مع القرآن - لا تقولوا سمعنا و عصينا

منذ 2016-01-20

من النماذج غير المشرفة في تاريخ التحريف و العداء لرسالات السماء النموذج اليهودي.
أعطاهم الله الفرصة تلو الفرصة و أرسل لهم الرسل و خصهم بأكبر عدد من الأنبياء عبر التاريخ الإنساني .
و مع كل تلك الفرص و كل هذا العدد من الرسل و الأنبياء ما كان منهم إلا الإصرار على التحريف و العناد.
و هذا النموذج ليس بعيداً عن أمة محمد صلى الله عليه و سلم فقد ذكره الله لنا ليحذرنا من الوقوع فيما وقعوا فيه .
و للأسف الشديد نرى نماذج من أبواق الأمة تكرر نفس الأخطاء و نفس الانحرافات بل و تحاول جاهدة إشاعة انحرافاتهم عبر أبواق الإعلام المختلفة التي أضحت في كل بيت .
فانتبه و احذر لدينك و إياك أن تسلم نفسك لخاطفيه .
قال تعالى مبيناً بعض انحرافات اليهود و محذراً من الوقوع فيها :
{ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا } . [النساء 46] .
فهم حريصون على إضلالكم غاية الحرص، باذلون جهدهم في ذلك .ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين وناصرهم، بيَّن لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال، ولهذا قال: { وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا } أي: يتولى أحوال عباده ويلطف بهم في جميع أمورهم، وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم. { وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا } ينصرهم على أعدائهم ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم. فولايته تعالى فيها حصول الخير، ونصره فيه زوال الشر.
ثم بين كيفية ضلالهم وعنادهم وإيثارهم الباطل على الحق فقال: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا } أي: اليهود وهم علماء الضلال منهم.
{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } إما بتغيير اللفظ أو المعنى، أو هما جميعا. فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها، ولا مقصود بها بل أريد بها غيره، وكتمانهم ذلك.
فهذا حالهم في العلم أشر حال، قلبوا فيه الحقائق، ونزلوا الحق على الباطل، وجحدوا لذلك الحق، وأما حالهم في العمل والانقياد فإنهم { يَقُولون سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي: سمعنا قولك وعصينا أمرك، وهذا غاية الكفر والعناد والشرود عن الانقياد، وكذلك يخاطبون الرسول صلى الله عليه وسلم بأقبح خطاب وأبعده عن الأدب فيقولون: { اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } قصدهم: اسمع منا غير مسمع ما تحب، بل مسمع ما تكره، { وَرَاعِنَا } قصدهم بذلك الرعونة، بالعيب القبيح، ويظنون أن اللفظ -لما كان محتملا لغير ما أرادوا من الأمور- أنه يروج على الله وعلى رسوله، فتوصلوا بذلك اللفظِ الذي يلوون به ألسنتهم إلى الطعن في الدين والعيب للرسول، ويصرحون بذلك فيما بينهم، فلهذا قال: { لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ } .
ثم أرشدهم إلى ما هو خير لهم من ذلك فقال: { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ } وذلك لما تضمنه هذا الكلام من حسن الخطاب والأدب اللائق في مخاطبة الرسول، والدخول تحت طاعة الله والانقياد لأمره، وحسن التلطف في طلبهم العلم بسماع سؤالهم، والاعتناء بأمرهم، فهذا هو الذي ينبغي لهم سلوكه. ولكن لما كانت طبائعهم غير زكية، أعرضوا عن ذلك، وطردهم الله بكفرهم وعنادهم، ولهذا قال: { وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا } .
أبو الهيثم 

  • 0
  • 0
  • 8,712
المقال السابق
يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ
المقال التالي
آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً