خطب مختارة - [78] الحركة الحوثية

منذ 2016-03-08

حين حدثت الوحدة اليمنية وفتح المجال أمام التعدُّدية الحزبية، كان لتنظيم الحوثي كرسيٌّ في مجلس النوَّاب في الحكومة اليمنية ممثِّلاً عن الطائفة الزيدية. وفي تلك الفترة حصل انشقاق ومنافَرة بين علماء الزيدية من جهة وبين حسين بدر الدين الحوثي من جهة أخرى؛ بسبب آراء الحوثي المخالفة للزيدية؛ ومنها: دفاعه المستميت ومَيْله الواضح لمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية وتصحيحه لبعض معتقداتهم، فأصدر حينها علماء الزيدية بيانًا تبرَّؤوا فيه من الحوثي وآرائه.

الخطبة الأولى:

حين حدثت الوحدة اليمنية وفتح المجال أمام التعدُّدية الحزبية، كان لتنظيم الحوثي كرسيٌّ في مجلس النوَّاب في الحكومة اليمنية ممثِّلاً عن الطائفة الزيدية. وفي تلك الفترة حصل انشقاق ومنافَرة بين علماء الزيدية من جهة وبين حسين بدر الدين الحوثي من جهة أخرى؛ بسبب آراء الحوثي المخالفة للزيدية؛ ومنها: دفاعه المستميت ومَيْله الواضح لمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية وتصحيحه لبعض معتقداتهم، فأصدر حينها علماء الزيدية بيانًا تبرَّؤوا فيه من الحوثي وآرائه.

عندها اضطرَّ الحوثي للهجرة إلى إيران، وعاش هناك عِدَّة سنوات تغذَّى فيها من المعتقد الصفوي وازدادت قناعته بالمذهب الإمامي الاثني عشري، وفي عام 2002 ميلادية عاد الحوثي إلى بلاده، وعاد لتدريس أفكاره الجديدة والتي منها: لعن الصحابة وتكفيرُهم، ووجوبُ أخذ الخُمُس، وغيرها من المسائل التي وافق فيها مذهبَ الشيعة الإمامية، وفي تلك الأثناء -أيضًا- كانت الحركة الحوثية ترسل أبناءً من صعدة للدراسة في الحوزات العلمية في قم والنجف؛ لتُعبِّئهم العمائمُ الصَفَويةُ هناكَ بأنَّ كلَّ حكومةٍ غير ولاية الفقية النائبة عن الإمام المنتظَر هي حكومةٌ غير شرعية ولا مُعترف بها، ولهذا كان للحركة الحوثية النَفَسُ الثوريُّ الناقمُ على الحكومة هناك؛ فاندلعت حروبٌ تلو حروبٍ كلَّفت اليمنَ آلاف الأرواح والخسائرَ المالية الكبرى.

وقد كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اليمن، والدعم الصفوي العسكري والمالي - من أهم الأسباب التي جعلت هذه الحركة تبرز على الساحة في سنوات قلائل، فضلًا عن الشعارات الرنَّانة التي كان يرفعها الحوثيون؛ كشعار (الموت لأمريكا)، وشعار (الموت لإسرائيل)، (اللعنة على اليهود) وغيرها من الشعارات الخدَّاعة.

عباد الله، يقول الله تعالى عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] .

إنهم بحقٍّ جيلٌ فريدٌ في إيمانه وجهاده، اختارهم الله لصحبة نبيه وتبليغ رسالته من بعده، يقول أبو زرعة رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، ويقول الإمام أحمد رحمه الله: "إذا رأيت الرجل يذكر أحدًا من الصحابة بسوء فاتَّهمه على الإسلام".

فماذا تقول هذه العصابات الحوثية ومؤسِّسُوها عن صفوة الأمة وسابقيها؟ اسمع إلى شيء من أقوالهم وجسارتهم على أفضل وخير جيلٍ، يقول بدر الدين الحوثي صاحب كتاب: (الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز وعلى عبدالعزيز بن باز)، يقول: "أنا عن نفسي أُؤمِن بتكفيرهم"؛ يعني: أصحاب النبي: ويقول ابنه حسين الحوثي الهالك: "واحترامًا لمشاعر السنة في داخل اليمن وخارجها كُنَّا نسكت مع اعتقادنا أنهما - أي: الشيخين أبا بكر وعمر- مخطئون عاصون ضالُّون". وقال -أيضًا- في أحد خطاباته ما نصه: "الأمة في كل سنة تهبط نحو الأسفل من جيل بعد جيل إلى أن وصلت تحت أقدام اليهود من عهد أبي بكر إلى الآن". وقال هذا الحوثي - أيضًا: "معاوية سيئة من سيئات عمر، وأبو بكر واحد من سيئاته، وعثمان واحد من سيئاته".

أما لماذا يحنق هؤلاء على عمر بالأخصِّ؛ فالجواب: لأن الفاروق رضي الله عنه هو الذي أطفأ نار المجوس وأسقط عروش الفرس.

إخوة الإيمان: إن من الخطأ البيِّن أن يُنْظَر إلى هذه الحركة وما عملته على أنها حركة سياسية معارِضة تطالِب بحقوقٍ مسلوبة فقط فقد تبين بغيُها وعدوانُها على أبناء بلدها. ومن الخطأ البيِّن تنحية البعد العقَدي في حديثنا عن هذه الحركة الشيعية الباطنية.

ومن الخطأ أيضًا نسيان تاريخ الحركات الشيعية الثورية التي عانى منها المسلمون عبر تاريخهم؛ كحركة القرامطة، والحركة العُبَيدية، والصفوية، وغيرها من الحركات التي أذاقت المسلمين الوَيْلات، وأدخلت أهل الإسلام في صراعات داخلية مريرة؛ فما هذه الحركة إلا امتدادٌ لتلك الحركات الباطنية جاءت استجابة للصوت الصَفَوي الذي دعا لتصدير الثورة المزعومة في مشارق الأرض ومغاربها.

لا يمكن -عبادَ الله-: أن نفصل هذه الحركة عن مخطَّط التمدُّد الشيعي على البلاد الإسلامية؛ فالميل العَقَدي للشيعة الاثني عشرية قد ظهر على حال مؤسسي هذه الحركة وأقوالهم، وصرَّح غير واحد من السياسيين في اليمن أنَّ إيران هي الداعم الرئيس لهذه الحركة التي تسعى للانفصال، وكذلك القنوات الشيعية الفضائية -أيضًا- تقف مع الحركة الحوثية وتظهرهم مظهر المظلوم.

فالمخطَّط الصفوي لابتلاع العالم الإسلامي واضح للعيان من خلال أذرعه الموزَّعة هنا وهناك، ليس هذا من قبيل المبالغة ولا وقوعًا في هاجس المؤامرة، بل الأحداث تحكي والوقائع تنطق بهذا المكر الكُبَّار.

عبادَ الله، مما ينبغي معرفته وذكره في هذه الأحداث أنَّ الثورة الصفوية قد بشَّرت أتباعها بقرب ظهور مهديِّهم الغائب المنتظَر، وأن هذا الظهور لن يكون إلا بعد ثورات متتالية على مَن ظلَم أهل البيت وسلَب منهم حقوقَهم؛ ولذا فهذه الثورات -بحسب المعتقد الصَفَوي- تمهِّد لخروج الإمام الغائب الحجة -كما يزعمون.

نسأل الله تعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يردَّ كيد الروافض في نحورهم، وأن يخلِّص بلاد المسلمين من شرِّهم وفِتَنهم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

 إخوة الإيمان: هذه البلاد الغنية بثرواتها الغالية وبمقدساتها كانت -ولا زالت- هدفًا للأطماع الفارسية؛ ولم يعد ذلك سرًا بينهم؛ بل أصبحوا يصرحون به هم وأتباعهم.

والكل يعلم، والتاريخ ينطق أن هؤلاء الروافض لم تكن لهم صفحة بيضاء مع أهل الإسلام، ولم تكن لهم فتوحات عبر التاريخ تُذْكَر، وإنما هم خنجر يطعن في ظهر الأمة.

واسألوا التاريخ، مَن الذي سلَّم القدس بعد عمر للنصارى الصليبين؟! مَن الذي سرق الحجر الأسود واغتصبه في الأحساء اثنين وعشرين سنة؟!  مَن الذي كان سببًا في سقوط الخلافة الإسلامية العباسية؟! مَن الذي عاق الفتوحات العثمانية في قلب أوروبا وطعنها من الخلف؟! مَن الذين قتّلوا اليوم أهل السنة في العراق وسوريا؟! ومَن...؟! ومَن...؟! سلسلة طويلة من المؤامرات والدسائس والخيانات.

إنها الحركات الباطنية الرافضية التي أنشَأت فِرَقًا للموت؛ ولكن على أهل السنة؛ لأنهم يترضَّوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة، ننبه أنه لابد من التفريق بين مذهب الزيدية، وبين الفَرَق الخارجةِ عنهم كالجارودية الذين عُرفوا بالغلو والميل للرافضة؛ التي يتطابق معهم بدر الدين الحوثي وأتباعه؛ فمن الخطأ تصوير الحوثيين على أنهم هم الزيدية، فهذا التصوُّر والتصوير يخدم المصالح الفُرْسية التي تسعى لتقوية هذه الحركة وتزعيمها على غيرها من الطوائف الزيدية تمامًا كما صنعت مع شيعة لبنان.

فالشيعة -قديمًا في لبنان- لم يكونوا على خطِّ مذهب ولاية الفقيه، ولكن مع بروز حزب الله الإيراني أصبح هذا الحزب هو الممثِّل للشيعة؛ لأنه الأقوى والأعلى صوتًا، وتلاشت وخفتت الأصواتُ الأخرى.

إخوة الإيمان، واجب علينا رصُّ الصف الداخلي وتوحيد الكلمة، وعدم إثارة ما يفرِّق ويشتِّت، وردُّ الأمر في المسائل الشرعية إلى أهل العلم الراسخين، والحذر من ترويج الإشاعات.

ومن واجبنا أيضًا الدُّعاء لإخواننا المرابطين في أطراف البلاد المدافعين عن الحرمات والمقدَّسات، والناصرين للحق.

نسأل الله تعالى أن يحفظ لبلاد المسلمين أمنها وإيمانها وعقيدتها واستقرارها، وأن يردَّ كَيْد الكائدين في نحورهم، وأن يكبت شرَّ أهل الفتنة والفساد والزيغ والعناد. ونسأل الله أن تكون (عاصفة الحزم) رياح خير واستقرار لإخواننا في اليمن؛ وإطفاءً للفتنة وأهلها وتمكينًا للسُنّة وأهلها. اللهم أعز الإسلام والمسلمين.

  • 5
  • 2
  • 4,261
المقال السابق
[77] الحياء
المقال التالي
[79] الحياة البرزخية

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً