق فحج مع امرأتك» ، والمرأة تحتاج إلى حماية في الحج، فهذا زحام وهذه مواضع يضيع فيها الإنسان وخصوصًا الضعيفة ولذلك لا يجوز لها السفر بغير محرم ولم يكلفها الله بذلك سواءً كانت خادمة أو مخدومة.
ويا ليت شعري ماذا يكون حال بعض النساء في بعض الحملات عندما يتركن ويلوذ القائم عليها بالفرار، وقد حصل ذلك في مناسباتٍ كثيرة، وصيانة المرأة وحمايتها ودلالتها واصطحابها وإرشادها كل ذلك مما يقوم به المحرم ومن وظيفته أن يصونها، فإذا وجدت محرمًا يذهب معها ومالها يتسع له وهو موافق على الذهاب وجب عليها وإلا لم يجب، والحامل طاهر يصح حجها وقد حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس رضي الله عنها وهي حامل متم حتى ولدت في الميقات وأنجبت محمد بن أبي بكرٍ بالشجرة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ أن يأمرها أن تغتسل وتهل، وهذا بذي الحليفة وهو ميقات أهل المدينة، هذا معنى قول الراوي بالشجرة، وفي ذلك صحة إحرام النفساء والحائض، فيصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه، بقوله عليه الصلاة والسلام: «اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي» [صحيح أبي داوود]. وإذا كانت المرأة لم تحج حجة الإسلام، فإن أمكنها الحج بحملها حجت، وإن لم يمكنها فإنها تنتظر حتى يزول ما بها، وكثير من الناس لا يريد الحج إلا في حال الراحة التامة، ومعلوم أن هذا الحج فيه تربية من الله لعباده، وفيه ما فيه مما يعد النفس لأمور كثيرة، وتأمل كيف تعد العبادات هذه النفس المسلمة لكي تبذل في النهاية في سبيل الله، فهذه الصلاة توقظ وهذه الصلاة تسهر وتقيم، وهذا الصيام يصبر على الجوع، وهذا الحج يعود على الزحام وتحمل الشدائد، وهذا الرضيع الذي يحتاج إلى قيامٍ عليه، إذا لم تستطع المرأة اصطحابه فإنه عذر لها حتى تتم رضاعه وتتمكن من الذهاب ثم تذهب، فإذا أمكنها الذهاب به وجب عليها، وإلا فلا، وقد يكون عند بعض الناس من رفقةٍ يصطحبهم ما يمكنها من ذلك.
أنفلونزا الخنازير والحج
وتهويل قضية أنفلونزا الخنازير، والتربص بها من قبل المنافقين، وكلامهم يهرفون بما لا يعرفون، ولا يبتغون إلا تثبيط الناس عن الدين والعبادة، فإن ذلك باطل عند رب العالمين، وقد جرب الناس العمرة في رمضان فاعتمروا وسلموا ولله الحمد، ولم تكن نسبة الإصابة في مكة أكثر من غيرها أبدًا، مع الزحام الموجود، بل إن الدراسات وتقارير اللجان المختصة قد أثبتت أن نسبتها في مكة برمضان كانت أدنى من بقية المناطق، وهؤلاء الذين يقولون إذا لم نوقف موسم الحج سنصبح أكبر مصّدر لأنلفونزا الخنازير في العالم، لا يقولون مثل ذلك على الملاعب، ولا ينادون بإيقاف الدوري، فوا عجبًا لهم، في اللعب يسكتون، وفي الحج بمنعه ينادون، على الله يفترون، ولدينه يحاربون، ولشرعه يطمسون، ويزعجهم غاية الإزعاج أن يقوم الناس بالمناسك لرب العالمين، ولم يصبح هذا الوباء بالخطورة ودرجة الموت التي تجعله طاعونًا يقعد بالناس لا يحجون، لم تصل المسألة إلى هذه الدرجة مطلقًا، ولا يمكن أن يقاس هذا المرض على الطاعون الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: «إن هذا الطاعون رجز سلط على من كان قبلكم، أو على بني إسرائيل. فإذا كان بأرض، فلا تخرجوا منها فرارا منه. وإذا كان بأرض، فلا تدخلوها» [صحيح مسلم]. وقد صار في مدن كثيرة اليوم، فلا تدخلوا فيها ما معناها إذًا؟
لا تدخل أي مدينة في العالم، لا تكاد المدن تخلوا منه، وهو ما يزال من أنواع الأنفلونزا وإن كان في هذا النوع شراسة أو قوة عدوى، لكنه في الجملة لم يصبح طاعونًا يموت منه أكثر الناس، ولم تتعدى الوفيات في هذا المرض نصفًا أو واحد بالمائة، ولذلك فإن المناداة بإلغاء موسم الحج هو من كلام المنافقين، والمنادة بتأجيله بالكلية وألا يكون حج هذا من كلام أهل الزيغ والضلال والعناد وأقل أحوالهم أو أحسن أحوالهم الجهل، ويتوقع أن يكون موسم الحج في هذه السنة بإذن الله من أسهل المواسم وربما أيضًا أرخصها بحيث لم يمر على الناس من سنين موسم فيه رخص وسهولة مثله، والله تعالى أعلم بما يكون، ولذلك لا يقعدنك يا عبد الله يا من لم يؤدي فريضة الله، لا يقعدنك التهويل الإعلامي على أداء فرض الله، ولا يمنعك من الذهاب فليس والله بعذرٍ وهذه الإحصاءات والدراسات والأحوال شاهدة على ذلك، وما يموت من قتلى حوادث السيارات أكبر بكثير من الذين ماتوا بهذا المرض، وهذا يأتي في الحضر وفي الحج وغيره، يأتي في البلد ويأتي في الحج ولذلك فإنه ليس بعذرٍ في الإمتناع عن الحج.
والناس على صحتهم يخافون جدًا أكثر من خشيتهم وخوفهم من أجل دينهم، والمسألة فيها مبالغات كثيرة والمسلم حكيم، يأخذ من الواقع ومن أهل الخبرة ومن أهل العلم ما يستنير به في طريقه، وهنالك ولله الحمد من وسائل الوقاية والمعالجة الشيء الكثير المتحقق، ولو أن الإنسان جاءته منيته في عبادةٍ كهذه فإنه يختم له بخاتمة جميلة، وخاتمة الحسن ولكن يسلم الله الحجاج والمعتمرين ويسلم الله العابدين والمسافرين، وسائر المسلمين، وهو خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والدور، والصلاح للأئمة وولاة الأمور، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، اللهم إنا نسألك رزقًا حسنا، وذرية طيبة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
اللهم إنا نسألك أن تعلمنا ما ينفعنا، وأن تنفعنا بما علمتنا وأن تزيدنا علما، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا جنة الفردوس، والوقاية من النار يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
شروط وجوب الحج
الحج ركن من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره العظام، التي بني الإسلام عليها {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: من الآية97].
ثم هدد وتوعد فقال: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: من الآية97].
هذا الحج الواجب على المسلم البالغ العاقل الحر المستطيع، مرةً واحدة في العمر فمن زاد فهو تطوع، وحج التطوع يجبر نقص حج الفريضة، كما جاء في الأحاديث الدالة على جبر نقصان الفرائض من النوافل.
وشروط وجوبه أولاً: الإسلام، لأن العبادة لا تصح من كافر، لأن الله قال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54].
وثانيًا: العقل والبلوغ، لحديث «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
لكن لو حج الصبي فله أجر الحج ولوليه أجر الدلالة على الخير والتمكين منه، «أن امرأة رفعت صبيا فقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر» [رواه مسلم].
وكذلك من شروطه القدرة والاستطاعة لقوله {مَنِ اسْتَطَاعَ} [آل عمران: من الآية97]، وهذا يشمل الإستطاعة البدنية والإستطاعة المالية، وأمن الطريق والتمكين من الوصول، فإذا كان صحيح البدن يتحمل مشقة السفر سالمًا من الأمراض المعيقة والعاهات فإنه يجب عليه أن يذهب، وبناءً عليه فإذا كان مريضًا مرضًا مزمنا، أو مصاب بعاهةٍ مستديمةٍ تمنع من الذهاب، أو مقعدًا كبيرًا لا يمكنه التنقل، فإنه لا يجب عليه، لحديث: «إن فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة» [صحيح البخاري]، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم وجعل حج ابنته عنه مجزأة، ومنه يعلم أن حج المرأة عن الرجل صحيح، وكذلك حجه عنها. ومن كان قادرًا على الحج بمساعدة غيره فإنه لا يلزم بأخذ ما يكون لغيره منّة عليه، فإذا كان أخذه فيه منة للغير عليه لم يجب عليه، وإن تيسر ذلك بغير منة ذهب وحج. ومن كان عنده عذر يرجى زواله، لا يوكل فإن العذر يزول وقد يكون العذر مرضًا غير مزمن يرجى شفاءه، وقد يكون قرعة ينتظر خروجها ليتمكن من الذهاب، وقد يكون سنًا معينًا ينتظر بلوغه كي يسمح له بالسفر في بعض البلدان فهذا ينتظر، ولا يوكل. وإما الإستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهابًا وإيابا، مع نفقة أهله في غيابه، فإن لم يملكها فليس عليه الحج ولا يمد يده للناس، ولا يسأل فإن الله لم يكلفه ذلك، وأيضًا فإن من ملك ما يوصله من راحلةٍ وما يقوم مقامها من آلةٍ وأجرة ذلك مما يناسب حاله ذهابًا وإيابًا، مع محرمٍ للمرأة فإن ذلك مما يوجب الحج.
ولما قال العلماء النفقة التي توصله للبيت الحرام فاضلة عن حاجاته الأصلية ونفقاته الشرعية وقضاء ديونه فإن المراد بالديون حقوق الله كالكفارات وحقوق الآدميين، فمن كان عليه دين وماله لا يتسع للحج وقضاء الدين، يبدأ بقضاء الدين ولا يجب عليه الحج. وبعض الناس يحصر القضية في أذن الدائن، وهذا لا يبرأه تمامًا، فإن الدين سيبقى في رقبته، وذمته مشغولة، ولذلك فلو أذن الدائن للمدين بالحج فإن ذمة المدين تبقى مشغولة، ويبقى تسديد الدين مقدماً على الحج، وأذن الغريم لا يبرأه من الدين، ليبرأ ذمته فيقضي الدين أولا. وإذا مات المدين الذي منعه سداد دينه من الحج فإنه يلقى الله كامل الإسلام غير مضيعٍ ولا مفرط. أما لو قدم الحج على قضاء الدين ومات قبل قضاءه فهو على خطر، فإن الشهيد يغفر له كل شيءٍ إلا الدين، وقد توسع الناس اليوم في الديون، حتى لقلما تجد إنسانًا ليس عليه دين، وهذا من توسعهم في الكماليات، وأيضًا من إستسهالهم لأخذ القروض وعدم تقدير المسألة حق قدرها، وكذلك فإنه لا يلزم المسلم أن يحج برأس مال تجارته ويصفيها، أو أن يبيع ما يحتاج إليه من راحلةٍ ومسكنٍ ليحج به، اللهم إلا إن كان زائدًا على حاجته.
وجوب المحرم للمرأة
هذا المحرم للمرأة شأنه عظيم، ويكفينا أنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما صار الأمن والصحابة ثقات لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لرجل كان يريد الذهاب في الجهاد لا في السياحة أن يذهب في الجهاد، وإنما أمره أن يلحق بامرأته، فقال يومًا : «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله أن امرأتي حاجةً، وأني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك» [صحيح مسلم]، فكانوا قافلة وصحابة والرفقة مأمونة والرجل يريد أن يذهب في الجهاد في سبيل الله ومع ذلك قال: «انطلق فحج مع امرأتك» ، والمرأة تحتاج إلى حماية في الحج، فهذا زحام وهذه مواضع يضيع فيها الإنسان وخصوصًا الضعيفة ولذلك لا يجوز لها السفر بغير محرم ولم يكلفها الله بذلك سواءً كانت خادمة أو مخدومة.
ويا ليت شعري ماذا يكون حال بعض النساء في بعض الحملات عندما يتركن ويلوذ القائم عليها بالفرار، وقد حصل ذلك في مناسباتٍ كثيرة، وصيانة المرأة وحمايتها ودلالتها واصطحابها وإرشادها كل ذلك مما يقوم به المحرم ومن وظيفته أن يصونها، فإذا وجدت محرمًا يذهب معها ومالها يتسع له وهو موافق على الذهاب وجب عليها وإلا لم يجب، والحامل طاهر يصح حجها وقد حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس رضي الله عنها وهي حامل متم حتى ولدت في الميقات وأنجبت محمد بن أبي بكرٍ بالشجرة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ أن يأمرها أن تغتسل وتهل، وهذا بذي الحليفة وهو ميقات أهل المدينة، هذا معنى قول الراوي بالشجرة، وفي ذلك صحة إحرام النفساء والحائض، فيصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه، بقوله عليه الصلاة والسلام: «اصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي» [صحيح أبي داوود]. وإذا كانت المرأة لم تحج حجة الإسلام، فإن أمكنها الحج بحملها حجت، وإن لم يمكنها فإنها تنتظر حتى يزول ما بها، وكثير من الناس لا يريد الحج إلا في حال الراحة التامة، ومعلوم أن هذا الحج فيه تربية من الله لعباده، وفيه ما فيه مما يعد النفس لأمور كثيرة، وتأمل كيف تعد العبادات هذه النفس المسلمة لكي تبذل في النهاية في سبيل الله، فهذه الصلاة توقظ وهذه الصلاة تسهر وتقيم، وهذا الصيام يصبر على الجوع، وهذا الحج يعود على الزحام وتحمل الشدائد، وهذا الرضيع الذي يحتاج إلى قيامٍ عليه، إذا لم تستطع المرأة اصطحابه فإنه عذر لها حتى تتم رضاعه وتتمكن من الذهاب ثم تذهب، فإذا أمكنها الذهاب به وجب عليها، وإلا فلا، وقد يكون عند بعض الناس من رفقةٍ يصطحبهم ما يمكنها من ذلك.
أنفلونزا الخنازير والحج
وتهويل قضية أنفلونزا الخنازير، والتربص بها من قبل المنافقين، وكلامهم يهرفون بما لا يعرفون، ولا يبتغون إلا تثبيط الناس عن الدين والعبادة، فإن ذلك باطل عند رب العالمين، وقد جرب الناس العمرة في رمضان فاعتمروا وسلموا ولله الحمد، ولم تكن نسبة الإصابة في مكة أكثر من غيرها أبدًا، مع الزحام الموجود، بل إن الدراسات وتقارير اللجان المختصة قد أثبتت أن نسبتها في مكة برمضان كانت أدنى من بقية المناطق، وهؤلاء الذين يقولون إذا لم نوقف موسم الحج سنصبح أكبر مصّدر لأنلفونزا الخنازير في العالم، لا يقولون مثل ذلك على الملاعب، ولا ينادون بإيقاف الدوري، فوا عجبًا لهم، في اللعب يسكتون، وفي الحج بمنعه ينادون، على الله يفترون، ولدينه يحاربون، ولشرعه يطمسون، ويزعجهم غاية الإزعاج أن يقوم الناس بالمناسك لرب العالمين، ولم يصبح هذا الوباء بالخطورة ودرجة الموت التي تجعله طاعونًا يقعد بالناس لا يحجون، لم تصل المسألة إلى هذه الدرجة مطلقًا، ولا يمكن أن يقاس هذا المرض على الطاعون الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: «إن هذا الطاعون رجز سلط على من كان قبلكم، أو على بني إسرائيل. فإذا كان بأرض، فلا تخرجوا منها فرارا منه. وإذا كان بأرض، فلا تدخلوها» [صحيح مسلم]. وقد صار في مدن كثيرة اليوم، فلا تدخلوا فيها ما معناها إذًا؟
لا تدخل أي مدينة في العالم، لا تكاد المدن تخلوا منه، وهو ما يزال من أنواع الأنفلونزا وإن كان في هذا النوع شراسة أو قوة عدوى، لكنه في الجملة لم يصبح طاعونًا يموت منه أكثر الناس، ولم تتعدى الوفيات في هذا المرض نصفًا أو واحد بالمائة، ولذلك فإن المناداة بإلغاء موسم الحج هو من كلام المنافقين، والمنادة بتأجيله بالكلية وألا يكون حج هذا من كلام أهل الزيغ والضلال والعناد وأقل أحوالهم أو أحسن أحوالهم الجهل، ويتوقع أن يكون موسم الحج في هذه السنة بإذن الله من أسهل المواسم وربما أيضًا أرخصها بحيث لم يمر على الناس من سنين موسم فيه رخص وسهولة مثله، والله تعالى أعلم بما يكون، ولذلك لا يقعدنك يا عبد الله يا من لم يؤدي فريضة الله، لا يقعدنك التهويل الإعلامي على أداء فرض الله، ولا يمنعك من الذهاب فليس والله بعذرٍ وهذه الإحصاءات والدراسات والأحوال شاهدة على ذلك، وما يموت من قتلى حوادث السيارات أكبر بكثير من الذين ماتوا بهذا المرض، وهذا يأتي في الحضر وفي الحج وغيره، يأتي في البلد ويأتي في الحج ولذلك فإنه ليس بعذرٍ في الإمتناع عن الحج.
والناس على صحتهم يخافون جدًا أكثر من خشيتهم وخوفهم من أجل دينهم، والمسألة فيها مبالغات كثيرة والمسلم حكيم، يأخذ من الواقع ومن أهل الخبرة ومن أهل العلم ما يستنير به في طريقه، وهنالك ولله الحمد من وسائل الوقاية والمعالجة الشيء الكثير المتحقق، ولو أن الإنسان جاءته منيته في عبادةٍ كهذه فإنه يختم له بخاتمة جميلة، وخاتمة الحسن ولكن يسلم الله الحجاج والمعتمرين ويسلم الله العابدين والمسافرين، وسائر المسلمين، وهو خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والدور، والصلاح للأئمة وولاة الأمور، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، اللهم إنا نسألك رزقًا حسنا، وذرية طيبة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
اللهم إنا نسألك أن تعلمنا ما ينفعنا، وأن تنفعنا بما علمتنا وأن تزيدنا علما، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا جنة الفردوس، والوقاية من النار يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.