اختيارموضوع البحث في التربية الإسلامية

منذ 2016-03-14

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً؛ والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله وخاتم رسله ومن اهتدي بهديه وانتهج نهجه، تركنا علي الحجة البيضاء من زاغ عنها ضل في الدنيا وهلك في الآخرة.

لاشك أن قضية اختيار موضوع للبحث هي أهم خطوات البحث العلمي؛ نظراً لما يترتب عليها من آثار قد تؤدي إلي عدم إتمام البحث أو قصوره أو قد تعود بآثار سلبية علي الباحث ذاته، وهذا ما يدعو الأساتذة والمشرفين إلي التركيز علي هذه الخطوة وتوجيه عناية الباحثين بضرورة التأهيل لها جيداً ومراعاة بعض الإجراءات التي تضمن السلامة في هذه الخطوة الحرجة.

وهنا يستوجب علينا أن نتوجه بالشكر والعرفان الخالص من التملق للأستاذ الذ يبخبرته وضميره العلمي أثار انتباهنا إلي هذه الخطوة، مباشرة بالنصح والإرشاد وبطريقة عملية وغير مباشرة بالكتابة حول هذه الخطوة، وذلك ما نصح به سلفنا عندما قالوا: "إذا أردت أن تتقن فناً فاكتب فيه".

وهناك طريقتان متبعتان في اختيار موضوع البحث:

أحدهما أن يقوم الأستاذ والقسم أو الكلية أو الجهة المعنية بوضع قائمة من الموضوعات وتعرضها علي الباحثين، والذين بدورهم يختارون ما يناسبهم ضمن هذه القائمة، ويكثر استخدام هذه الطريقة مع المبتدئين في البحث العلمي وفي إطار التدريب والتأهيل كمراحل الليسانس والبكالوريوس.

أما الطريقة الأخرى فهي تكفل للباحث حرية اختيار الموضوع بدون تدخل خارجي سوي النصح والإرشاد.
وتستخدم هذه الطريقة مع المتخصصين والحاذقين من الباحثين لاسيما في مراحل الماجستير والدكتوراه وما يعلوهما، وهذا الأخير هو المعني بهذا البحث القصير.

وهناك ثمة نصائح ومعايير وضعها أهل العلم في مواضيع متفرقة نحاول جمعها في هذا البحث منها ما يرتبط بالباحث ومنها ما يرتبط بالموضوع.

وقبل أن يفكر الباحث في اختيار الموضوع يجب عليه أن يسأل نفسه هذا السؤال؛ لماذا هو مقبل علي هذا البحث؟ وإجابة هذا السؤال هي معيار نجاح البحث وقيمته عند أهله.

فكلما كانت نية الباحث خالصة لله مبرأة من الرياء والشهرة كانت البركة فيه؛ التي تجعل من قليله كثير ومن ضيق دائرة نفعه إلي سعتها ومن الشهرة المؤقتة إلى خلود ينتفع به الأجيال، وبها يكتب له القبول في الأرض والأجر في السماء، ولهذا قال المعصوم : «إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات...» (رواه البخاري).

وقد أدرك الباحثون من السلف أن الأعمال تتضاعف بالنية وتغور وتندثر بالنية فكانوا يستحضرون على العمل الواحد الكثير من النيات الخالية من حظوظ النفس، فأيد الله تعالي أبحاثهم بالبركة وكتب لها القبول، فلا تزال الأمة إلي اليوم عيال على أبحاثهم، بليت أجسادهم وخلدت علومهم.

وقد أفردنا النية لأهميتها، وإلا فهناك بعض المعايير الأخرى في اختيار الموضوع والتي تتعلق بالباحث.

المعايير الذاتية:

- الصبر والمثابرة؛ حيث يتعين علي الباحث حضور محاضرات الأساتذة والتواصل مع الزملاء، لأن الفرد مشغول باهتمامات جلسائه ومتأثر بجليسه، ومنها تتولد الأفكار وتنهمر المعلومات وتنبع الخواطر، ويستفيد من التجارب.

عندئذ ستتوافد علي ذهن الباحث الكثير من الأفكار والموضوعات فإن لم يتحلى بالصبر والتأني سيجنح إلي العجلة والتهور الذي يسوقه إلي اختيار موضوع ربما لا يكون مناسبا، أو يصده عن موضوع آخر أكثر مناسبة له.

- أن يكون الباحث ملماً بدقائق تخصصه مستوعباً لموضوعاته مستعداً للإجابة علي أي طرح فيه؛ قادرا على البحث الدقيق فيه.

فهناك فرقاً بين البحث والكتاب فالأول أدق من الثاني وأكثر تخصصاً منه، فالكتاب يتعلق بأكثر من نقطة يتناولها الكاتب في كتابة، بخلاف البحث الذي يقتصر علي نقطة واحدة غامضة يغوص بها الباحث إلى القاع جامعاً كل ما يتعلق بها.

 ومن هذا المنطق فإنه يصح القول بأن كل بحث فهو كتاب وليس كل كتاب يطلق عليه بحث.

ويتعلق بهذه النقطة أيضاً ممارسة الباحث لبعض البحوث الصغيرة التي تكون دربة له بحيث تضعه علي قارعة البحث العلمي الدقيق وذلك خلال فترة الإعداد التي تسبق كل درجة علمية؛ حتي تتكون لدي الباحث ملكة الكتابة وفن البحث وخبرة ترتيب الأفكار ومهارة الربط بين الموضوعات.

- أن يتمكن من الأدوات المساعدة:
فقد يكون الباحث متعمقاً في تخصصه لكنه ضعيف في اللغة العربية، بالتالي لن يفيده ما عنده من علم طالما لا يستطيع التعبير عنه، وقد يحتاج إلي لغات أخرى إذا كان الموضوع مستهلكا من قبل الأجانب، أو يستخدم هو المنهج المقارن فيحتاج إلي شراء مراجع ثمينة أو جلب مخطوطات قد تكون خارج بلده إلى آخر ذلك؛ وللوقت بالغ الأثر بناء علي المدة المقررة للبحث، بحيث تتناسب مع موضوع البحث والنقاط التي سيتناولها.

- عاطفة الباحث تجاه الموضوع:
فكلما ارتبط الباحث بالموضوع وكان في سياق خلفيته الثقافية كلما ارتفعت نسبة نجاح الموضوع؛ لأن الباحث سيرتبط بهذا الموضوع عامين على الأكثر ينشغل به في كل أحواله، فإذا لم يكن مقتنعاً بأهمية، ملبياً حاجته العلمية فكيف سيبدع فيه.

أضف إلي ذلك مدى اقتناع الباحث بالموضوع وتبني نتائجه وعدم مخالفة ثوابته، ومن المهم أيضاً مراعاة التوجه العام للمجتمع حيال الموضوع، وفي الاتجاه الآخر ينبغي على الطالب ألا يختار موضوعاً يفرض عليه الاتجاه في خط معين، كأن يتكلم عن أحد أفراد عائلته مثلا.

- الحيادية والأمانة:
ينبغي على الباحث أن يلتزم بالمنهجية وأن يكون محايدا لا يركز علي الإيجابيات ويترك السلبيات ولا العكس، بل ينطلق في بحثة لا تحده سوى الحدود الشرعية والقواعد المرعية فى البحث العلمي، بحيث يصل في النهاية إلى نتيجة محايدة خالصة من الهوى.

وينبغى على الطالب ألا يختار موضوعا يتعصب له؛ وألا يختار موضوعا توجب عليه عاطفته أن يسير به فى اتجاه معين.

تلك هى المعايير الذاتية التى تتعلق بالباحث, وهناك ثمة أنواع يجب ألا يخرج عنهم الموضوع؛ تعارف عليها السلف والخلف وذكرهم حاجي خليفة فى كشف الظنون قال: التأليف فى سبعة أنواع لايؤلف عاقل إلا فيها وهى:

  1. إما إلى شيء لم يسبق إليه فيخترعه.
  2. أو شيء ناقص يتمه.
  3. أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه.
  4. أو شيء متفرق فيجمعه.
  5. أو شيء مختلط يربطه.
  6. أو شيء مغلق يشرحه.
  7. أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه.

وأي موضوع خرج عنهم فهو غث لا فائدة منه ولا خير فيه لأنه تكرار لسالف ضيع فيه صاحبه وقتا ومالا وجهدا.

وتلك السبعة تشمل الكتاب والبحث وهناك ثمة صفات ينبغي توافرها في البحث الجيد نذكر منها إجمالا:

  • أن يكون الموضوع ذو قيمة علمية فى تخصصه, بحيث يملأ فراغا مؤثرا فى مجاله طالما احتاج اليه الباحثين والمعنيين؛ وعلى الباحث ألا تكون غايته الانجاز فيستسهل موضوعا ليس بالقيم فهذا ليس من أخلاق طلبة العلم فضلا عن باحث قاب قوسين أو أدنى منها من اعتماده عالما متخصصا في مجاله فإذا لم يضف إلى تخصصه فهو عالة على غيره؛ بل يضع نصب عينيه دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (رواه مسلم).
  • وفرة المصادر والمراجع؛ فقد يكون الموضوع ذو قيمة ولكن لا تتوفر له المصادر الكافية لإتمامه ومن ثم قد يتعثر الباحث ويتوقف عن الموضوع أو قد يحتاج الى وقت أطول مما وضع له.
  • أن يكون الموضوع ملائما لبيئة البحث السياسية الاجتماعية والدينية , بحيث لا يتعارض مع توجهات المجتمع وثوابته فيحدث ما لا يحمد عقباه,
  • الدقة والوضوحفى الصياغة, بحيث يكون عنوانه دالا على مضمونه جاذبا لقارئه وألا يكون موجزا في خلل أو مطنبا في ملل.
  • أن يكون الموضوع ضيقا يستوعب نقطة محددة يتناولها الباحث من كافة جوانبها يسبر غورها ويدرك قعرها.

ولابد لباحث التربية الإسلامية ألا يخرج بحثه عن مجالات هذا الميدان والتى اتفق عليها أساطين العلم في هذا التخصص العلمي ولكن ينبغى أن يضع هذ الأسس في اعتباره عن اخياره للموضوع.

-أن الله تعالى قد أنزل كتابا فسره وحى يوحى تربية وتنظيما لحياة الناس حتى يؤدى أمانة عمارة الأرض وإصلاحها ودرئا لهم عن الانحراف

- العالم اليوم ولى وجه شطر العقل ينظم حياته ويضع أهدافه منبهرين بما حققه من نتائج مادية جلبت له الراحة وفى نفس الوقت متغافلين عما جلبته لهم التكنولوجيا من تعاسة وفساد فضلا عن التخبط والتردد فكلما جاء مفكرا برأي استحسنوه امنوا به وكفروا بالأخر

- وهنا يأتي دور الباحث في التربية الإسلامية في تناوله المنهج الإسلامي المبرأ من النقص؛ فيعرضه على الناس بأسلوب عصري يتلاءم مع مستجدات العصر بعيدا عن الخلافات المذهبية والفكرية يستنبط الأسس التربوية ويبين الحكم الشرعية ويبرهن على حاجة العالم إليها.

- وينبغي أن لا يخرج موضوع البحث عن القرآن والسنة والإجماع فهي ثوابت لا تقبل المناقشة؛ لا يدركها عقل وما انحرف عنها إلا ضال أو مبتدع؛ فهم معيار لصدق المحتوى وسلامة الرأى.

وبعد أن يختار الباحث موضوعه ويقره عليه الأساتذة يتعين عليه خطوة هامة وهى استخارة المولى عز وجل التى من علينا بها نحن الخلف نظرا لعدم وجود النبي بيننا نستشيره كما يفعل صحابته.

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف

  • 8
  • 1
  • 13,664

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً