الدراسات النفسية في الحضارة الإسلامية

منذ 2016-03-27

أبدعت الحضارة الإسلامية نموذجاً رائعاً في الاهتمام بعلم النفس وبالطب النفسي، فلم يقتصر العلاج على الناحية العضوية فقط، بل تعداه إلى الناحية النفسية، وذلك قبل ظهور الطب النفسي الحديث بقرون عدة.

الطب النفسي وعلاقته بالأمراض العضوية: فطن علماء المسلمين إلى أهمية الجانب النفسي في شفاء الأمراض العضوية، فابتكروا نوعاً من الأوقاف يسمى "وقف خداع المريض" وكان يصرف منه على شخصين يذهبان عند الشخص المطلوب علاجه في البيمارستان (المستشفى) ثم يتحدثان مع بعضهما بصوت خافت حول المرض ويذكر أحدهما في سياق الحديث بأنه كان مريضاً بذلك المرض وشفي منه، فيسمع ذلك المريض المطلوب علاجه فتتحسن حالته النفسية ويتماثل للشفاء.

كما أشار الطبيب المسلم أبو بكر الرازي إلى أهمية العامل النفسي في العلاج، إذ قال "ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة ويرجيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس" وكان أول من أشار إلى الأصول النفسية لمرض التهاب المفاصل الروماتيزمي، وفرق بينه وبين النقرس، وقرر أنه مرض جسدي في الظاهر إلا أنه ناشئ عن اضطرابات نفسية، وأن أكثر من تظهر عليهم تلك الأعراض هم أولئك الذين يكظمون الغيظ فيتراكم ويسبب لهم هزات نفسية كبيرة تسبب لهم ذلك المرض.

وأشار الرازي إلى أن بعض أنواع سوء الهضم تنشأ عن أسباب نفسية، فقد يكون لسوء الهضم أسباب بخلاف رداءة الكبد والطحال منها الهموم النفسانية.

بالإضافة لذلك فقد عزا ابن سينا بعض حالات العقم إلى عدم التوافق النفسي بين الزوجين.

أدوية كيميائية للأمراض النفسية: عنى أطباء المسلمين بتصنيف الأمراض النفسية ووصف الأدوية والعقاقير المناسبة لها، ومن هذه الأدوية: إكليل الملك وحشيشة الاوز لعلاج الصرع، و أرطماسيا وترنجان لعلاج الهيستريا، أما "الميلانخوليا" _ و يقصد بها الأعراض النفسية والعقلية الناتجة عن مرض الاكتئاب_ فقد حدد لها ابن سينا علاجاً يسمى بعشبة "عصبة القلب"،و تكمن أهمية هذا الدواء أنه مستخدم حالياً لعلاج الإضطرابات المزاجية في العيادات الأجنبية والألمانية خصوصاً. وتجهز هذه العشبة على شكل أكياس تشبه أكياس الشاي، وقد أثبتت التجارب تفوّق فاعليتها العلاجية على أحدث أدوية مضاد الإكتئاب الحديثة. وتعرف هذه العشبة في الغرب باسم "عشبة القديس يوحنا" و"العشبة المنسية".

قصص ملهمة من وحي التراث النفسي الإسلامي: هذا ويمتلئ التراث الإسلامي بقصص للعلاج النفسي، منها قصة ابن سينا الذي عالج شاباً مريضاً بأن ذهب إليه وذكر أمامه جميع أحياء المدينة التي يعيش فيها، فلاحظ ابن سينا تزايد ضربات قلب الشاب عند ذكر اسم حي بعينه، فبدأ ابن سينا في ذكر أسماء جميع الأسر التي تعيش في هذا الحي، فإذا بالشاب تزداد دقات قلبه عند ذكر اسم أسرة معينة، فأخذ ابن سينا في ذكر جميع أفراد تلك الأسرة فإذا بالشاب تزداد نبضات قلبه عند ذكر اسم فتاة محددة، ففطن ابن سينا إلى حب الشاب لتلك الفتاة وأوصى أهل الشاب بتزويجه من تلك الفتاة حتى يشفى.

ومنها قصة ابن سينا أيضاً مع أحد أمراء بني بويه، حيث أصيب هذا الأمير بمرض عصبي وتوهم أنه بقرة يجب ذبحها، فتوجه إليه ابن سينا ومعه سكين حادة وأوهمه بأنه يريد ذبحه، ثم صاح: " هذه بقرة نحيفة هزيلة، أعلفها أولاً حتى تسمن" ثم أخذ الأمير المريض يأكل بشراهة وكان ابن سينا يدس له الدواء في الطعام حتى تم شفاؤه.

هذا غيض من فيض من تاريخ التراث الإسلامي النفسي، هكذا أبدعت الحضارة الإسلامية في شتى مجالات العلوم والمعرفة ومنها مجال الطب النفسي.
_______________

المراجع:

  • د. راغب السرجاني – قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية.
  • محمد أحمد النابلسي. الأدوية النفسية في التراث العربي . من حشيشة القلب إلى شرش الزلوع. (مقال) رابط: http://daharchives.a...شرش-الزلوع.html , تاريخ  أخر اطلاع: 25 / 3 / 2016
  • وفاءعبداللطيف. ماهي الميلانخوليا. رابط: http://www.ethadsawr...ي-الميلانخوليا/؛ تاريخ أخر اطلاع: 25 / 3 / 2016

أحمد السعيد

كاتب إسلامي متخصص في التاريخ

  • 0
  • 0
  • 11,012

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً