أهلا رمضان

منذ 2016-06-03

كم من خاطرة أفضت إلى دمعة بلّغت صاحبها دواوين الخالدين، وبوّأته منازل السعداء الفائزين.

كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه؛ فمعتقها أو موبقها، وكم من مفطر صائم، وكم من صائم مفطر، ومن عباد الله من يسعى إلى محبوبه سعى المدلل؛ فيمشي الهوينى ويجئ الأول، ولله في خلقه شؤون وحكم.

غمرني نبلكم أيها السادة القراء بما أعجزني عن مكافأتكم وصالا بوصال؛ لكنني أكافئكم دعاءً بوصال فجزاكم الوهاب برفيع نبلكم وسامي مشاعركم خيرا، وأسعد الله أيامكم، وبارك أعماركم، وأصلح أعمالكم.

إن أعظم ما ينعم به الخالق على أحد من خلقه قلب يفيض حبا، وينبض حقاً، ويشع صلاحا، وينثر سعادة ونورا؛ يقول الهادي البشير صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين: «أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ» (رواه البخاري)، وهو الذي نزل عليه الروح الأمين بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وهو الذي جاء عنه في الصحيح أنه أشار إلى صدره وقال: «التَّقْوَى هَاهُنَا؛التَّقْوَى هَاهُنَا» (رواه البخاري).

كم من خاطرة أفضت إلى دمعة بلّغت صاحبها دواوين الخالدين، وبوّأته منازل السعداء الفائزين؛ «وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» (رواه البخاري).

أي إشراقة هذه التي أدخلت امرأة بغي الجنة في كلب سقته! وأي ظُلمة تلك التي أردت أخرى في النار في هرة حبستها! وكيف تدخل الصائمة القائمة النار لأنها تؤذي جيرانها! وكيف يبلغ حَسنُ الخلق درجة الصائم القائم! إنها حكمة الطريق، ومنّة بارئه الرحيم الودود؛ {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}[النساء:147]

بين يدي الزائر العظيم القادم -بلغكم الله منه مرادكم- قدّم لنا الفضلاء ما قدموا من برامج وجداول ووصفات لنستقبل بها الزائر، ولهم منا جزيل الشكر والامتنان، غير أني أدعو نفسي وإياك أن نستقبل زائرنا المرسل من أكرم الأكرمين وأجود المعطين بمهمة سلوا تعطوا؛ ألا نسأله راحلة وزادا؛ وإنما نسأله أن يرد إلينا ذلك الإنسان الخيّر المسجون في أعماقنا بزيغنا وجهلنا، المكبل بطغياننا، الناحل بقنوطنا ويأسنا! وأن ألوذ وأعتصم بالمقام لعلي أظفر بفكاكه، وإطلاق سراحه، ولئن ظفرت به فوالذي خلقه لأهتفن: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101]

إن برامج المتربعين على قمم الصدارة والنجومية إنما تناسب صلاحهم وصالحهم، الذي يعظني ويحدثني عن الموت وأهواله وكأنني حي!!

يا مهدهداً طفله سرورا وحبورا: كم رضيعاً سقيته كؤوس اليتم بيديك؟ يا حبيساً في ركعاته بسمين جوارحه وأركانه: كم حبيسا يذرف عبراته الحرّى يدعو عليك بين يديه؟

يا متمتماً بتسبيحاته الموتى: كم لساناً أخرسته حين نطق بالحق بين يديك؟ يا متصدقاً بالسُّحت من فضلاته: كم سخيا مظلوما جرّدته من ماله؛ فبات يسأل قوت عياله؟

يا معرضا بعدوانه عن أمره ونهيه؛ «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا»(رواه مسلم): كم مظلوماً تسعد الكائنات بكف الظلم عنهم لو أشرقت شمس العدل بين يديك؟

يا نفسي، و يا هذا في كل هذا: قد تجعلها البرامج والجداول عودة موسمية؛ فهلا جعلناها أبدية، بأسمى معان الإنسانية، بإشراقاتها وإبداعاتها النورانية، ونفحاتها القرآنية،:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] )ونفسح لإطلاقاته بقبسات: «عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِي» (رواه أحمد)

ونحيطه بضياء: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» (رواه البخاري ومسلم)

اللهم أبرم لهذه الإنسانية أمر رشد تهدي به الضالين، ويسود به الحب، والعدل، والنور، والسلام والوئام الناس أجمعين.

حسن الخليفة عثمان

كاتب إسلامي

  • 7
  • 0
  • 3,138

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً