انتهى الدرس يا غبي
علي فريد
قد كان يحزنني أن يذهبوا بكَ فيأكلكَ الذئب.. ثم لما تتابعت الأحداث وتراكمت البينات؛ أدركَ الأعمى أن الذئب لم يدخل إلا من خلالك.. وأنك -حين صاحبتَ الذئب- لم يردعك عن مصاحبته أشلاءُ أصحابه القدامى.. ثم ازددتَ ضغثاً على إبّالة؛ فقتلتَ حراسَ بيتك.. فصرت كمحكومٍ بالإعدام اشتدّ خوفُه من الشنق صباحاً فشنق نفسه ليلاً!!
- التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -
انتهى الدرس يا غبي
أنت الآن في الزاوية تماماً..
جداران متقاطعان عن يمينك وشمالك وأنت في عُنق المثلث، ليس بينك وبين السقوط سوى خطوةٍ تخطوها للأمام.. إن خطوتَها فقد وقعتَ في الفخ الجديد، وإن لم تخطُها فأنت محشورٌ بين متقاطعين كفأرٍ منهك!!
انتهى الدرس يا غبي!!
عاد الشاهنشاه مرة أخرى..
عاد كورش، وقمبيز، وداريوش، وسابور ذو الأكتاف!!
هل تذكر سابورَ ذا الأكتاف؟!
لكَ الويل إن كنتَ نسيتَ الرجلَ الذي خَلّعَ أكتاف العرب ذات انتقام!!
لقد عادوا جميعاً..
هاهم يخرجون من عباءة الصفوي جزاراً جزاراً!!
عمامةٌ سوداء، وقلبٌ أسود، وخنجرٌ كربلائي يَدّعي وصلاً بالحسين ويطعن انتقاماً لذي قار والقادسية!!
النعمان بنُ المنذر ينتظرك تحت أرجل الفيلة!!
وربعيُ بنُ عامر يُغطّي وجهَه -أمام رستم- خجلاً من أحفاده الحمقى!!
ماذا كسبتَ الآن؟!
لقد اتفق كسرى وقيصر.. فقل لي يا أخا النفط ماذا ستفعل؟!
العمامة السوداء التي التفت حول رقبة صدام ذات أضحى مبارك تلتف الآن حول رقبتك!!
كان صدام طاغيةً مستبداً .. تماماً كأنت!!
ولكنه كان عليك حيناً ولك أحياناً!!
وكنتَ تستطيع -بقليل من الحكمة- أن تجعله لك دائماً.
أما كسرى وقيصر.. فلستَ -عندهما- سوى كلبٍ تابعٍ أو بقرةٍ حلوب!!
مضى الآن زمنُ الحديث عن صدام وكوارثه.
هل كان بإمكانك تفادي ما حدث؟!
أظن أنه كان بإمكانك، لكنك لم تُرد، أو حتى لم تفكر في تفاديه.
لا بأس.. لقد استمتعتَ بحماية قيصر عقداً كاملاً من الزمن بعد التخلص من صدام، ولكنْ قيصر الآن مضطر للتعامل مع كسرى، وكسرى لا يرى عدواً له في الأرض سواك.. ماذا ستفعل؟!
لن أحدثك عن شعبك الذي أخرجتَه من المعادلةِ مبكراً!!
كان بإمكانك أن تعتمد -بعد الله- عليه، ولكنك لم تَرَ في شعبك إلا عدواً مفترضَاً.
وكثعبانٍ يأكل ذيله.. بَدَأتْ في قضم جسدك قطعةً قطعة!!
اسحب الخارطةَ الآن، وانظر حولك!!
في الشمال:
عراقٌ وشآم.. ساهمتَ أنتَ في تدميرهما؛ ليتناولهما كسرى كما يتناول الضبعُ الخسيسُ غزالَينِ مجروحَينِ لم يُجهد أقدامَه في الركضِ نحوهما!!
وفي الجنوب:
يَمنٌ.. لو ظَلَّ أهلُه ينتقمون منكَ مائةَ سنةٍ قادمة على ما فعلتَه بيَمَنِهم خلال مائة سنةٍ ماضية؛ لما شفى انتقامُهم لهم غليلاً!!
وفي الشرق:
آيات الله العظمى يشحذون خناجرهم وسيوفهم ليعيدوا تخطيط ما خطته أقلام وليم كوكس، وسايكس، وبيكو!!
وفي الغرب:
بحرٌ وراءه دولة كان يمكن أن تكون درعاً لك في وجه إيران؛ فأسقطتَ رئيسها المنتخب، وأصعدتَ فيها (خيرَ أجناد الأرض!!) لتصبح بسببكَ أضحوكة العالم!!
لقد أزلت بيديك بوابات بيتك، وجعلت الجبالَ التي كانت تعصمك من الماء هباءً منثورا!!
بيتُكَ الآن مُشرَعٌ للريح والأوبئة!!
أنت لم تبصق في البئر التي تشرب منها؛ بل بصقت للأعلى فسقطت بصقتك على وجهك!!
وتبجُحك بالعقيدة الآن لن ينفعك كثيراً.. فالذين يحاربون مع الشيطان في الشمال لا يمكن أن يحاربوا مع الله في الجنوب!!
والعقيدةُ السمحة ليست (بِشتاً) يُرتدى في المناسبات أو سيفاً يُرقص به في (عَرْضة)!! ولو كان ذلك كذلك لقنع ابن عبد الوهاب رحمه الله بالدرعية، ولما أهدف نحره للسيوف ليُثبّتَ أركان التوحيد في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم!!
لقد ملأت الدنيا تبجحاً بابن عبد الوهاب.. فما الذي أبقيتَ منه الآن؟!
ما الذي أبقيتَ من (كتاب التوحيد) و(ثلاثة الأصول)؟!
لم تُبق منه سوى لقاءات مراسميةٍ مع شيوخ التنمية البشرية الذين استبدلوا بالبخاري ومسلم (قبعات التفكير الست) و(العادات السبع للناس الأكثر فعالية)!! واكتفى الأقدمون منهم بفتاوى الحيض والنفاس والنمص وحف الشوارب وإعفاء اللحى ووجوب طاعة ولي الأمر!!
وحين تململ ابنُ عبد الوهاب من ألاعيبك أفسحتَ له في سجونك ذلك (المكان اللائق!!)، ثم أطلقتَ نصارى لبنان ورافضتَها ودروزَها وعلمانييك في وسائل الإعلام -ككلاب مسعورة- لينثروا الملح في الأرض الطيبة؛ تمهيداً لتحولاتٍ اجتماعية ودينية وفكرية كتلك التي حدثت في مصر منذ تسلم (تاجر التبغ) محمد علي مقاليدَ الأمور فيها ليؤسس -بقصد أو بدونه- لكل هذا الخراب الذي نعيشه الآن.
لقد استبدلت بابن عبد الوهاب المستشرق جومار، والقس دنلوب، وتاجر البندقية دليسيبس، والاستعماري جوزيف أنتيلمي.. كما استقدمت للأرض الطيبة ألف شبلي شميل، وألف سليم تقلا، وألف جرجي زيدان، وألف هنري كوريل.. ثم استنبَتّ -ببذور هجينة- ألف لويس عوض، وألف سلامة موسى، وألف قاسم أمين، وألف هدى شعراوي، وألف صفية زغلول!!
ثم سرتَ في طريقٍ لا يكاد المدقق فيه يلمح كبيرَ فرقٍ بينه وبين الطريق التي سارت فيه الأسرة العلوية في مصر حتى صارت أثراً بعد عين!!
أَخرِج ابن عبد الوهاب من سجونك اللائقة!! أو كُفَّ عن رَفْعِهِ شعاراً!!
لم يَعُد ادعاؤك له مُقنِعاً!!
لقد امتلكتَ كلَّ ما يمكن أن يجعل منك قائد أمة.. فماذا فعلت أكثر مما فعل الوليد بن يزيد؟!
استهان الوليدُ بن يزيد بالأساسِ الذي قام عليه مُلك جَدِّه؛ فأخذ ينقضه حجراً حجراً، ولم يكن في بني أمية آنذاك حكيمٌ يأخذ الرايةَ بحقها، فلما قام آخرُهم وأصبرُهم ليتدارك الأمرَ؛ كان الخرق قد اتسع على الراتق؛ فجالت الخيل فوق أجسادهم، وصالت السيوفُ على رؤوسهم، ورفرفت الراياتُ السودُ بين قصورهم.. ثم انطفأت شمسٌ عظيمة تراكمت أسبابُ انطفائها شيئاً فشيئاً حتى تجسدت في (حفيدٍ) لم يُحسن تربيتَه أبٌ ولم يردع نزقَه عَم!!
ولو تغاضينا عن أساسك الحقيقي فماذا فعلت بأساسك المُدعى؟!
لم تترك معركة بين مسلمين وكفار إلا وخضتها في صف الكفار؛ فلا أنت حافظت على ما ادعيت، ولا أنت تركت غيرَكَ يبني على أساسِك المُدّعَى!!
ما أشدّ غيظي منك وحزني عليك!!
لقد سِرتَ على نهج ابن عبد الوهاب.. ولكن بممحاة!!
وكأن الذي أنشأكَ إنما أنشأكَ لتكون كسراب الصحراء يتخايل أمام الموشك على الهَلَكَة؛ فيأمل في النجاة؛ فَيَجِدَّ في الطلب.. حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً!!
ما تَرك الصفويون القتلةُ حزباً لهم في هذه الأكشاك العربية إلا ودعموه.. بل واشتروا ولاءات المتأسلمين الحمقى!!
وما تركتَ أنت هيئةً أو حزباً أو جماعة سُنيةَ إلا وسعيتَ في تدميرها وإنهائها والتخلص منها.. وكأنك سلاحٌ فاسدٌ لا يقتل إلا صاحبَه!!
أفسدتَ الجهاد الأفغاني قديماً.. ودعمت عسكر الجزائر في العشرية السوداء ضد مسلميها.. وهلهلتَ حركة السودان الإسلامية الوليدة بمساعدتك لجون قرنق، ولم تسترح حتى رأيتَ السودان نسخة أخرى من هذه الأكشاك العربية.. واستنبتَّ في الشام بنادقَ مرتهنة بقرارك وقرار أسيادك لتفسد جهاد الشام كما أفسدت جهاد أفغانستان حذو الخطة بالخطة والخسة بالخسة، حتى لتكاد حرب الشام أن تكون إعادةً مُعَرَّبَة لمسرحية أسيادك التي نُسجت خيوطُها في أفغانستان، وكنت أنت النول الذي نُسجت عليه..
وصنعتَ -مع غيرك- انقلابَ مصر من ألفِهِ إلى يَائِه.. وأدخلت الحوثي صنعاءَ نكايةً في حزب الإصلاح ثم زعمت حربه في عاصفة حزمك، ثم اكتشفتَ -بعد مليارات الشعب التي أنفقتها- أن الحوثي جارك وأن تنظيم القاعدة هو الخطر الداهم.. وعملتَ بالباع والذراع لإسقاط الثورات العربية، وتيئيس الشعوب من طلب العدل والحرية، ووأد أي حراك مسلم في كل بلد عربي من المحيط إلى الخليج، حتى وصل وباؤك للإسلاميين في ماليزيا فدعمت عدوهم بمئات الملايين!!
كُلُّ هذا -وما خفي كان أعظم- فَعلتَه رافعاً (كتاب التوحيد) على رمح (فيلبي)!!
من أنت وما أنت؟!
لم تترك راية إسلامية إلا ونالها منكَ ما ينال الآمنُ ممن ظنه أخاه؛ فيوليه ظَهرَه؛ فلا يشعر إلا وخنجر الغدر يخترق ظَهره!!
مَن سيمد لك طوقَ نجاة إن أدركك السيل.. وإنه واللهِ لَمُدرِكُك!!
القرامطة الجدد صاروا -بسببك- في شمالك وجنوبك وشرقك.. والرايات السود تتلمظ للانتقام منك.. والنسر الأمريكي يفتش في دفاترك القديمة ليعيد تهيئة الملعب للعبة جديدة.. فأين تذهب من هؤلاء الذين إن نجوتَ من أتون أحدهم لم تلبث أن تقع في أتون الآخر!!
وكان يُجيرُ الناسَ من سَيفِ مالكٍ *** فَأصبحَ يَبغي نفسَهُ من يُجيرُهَا
فكانَ كعنز السوءِ قَامتْ بِظِلفِهَا *** إلى مُديةٍ وسَط التُراب تُثيرُهَا
سَتعلمُ عبدُ القيس إن زالَ مُلكُهَا *** على أي حَالٍ يَستَمرُّ مَرِيرُهَا
في طريقكَ إلى السقوط لا يقاتلك عدوٌ أشد عليكَ من نفسك!!
أنت تسير إلى هاوية سحيقة!!
هاويةٍ سار إليها قبلك الخديوي (الحفيد) إسماعيل حين قرر -ذات عَتَه- أن يجعل مصرَ قطعة من أوروبا؛ فرهن مقدراتها المادية للأجانب حتى لم يبق شاذٌ من شُذاذ الآفاق إلا وتملك في مصر ما لم يكن يحلم أن يقف على بابه بواباً.. وحين ذَهَبَت السَكرةُ وجاءت الفِكرة انقلب شذاذ الآفاق على المعتوه ورموه للمنفى كخرقة بالية.. ثم لم يمت حتى عاين أحذيةَ جنود الإنجليز في قاعة عرشه!!
أنت -على الحقيقة- لا تطرح اكتتاباً.. أنت تبيع أَبَرَّ أبنائك، وترهن درةََ تاجك، وتكسر عمودَ خيمتك، وتقامر بمقدرات شعبٍ هو أصل العرب ومادة الإسلام!!
طموحك لن يبتلع مشاكلَ الفقر والبطالة والإسكان!!
طموحك لن يبتلع سواك!!
واستنساخ (دبي) في (الرياض) لا يمكن أن يمر -إذا مر- إلا بزلازل اجتماعية مرعبة ستخلخل أول ما تخلخل أركان عرشك!!
إن سباق التسلح الذي أدخلوك فيه، واقتصاديات الحروب التي وَقعتَ في فخها، والنهب المستمر لمقدرات البلد من قِبل الشركات الكبرى عابرة القارات، ومليارات الشعب التي تدفعها كإتاوة للغرب على شكل ودائع واستثمارات، والرشاوى المليارية التي ترسلها لخونة شعوبهم لتجفيف منابع الثورة بالحديد والنار، والأعباء الداخلية الباهظة.. كل هذا وغيره سيبتلعك ويبتلع طموحك المُدّعَى!!
ولو كانت (الرُؤى) المجردة تنفع أصحابَها لنفعَ عبدَ الناصر (ميثاقُه).. وقد كان أكثر نفيراً وجعجعة.. ثم لم تُنتج جعجعتُه الاشتراكية الفارغة سوى أن ازداد الغنيُ غنىً والفقيرُ فقراً.. مع صاروخين من خشب: (قاهرٍ وظافر)!!
وما الخصخصة والاكتتاب واقتصاديات السوق -في الدول الوظيفية- سوى سُمٍ في دَسَم يتناوله -في مدرسة شيكاغو- أحمقٌ تيّاه يتلاعب بعقله المُطبلون والمحللون والخبراء الاستراتيجيون وذئاب صندوق النقد الدولي وثعالب الشركات العابرة للقارات؛ فيوغل في الرؤى والأحلام، حتى يصحو ومصير (النمور الآسيوية) -بالنسبة له- ترفٌ يتمناه ولا يدركه!!
يُريدُ ما ليس يَعي، يبتدي *** يَعي، وقد فات أوان البِذار
الموسم الوهمي لأغبى المُنى *** يُعطي قُبيل الحرثِ وهمَ الثمار
يا هذا..
قد كان يحزنني أن يذهبوا بكَ فيأكلكَ الذئب.. ثم لما تتابعت الأحداث وتراكمت البينات؛ أدركَ الأعمى أن الذئب لم يدخل إلا من خلالك.. وأنك -حين صاحبتَ الذئب- لم يردعك عن مصاحبته أشلاءُ أصحابه القدامى.. ثم ازددتَ ضغثاً على إبّالة؛ فقتلتَ حراسَ بيتك.. فصرت كمحكومٍ بالإعدام اشتدّ خوفُه من الشنق صباحاً فشنق نفسه ليلاً!!
ولتكونَنّ واللهِ شرَّ مأكولٍ يأكله صاحبه!!
وإني من ذلك وعليكَ لحزين!!
الثلاثاء 31/5/2016