القاعدة الصلبة والقاعدة العريضة!

منذ 2016-01-30

ينبغى للحركات الإسلامية أن تدرك أنها لن تصل إلى شئ من أهدافها طالما هى جماعات معزولة عن جسم الأمة، فضلا عن كونها جماعات منفصلة بعضها عن بعض، متنابزة بعضها مع بعض

ليست القاعدة ما يُعرف بتنظيم القاعدة، وإنما هي أصل كل بناء يَشْمُخُ عليها ويتطاول.. ومن ذلك قاعدة الأمة الإسلامية التي تواجه أعتى حرب دينية في تاريخها، بل تواجه أعتى قوة وهي في أضعف حالة سياسية، بينما تحت سُحب السياسة الضعيفة قوة هادرة وعملاق مُخدَّر الأطراف بدأت الدماء تجري في عروقه تحت وخز العدو..
ولا بد لهذا العملاق الحقيق في موجهة عمالقة الباطل، لا بد له من قاعدتين، أو قل: قاعدة بوجهين:

قاعدة صلبة: قوامها النخبة من أهل العلم والحركة، ملء قلوبها تقوى وإيمان، وملء عقولها  علم شرعي، فكر ناضج وسياسة رشيدة..، وملء واقعها: قرآن يمشي!.. وظيفتها:إحياء الأمة- بإذن الله- وقيادتها والتفكير فيها ولها، وتكون هي الصاعقة التي لولاها ما انطلق صاروخ..

وقاعدة عريضة: قوامها الشعوب المسلمة المقهورة، وقد أخذت جُرعة كافية بأن هذا دينها مُحارَب وعِرضها منتهك، وأرضها مُحتلة، بل وُجودها في خطر.. جرعة تجعلها تتحرك على أساس أن القضية قضيتها وأنها المقصودة، وأن تلك القاعدة الصلبة ما هي إلا مخيض شنَّتها!

وما استفرد العدو بالقاعدة الصلبة-مهما كانت صلابتها- وعزلها عن القاعدة العريضة إلا سهل عليه دكُّها-إلا أن يشاء الله-، وما وجد العدو القاعدة العريضة بمعزل عن القاعدة الصلبة إلا واستحمر منها قطيعا واستدمر قطاعا آخر- إلا ما شاء الله-.

وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة أصلب قاعدة في التاريخ، فلم يُهلِكها بحرب ضروس حتى أحاطها بقاعدة عريضة في المدينة، ومع ذلك في غزوة بدر: استقبل القبلة، ثم مدَّ يديه وجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه من منكبيه.."(الترمذي في سننه، برقم:[3081])، أما في المدينة فأراد للقاعدة الصلبة أن تبقى في قاعدة عريضة حتى بأطفالها ونسائها داخل المدينة..

لذلك يسعى شياطين الغرب إلى الفصل ما بين القاعدتين، ولا بد أن يصل الأمر بينهما لا كقاعدتين منفصلتين، ولكن إلى كونهما وجهتين لعملة واحدة لا تنفصلان، فإن انفصلت جهتا العملة لم يعد لها قيمة شرائية ولا تقويم أثمان.

يقول الشيخ محمد قطب رحمه الله: "ينبغى للحركات الإسلامية أن تدرك أنها لن تصل إلى شئ من أهدافها -وهدفها هو تطبيق الإسلام فى دنيا الواقع، وتحكيم الشريعة الربانية- طالما هى جماعات معزولة عن جسم الأمة، فضلا عن كونها جماعات منفصلة بعضها عن بعض، متنابزة بعضها مع بعض. لابد أن تكون الأمة هى التى تجاهد. لا جماعات منعزلة، ولا جماعات متفرقة"[كتاب:الجهاد الأفغانى ودلالته]. 

والتاريخ يشهد بأن كل المقاومات النخبوية الفصائلية التي قامت ضد الغزاة انتهت إلى غير ما أرادت، فإما أبيدت، وإما بيعت واخترقت، ولم ينجح منها إلا تلك التي الْتَحمت مع الشعوب، وشعرت أنها منها وهو منها، وأن قضيتهم واحدة ومصيرهم واحد، وأن الأمة بشعوبها المسلمية هي خزان وخلفية وحاضنة لهذه الحركات، وإن كان فيها جهل بالدين، فهذا واجب الحركات الدعوي التربوي التعبوي. وأن تنظر إلى الشعوب بعين الرحمة والحكمة، لا بعين العداء والطيش، وأنها شعوب هي أُولى ضحايا الغز الفكري والمادي، الاستدمار الداخلي والخارجي.

وأبرز مثال على ذلك أن أكثر من 130عاما من الاستدمار الفرنسي الغاشم للجزائر، ولم تُفِدْ فيه عشرات القاومات طيلة هذه المدة، ولكن 7 سنوات فقط اجتمعت فيها النخبة بالأمة في ثورة تحريرية عظيمة؛ قضت على فرنسا، لا من الجزائر فحسب، بل من المغرب العربي والشمال الإفرريقي كله. {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر:2].
 

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 2
  • 0
  • 4,714

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً