تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم برهان من براهين النبوة والرسالة

منذ 2016-05-14

ندعو الله العلي القدير أن يكون هذا المقال بيانًا ناصعًا ونورًا ساطعًا للدلالة على صدق النبوة والرسالة في هذه القضية وهى تعدد أزواجه صلى الله عليه وسلم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد

كان البيت النبوي في مكة قبل الهجرة يتألف منه عليه الصلاة والسلام ومن زوجته خديجة بنت خويلد، تزوجها وهو في خمس وعشرين من سنة وهى في الأربعين من عمرها.

وهي أول من تزوجها من النساء ولم يتزوج عليها غيرها وكان له منها أبناء وبنات أما الأبناء: هما القاسم وعبد الله فلم يعش منهما أحد.

وأما البنات فهن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وكانت قبله عند أى هالة بن مالك أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم فولدت له هند بن أبي هالة وزينب بنت أبي هالة وكانت قبل أبي هالة عند عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم فولدت له عبد الله وجارية.

وكان من عقد عليهن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشرة امرأة منهن تسع مات عنهن وهن: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وأم سلمة بنت أبي أمية بن رئاب، وميمونة بنت الحارث بن حزن وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار وصفية بنت حيي بن أخطب، واثنتان توفيتا في حياته وهما خديجة بنت خويلد وأم المساكين زينب بنت خزيمة، واثنتان عقد عليهما ولم يبن بهما وهما أسماء بنت النعمان الكندية وعمرة بنت يزيد الكلابية.

وأما السراري فالمعروف أنه تسرى باثنتين إحداهما: مارية القبطية أهداها له المقوقس فأولدها ابنه إبراهيم الذي توفي صغيرًا بالمدينة في حياته. والسرية الثانية هي: ريحانة بنت زيد النضرية أو القرظية كانت من سبايا قريظة فاصطفاها لنفسه.

ومن نظر إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم عرف جيدًا أن زواجه بهذا العدد الكبير من النساء في أواخر عمره وبعد أن قضى ما يقارب ثلاثين عامًا من ريعان شبابه وأجود أيامه مقتصرًا على زوجة واحدة شبه عجوز خديجة ثم سودة عرف أن هذا الزواج لم يكن لأجل أنه وجد بغتة في نفسه قوة عارمة من الشبق لا يصبر معها إلا بمثل هذا العدد الكثير من النساء بل كانت هناك أغراض أخرى أجل وأعظم من الغرض الذى يحقق عامة الزواج.

إن ظاهرة الرسالة ظاهرة نادرة في التاريخ البشري وظهورها بمحمد صلى الله عليه وسلم هو الظهور الأخير لذلك فقد خص الله رسوله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحكام وكل ما خص به صلى الله عليه وسلم ببعض الأحكام وكل ما خص به صلى الله عليه وسلم كان فيه نوع من التكليف أكبر ونوع من العبء أكبر وحتى هذه القضية قضية تعدد زوجاته كان غرمها أكبر من غنمها وعبؤها أكبر سهولتها لما يترتب عليه من القيام بحقوق هذا العدد الكثير وسياسته وتدبير أمورهن من جهد مع كثرة أعباء السيد الرسول صلى الله عليه وسلم الأخرى من جهاد وتعليم وتدبير ولو تأمل الإنسان في هذا الموضوع بعمق لوجد أنه دليل على النبوة والرسالة وذلك لما فيه من الحكم الكثير والمصالح المتعددة فقد احل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ما شاء بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50].

والمرأة التى وهبت نفسها للنبي هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارس بن حزن وهناك نكاح واحد كان لنقض تقليد جاهلي متأصل وهى قاعدة التبني وقدر الله أن يكون هدم تلك القاعدة على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذاته الشريفة وكانت ابنة عمته زينب بنت جحش تحت زيد بن حارثة الذى كان يدعى زيد بن محمد ولم يكن بينهما توافق حتى هم زيد بطلاقها وفاتح بذلك رسول الله وقد عرف الرسول إما بإشارات الظروف أو بإخبار الله عز وجل أن زيدًا إن طلقها فسيؤمر هو صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها وكان النبي يخاف إذا وقع الزواج دعاية المنافقين والمشركين واليهود وما يثيرونه من الوساوس والخرافات ضده وما يكون له من الأثر السيء في نفوس ضعفاء المسلمين. ولم يرض الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم هذا التردد والخوف حتى عاتبه عليه بقوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب:37].

وبعد ذلك أوجب الله على النبي صلى الله عليه وسلم هذا النكاح ولم يترك له خيارًا أو مجالاً حتى تولى الله ذلك النكاح بنفسه يقول: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:40] ثم أخيرًا أنزل الله سبحانه وتعالى: {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب:52].

إذن بعد أن تزوج ما تزوج منع من الزواج فلم يتزوج أحد وجعل الله زوجاته أمهات المؤمنين فلا يجوز لأحد أن يتزوج منهن بعده صلى الله عليه وسلم.

وكم من التقاليد المتأصلة الجافة لا يمكن هدمها أو تعديلها لمجرد القول بل لابد من مقارنة فعل صاحب الدعوة ويتضح ذلك بما صدر من المسلمين في عمرة الحديبية لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بعد عقد الصلح أن يقوموا فينحروا هديهم لم يقم لامتثال أمره أحد حتى أخذه القلق والأضطراب ولكن لما أشارت عليه أم سلمة أن يقوم إلى هدية فينحر ولا يكلم أحدا ففعل تبادر الصحابة إلى اتباع فعله فتسابقوا إلى نحر جزورهم وبهذا الحادث يتضح جليًا ما هو الفرق بين أثري القول والفعل لهدم قاعدة راسخة.

والرسول صلى الله عليه وسلم الذى افترض الله على المسلمين محبته قد استل بهذا الزواج سخائم قلوب ما كانت لتزول لولا هذه الصلات من القرابة فاتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مصاهرة أبي بكر وعمر بزواجه بعائشة وحفصة وكذلك تزويجه لابنته فاطمة بعلي بن أبي طالب وتزويجه ابنته رقية ثم أم كلثوم بعثمان بن عفان يشير إلى أنه كان يبغي من وراء ذلك توثيق الصلات بالرجال الأربعة الذين عرف بلاءهم وفداءهم للإسلام في الأزمات التي مرت به وشاء الله أن يجتازها بسلام.

وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم بزواج عدة أمهات المؤمنين أن يكسر سورة عداء القبائل للإسلام ويطفئ حدة بغضائها.

كانت أم سلمة من بني مخزوم (حي أبي جهل وخالد بن الوليد) فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف خالد بن الوليد موقفه الشديد بأحد. بل أسلم بعد مدة غير طويلة طائعًا راغبًا. وكذلك أبي سفيان لم يواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأية محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة.

وكذلك لا يرى من قبيلتي بنى المصطلق وبنى النضير أي استفزاز وعداء بعد زواجه من جويرية وصفية بل كانت جويرية أعظم النساء بركة على قومها فقد أطلق الصحابة أسر مائة بيت من قومها حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمبادئ التى كانت أسسًا لبناء المجتمع الإسلامي لم تكن تسمح للرجال بمخالطة النساء، وإذن فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم سبيل إلا أن يختار من النساء الأعمار والمواهب ما يكفي لهذا الغرض فيزكيهن ويربيهن ويعلمهن الشرائع والأحكام ويثقفهن بثقافة الإسلام حتى يعدهن لتربية البدويات والحضريات العجائز منهن والشابات فيكفين مؤنة التبليغ في النساء ولقد كان لأمهات المؤمنين فضل كبير في نقل أحواله صلى الله عليه وسلم المنزلية للناس خصوصًا من طالت حياتها منهن كعائشة فإنها روت كثيرًا من أفعاله وأقواله.

هذا وكانت عشرته صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين في غاية الشرف والنبل والسمو والحسن مع أنه كان في شظف من العيش لا يطيقه أحد وقالت عائشة: "إنا كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار".

فقال لها عروة: "ما كان يعيشكم؟" قالت: "الأسودان التمر والماء" ومع هذا الشظف والضيق لم يصدر منهن العتاب إلا مرة واحدة حسب مقتضى البشرية وليكون سبباً لتشريع الأحكام فانزل الله آية التخيير {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا . وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:28-29] وكان من شرفهن ونبلهن أنهن أثرن الله ورسوله ولم تمل واحدة منهن الى اختيار الدنيا وكذلك لم يقع منهن ما يقع من الضرائر على كثرتهن إلا شيء يسير من بعضهن حسب اقتضاء البشرية ثم عاتب الله عليه لم يعدن له مرة أخرى وهو الذي ذكره في سورة التحريم بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التحريم:1]. 

ندعو الله العلي القدير أن يكون هذا المقال بيانًا ناصعًا ونورًا ساطعًا للدلالة على صدق النبوة والرسالة في هذه القضية وهى تعدد أزواجه صلى الله عليه وسلم.

 

جلال عبد الله المنوفي 

  • 19
  • 0
  • 26,685

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً