العراق، الاحتلال، وديزني لاند !

منذ 2010-03-25

ويبقى السؤال مطروحًا: إلى متى سنترك بُلداننا نهبة لذلك الغرب الاستعماري المسيحي المتعصب، الذي يعربد ببلادنا وديننا ومصائرنا كما يحلو له بسبب تفككنا وتواطؤ البعض منا ؟!..



فى الوقت الذي يحاول فيه المحتل الغاشم لأرض العراق تثبيت مواقعه ومكاسبه الناجمة عن الاحتلال العسكري، ذلك الاحتلال الذي لا سبب ولا شرعية له سوى ما اختلقه هو من أكاذيب مفضوحة لتبرير العدوان؛ تدور مساعيه الآن لترسيخه بالاتفاق المتوقع إقراره بين واشنطن وبغداد .. إذ يحتفظ الأمريكيون بموجب الاتفاق بأكثر من خمسين قاعدة عسكرية دائمة فى العراق، ويتمتع الجنود والمقاولون الأمريكيون بالحصانة أمام القوانين العراقية، كما يطلق الاتفاق يد القوات الأمريكية للقيام باعتقالات عسكرية دون استشارة الحكومة العراقية ولا أي مساءلة من القانون العراقي! وهو ما يمثل خرقًا رهيبًا لسيادة العراق والعراقيين، وتثبيتًا صارخًا لاحتلال عسكري، وإضفاء شرعية لما لا شرعية له ..


ولا أدل على ذلك التثبيت الفاجر للاحتلال إلا حجم السفارة الأمريكية التى تم بناؤها، وهى بمساحة حيّ بأسرِه وليس مجرد مبنى لبعثة دبلوماسية بأي حال من الأحوال، أي أنه مقر استيطاني بكل المقاييس.. ثم ذلك الخبر الذي طالعته، وهو مقال بقلم ميشيل شسودوفسكى ، يوم 4 يونيو 2008، حول إقامة مشروع "ديزني لاند" الترفيهي الاستثماري فى العراق !!..

وكأن العراق قد نسي الشهداء الذين ذبحهم الاستعمار باحتلاله، الذين فاق عددهم المليون شهيدًا، ونسي قرابة الخمسة ملايين الذين نَزحوا من ويلات الأسلحة المحرم استخدامها كاليورانيوم المخضّب وغيره؛ الذي لا يخلّف إلا الدمار الأسود لأرض لن يمكن زراعتها، ونسوا سرقة آثار العراق من المتاحف ومن الأرض قبل الغزو بأسبوعين تقريبًا؛ و تعديل قانون الآثار لإمكانية إخراجها سليمة من البلاد .. ونسوا الخراب الذي حل بالأرض والدمار الذي ترسخ فى النفوس والوجدان والأجيال .. ونسوا فضائح التعذيب اللا إنساني الذي يمارسه الجنود الأمريكيون فى سجن "أبو غريب"..
وبعد كل ذلك القحط الذي تم فرضه على شعب لا ذنب له إلا أنه مسلم، شعب وَهَبَه المولى عز وجل ثروات تاريخية وطبيعية وحضارية لا حصر لها، يفكرون فى الترفيه عنه !!..


وكانت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية قد أذاعت فى 26 أبريل 2008 أن أحد المقاولين الأمريكان من مدينة لوس أنجلوس يرغب فى استثمار بضعة ملايين من الدولارات فى العراق بانشاء مركز ترفيهي كبير وسط بغداد. وأن الجنرال دافيد بترايوس أحد مؤيدى هذا المشروع الترفيهي الكبير القائم على السماح لشركة ديزني لاند بالتواجد فى بغداد .. وأن البنتاجون يساند المشروع، وأن هناك شركة لم يتم الإعلان عن اسمها سوف تقوم بتمويل رؤوس الأموال اللازمة .. والمشروع باسم: Bagdad Zoo and Entertainement Experience" " أى "تجربة حديقة حيوان بغداد الترفيهية" .. وسوف تقوم شركة "رايد أند شو" الهندسية بعمل تصميمات الحدائق Ride and Show Engineering"، وهى التي قامت بتخطيط مشروع ديزني لاند فى كاليفورنيا.

وسوف يضم المشروع مجمعًا يقام على مساحة خمسين فدانًا، متاخمًا لمنطقة الحزام الأخضر. أي أنه سوف يقام، على حد إعلان جريدة التايمز اللندنية، فى 24 أبريل 2008، على أنقاض حديقة حيوانات بغداد السابقة، بحى الزورا الذي دكته فرق الاحتلال الأمريكي الغاشم فى أبريل 2003 .. تجربة استثنائية جديدة لشعب تم دكه حتى الثمالة....



وإن كان مجمّع ديزني لاند هذا سيضم مساحة شاسعة للعبة ألواح خشبية ملونة، مزودة بالعجل، وهى لعبة أمريكية شديدة الانتشار بين أطفال الأمريكان، وألعاب خشبية متعددة كالمراجيح أو الأحصنة الخشبية الطائرة، وقاعة للحفلات الموسيقية ومتحفا .. إلا أنه لا شك في أن هذا المشروع يعد جزء لا يتجزأ من الدعاية الأمريكية الممجوجة، بأن تقيم مستعمرة ثقافية أمريكية النمط والمضمون على أرض محتلة، بعد أن اقتلعت ما عليها واجتزت بنياتها الثقافية والتعليمية، ومنها المتاحف والجامعات والمدارس والحدائق العامة والمسارح ودور العرض السينمائية وكل ما له صلة بالتراث والهوية العراقية ..


ومن الواضح أن أحدًا من أولئك المستغلين لمصائب الغير لصالح استثماراتهم لم يفكر فى وقع مثل هذا المشروع على أطفال وشباب العراق وقد تدمرت آمالهم وطموحاتهم بسبب الاحتلال الأمريكي .. ومن الواضح أيضا أن الهدف الخفي لمثل هذا المشروع هو اجتثاث الشباب العراقي من واقعه الاجتماعي وإبعاده عن الواقع السياسي والتمويه على الشعور بالكراهية للأمريكان، أو الحد منه، وإضعاف روح المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي، وذلك بفضل البرامج المعتمدة على الحيل السينمائية وخدعها، التى تجتاز الواقع بتحويله إلى خيالات تمويهًا لبشاعة ما خلفته تلك الحرب العاتية من دمار فى الأرض وفى النفوس..


ومما لا شك فيه أن مثل هذا المشروع الهادف إلى غرس القيم الأمريكية وهدم الهوية العراقية يهدف أول ما يهدف إليه: الاستحواذ على أجيال الشباب وتقليم أظافرهم وتطويعهم لمصلحة الاحتلال العسكري .. والشباب هنا يمثل تقريبا نصف التعداد الحالي من العراقيين دون الخامسة عشر من العمر.. " وهم بحاجة إلى ما يشغلهم"، على حد قول المستثمر برينكلي لجريدة التايمز فى 24 أبريل 2008؛ لذلك ينوي المحتل العسكري ومستثمريه إشغالهم بالمراجيح وألواح التزحلق الملونة والخدع السحرية السينمائية!.....



ويا لها من مصيبة مأساوية، تلك التى ترمي إلى إلهاء شعب بعد أن هدمت تراثه الثقافي والفكري والمعرفي، ومحت تاريخ منطقة ما بين النهرين إلى الأبد...

ثم يأتي المستثمر الأمريكي بكل قحة وجبروت، ليملأ ذلك الفراغ الرهيب بألاعيب ترفيهية حمقاء لغرس النمط الأمريكي بكل سطحياته الاستهلاكية .. ويقول ليفلن فرنر الداعم الأساسي للمشروع : "أعتقد أن الشعب العراقي سوف يحب هذا المشروع وسيرى فيه فرصة فريدة لأبنائه، ولا يهم كثيرًا إن كانوا شيعة أو سنيّين، سيقولون إن أبناءهم يستحقون مكانًا يلهون فيه" .. ويا له من لهو يقام على ما فرضه من مجازر بين السنة والشيعة!!


أيّ لهو ذلك الذي يقدمه المستعمِر العسكري لشباب فى بلد تم دك كل بنياته العامة والأساسية ومدارسه ومستشفياته وحولها إلى أنقاض متفحمة ؟!
من الواضح أن مثل هذا المشروع ليس فى واقع الأمر إلا ذريعة أخرى يستولي بها المستعمِر على ما بقي من أرض يمكن شراؤها والسيطرة عليها وعلى ما سيقام عليها من مشاريع ربحية أخرى كالفنادق والمساكن الراقية.. وهو ما أعلنه السيد فرنر قائلًا:"لو لم يكن مربحًا لما فكرت فى إقامته"!



ويبقى السؤال مطروحًا: إلى متى سنترك بُلداننا نهبة لذلك الغرب الاستعماري المسيحي المتعصب، الذي يعربد ببلادنا وديننا ومصائرنا كما يحلو له بسبب تفككنا وتواطؤ البعض منا ؟!..


ألم يحن الوقت بعد لرأب الخلافات التى أوجدها نفر من ذلك الغرب ونهتم بمصائرنا ونحمى ديننا وبلداننا من ذلك الدمار الكاسح الذي ينتظرنا، فما هو قادم أشد وأعتى ؟!...


 

المصدر: أ. د. زينب عبد العزيز - موقع التاريخ
  • 0
  • 0
  • 3,191

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً