هادم العلاقات

منذ 2016-02-02

أسوأ ما يهدم علاقات الأصدقاء والمقربين هو سوء الظن بهم، وفتح الباب للشيطان ليفسد ما بينك وبينهم بالظن السلبي الخاطىء، خصوصًا ما كان مبنيًا على مجرد أوهام واستنتاجات. فكم من أصدقاء انتهت صداقتهم بسوء الظن، وكم من رحم انقطعت صلتها بسوء الظن، بل كم من البيوت هدمت بسوء الظن، وكم من الشركات فسدت بسوء الظن!

أسوأ ما يهدم علاقات الأصدقاء والمقربين هو سوء الظن بهم، وفتح الباب للشيطان ليفسد ما بينك وبينهم بالظن السلبي الخاطىء، خصوصًا ما كان مبنيًا على مجرد أوهام واستنتاجات. فكم من أصدقاء انتهت صداقتهم بسوء الظن، وكم من رحم انقطعت صلتها بسوء الظن، بل كم من البيوت هدمت بسوء الظن، وكم من الشركات فسدت بسوء الظن!

ولذلك حرص المنهج الإسلامي التربوي على تقويم السلوك الإنساني فيما يتعلق بالظن السيء، فنهى عن سوء الظنون، وقوم السلوك فيما يتعلق به، وأعطى النصائح الإيجابية حوله:

قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:12]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظنَّ، فإن الظن أكذبُ الحديث. ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تنافسوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا. وكونوا عباد الله إخوانا» [صحيح مسلم: 2653].  

جاء رجلٌ من بني فزارةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: "إنَّ امرأتي ولدت غلامًا أسودَ". فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «هل لك من إبلٍ؟» قال: "نعم". قال:  «فما ألوانُها» ؟ قال: "حُمْرٌ". قال: «هل فيها من أورَقَ؟» قال: "إنَّ فيها لوُرْقًا". قال: «فأنى أتاها ذلك؟» قال: "عسى أن يكون نزَعَه عرقٌ". قال: «وهذاعسى أن يكون نزَعَه عرقٌ»  [صحيح مسلم: 1500]. وفي الحديث: «إذا سمِعْتَ الرَّجُلَ يقولُ: هلَك النَّاسُ فهو أهلَكَهم» [صحيح ابن حبان: 5762]، (إما بفتح الكاف "فهو أهْلكَهم" على أنه فعل ماض، أي: كان سببا في هلاكهم بفعله وسوء ظنه، وإما بضم الكاف "فهو أهلكُهم"، أي أشدهم وأسرعهم هلاكًا).

قال الإمام ابن حجر: "سوء الظن بالمسلم من الكبائر الباطنة وقال: وهذه الكبائر مما يجب على المكلف معرفتها ليعالج زوالها لأن من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله -والعياذ بالله- بقلب سليم، وهذه الكبائر يذم العبد عليها أعظم مما يذم على الزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر البدن؛ وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه، إذ إن آثار هذه الكبائر ونحوها تدوم بحيث تصير حالًا وهيئة راسخة في القلب، بخلاف آثار معاصي الجوارح فإنها سريعة الزوال، تزول بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، وقال ابن قدامه: فليس لك أن تظن بالمسلم شرًا، إلا إذا انكشف أمرًا لا يحتمل التأويل" (الزواجر: 106).

وقال في مختصر منهاج القاصدين: "فليس لك أن تظنّ بالمسلم شرّا، إلّا إذا انكشف أمر لا يحتمل التّأويل"، وأما السلف الصالحون فقد نأوا بأنفسهم عن هذا الخلق الذميم، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: "إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين"، ثم أقول: "لعل له عذرًا لا أعرفه". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا".

والعلاج التربوي الأمثل عند ورود الظن السيء على قلب المؤمن أن يدفعه قدر ما شاء، وأن يتأوله بالأعذار قدر ما يستطيع ويمكن، وأن يستعيذ بالله منه، وأن يتذكر البراءة الأصلية لصاحبه، ويذكر من حسن صفاته، ومن جميل أفعاله السابقة.

قال ابن قدامه: "متى خطر لك خاطر سوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير، فإن ذلك يغيض الشيطان ويدفعه عنك. وإذا تحققت هفوة مسلم، فانصحه في السر". 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم: د. خالد رُوشه

  • 0
  • 0
  • 6,560

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً