حمامة البابا وحيل الرهبان

أبو الهيثم محمد درويش

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ
الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ
الْحِسَابِ}

  • التصنيفات: اليهودية والنصرانية -

في خطبة كنسية للبابا شنودة تحدث مفاجأة بخروج حمامة وجلوسها للحظات على منصة البابا, في وقت حرج تعج فيه الكنيسة المصرية بالاختلاف بين كهنتها وقساوستها بسبب الخليفة القادم, وفي محاولة لإقناع المسيحيين بأن روح القدس يؤيد البابا خرجت هذه الحمامة كتأييد حسي للرجل ونفي لما دار بأن الحكومة المصرية هي التي دعمته لتقلد منصبه بعد موت البابا السابق.

وبالطبع قام بعض المتربصين بالبحث في لقطات الخطبة المصورة ولحظة خروج الحمامة ليكشفوا المستور وليقفوا عند لقطة تبين خروجها من ستار موجود خلف البابا, ليبينوا مسلسل الحيل الكنسية التي يهزأ بها الرهبان والقساوسة من أتباعهم عبر التاريخ, ليجددوا ذكريات مضت لحيل خدع بها الرهبان أتباعهم من البسطاء عبر التاريخ الكنسي.


وقبل أن أذكر بعض هذه الحيل أذكر البابا شنودة بدنو الأجل وقرب انتهاء العمر, وإن أبى الانصياع للحق والإقرار بوحدانية الله ورسالة آخر رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم, فأبشره بأن عليه وزره ووزر كل من تبعه من أبناء كنيسته وأكرر له رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل والتي فيها «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» .


وقصة هذه الرسالة:
أخرج الإمام البخاري في صحيحه: عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْش.

فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ:
أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.
فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ،
ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ.
قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.
قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا, قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ.
قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.
قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ يَقُولُ: «اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ» .
فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ.


ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ قصْرَى فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ.


وَكَانَ ابْنُ النَّاطُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّامِ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدْ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ -قَالَ ابْنُ الناطور وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ- فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.
ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ نَبِيٌّ فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنْ الْإِيمَانِ قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقل
أ هـ.


وأختم ببعض حيل الرهبان والقساوسة ممن استنكفوا عن الحق وأبوا إلا الضلال واشتروا الفانية وباعوا الآخرة الباقية, وارتضوا على أنفسهم عيش المضلين.

من كتاب "مقامع هامات الصلبان في الرّدّ على عبدة الأوثان ومراتع روضات الإيمان"
لأبي عبيدة الخزرجي الأندلسي ت 582هـ.
وقد حققه. د. محمّد شامه ونشره بعنوان (بين الإسلام والمسيحية)
من بعض حيل الرهبان!!


فضيحة:
للنصارى صنم بالقسطنطينية له عيد في السنة تحج إليه النصارى من كلّ وجه في يوم مشهود
فإذا تلي الإنجيل بين يديه بكى بالدموع الغزار، فيشاهد ذلك من حضر ويكثرون الابتهال والدعاء ويعجون بالبكاء.
فاجتمع عنده مال، واحتاج الملك إلى قرض فرام اقتراض ذلك وأخذه، فأبى عليه القَيِّم، فحضر الملك إلى الكنيسة بنفسه وقال للأسقف:
اقرأ الإنجيل الساعة حتى نرى كيف يبكي الصنم
فقال: إنما يبكي في يوم واحد من السنة
فاستشعر الملك أن تلك مخرقة
فتقدم يحفر ما تحت الصنم فوجد حفرة مصنوعة والصنم مُجَوّف من أسفله تجويفاً ضيّقاً، فإذ كان ذلك اليوم وضع الأسقف في تلك الحفرة قربة ماء، وجعل فيها أنبوبة مستطيلة رقيقة متصلة برأس الصنم وستر الحفرة ستراً محكماً، فإذا مسَّها ماسٌّ وأضغطها صعد الماء في الأنبوبة إلى رأس الصنم وقد حشي رأسه بالقطن، فإن تشرب القطن الماء سالت منه دمعات وسقطت من عيني الصنم على تدريج، بأمر قد أحكم وحيلة قد أتقنت، فلما اطلّع الملك على ذلك أمر بالصنم فأخرج وأخذ ما وجد بالكنيسة من المال وأدَّب القَوَمَة وشرّدهم


فضيحة أخرى:
للنصارى كنيسة ببعض البلاد يحجون إليها ويعظمونها.
الحج في تعريف النصارى هو: زيارة الأماكن المقدسة، ويزعمون أن يد الله تخرج إليهم من وراء ستر منها فتصافحهم، وذلك في يوم من السنة.
فبلغ ذلك بعض رؤساء دولتهم وقيل له: ألا تعجب من يد الله تعالى كيف تظهر للناس ويرونها؟!
فمضى ذلك الرئيس إلى الكنيسة في ذلك اليوم، فلما ظهرت اليد قَرَّبه الأقساء إليها ليقبلها
فلما رآها وضع يده فيها والتزمها.
فصاحوا به. وقالوا: الساعة يخسف بنا الأرض أو تسقط علينا السماء وترسل الصواعق فنهلك
فقال: دعوا عنكم هذا فإني والله لا أدع هذه اليد من يدي حتى أرى وجه صاحبها
فلما شاهدوا منه التصميم قالوا له: أرجعت عن دين النصرانية وهو دين آبائك وأسلافك؟
قال: لا ولكني أردت الوقوف على سر ذلك
قالوا: فإنها يد أسقف من أصحابنا وراء هذا الستر
فلما رآه وشاهده أرسل يده وخرج من تلك الكنيس فلم يعد بعد
واشتهرت القصة


فضيحة أخرى:
للنصارى صليب من حديد معلق في قبة كنيسة لهم بالمغرب، قد وقف في الهواء بغير علاقة ولا دعامة
والناس يحجون إليها ليشاهدوا الصليب ويتعجبون من تلك الآية، فأكثر التعجب من ذلك بعض ملوكهم. فقال لكاتب كان عنده من اليهود:
ألا تعجب يا فلان من هذه الآية العظيمة التي في هذا الصليب؟
فذكر له اليهودي
أن في جهات الصليب المذكورة حجارة المغناطيس العظام، مخبأة في الجدار وفي ما يوازيه من، سقف القبة وأرض الكنيسة، فهي التي أوجبت قيامه ومنعته من السقوط، فحضر الملك إلى الكنيس المذكور في وقت خلوة، وتقدم بالكشف عن الحجارة من بعض الجدران من الصليب، فاضطرب الصليب حتى خافوا أن يسقط، فعرف حقيقة الحال وانصرف.


فضيحة أخرى:
للنصارى في بلد من بلاد المغرب أيضاً كنيسة فيها ثريا معلقة نحو تعليق الصليب، ينْزل إليها نور من فوق فتتقد للوقت في وقت من السنة، فهم يعظمون ذلك اليوم ويفخمونه، فأطرق بها بعض ولاتهم فصار إليها فعرف حقيقة الحال، وذلك أنهم مَدُّوا من الجدار قصبة حديد مجوفة وأبرزوا لها أنبوباً دقيقاً على وزان طرف الذبالة، فإذا كان ذلك الوقت المخصوص أرسلوا نار النفط في تيك القصبة فتخرج بسرعة فتتقد للوقت، فلما عرف وجه هذه الحيلة أمر بصفع السدنة وانصرف.


فضيحة أخرى:
زعم النصارى أن مريم أم المسيح تنّزل من السماء على الأرض دار المطران بطليطلة، في يوم معروف من السنة بكسوة تلبسها له، وهم لا يشكون في صحّة هذا ببلادهم.
قال بعض من نقلها:
يا ليت شعري هل نزولها بغير إذن الأب أم بإذنه؟
فإن كان ذلك بإذنه فكيف لم يرسل بعض ملائكته ورسله ويوقر أم ولده
ويصونها عن التبذل لرجل من جنسها أجنبي عنها؟
وإن كانت تنْزل بغير إذنه مستبدة برأيها
فكيف يجوز من الأب
أن يصطفي لنفسه خائنة تخونه وتخرج من بيته بغير إذنه إلى رجل بكسوة تكسوه وتزينه بها؟
أترون الأب لا يعلم خيانتها وترددها إلى من ليس له بمحرم؟
أو ترونها قد عشقت المطران فهي تتردد إليه شغفاً به؟
فما بالها لا تولي ذلك غيرها من خدمها حتى تتجشم هي بنفسها؟


فضيحة أخرى:
للنصارى عيد ببيت المقدس مشهور يعرف بعيد النور، يحجون إليه في يوم من السنة، وإذا اجتمعوا عنده نزلت نار من تجويف القبة فتعلقت بذبالة القنديل فيتقد بسرعة، فتكثر الأصوات وتعج بالدعاء والابتهال، فلا يشك الغر ولا يرتاب الغمر أن تلك آية نزلت من السماء دالة على صحة دينهم، ووجه الحيلة في ذلك، أن رجلاً يختبئ في أفريز القبة من داخل وهي غلسة جداً، فإذا كان ذلك الوقت الذي يُكمل فيه اجتماعهم وقُرأ الإنجيل والكتب، أرسل الرجل قبسًا من نار النفط فجرت على خيط مدهون بدهن البلسان فتبتدر الذبالة فيتقد، فيجأرون حينئذٍ بالأدعية.


قال علماؤنا:
وقد تفطّن لذلك بعض ولاة بيت المقدس، فصار إليهم في ذلك العيد وأراد أن يفضحهم بكشف القصة
فبذلوا له مالاً فقنع به منهم وانصرف، ومعلوم أن ذلك لو كان نوراً لم يتقد منه المصابيح، إذ صفة النار الإحراق وصفة النور الإشراق فقط، ولو كان ذلك نازلاً من السماء كما يدعي النصارى لروئي خارج القبة
والدليل على كذبهم، أن تلك البقعة أقامت في أيدي اليهود مدة طويلة ثم جاء الله بالإسلام، ولم يُرَ شيء من هذا الجنس أ هـ.

وفي النهاية: فهذه الكلمات ما هي إلا نصيحة مشفق على قوم يراهم يتهافتون إلى نار جهنم منخدعين بسراب, يظنونه ماءً وما هو بماء وإنما هو سراب زينه لهم الشيطان من وراءه جهنم وبئس المصير.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].


وقال تعالى في سورة الكهف:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا* أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا* ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 103-106].


هذا والله أسأل الهداية لكل ضال كما أسأله لنفسي ولعامة المسلمين الثبات على الحق حتى الممات وأن يرزقنا رضاه والجنة.