خطب مختارة - [21] احذروا نواقض التوحيد

منذ 2016-01-20

لقد منّ الله علينا بدين موافقٍ للفطر القويمة والعقول السليمة، صالحٍ لكل زمان ومكان، جامع بين العلم والعبادة، والقول والعمل والاعتقاد، لا يقبل الله من الخلائق دينًا سواه، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ} [آل عمران:85].

الخطبة الأولى

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، فبالتقوى تُستنار البصائر والقلوب، وتُحَطّ الخطايا والذنوب.

أيها المؤمنون، لقد منّ الله علينا بدين موافقٍ للفطر القويمة والعقول السليمة، صالحٍ لكل زمان ومكان، جامع بين العلم والعبادة، والقول والعمل والاعتقاد، لا يقبل الله من الخلائق دينًا سواه، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ} [آل عمران:85].

في هذا الدين كلمةٌ من قالها صادقًا من قلبه وعمل بمقتضاها مبتغيًا بذلك وجه الله دخل الجنة؛ "لا إله إلا الله" هي أطيب الكلام، وأفضل الأعمال، وأعلى شعبِ الإيمان، من قالها حقًا ارتقى إلى أرفع منازل الدين. والنطقُ بهذه الشهادة العظيمة لا يكفي للبقاء في حوزة الإسلام، بل يجب مع هذا النطق أن يكون قائلها عالمًا بمعناها، عاملًا بمقتضاها من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله في ربوبيته وعبادته وأسمائه وصفاته، قال تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ} [البقرة:256]، والعروة الوثقى هي (كلمة التوحيد)، فلابد مع الإيمان بالله الكفرُ بما يُعبد من دون الله، فالمسلم حقًا صادق في إيمانه وعقيدته، مستسلم لله في الأحكام والأوامر، والشرع والقدر، لا يُنـزِل حوائجه إلا بالله، ولا يطلب تفريج كروبه إلا منه سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدُيرٌ} [الأنعام: 17].

ودعاؤه وحدَه سبحانه عبادةٌ جليلة من أفضل العبادات التي تحقق التوحيد، قال صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» [صحيح ابن حبان:454]، وقال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» [سنن الترمذي:3372]، عبدَ الله إذا حَلَّت بك الحوادثُ والكروب؛ وأُغلقت في وجهك المسالك والدروب ناد العظيم؛ بل في كلِّ أحوالك؛ في شدَّتك ورخائك؛ اجعل دعاءك سؤالك استعانتك بربك ورب العالمين؛ الذي أمره إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، فإن من سأله أعطاه؛ ومن لاذ به حماه، يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» [رواه الترمذي:2516].

ولا تستنكف عن سؤال ربك كلَّ ما تريد؛ ولو كنت تراه مما دنا من الأمور، يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «سلوا الله كل شيء حتى الشسعَ إذا انقطع (يعني النعل)، فإنه إن لم ييسر لم يتيسر» [مجمع الزوائد:10/153]. وأما الميت والغائب فإنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، فضلًا عن نفع غيره، ولو كان هذا الميت ممن يُقال عنهم أولياء؛ بل ولو كان من إمام الأولياء والأنبياء، فالميِّت محتاجٌ إلى من يدعو له، كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زُرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم وندعو لهم، لا أن يُستغاث بهم.

وربنا سبحانه لا تخفى عليه خافية فهو السميع، ومن القدح في ربوبيته والتنقُّصِ لألوهيته أن تجعل بينك وبينه وسائط في الدعاء والمسألة؛ فتستنجد بهم ليقربوك إلى الله، فالله ذكر عن المشركين قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} [الزمر:3]، والله يقول: {ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

ومما يناقض كلمة الإخلاص إراقة الدماء لغير الله، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذالِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].

والطواف بالبيت العتيق عبادة لله متضمنة للذل والخضوع لرب البيت {وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، والطواف بغيره من الأضرحة موجب للحرمان من الجنة. والحلف بالله صدقًا في مواطن الحاجة من تعظيم رب العالمين، والحلف بغيره استخاف بجناب الباري جل وعلا، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» [مجموع فتاوى ابن باز:68/6]           

ومن اتخذ حروزًا لدفع العين عنه أو جلب النفع له فقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يحقق الله له مبتغاه، وبأن يصاب بضد ما قصده، قال عليه الصلاة والسلام: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له» [صحيح ابن حبان:6086]، وقد أمسك نبينا صلى الله عليه وسلم عن بيعة من علّق التمائم، يقول عقبة بن عامر رضي الله عنه: أقبل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم رهط، فبايع تسعةً وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعةً وأمسكت عن هذا! قال: «إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه، وقال: من علق تميمة فقد أشرك» [السلسلة الصحيحة:1/889].

فعند الشدائد والأحزان الجأ إلى الواحد الديان، فنِعم المجيب هو، ومن تعلقت نفسه بالله وأنزل به حوائجه والتجأ إليه وفوض أمره كله إليه كفاه كلَّ سؤلِه، ويَسّر له كل عسير، ومن تعلق بغيره أو سكن إلى علمه وعقله؛ واعتمد على حوله وقوته؛ وَكَلَه الله إلى ذلك وخذله.

ومن مَعاول هدم الدين إتيان السحرة والمشعوذين وسؤال الكهان والعرافين، قال عز وجل: {وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، وفي الحديث: «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» [صحيح الجامع:5939]، ومن سأل السحرة الكيد بالآخرين عاد وبال مكره عليه، قال تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]، والظُلْمة لا تدفع بالظلمة، ودهماء السحر يُدفع بنور القرآن لا بسحرٍ مثله،{وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].

فحافظ -أيها المسلم- على عقيدتك، فهي أنفس ما تملك، وأعز ما تدّخر، واحذر من الشرك بكل صوره؛ فإنه يطفئ نور الفطرة، وسبب الشقاء وتسلط الأعداء. {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـئَلُونَ} [الزخرف: 43، 44]

أقول ما تسمعون وأستغفر الله .....

الخطبة الثانية

كما أن هناك أمورًا تناقض التوحيد؛ فإن هناك أمورًا تنقصه وتنافى كماله، ومن ذلك التقصير في الفرائض والواجبات، وكذلك الوقوع في المعاصي والمحرمات، وإن أهم الفرائض التي يجب على المسلم الحفاظ عليها الصلوات الخمس، وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة صلاتَه، فلا تتهاون بالله، واحرص على أدائها حيث ينادى لها، مع جماعة المسلمين، ولا تُؤْثر الكسلَ على طاعة رب العالمين، ولا تزهد فيما أعده الله للمحافظين عليها من جزيل الأعطيات، واعلم أن العبد على قدر صلة بربه تنفتح له الخيرات في الدنيا والآخرة.

وتجنب الذنوب والأوزار؛ فإنها تثقل عليك الطاعات. وتؤخرك عن ميدان التنافس الذي أمرت به. وليكن لك سهم في الدعوة إلى توحيد الله وعبادته – وما أكثر وسائل الدعوة وخاصة في هذا الزمان – ولتكن مساهمتك في الدعوة إعزازًا لدين الله، واقتداءًا بالأنبياء والمرسلين، فالدعوة إلى الله أحسن القول وأكرمه، وأكثر من التوبة والاستغفار، «فكلّ بني آدم خطاء؛ وخير الخطائبن التوابون» [صحيح الجامع:4515] قال ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين...

  • 42
  • 12
  • 7,975
المقال السابق
[20] أمارات الساعة 4-4
المقال التالي
[22] إدانة الخوارج في بلادنا الغالية

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً