(28) فضائل الأعمال في القرآن الكريم والسنة النبوية
- التصنيفات: دعوة المسلمين - الحث على الطاعات -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنّ طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، هي أصل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وأن معصية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم هما سبب دخول النار، كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء13-14].
وكما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث قَالَ صلى الله عليه وسلم: « » (البخاري:7280).
قول لا إله إلا الله بإخلاص ويقين:
فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ رضي الله تعالى عنه: « »(البخاري:128 ومسلم:32).
وروى مسلم (29) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله تعالى عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « ». وروى (البخاري:425 ومسلم:33) عن عِتْبَانَ بْن مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « ».
الصلاة:
أعظم باب لتحقيق الصلاح والتقوى هو الالتزام بالصلاة وإقامتها حق الإقامة من غير إخلال بها، فمن أقامها وحافظ عليها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، فإنه يبعد نفسه عن سبل المنكر والفحشاء، ويحقق تقوى الله تعالى، ويدخل في زمرة عباد الله تعالى الصالحين.
قال الله تعالى : {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45] وقال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » (متفق عليه)َ، وروى أحمد (17882) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « » حسنه الألباني في (صحيح الترغيب:381).
وروى أبو داود (1420)، والنسائي (461) عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « » وصححه الألباني في (صحيح أبي داود).
ورواه أبو داود أيضا (425)، وأحمد (22704) عن عبادة رضي الله تعالى عنه بلفظ: « » وصححه الألباني في (صحيح أبي داود)، وكذا صححه محققو المسند.
قراءة القرآن الكريم:
روى الترمذي (2910) عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « »، وصححه الألباني في (صحيح الترمذي).
فكل من قرأ القرآن قراءة صحيحة، يبتغي بها وجه الله تعالى، فهو موعود بهذا الأجر إن شاء الله سبحانه، سواء قرأه للحفظ، أو للمراجعة، أو للاستشهاد والاستدلال به، أو غير ذلك.
والأذكار التي تقال باللسان كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل، وأذكار الصباح والمساء والنوم ودخول الخلاء . . . وغيرها لا بد فيها من تحريك اللسان، ولا يعد الإنسان قد قالها إلا إذا حرك بها لسانه.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة؟ أو يكفي بالقلب؟
فأجاب:
"القراءة لابد أن تكون باللسان، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه، وكذلك أيضاً سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين" انتهى .
(مجموع فتاوى ابن عثيمين:13/156).
بر الوالدين:
أهمية احترام الوالدين :
أولاً: أنها طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً}، وقال تعالى: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً} وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل افضل قال: « » .. الحديث . وغيرها من الآيات والأحاديث المتواترة في ذلك.
ثانياً: إن طاعة الوالدين واحترامهما سبب لدخول الجنة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » (صحيح مسلم:4627)
ثالثاً: أن احترامهما وطاعتهما سبب للألفة والمحبة.
رابعاً: أن احترامهما وطاعتهما شكر لهما لأنهما سبب وجودك في هذه الدنيا وأيضاً شكر لها على تربيتك ورعايتك في صغرك ، قال الله تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.
خامساً: أن بر الولد لوالديه سببُ لأن يبره أولاده ، قال الله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}. والله تعالى أعلى وأعلم.
للوالدين حق البر وحسن الصحبة، وقد أمر الله تعالى ببرهما والإحسان إليهما بعد الأمر بتوحيده وعبادته فقال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36]، وقال الله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23].
وإذا وقع من الأب تقصير في حق ولده أو ظلم له فإن ذلك لا يسوغ للابن أن يسيء إلى والده وأن لا يحسن معاملته.
بر الوالدين بعد وفاتهما
من رحمة الله تعالى بالمسلمين أن جعل باب أجر بر الوالدين لا يغلق بوفاتهما، فيمكن للولد المقصّر أن يجتهد فيما يمكنه فعله من هذا البر.
فمن أوجه البر بعد وفاتهما:
1- كثرة الدعاء لهما
قال الله تعالى: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « » (مسلم:1631).
فهذا الدعاء من أعظم الإحسان إلى الوالدين.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » رواه ابن ماجه (3660)، وحسّنه الألباني في (السلسلة الصحيحة:4 / 129).
2- القيام بأعمال صالحة يلحقهما ثوابها
كالصدقة عنهما، وأداء الحج والعمرة عنهما.
وإذا كانا قد تركا ديونا أو أمانات: فليجتهد هو في قضائها نيابة عنهما، أو إذا صدرت منهما مظالم تجاه الناس، أن يطلب من المظلومين أن يعفوا عنهما ويسترضيهم .
3- إكرام أصدقائهما وخلّانهما
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهم: " أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ؟ قَالَ: بَلَى ، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ، وَقَالَ : ارْكَبْ هَذَا. وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللهُ لَكَ! أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « » وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ" (مسلم:2552) والله تعالى أعلى وأعلم
صلة الرحم:
صلة الرحم واجبة حسب الطاقة الأقرب فالأقرب، وفيها خير كثير ومصالح جمة، والقطيعة محرمة ومن كبائر الذنوب؛ لقول الله عز وجل: « » وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « » أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل قائلا: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال في الرابعة: أباك ثم الأقرب فالأقرب. أخرجه مسلم أيضا، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ».
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والواجب عليك صلة الرحم حسب الطاقة، بالزيارة إذا تيسرت، وبالمكاتبة وبالتليفون - الهاتف - ويشرع لك أيضا صلة الرحم بالمال إذا كان القريب فقيرا ، وقد قال الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال الله سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « » (متفق عليه) . وفق الله تعالى الجميع لما يرضيه " (فتاوى ابن باز:9/414).
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
من هم الأرحام وذوو القربى حيث يقول البعض إن أقارب الزوجة ليسوا من الأرحام؟
فأجاب:
" الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك، وهم المعنيون بقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال والأحزاب: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأنفال:75]، [الأحزاب:6].
وأقربهم: الآباء والأمهات والأجداد والأولاد وأولادهم ما تناسلوا، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سأله سائل قائلاً: «من أبر يا رسول الله؟ قال : قال: ثم من؟ قال: قال: ثم من؟ قال: قال: ثم من؟ قال: » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، والأحاديث في ذلك كثيرة.
أما أقارب الزوجة: فليسوا أرحاماً لزوجها إذا لم يكونوا من قرابته، ولكنهم أرحام لأولاده منها، وبالله تعالى التوفيق" انتهى . (فتاوى إسلامية: 4 / 195).
صلة الرحم تكون بأمور متعددة، منها : الزيارة، والصدقة، والإحسان إليهم، وعيادة المرضى، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وغير ذلك. قال النووي رحمه الله تعالى: "صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة، والسلام، وغير ذلك " انتهى . (شرح مسلم :2 / 201 ) .
وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله تعالى:
" وصلة الأقارب بما جرى به العرف واتّبعه الناس؛ لأنه لم يبيّن في الكتاب ولا السنة نوعها ولا جنسها ولا مقدارها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقيده بشيء معين ... بل أطلق ؛ ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة " انتهى . (شرح رياض الصالحين: 5 / 215).
السنن الرواتب:
فعل النوافل والقيام بها من أعظم الأمور التي توجب محبة الله تعالى للعبد، وتستوجب الجنة والرحمة، فقد أخرج البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » فينبغي للمسلم أن يكون عالي الهمة قويّ العزيمة غير راض بالدون، بل يبحث عن الكمال والتمام في أمور دينه كما هو كذلك في أمور دنياه.
ومع ذلك: إذا اقتصر المسلم على الفرائض من الصلوات وغيرها ولم ينقص منها شيئاً فلا إثم عليه، وإن كان المواظبة على ترك السنن جملةً أمراً مذموماً عند العلماء. حتى قال الإمام أحمد: "من ترك صلاة الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة".
روى البخاري (46) ومسلم (11) عن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله تعالى عنه قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الإِسْلامِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ: قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ. قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ: قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »
قال النووي: يُحتمل أنه أراد أنه لا يصلي النافلة، مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض، وهذا مفلح بلا شك، وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة، وتردّ بها الشهادة إلا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج والله تعالى أعلى وأعلم . (شرح مسلم:1/121).
عدد السنن الرواتب: عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ». رواه (الترمذي:380) وقال: حَدِيثُ عَنْبَسَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وهو في (صحيح الجامع: 6362).
وليس لصلاة العصر سنّة راتبة ولكنّ صلاة أربع ركعات قبل فريضتها مستحبّة ولكنها دون منزلة السنن الرواتب في الأجر والمحافظة عليها، وهذه الأربع هي المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم : « » رواه (الترمذي:395) وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ وحسنه الألباني في (صحيح الجامع:3493).
وكلّ النوافل الرّباعية السابقة تُصلى مثنى مثنى عند الشافعيّ وأحمد والله تعالى أعلى وأعلم.
الصدقة
تطلق الصدقة على معنيين:
الأول: كل عمل صالح يعمله الإنسان، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : « » رواه البخاري (6021) .
فاعلى سبيل المثال التبرع بالدم يعتبر صدقة بهذا المعنى. أي: أنه عمل صالح وإحسان إلى المريض المحتاج.
والمعنى الثاني: هو الصدقة بالمال.
وصدقة المال نوعان:
النوع الأول : الزكاة الواجبة، فهذه لا يجوز أن تدفع إلا إلى الأصناف الثمانية التي حددها الله تعالى في كتابه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
النوع الثاني: صدقات مستحبة، فهذه يجوز دفعها في وجوه الخير المتنوعة، ولا يشترط لها أن تعطى للأصناف الثمانية السابقة.
الصدقة الجارية
رغب الشرع في الصدقة الجارية، ويكفي المؤمن من فضل ذلك: أن يموت، ثم لا يموت عمله الصالح وسعيه، من بعد موته .
قال رسول صلى الله عليه وسلم : « » (مسلم:3084).
قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم:
"قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ، وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الْثوَاب لَهُ، إِلا فِي هَذِهِ الأَشْيَاء الثَّلاثَة؛ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا؛ فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبهِ، وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيفِ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَةِ، وَهِيَ الْوَقْف " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "الصدقة الجارية هي: التي يستمر الانتفاع بها؛ ولهذا سميت جارية، لأنها غير واقفة.
والصدقة غير الجارية: هي التي ينتفع بها الإنسان في وقتها فقط، فمثلا: إذا أعطيت فقيرا ألف ريال أنفقه في مدة شهر أو شهرين انقطعت الصدقة، وإذا أوقفت عمارة أو بيتا أو دكانا؛ ليكون ريعه في الفقراء، فالصدقة جارية، ما دام ريعه موجوداً وطباعة الكتب والأشياء النافعة صدقة جارية ما دام الناس ينتفعون بها، فهي جارية الأجر جارية الثواب ". انتهى من (فتاوى نور على الدرب)لابن عثيمين رحمه الله تعالى.
الصدقة الجارية هي الوقف، وله صور كثيرة، وضابطه: أن يحبس الأصل، وتُسبّل الثمرة، كما روى البخاري (2737) ومسلم (1633) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا «أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ فَمَا تَأْمُرُ بِهِ ؟ قَالَ : قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ وَلا يُورَثُ وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ».
وروى ابن ماجه (242) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » والحديث حسنه الألباني في (صحيح ابن ماجه).
فالصدقة الجارية تكون ببناء مسجد، أو شراء مصاحف توضع في مسجد، أو وقف بيت أو محل، على أن يصرف ريعهما على الفقراء أو الأيتام أو الأقارب أو طلبة العلم أو غيرهم حسبما يحدد الواقف، أو المساهمة بمال في بناء مستشفى خيري، ونحو ذلك.
وأما الصدقة غير الجارية، فهي التي لا يحبس فيها الأصل، بل يعطى للفقير ليتملكه وينتفع به كما يشاء، كأن يعطى له مال، أو طعام، أو كسوة، أو دواء، أو فراش.
حسن الخلق ولين الجانب :
روى الترمذي (2488) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « » وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (938)". قَالَ الْقَارِي: أَيْ تُحَرَّمُ عَلَى كُلِّ سَهْلٍ طَلْقٍ حَلِيمٍ لَيِّنِ الْجَانِبِ" انتهى .(تحفة الأحوذي:7/160).
تغبير القدم في سبيل الله تعالى:
روى البخاري (907) أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : « ».
المحافظة على أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا:
روى أبو داود (1269) والترمذي (428) وصححه عن أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله تعالى عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « » وصححه الألباني في (صحيح الترمذي).
ذكر الله تعالى وتوحيده عند الموت:
روى ابن ماجة (3794) عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالى عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » صححه الألباني في (صحيح الجامع:713) .
البكاء من خشية الله تعالى، والحراسة في سبيل الله تعالى:
روى الترمذي (1639) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « » وصححه الألباني في (صحيح الترمذي).
غض البصر:
روى الطبراني في (المعجم الكبير:1003) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « » وصححه الألباني في (الصحيحة:2673).
الصبر على فقد الولد:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « » (متفق عليه). قال النووي في (شرح مسلم): "قَالَ الْعُلَمَاء: (تَحِلَّة الْقَسَم) مَا يَنْحَلّ بِهِ الْقَسَم، وَهُوَ الْيَمِين، وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث أَنَّ الْمُرَاد قَوْل الله تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا} وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَالْقَسَم مُقَدَّ، أَيْ: وَاَللَّه إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا، وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ تَقْلِيل مُدَّة وِرْدهَا. قَالَ: وَتَحِلَّة الْقَسَم تُسْتَعْمَل فِي هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب، وَقِيلَ: تَقْدِيره: وَلَا تَحِلَّة الْقَسَم، أَيْ: لَا تَمَسّهُ أَصْلًا، وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَم، وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا} الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط، وَهُوَ جِسْر مَنْصُوب عَلَيْهَا. وَقِيلَ : الْوُقُوف عِنْدهَا" انتهى باختصار . وروى الطبراني في (الكبير:231) عن واثلة رضي الله تعالى عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » صححه الألباني في (صحيح الجامع:6238).
ترديد الأذان خلف المؤذن:
عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنهم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « » رواه مسلم في صحيحه برقم: 578 ، وأبو داوود في سننه برقم: 443 .
يشرع لكل من سمع الأذان أن يردده خلف المؤذن، فيقول مثل ما يقول، إلا في الحيعلتين فإنه يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله "؛ لما روى البخاري (611)، ومسلم (383) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » .
قال ابن قدامة رحمه الله في (المغني:1/591): "لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب ذلك" انتهى .
الدلالة على الخير وتعليم الغير:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « »(مسلم:2674).
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « »(مسلم:1893).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « »(مسلم:1017).
وقال عليه الصلاة والسلام: « » (مسلم:1631).
فهذه الأحاديث تدل على أن من علم أحدًا علما نافعا، فله مثل أجور من انتفع بهذا العلم، وأن ثوابه مستمر غير منقطع على كل من تعلم هذا العلم من طريقه.
ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم له مثل أجر الأمة كلها.
صيام التطوع
من حكمة الله تعالى أن شرع لعباده ما يتطوعون ويتقربون به إليه بعد أداء الفرائض من جنس العبادات التي افترضها عليهم، ورتَّب عليها الأجور العظيمة كما في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ربه عزَّ وجلَّ « » (البخاري:6502).
وصيام النافلة ينقسم إلى قسمين رئيسين:
أولهما: التطوُّع المطلق (غير المحدد بوقت أو حالة معينة) فيمكن للمسلم أن يتطوع بصيام أي يوم أراد من أيام السنة، إلا ما ورد النهي عنه كيومي العيدين لأن صيامهما محرم، وأيام التشريق (الأيام الثلاثة بعد عيد الأضحى) فالصيام فيها محرم إلا في الحج لمن ليس عنده هدي، وماعدا تقصُّد صيام يوم الجمعة وحده لورود النهي عنه، ومن أفضل صور التطوع المطلق صيام يوم و فطر يوم لمن قدر عليه كما جاء في الحديث « » (البخاري:1131 ومسلم:1159) و يشترط في الأفضلية ألاَّ يضعفه عمّا هو أولى كما في روايةٍ للحديث « » ( البخاري:1977 ومسلم:1159)
ثانيهما: التطوُّع المقيد: وهو أفضل من التطوُّع المطلق من حيث العموم وينقسم إلى قسمين:
الأول: المقيّد بحال الشخص، كالشاب الذي لم يستطع الزواج كما في حديث عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله تعالى عنه «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: » (البخاري:5066 ومسلم :1400). فإن مشروعية الصيام في حقه تتأكد مادام أعزب، ويزداد التأكد كلما ازدادت المثيرات له، من غير تحديد بأيام معينة.
الثاني: المقيد بوقت معين، و هذا متنوع فبعضه أسبوعي، وبعضه شهري وبعضه سنوي.
فالأسبوعي هو استحباب صيام الاثنين و الخميس، فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس» (النسائيِ:2320 ) وغيره و صححه الألباني في (صحيح الجامع الصغير:4897) وسئل صلى الله عليه وسلم عن صيام يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ قَال « » (النسائي: 2358 وابن ماجه: 1740 وأحمد: 8161 وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1583)، وسُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاثْنَيْنِ فَقَالَ « » (مسلم:1162).
والشهري هو استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ « » (البخاري:1178 ومسلم:721) والمستحب كونها أوسط الشهر الهجري المسماة أيام البيض فعن أَبِي ذَرٍّ رضي الله تعالى عنه قَال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « » (النسائي:2424 وابن ماجه:1707 وأحمد: 210 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 673).
والسنوي منه ما هو يوم معين و منه ما هو فترة يسن الصوم فيها.
فمن الأيام المعينة:
1 ـ يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر محرم فعن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ «مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ وَلا شَهْرًا إِلا هَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي رَمَضَانَ» (البخاري:2006 ومسلم 1132) ويسن أن يصوم معه يوما قبله أو يوما بعده لمخالفة اليهود.
2 ـ يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، واستحبابه خاص بمن لم يكن واقفاً بعرفة، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فضل الثلاث الماضية كلها « »( مسلم: 1162).
أما الفترات التي يسن الصوم فيها فمنها:
1 ـ شهر شوال: يسن صيام ستة أيام منه لقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « » (مسلم:1164).
2 ـ شهر محرم: يسن صيام ما تيسَّر منه للحديث « » (مسلم: 1163).
3 ـ شهر شعبان: كما ثبت عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إَِلا قَلِيلاً» (البخاري:1969 ومسلم 1156).
و على المسلم الراغب في الخير أن يعلم عظم فضل التطوع لله بالصيام كما جاء في الحديث عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » (النسائي: 2247 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي:2121).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يباعدون عن جهنم وحرها ويكونون من أصحاب النعيم.
أما التوقيت الصحيح للسحور والإفطار: فكما في تعريف الصيام أنه: التعبد لله تعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كما قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] فيبدأ الصائم الإمساك عن المفطرات من تحقق طلوع الفجر وحتى غروب الشمس كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن وقت الإفطار « » (البخاري: 1818 ومسلم: 1841)، أما وقت السحور فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ما بين نصف الليل الأخير إلى طلوع الفجر الثاني ويسن تأخيره عند جمهور العلماء ما لم يخش طلوع الفجر الثاني للآية السابقة ولقوله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم « » رواه الطبراني وصححه الألباني في (صحيح الجامع:3989)، ولأن المقصود بالسحور التقوِّي على الصوم، وما كان أقرب إلى الفجر كان أعون على الصوم. نسأل الله الكريم أن يجعلنا من المتقيدين بشرعه العاملين به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
إفشاء السلام
إفشاء السلام بين المسلمين من شعائر الإسلام الظاهرة، وهو من مكارم الأخلاق ومعاليها، ومن أعظم أسباب التحاب والتآخي بين المسلمين.
روى مسلم (54) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » .
قال النووي رحمه الله تعالى:
" فِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاء السَّلَام وَبَذْله لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ؛ مَنْ عَرَفْت، وَمَنْ لَمْ تَعْرِف. وَالسَّلَامُ أَوَّل أَسْبَاب التَّأَلُّف، وَمِفْتَاح اِسْتِجْلَاب الْمَوَدَّة. وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكَّنُ أُلْفَة الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ، وَإِظْهَار شِعَارهمْ الْمُمَيِّز لَهُمْ مِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَة النَّفْس، وَلُزُوم التَّوَاضُع، وَإِعْظَام حُرُمَات الْمُسْلِمِينَ" انتهى.
فالمقصود من إفشاء السلام نشر المحبة بين الناس، فعلى من يلقي السلام على أخيه المسلم أن يسلم سلاماً حسناً، بوجه طلق، وعلى من يرد السلام أيضاً أن يرد رداً حسناً، حتى يحصل المقصود وهو المحبة والتآلف بين المسلمين.
وأقل صيغة يحصل بها السلام هي أن يقول المُسَلِّم: "سلام" ، وللمجيب في هذه الحالة أن يجيب بقوله: "سلام" .
قال الله تعالى عن ضيف إبراهيم عليه الصلاة والسلام المكرمين من الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذاريات:25].
ابتداء السلام سنة مؤكدة، ورده واجب بالإجماع.
قال النووي رحمه الله تعالى:
"اعلم أن ابتداء السلام سنة مستحبة ليس بواجب، وهو سنة على الكفاية، فإن كان المسلم جماعة كفى عنهم تسليم واحد منهم، ولو سلموا كلهم كان أفضل ... وأما رد السلام: فإن كان المسلم عليه واحدا تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان رد السلام فرض كفاية عليهم، فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم ، وإن ردوا كلهم فهو النهاية في الكمال والفضيلة، كذا قاله أصحابنا، وهو ظاهر حسن" انتهى من (الأذكار: ص 246).
ثالثا:
إذا التقى المسلمان: سلم أحدهما على صاحبه، فإن افترقا ثم تلاقيا مرة أخرى – ولو عن قرب – فإن الأفضل أن يسلم أحدهما على الآخر، ولو تكرر ذلك مرارا.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" إذا سلّم عليه إنسان ثم لقيه على قرب، يُسنّ له أن يُسلِّم عليه ثانياً وثالثاً وأكثر، اتفق عليه صحابنا.
ويدل عليه ما رويناه في صحيحي البخاري (757)، ومسلم (397) عن أبي هُريرة رضي الله تعالى عنه في حديث المسيء صلاته : أنه جاء فصلَّى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلَّم عليه، فردّ عليه السلام، وقال: « »، فرجعَ فَصلَّى، ثم جاء فسلَّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى فعلَ ذلك ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
وروينا في سنن أبي داود (5200) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « »، وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود).
وروينا في كتاب ابن السني (245) عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "كانَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يتماشَون، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكَمة فتفرّقوا يميناً وشمالاً ثم التقوا من ورائها، سلَّم بعضُهم على بعضٍ" انتهى من (الأذكار:ص 249) .
وينظر أيضا : (رياض الصالحين:258)، (مرقاة المفاتيح:7/2946) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" الإنسان إذا سلم على أخيه، ثم خرج ورجع، عن قرب أو عن بعد، من باب أولى - فإنه يعيد السلام، مثلا إنسان عنده ضيوف في البيت، فدخل إلى البيت يأتي لهم بماء أو طعام أو نحو ذلك، فإنه إذا رجع يسلم، وهذه من نعمة الله تعالى، أنه يسن السلام وتكراره كلما غاب الإنسان عن أخيه، سواء غيبة طويلة أو قصيرة، فإن الله تعالى شرع لنا أن يسلم بعضنا على بعض، لأن السلام عبادة وأجر، كلما ازددنا منه ازددنا عبادة لله تعالى، وازداد أجرنا وثوابنا عند الله سبحانه.." .
انتهى من (شرح رياض الصالحين:4/411-412) .
السنة أن يُسلم الواحد على الاثنين والاثنين على الثلاثة ...؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « » رواه البخاري (6231) ومسلم (2160).
فإن لم يسلم الواحد على الاثنين .. سُن للأكثر إلقاء السلام على القلة عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : « » رواه مسلم (54) .
قال النووي رحمه الله تعالى:" قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: هذا المذكور هو السنة، فلو خالفوا فسلم الماشي على الراكب أو الجالس عليهما، لم يكره، صرح به الإمام أبو سعد المتولي وغيره وعلى مقتضى هذا لا يكره ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل ، والكبير على الصغير ، ويكون هذا تركا لما يستحقه من سلام غيره عليه.." انتهى من كتاب (الأذكار:1/256).
وقال البهوتي رحمه الله تعالى: "ويسن أن يسلم الصغير والقليل والماشي والراكب على ضدهم ؛ فيسلم الصغير على الكبير ، والقليل على الكثير ، والماشي على الجالس ، والراكب على الماشي...فإن عكس؛ بأن سلم الكبير على الصغير، والكثير على القليل، والقاعد على الماشي، والماشي على الراكب: حصلت السنة؛ للاشتراك في الأمر بإفشاء السلام . والأول أكمل في السنة، لامتيازه بخصوص الأمر السابق..".
انتهى من (كشاف القناع:4/261) ط النوادر المحققة.
السلام عند دخول البيت مستحب لا واجب، سواء كان في البيت أحد أم لا.
روى أبو داود (5096) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله تعالى عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » صححه الألباني في (السلسلة الصحيحة:225).
وأما استحباب تسليم الرجل على نفسه إذا دخل بيتاً ليس فيه أحد، فاستدل العلماء على ذلك بأدلة:
1- عموم قول الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61].
قال النووي رحمه الله تعالى في كتابه (الأذكار:ص 49):
يستحب أن يقول : بسم الله، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، وأن يسلم سواء كان في البيت آدمي أم لا؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61].
وقال الحافظ:
وَيَدْخُل فِي عُمُوم إِفْشَاء السَّلام، السَّلام عَلَى النَّفْس لِمَنْ دَخَلَ مَكَانًا لَيْسَ فِيهِ أَحَد، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61]. الآيَة اهـ.
روى البخاري في (الأدب المفرد:1055) عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: إذا دخل البيت غير المسكون فليقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
قال الحافظ: سنده حسن . وحسنه الألباني في (صحيح الأدب المفرد:806).
وقال مجاهد: إذا دخلت المسجد فقل: السلام على رسول الله، وإذا دخلت على أهلك فسلم عليهم، وإذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. (تفسير ابن كثير:3/306) .
والله تعالى أعلى وأعلم.
الصدق في الحديث
الصدق هو: قول الحق الذي يواطئ فيه اللسان القلب، وهو أيضاً: القول المطابق للواقع والحقيقة من حيث اللغة.
ولما كان الصدق ضرورة من ضرورات المجتمع الإنساني، وفضيلة من فضائل السلوك البشري ذات النفع العظيم، وكان الكذب عنصر إفساد كبير للمجتمعات الإنسانية، وسبب لهدم أبنيتها، وتقطيع روابطها وصلاتها، ورذيلة من رذائل السلوك ذات الضرر البالغ؛ أمر الإسلام بالصدق ونهى عن الكذب.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: 2/414 "أي: اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجاً من أموركم ومخرجاً أ.هـ .
وقال الله سبحانه: {فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم}.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله تعالى عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » (مسلم:4721).
يتحرى الصدق: أي يبالغ فيه ويجتهد
فدل هذا الحديث الشريف على أن الصدق يهدي إلى البر، والبر كلمة جامعة تدل على كل وجوه الخير، ومختلف الأعمال الصالحات، والفجور في أصله الميل والانحراف عن الحق، والفاجر هو المائل عن طريق الهداية، فالفجور والبر ضدان متقابلان.
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (الترمذي:2520 والنسائي:8/327 وأحمد: 1/200).
وجاء من حديث أبي سفيان رضي الله تعالى عنه في حديثه الطويل في قصة هرقل حين قال: فماذا يأمركم، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سفيان، قلت: يقول: « ويأمرنا بالصلاة، والصدق والعفاف والصلة» (البخاري: 1/30 ومسلم: 1773).
وعن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (البخاري: 4/275 ومسلم: 1532).
والصدق يشمل الصدق مع الله تعالى بإخلاص العبادة لله سبحانه والصّدق مع النّفس بإقامتها على شرع الله تعالى والصّدق مع النّاس في الكلام والوعود والمعاملات من البيع والشراء والنكاح فلا تدليس ولا غش ولا تزوير ولا إخفاء للمعلومات وهكذا حتى يكون ظاهر الإنسان كباطنه وسره كعلانيته.