الصراع بين الحق والباطل

منذ 2016-06-11

لا توجد على وجه الأرض إلا حضارة واحدة هي حضارة الإسلام، وأما ما يسمى حضارات لدى الغرب أو الشرق، فهي ليست إلا جاهليات وعميات وضلالات؛ فالحضارة في المفهوم الإنساني.

قضت سنة الله تعالى في هذه الحياة أن يكون فيها دائماً وأبداً شيئان متناقضان متعاكسان متضادان متصارعان متحاربان لا سلام بينهما على الإطلاق، ودليل صدقية هذا الكلام قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة من الآية:251]. 

ظهور الحياة بلون واحد وشكل واحد مستحيل؛ لأنه يؤدي إلى فسادها وتصبح كالمستنقع الآسن لأن المياه تصبح فيه راكدة متوقفة، وهذا ما عبر عنه الله تعالى في كتابه الكريم حينما قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118]، ولذلك سيبقى الصراع والقتال والنزاع بين الناس إلى أبد الآبدين وإلى نهاية الدهر ولن يتوقف لحظة واحدة ولا طرفة عين واحدة، وسيبقى يدعي كل فريق أنه على الحق المبين، وعلى الصراط المستقيم، وأنه هو المنتصر يقيناً، والفائز أكيداً، وأنه هو الغالب المظفر!

بل سيبقى كل فريق يعتقد ويؤمن إيمانا مطلقاً بأنه يسير في الطريق الصحيح، وأنه يسعى لتحقيق أهداف سامية نبيلة، وأنه يقاتل في سبيل قضية محقة، ويعمل لمصلحة الأمة، أو لتحقيق تطلعات الشعب وأمانيه وأحلامه وآماله!
وبعض الغربيين يسمي هذا الصراع صدام الحضارات هذا كذب وضلال وبهتان؛ إذ لا توجد على وجه الأرض إلا حضارة واحدة هي حضارة الإسلام، وأما ما يسمى حضارات لدى الغرب أو الشرق، فهي ليست إلا جاهليات وعميات وضلالات؛ فالحضارة في المفهوم الإنساني:

هي التي تحرر الإنسان من العبودية للعبيد، ومن العبودية للأهواء والشهوات، ومن العبودية للعادات والتقاليد المنافية لشرع الله والمعارضة للعقل والمنطق، وهذا لا يتحقق إلا في ظل الإسلام، فيجعل الإنسان فعلاً متحضراً، أما إذا بقي الإنسان يرزح تحت نير العبودية لغير الله تعالى وينطلق وراء شهواته وأهوائه مثل المسعور، فهو غير متحضر ولو طار في الفضاء ووصل إلى الجوزاء وبنا الأبراج الشاهقات وبنا الأرض وعمرها وجعل الناس مرفهين منعمين مرتاحين، فهذا يسمى تمدناً أو مدنية بمعنى تسهيل وتيسير أمور الحياة الدنيوية المادية، وقد مرت على الأرض أقوام عمرتها وشيدت فيها صروحاً عظيمة وكانت أكثر قوة: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا} [الروم من الآية:9]، وهنا يتبين الفرق الهائل بين الحضارة  التي تهتم بالنواحي الروحية والمعنوية والفكرية، وبين المدنية التي تهتم بالنواحي المادية والعمرانية والخدمية والترفيهية. 

وبما أن الإسلام هو الوحيد الذي يهتم بالجوانب الروحية ومتعلقاتها إضافة إلى المادية فالحضارة لا تكون إلا في الإسلام، بينما المدنية يمكن أن توجد عند الإسلام وعند سواه، وعليه لا يوجد صدام حضارات، وإنما يوجد صراع بين الروح والمادة  وبين الفكر والجسد وبين الفضيلة والشهوات.

وعليه: فإن معتقدات كل فريق أنه على الصواب وعلى الحق المبين هي المحفز والمنشط والدافع لاستمرار الصراع والقتال حيث أن كل فريق يأمل في كل لحظة أنه هو الذي سيحسم المعركة لصالحه!

وهذا ما يحصل بالضبط في سورية حيث يحتدم الصراع بين النظام الأسدي وأعوانه وبين الثوار وكل فريق يعتقد جازما أنه هو المنتصر!

ومن هنا يأتي بطلان وكذب من يدعي:
أنه يعمل على تحقيق السلم العالمي بين الناس وبين شعوب المنطقة العربية التي تجيش بعقائد وأفكارٍ متباينة متشاكسة متنافرة متعادية بينها!

فكيف يكون السلم بين من يعتقد كل فريق أنه عدو للفريق الآخر ويستحل دمه، وعرضه، وماله؟!
وكيف يكون السلم بين من يحمل كل فريق في جنبات نفسه حقداً دفيناً وكراهية عميقة تجاه الفريق الآخر؟!
وكيف يكون السلم بين المجرم القاتل، وبين الضحية؟!

وهنا يطرأ سؤال هام جداً يقول:
من هو الذي سيحدد أن هذا الفريق هو على الحق، وذاك الفريق هو على الباطل؟
هل هو غلبة هذا الفريق على ذاك يجعله هو على الحق؟
هل هو كثرة المؤيدين والداعمين لهذا الفريق على ذاك يجعله هو على الحق؟

الحقيقة أن الجواب قد يكون بدهيا وواضحاً لكل ذي عقل وبصيرة حينما يكون الصراع محتدماً بين من يؤمن بالله، وبين من يؤمن بالجبت والطاغوت، وبين من يقاتل في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ولنيل الحرية والعزة والكرامة البشرية، وبين من يقاتل دفاعًا عن الطواغيت المتجبرين المتكبرين الساعين لإبقاء الناس عبيدًا لهم!

ولكن هذه الحقيقة قد يكون فيها التباس وغبش حينما يكون الصراع قائماً بين فريقين يشتركان ببعض المقومات العقدية الواحدة، وهي الإيمان بالله الواحد القهار!

حينئذ يصبح من الصعب بل من العسير أحياناً التمييز بين فريق الحق وفريق الباطل إلا على الذين أوتوا نصيباً من العلم والفهم السليم والبصيرة الثاقبة!

وهذا الصراع الذي يحدث بين فريقين يجمعهما دين واحد وعقيدة واحدة وإيمان واحد وفكر واحد هو من أسوأ الصراعات البشرية طراً؛ إذ إنه يُدمي الفؤاد، ويفتت الكبد، ويُحزن القلب، ويؤجج مشاعر الأسى والألم في النفس، ويُضعف الأمة، ويبدد طاقاتها، ويُشمت أعداءها بها!

وكل هذا ليس إلا ابتلاءً واختباراً من الله تعالى للبشرية جمعاء، ليُعرف المؤمن من الكافر، والصالح من الطالح: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران : 140] 

موفق مصطفى السباعي

  • 1
  • 1
  • 6,922

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً