وقفات مع ليلة القدر

منذ 2016-06-21

الشقي والمغبون من حُرم قيام ليلة القدر، ولم يكن فيها من السعداء الفائزين المقبولين!

الحمد لله الذي خصنا بشهر الطاعات، وأجزل لنا فيه المثوبة ورفع الدرجات، وَعَدَ من صامه إيمانًا واحتسابًا بتكفير الذنوب والسيئات، وشرّف أوقاته على سائر الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد، وبعد:

ما زلنا نعيش معكم تلك الواحات الإيمانية في هذا الشهر العظيم، نتفيأ ظلالها ونتجول في بساتينها النضرة، سيما ونحن في الأيام الأواخر العشرة، التي فيها أعظم وأفضل وخير ليلة على الإطلاق، ألا وهي ليلة القدر.

ما أسرع انقضاء أيام رمضان ولياليه، وما أجملها من ساعات ولحظات، وقبل فوات الأوان ينبغي أن نتدارك ما حصل منا من تقصير أو نقصان، وقد منحنا الله فرصة لا تعوض بشيء، وليلة لا تقدر نفحاتها وفضائلها وخيراتها بثمن!

الشقي والمغبون من حُرم قيام ليلة القدر، ولم يكن فيها من السعداء الفائزين المقبولين!

فيا أيها العبد: كن فيها من الطائعين الخاشعين القانتين، وأحيها بالقيام والدعاء والذكر، فهي ليلة خير من ألف شهر،وقد حث عليه الصلاة والسلام على تحريها، إذا يقول: «تَحَرَّوْا ليلة القدرِ في الوِتْرِ، من العشرِ الأواخرِ من رمضانَ» (صحيح البخاري [2017]).

ولعظم هذه الليلة أنزل الله فيها القرآن جملة واحدة، من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1].

نحن مع ليلة عظيمة القدر جليلة الأجر لا حدود لنفعها وثمارها، من حرم خيرها فهو محروم، يقول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ هذا الشهرَ قدْ حضَرَكُمْ، وَفيهِ ليلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شهْرٍ، مَنْ حُرِمَها فَقَدْ حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ، ولَا يُحْرَمُ خيرَها إلَّا محرومٌ» (صحيح الجامع [2247]).

"يقول ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان:2-3]، وتنكير ليلة للتعظيم، ووصفها بمباركة تنويه بها وتشويق لمعرفتها" (ابن عاشور).

ومن بركاتها:

- ابتداء نزول القرآن فيها.

- أنها خير من ألف شهر.

- تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم.

- فيها يفرق كل أمر حكيم.

والقدر فيها معنى التعظيم والشرف والمكانة، أو فيها تقدر وتقضى الأشياء على مدار السنة.

من حيث الفضيلة هي خير من ألف شهر، لذلك من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.

يعنى بذلك أن عملاً فيها بما يرضى الله ويحبه من صلاة ودعاء وشبهه خير من عمل فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (شرخ البخاري لابن بطال).

تتنزل فيها الملائكة بالخير والبركة والرحمة، ومعهم جبريل عليه السلام الذي خصه بالذكر لشرفه ومكانته.

لكثرة العتقاء فيها من النار فهي {سَلَامٌ} على المؤمنين، طمأنينة وراحة وسكون من كل مخوف، وسلامة من العذاب والعقاب.

في هذه الليلة تفصل الأقدار المكتوبة في اللوح المحفوظ إلى الكتبة، ما يكون في السنة من آجال وأرزاق.

أما وقتها فيقول عليه الصلاة والسلام: «التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى» (صحيح البخاري [2021]).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «تَحَرَّوْا ليلة القدرِ في الوِتْرِ، من العشرِ الأواخرِ من رمضانَ» (صحيح البخاري [2017]).

واختلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم في تحديد هذه الليلة لأقوال عديدة، ولكن الخلاصة:

أنها في العشر الأواخر وفي الوتر منها أوكد باعتبار ما مضى، أما باعتبار ما بقي فلو كان الشهر ناقصًا ستكون لتسع بقين ولسبع بقين ولخمس بقين كما في البخاري، فهي الحادي والعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين، أما لو اكتمل الشهر فتكون لتسع بقين هي الثاني والعشرين وسبع بقين الرابع والعشرين ولخمس بقين هي السادس والعشرين، وهذا ما ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى عندما سئل عن ليلة القدر، وكذلك ابن بطال في شرح صحيح البخاري.

لذلك على المسلم أن لا يتكاسل ولا ينتظر ليلة بعينها، بل يتحراها في العشر الأواخر جميعًا، عسى أن ينال بركتها وأجرها وفضلها، وأن يكون فيها من المقبولين العتقاء من النار.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (جامع الترمذي [3513]).

وقال عليه الصلاة والسلام: «ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى» (السلسلة الصحيحة [2205]).

لو أن صاحب معرض للسيارات عمل عرضا مغريا مدته عشر ليالي، وقال: كل من اشترى سيارة فيه وافقت ليلة فقط يحددها ويعرفها صاحب المعرض، فله معها ألف سيارة إضافية!!

بالله عليكم ما الذي يحصل؟! ستجد الناس طوابير طيلة تلك الليالي جميعا لتحصيل هذا العرض، فنحن على موعد مع ليلة مباركة، خيرها كثير وفضلها منقطع النظير، فأين المشمرون والتجار الحقيقيون؟! وربنا سبحانه يقول: {وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين من الآية:26]

فنحن مع فرصة العمر التي لا تعوض، فاغتنمها يا رعاك الله في ساعات ليلة القدر.. فهي من أعظم المنن وأكبر النعم وأجلّ المنح.. كيف لا وهي {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر من الآية:3] في الطاعة والعبادة والأجر.. ليلة شريفة القدر.. نزل فيها كتاب ذو قدر.. وتتنزل فيها رحمات ذات قدر.. وملائكة ذو قدر..

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا ليلة القدر، وأن يكتبها فيها من المقبولين.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 5
  • 0
  • 11,288

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً