خطب مختارة - [49] البركة

منذ 2016-02-24

البركة هي ثبوت الخير وزيادته في الشيء؛ فإذا حلّت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير نفع، سواء لما ينفع في دين أو دنيا، ومن أعظم ثمار البركة في الأمور كلها ما يستعان به في طاعة الله عز وجل.

الخطبة الأولى:

عباد الله، الإنسان منا وهو يسير في هذه الدنيا يطمع أن يُبارك في وقته، وعمره، وماله، وأبنائه، وجميع محبوباته، التي هي مظنة السعادة لديه. والمسلم يدعو الله عز وجل أن يبارك له، وقد كان النبي يدعو بالبركة في أمور كثيرة.

لأن البركة هي ثبوت الخير وزيادته في الشيء؛ فإذا حلّت في قليل كثرته، وإذا حلت في كثير نفع، سواء لما ينفع في دين أو دنيا، ومن أعظم ثمار البركة في الأمور كلها ما يستعان به في طاعة الله عز وجل.

ومن تأمل في حال الناس قديمًا وحديثًا وجد البركةَ ظاهرةً في أحوال بعضهم، ووجد نزع البركة عن البعض الآخر، في أمور متعددة كثيرة؛ في المال والولد؛ أو الوقت والعمل والإنتاج؛ أو الزوج والزوجة؛ أو العلم والدعوة؛ أو الدابة والدار؛ أو العقل والجوارح؛ أو الأقارب والأصدقاء، أو غير ذلك.

عباد الله، طالما أن البركة تأتي بالخير العظيم، في سائر أمورنا، فإن البحث عن البركة وكيفية استجلابها أمر مطلوب، ولعلنا نقف في هذا اليوم مع بعض الطرق الموصلة بإذن الله لهذه البركات.

إخوة الإيمان، أول جالبات البركة: تقوى الله عز وجل؛ فهي مفتاح كلِّ خير، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96]، وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3-2]، أي من جهة لا تخطر على باله.

وعرف العلماء التقوى: بأن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله .

ثاني جالبات البركة: قراءةُ القرآن: فإنه كتاب مبارك وهو شفاء لأسقام القلوب ودواء لأمراض الأبدان: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

ثالثًا: الدعاء؛ فقد كان النبي يطلب البركة في أمور كثيرة، فقد علمنا أن ندعوَ للمتزوج فنقول: «بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير » [سنن أبي داود: 2130]، وكذلك الدعاء لمن ضيَّفنا وأطعمنا: «اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم ، وارحمهم» [صحيح مسلم: 2042]. وغيرها كثير من الأدعية النبوية بالبركة.

رابعًا: عدم الشح والشَرَه في أخذ المال: قال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه: «يا حكيم إنّ هذا المال خَضِرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع» [صحيح البخاري: 1472]

خامسًا: الصدق في المعاملة، من بيع وشراء وغيرها قال صلى الله عليه وسلم: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» [صحيح البخاري: 2110]

سادسًا: إنجاز الأعمال في أول النهار؛ التماسًا لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دعا عليه الصلاة والسلام بالبركة في ذلك: فعن صخر الغامدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « اللهم بارك لأمتي في بُكورها» [صحيح ابن حبان: 4754]، قال: فكان رسول الله إذا بعث سرية بعثها أول النهار، وكان صخرٌ رجلًا تاجرًا وكان لا يبعث غِلمانه إلا من أول النهار، فكثر ماله، قال بعض السلف: "عجبت لمن يصلي الصبح بعد طلوع الشمس كيف يرزق ؟!".

سابعًا: اتباع السنة في كل الأمور؛ فإنها لا تأتي إلا بخير. ومن الأحاديث في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «البركةُ تنـزلُ وسطَ الطعام فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه» [صحيح الترمذي: 1805]، وهذا يدل على مشروعية وبركة الأكل من حواف الطعام قبل وسطه، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعق الأصابع ولعق الصحفة، وقال: «إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» [صحيح مسلم: 2034].

ثامنًا: حسن التوكل على الله عز وجل: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]. وقال صلى الله عليه وسلم:  «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» [مسند أحمد: 1/181].

تاسعًا: استخارة المولى عز وجل في الأمور كلها، والتفويض والقبول بأن ما يختارَه الله عز وجل لعبده خير مما يختارُه العبد لنفسه في الدنيا والآخرة، وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستخارة، فقال: « إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني، ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجله، وآجله فاقدره لى ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني، ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجله، وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به» [صحيح البخاري: 7390].

نفعنا الله ببركة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

عاشرًا: جالبات البركة التي نُذكّر بها في هذا المقام: الإنفاق والصدقة؛ فإنها مجلبة للرزق كما قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39]، وفي الحديث القدسي: قال الله تبارك وتعالى: «يا ابن آدم أنفق؛ أُنفق عليك» [صحيح مسلم: 993]

الحادي عشر: البعد عن المال الحرام؛ بشتى أشكاله وصوره، فإنه لا بركة فيه، والآيات في ذلك كثيرة، ومنها قوله سبحانه في الربا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة:276]، وغيرها كثير.

الثاني عشر: الشكر والحمد لله على عطائه ونعمه؛ فالله يعطي ويكرم الشاكرين، قال تعالى: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، وبالشكر تزيد النعم وبركتها، قال سبحانه: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}   [إبراهيم:7] .

الثالث عشر: أداء الصلاة المفروضة؛ وأمر الأهل بها؛ والصبر في ذلك والاحتساب؛ قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132].

الرابع عشر والأخيرة بين أيدينا في هذا المقام: المداومة على الاستغفار؛ لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12] .

اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك عابدين، عليك متوكلين، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، اللهم اجعل ما رزقتنا عونًا لنا على طاعتك، اللهم قنا شح أنفسنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك.

  • 34
  • 9
  • 13,434
المقال السابق
[48] البدعة وخطرها
المقال التالي
[50] البعث والنشور

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً