خطب مختارة - [25] إنفلونزا الخنازير

منذ 2016-01-20

لقد كثرت في هذا الزمان الأضرارُ الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وأعظم أسباب ذلكَ فشو المعاصي والآثام، قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، فكلما أحدث البشرُ ذنوبًا أُصيبوا بالمصائب التي لم تكن في غيرهم.

الخطبة الأولى

أيها الناس، من رحمة الله تعالى بعباده وإحسانه إليهم لما خلقهم أنه عز وجل آواهم وكفاهم، وأمدهم بما ينفعهم، ومنعهم مما يضرّهم، ورزقهم عقولًا يدركون بها الخير والشر والنفع والضُّر، وأنزل عليهم الشرائع لهدايتهم في شؤونهم الدينية والدنيوية؛ ومن ذلك ما يتعلق بأمور الغذاء الذي هو ضروري لبقاء الحياة البشرية؛ فمن رحمة الله بعباده أنه رزقهم غذاءهم لحياة أبدانهم، وأنزل عليهم كتابه لحياة قلوبهم، وفصَّل فيه ما أباح لهم، وبيَّن لهم ما حرم عليهم.

أيها المؤمنون، لقد كثرت في هذا الزمان الأضرارُ الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وأعظم أسباب ذلكَ فشو المعاصي والآثام، قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، فكلما أحدث البشرُ ذنوبًا أُصيبوا بالمصائب التي لم تكن في غيرهم، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ إِلا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» [رواه ابن ماجه:3262].

إخوة الإيمان، إنّ ميزان الحلال والحرام الذي وضعه الله سبحانه وتعالى فيه حِكَمٌ عظيمة، ويتجلى ذلك في الكثير من الاكتشافات التي يطالعنا بها العلماء، والتي تحدّث عنها القرآن الكريم والسنة النبوية قبل مئات السنين، ونحن كمسلمين متيقنون أن الله سبحانه وتعالى أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وأن الله ما حرم علينا إلا ما فيه خبث أو ضرر؛ سواءً علمنا هذا الخبث والضرر أو بعضه أم لم نعلمه، فنحن نعتقد أن شرعَ ربنا كلُّه حكمة وخير. وإننا نسمع ونشاهد في هذه الأيام هلعًا ورعبًا - في كثير من الدول-، بعد أن تفشّى فيهم مرض (إنفلونزا الخنازير)، عشرات الدول دخلها هذا المرض، وأُصيب به الآلاف، وهو سهل العدوى بقدرة الله، كفى اللهُ المؤمنين شرَّه وضرَرَه.

إن مرض إنفلونزا الخنازير مما يؤكد حكمة تحريم أكل الخنـزير، فلقد حرم الله تعالى أكل الخنـزير تحريمًا قطعيًّا، قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنـزِيرِ} [النحل: 115]، وقال تعالى: {قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} [الأنعام: 145]، قال عدد من المفسرين: "أجمعت الأمة على أن الخنـزير بجميع أجزائه محرّم، وإنما ذكر الله تعالى لحمه لأن معظم الانتفاع متعلق به"

ولقد أثبتت الأبحاث العلمية والطبية أن الخنـزير يُعَدّ أكبرَ مستودَعٍ للجراثيم، فالخنـزير حيوان خبيث يأكل الْعَذِرَةَ والجيف والخبائث، شرس الطباع، ولا يُخصِّصُ لنفسه أنثىً معينة؛ لذا فمن خالطه وأكل لحمه فربما أخذ من صفاته الخبيثة. يقول ابن خلدون رحمه الله: "أكلتِ الأعرابُ لحم الإبل فاكتسبوا الغلظة، وأكلَ الأتراكُ لحم الفرَس فاكتسبوا الشراسة، وأكلَ الإفرنجُ لحمَ الخنـزير فاكتسبوا الدياثة"، نسأل السلامة والعافية.

وهناك بعض الأبحاث تؤكد أن الخنـزيرَ له علاقةٌ بنحو من أربعمائة وخمسين وباءً ومرضًا؛ من فيروسي وبكتيري وديداني، وقبل ثنتين وأربعين سنة انتشر هذا الفيروس أو قريبًا منه في الصين وغيرها، فقتل مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، وفي تاريخ إسبانيا ذُكر فيروس للأنفلونزا صدر من ديارهم، فقتل على وجه البسيطة ما يقارب من مائة مليون إنسان قبل تسعين سنة من الآن؛ ولذلك حصل هذا الخوف في هذه الأيام لمعرفتهم بعواقب انتشار هذا الفيروس بعد أن صُنِّف هذا المرض أنه وباء. عافانا الله والمسلمين من هذه الأمراض والأوبئة، وأغنانا الله بحلاله عن حرامه.أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الخطبة الثانية

لقد صار أكل الخنـزير شعارًا للنصارى بعد أن حرَّفوا دينهم، وتلاعبوا بكتابهم، وخرجوا عن شريعة المسيح عيسى عليه السلام؛ ولذا فإن تحريم الخنـزير وقتله من أهم الأعمال التي يقوم بها عيسى عليه السلام حين ينـزل في آخر الزمان؛ كما جاء في حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى يَنْزِلَ فِيكُمْ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ» [صحيح البخاري:2476]. فهل يعي العالم اليوم عالمية هذا الدين؟! وهل يرجع الناسُ إلى الفطرة التي فطرهم عليها؟! نحن لا نشك أن الله متمُّ نوره ولو كره الكافرون، فلنتمسك بهذا الدين، ولنعتزّ به، والله ناصرنا ما تمسكنا به حقًا.

إنه لا مخرج للعالم من كوارثِه الاقتصاديةِ والسياسيةِ والبيئيةِ والصحيةِ والاجتماعيةِ وغيرِها إلا باتباع الإسلام، وإنَّ هذه الأمراض المتلاحقة التي يخافها البشر لتدلّ على عجزهم وضعفهم أمام قدرة الربّ جل جلاله، {وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح: 7]، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}  [الطَّلاق: 12]، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدَّثر: 31]، كما تدل على أن استنكاف البشر عن شريعة الله تعالى هو الهلاك عاجلًا وآجلًا، وأن الله تعالى لا يظلم عباده بل يجازيهم بأعمالهم، {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44]، {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ} [سبأ: 17]، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى: 30].

فعلينا إخوة الإيمان أن نلوذ بربنا، ونتوب من ذنوبنا، وأن نراجع ديننا، ونأخذ على أيدي السفهاء منا، قبل أن يحل بنا ما حل بالأمم قبلنا، وبالأمم حولنا، وكما نرى ويرى العالم أن النجاة فيما تركنا عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلْيَعَضّ المسلم على شرع الله بنواجذه، ويحمدَ الله على نعمه، والتي من أجلها نعمةُ الإسلام. {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78].

اللهم أدم علينا نعمك، وزدنا من فضلك، وأكرمنا بعفوك، واحفظنا بحفظك يا رب العالمين. هذه الأمراض والأوبئة والكوارث؛ وأنت خير حافظًا وأنت أرحم الراحمين. اللهم لا تؤاخذنا بسوء أعمالنا، ولا بما فعله السفهاء منا، اللهم لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. اللهم اهدنا شيبًا وشبابًا إلى صراطك المستقيم، حتى نلقاك عليه غير مبدلين، يا أكرم الأكرمين.

  • 12
  • 1
  • 4,937
المقال السابق
[24] إفساد الخوارج
المقال التالي
[26] الأخوة الإسلامية 1-2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً