وقفات قبل شهر الصيام

منذ 2016-06-03

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المستحق لصفات الجلال، وكمال الجلال المتفرد بالدوام بالبقاء، وخلق الخلق من عدم وقضى عليهم بالموت والفناء، وجعل الدنيا مزرعة الآخرة وحصادها الثواب والجزاء، وفضل بعض الأماكن على بعض في الأجر والثواب، واختار من عباده رسلا يبلغون عنه، واصطفى رسلا من خلقه، واصطفى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتمهم فهو صفوة الأصفياء بعثه رحمة للعالمين، فجاء بالحنيفيّه السمحاء، عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.

أحبتي

بعد أيام قليلة نستقبل موسما عظيما من مواسم الخيرات، فيه من الأعمال العظيمة والأجور الكثيرة، والله فرض علينا صيامه وسن لنا قيامه، وأمرنا بالاجتهاد فيه.

فهو شهر عظيم، شهر البر والإحسان، شهرالرحمة، شهر المغفرة، شهر العتق من النار.

شهر دعا الصالحون أن يرزقهم بلوغه، وسأل السائلون أن يعينهم على فعل الطاعات فيه.

أحبتي؛

إليكم هذه القصة في عهد النبوة: مات عبد الله بن ثابت رضي الله عنه فقالت ابنته والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا،فإنك كنت قد قضيت جهازك _ تقصد جهز نفسه للغزو فقال الرسول صلى الله عليه و سلم: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ» (رواه أبو داود /كتاب الجنائز/باب فضل من مات في الطاعون /رقم 3111)

وهذه قصة أخرى في عهد النبوة: في الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي ـ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه من أهل النار»، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه. 

أخية؛ كلاهما مات، ولكن رجل يموت شهيدا وهو على فراشه، وآخر يموت إلى النار وهو مقتول كما يرى الناس شهيد.

فما القاسم بينهما؟ إنه النية

لذلك كانت وقفتنا الأولى: نيتك نيتك.

احرصي على:

  • عقد النية على صلاح القول والعمل.
  • تطهير القلب من الرياء وحب السمعة والمدح.
  • الدعاء الله أن يرزقك الإخلاص.
  • عقد العزم على الاجتهاد بالطاعات وأن يكون رمضان هذا العام خير ممن سبقه.

فقد يتوفاك الأجل قبل دخوله فيكون لك الأجر كاملا.

ففي الحديث عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (رواه النسائي /كتاب قيام الليل /باب من أتى فراشه / رقم 1775).

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ و لا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ»(متفق عليه)

الوقفة الثانية: لا تكن من الغافلين

قال عز وجل: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم:39]

فهؤلاء عاشوا في غفلة، وهم عما أنذروا يوم القيامة غافلون.

علاج الغفلة:

  1. إدمان الذكر والمداومة على التسبيح والتهليل والاستغفار، قال عز وجل: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:28].
  2. الدعاء وسؤال الله الهداية وفي الدعاء: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا وَمِنْ أَمَامِي نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا» (متفق عليه).
  3. المحافظة على الطهارة والفرائض، قال عز وجل: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45].
  4. الجود والإحسان للخلق والرحمة بهم.
  5. التعرف على أسماء الله وصفاته.

الوقفة الثالثة: التوبة والرجوع إلى الله

نحن مقبلون على شهر المغفرة والتوبة، فليكن رمضان بداية لتوبة حقيقية، وبداية انطلاقة راشدة ورجوع صادق إلى الله.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَانْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ» (رواه  أحمد ومسلم والترمذي).

وعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»(رواه مسلم وأحمد)

وفي الحديث القدسي: «يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السّمَاءِ ثُمّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي» (رواه الترمذي وصححه ابن القيم وحسنه الألباني).

استشعري معنى هذا الدعاء العظيم «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي» (رواه البخاري)

فمن لم يتب في هذا الشهر متى يتوب؟ ومن لم يعد إلى الله في رمضان متى يعود؟

الوقفة الرابعة: التفقه في أحكام الصيام

معرفة أحكام الصيام والقضاء ومعرفة آدابه وسننه حتى نقوم بهذه الشعيرة كما يحبها الله ورسوله.

الوقفة الخامسة: المحاسبة

يجب على كل مسلم أن يأخذ العبرة من سرعة الأيام وتصرم الأعوام، فيقف مع نفسه وقفة محاسبة، يقول علي رضي الله عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الأخرة مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل).

يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18].

الوقفة السادسة: فرصة ثمينة

رمضان فرصة لتطهير القلوب وتصفية النفوس؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ»'صحيح الجامع).

ولما سئل الحبيب عليه الصلاة والسلام أي الناس أفضل قال: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ» قالوا: فما مخموم القلب؟ قال: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» (رواه ابن ماجه، والبيهقي وصحح إسناده الألباني)

الوقفة السابعة: عبادتك؛ عبادتك

كيف حال العبادة قبل رمضان؟

كيف هي صلاتك؟

كيف حال صيامك؟

كيف هي صدقتك؟

لابد لنا من التزود بالطاعات قبل هذا الشهر لذلك من السنة كثرة الصيام في شعبان.

الوقفة الأخيرة:

غاليتي؛ انتبهي لقوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:99]

يقول الشيخ بن باز في تفسير هذه الآية: "المقصود من هذا تحذير العباد من الأمن من مكر الله بالإقامة على معاصيه، والتهاون بحقه، والمراد من مكر الله بهم أنه يملي لهم ويزيدهم من النعم والخيرات وهم مقيمون على معاصيه وخلاف أمره، فهم جديرون أن يؤخذوا على غفلتهم ويعاقبوا على غرتهم بسبب إقامتهم على معاصيه وأمنهم من عقابه وغضبه قال عز وجل: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ؛ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:182-183]".

غاليتي؛ الأمن من مكر الله من كبائر الذنوب، فتفقدي عملك وقلبك ولا تأمني من عقوبة الله أن تنزل بك وأنت مقيمة على معصية.

أسأل الله لي ولكم توبة نصوحا؛ وأسأله مغفرة لذنوبنا؛ وأسأله أن يبلغنا رمضان ويرزقنا الجد والاجتهاد فيه.

العنود المحيسن

- خريجة كلية الشريعة - تخصص فقه مقارن / جامعة الملك سعود بالرياض - محاضرة ومدربة في معهد معلمات القرآن الكريم بغرب الرياض - مديرة دار الإمام محمد بن سعود لتحفظ القرآن الكريم بغرب الرياض

  • 4
  • 0
  • 8,896

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً