[77] الحياء
ولأهمية الحياء وضرورة وحاجة الحياة والأحياء له كان سمةَ هذا الدين للأولين والآخرين، ولهذا قال المصطفي صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما تشاء» [صحيح البخاري: 6120].
- التصنيفات: خطب الجمعة -
الخطبة الأولى:
عباد الله، اتقوا الله واخشوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. إخوة الإيمان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح الترغيب: 2632]
ولأهمية الحياء وضرورة وحاجة الحياة والأحياء له كان سمةَ هذا الدين للأولين والآخرين، ولهذا قال المصطفي صلى الله عليه وسلم: «البخاري: 6120]
» [صحيحويكفي الحياءُ قدرًا أنه من الإيمان، وأنه طريقٌ إلى الجنة، وعكسه البذاء الذي هو طريق للنار، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « » [سنن الترمذي: 2009]
يُعرِّف أهلُ اللغة الحياء بأنه: انقباض النفس عن القبيح، ويقولون بأنه من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي، فلا يكون كالبهيمة (الراغب الأصفهاني).
ولهذا نستطيع أن نقول بأن الحياءَ المطلوب شرعًا: هو خلق يبعث على اجتناب القبيح من الأقوال والأعمال، ويمنع من التقصير في الحق الواجب لله والواجب لعباد الله.
عباد الله: الحياء علامة خير، ولهذا جاء في الحديث: «صحيح مسلم: 37]. والحياء شعبة من شعب الإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام: « » [صحيح مسلم: 35].
» [الحياء من الإيمان؟ لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمانُ من ارتكابها، فالمستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، فصار كالإيمان الذي يقطع بين العاصي والمعصية، وإنما جُعِـل الحيـاءُ بعضَ الإيمان لأن الإيمان ينقسم إلى ائتمارٍ بما أمر الله وانتهاءٍ عما نهى الله عنه، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان هو بعضَ الإيمان.
وتخصيصه بالذكر في أحاديث كثيرة من بين شعب الإيمان الأخرى ذلك لأن الحياء كالداعي إلى باقـي الشعـب، إذ الحيي صاحب الحياء يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينتهي ويرتفع بنفسه عن الدنايا.
إخوة الإيمان، الحياء رقابة داخلية تتحكم في سلوكيات الإنسان، وتدفعه لفعل الجميل، وتكفه عن القبائح، حتى وإن خالف ذلك هواه، وما تشتهيه نفسه، وإذا تمثل الإنسانُ الحياء قاده إلى كل خير، وحجبه عن كل سوء، لكن ذلك يحتاج إلى جِدٍّ واجتهاد، وترويضٍ للنفس، واحتساب للأجر عند الله، وهذا هو الحياء الشرعي المطلوب، فالحياء الشرعي - كما قال أهل العلم – هو المقترن بالعلم والنية الطيبة، وهو الباعث على فعل المأمور، وترك المحظور، إجلالًا لله واحترامًا لعباد الله.
عباد الله، كما أن هناك حياءً مطلوب شرعًا فهناك أيضًا حيـاءٌ مذمومٌ شرعًا، وهو ما يكون سببًا لترك أمر شرعي فهذا حياء مذموم، وليس هو بحياء شرعي، وإنما هو ضعف ومهانة. وهكذا يتضح الفرق بين الحياء الشرعي الذي يريده الله ويؤجَر عليه الإنسان، وبين الضعف والمهانة الذي ينسب للحياء، وهو ليس منه في شيء.
نسأل الله تعالى أن يبصرنا في ديننا ويرزقنا الحياء ويعصمنا من البذاء والجفاء وسيء الأخلاق. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة.
الخطبة الثانية:
إخوة الإيمان، إن قال قائل: وما الطريق إلى الحياء الحق؟ وكيف يعرف الإنسان نفسه؟ أهو من أهل الحياء المحمود أم لا؟
فالجواب ما أجـاب به النبـي صلى الله عليه وسلم صحابته وقيل أنه جوابٌ من ابن مسعود لأصحابه حـين قال: «
» [صحيح الترمذي: 2458].إخوة الإسلام، إن الحياء دليلُ رجاحة العقل، ومؤشرٌ لميزان الإيمان، وعُنوانٌ للثقة بقيم الإسلام وأخلاقه؛ ورفضٌ واعٍ لمحاكاة الآخرين وتقليدهم في سواقط العادات والأخلاق.
الحياء ترجمة للخوف من الله، وأدب في التعامل مع الآخرين، وطريق الصلاح والخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة. الحياء شعار المتقين ودثار المؤمنين وجلباب ستر الله، ورجاحة في العقل، وأصالة وثبات.
عباد الله، من مظاهر قلة الحياء التطبع بالأخلاق الردئية من السباب والفسوق واللجاج وكثرة المزاح بما حل أو حرم، والتلفظ بالكلـمات البذيئة والكبر والكذب والخداع ونحوها.
ومن مظاهر قلة الحياء أيضًا عدمُ احترام الآخرين وتقديرِ مشاعرِهم فلا يرعي لكبير حقًا، ولا يغرس في صغير خلقا، هـمُّه مصالـحُه الخاصة، تستحكم فيه الأنانيةُ وحبُّ الذات إلى درجة تسفيه الآخرين واحتقارهم وعدم المبالاة بهم.
ومن مظاهر قلة الحياء إلف المحرمات؛ واستثقال الواجبات سواء كانت للخالق أم للخلق.
ومن مظاهر قلة الحياء فيما يتعلق بالنساء ما يرى من بعضهن من التبرج والسفور، والعبث بالحجاب الشرعي. وكذلك ما يرى من بعضهن من عدم المبالاة بالاختلاط بالرجال في ميادين التعليم والعمل وغيرها. ومن مظاهر قلة الحياء لدى النساء أيضا تساهلهن في الألبسة العارية التي قال في أصحابها الرسول صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح مسلم: 2128]، حتى أن بعضهم يحتج بأن لبسها لذلك أمام النساء أو أمام محارمها.
ومن مظاهر قلة الحياء ما يرى من تشبه بعض الشباب والفتيات بالجنس الآخر في العادات والألبسة وغيرها.
ومن أعظم مظاهر قلة الحياء المجاهرة بالمعصية أيًّا كانت المعصية، وهي سبب لعدم العافية في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «صحيح البخاري: 6069]. ذلك - يا عباد الله - لأن المجاهر يجمع بين سيئتين الأولى المعصية؛ والثانية المجاهرة بها.
» [اللهم ارزقنا الإيمان والحياء. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق.