تذوق المعاني - [17] آية الكرسي

منذ 2016-06-22

وفي صحيح البخاري من حديث أُبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏في آية الكرسي «إنها سيدة آي القرآن»، وذلك لما احتوت عليه من المعاني العظيمة التي فيها توحيد الله تبارك وتعالى وإثبات علم الله المحيط بكل شىء وأنه لا أحد سواه يحيط بكل شىءٍ علماً، وإثبات أن الله تعالى لا يعتريه عجز ‏ولا سِنة أي نعاس ولا نوم.

{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255].

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل آية الكرسي أنه قال يوماً لأحد الصحابة: «يا أبا ‏المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟»، قلت: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم"، فضرب رسول الله عليه وسلم في صدره وقال: «ليهنأك العلم أبا المنذر» (صحيح مسلم برقم [810]).

وفي صحيح البخاري من حديث أُبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏في آية الكرسي «إنها سيدة آي القرآن»، وذلك لما احتوت عليه من المعاني العظيمة التي فيها توحيد الله تبارك وتعالى وإثبات علم الله المحيط بكل شىء وأنه لا أحد سواه يحيط بكل شىءٍ علماً، وإثبات أن الله تعالى لا يعتريه عجز ‏ولا سِنة أي نعاس ولا نوم.

و قد سئل بعض العارفين عن الخالق فقال للسائل: إن سألت عن ذاته فليس كمثله ‏شىء، وإن سألت عن صفاته فهو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وإن سألت عن اسمه فهو الله ‏الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، وإن سألت عن فعله فكل يومٍ هو في شأن، أي أن الله ‏يغير أحوال العباد بمشيئته الأزلية التي لا تتغير.

فما هي هذه المعاني العظيمة التي تحويها آية الكرسي:

{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ}: أي أنه لا شىء يستحق العبادة سوى الله، والعبادة هنا هي نهاية التذلل لله أو بعبارة أخرى غاية الخشوع و‏الخضوع لله تعالى، يقول ربنا تبارك و تعالى:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء من الآية:25]، ويقول أيضاً {وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163]، ووجود العالم دليلٌ على وجود الله فإنك إذا تأملت هذا العالم ببصرك لوجدته كالبيت ‏المبني المعد فيه جميع ما يُحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض مبسوطة كالبساط والنجوم منضوضةٌ ‏كالمصابيح وصنوف الدواب مسخرةٌ للراكب مستعملةٌ في المرافق.

{الْحَيُّ الْقَيُّومُ}: وصف الله نفسه بأنه حي، وحياة الله أزليةٌ لا بداية لها، وأبديةٌ لا نهاية لها، ليست حياةً مركبةً من روحٍ ودمٍ وجسد، حياة الله ليست كحياة ‏المخلوقات، ووصف نفسه بأنه قيوم أي أنه مستغن عن كل شىء، وكل شىءٍ يحتاج إليه فالله لا ينتفع بطاعة ‏الطائعين، ولا يتضرر بمعصية العصاة وكفر الكافرين فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها ولن يضر الله شىء وما ‏الله بظلامٍ للعبيد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15]، فهذه العوالم بما فيها من ‏ملائكةٍ وإنسٍ و جن لا تستغني عن الله طرفة عين، وليس معنى القيوم كما يظن بعض الجاهلين أن الله قائمٌ فينا يحل ‏في الأجساد تنزه الله عما يقول الكافرون.

{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}: أي لا يصيبه نعاسٌ، ولا نوم لأنه منزهٌ عن ‏التطور والتغير والإنفعال، فالذي يوصف بالنعاس والنوم يوصف بالتعب والمرض والموت، ومن كان كذلك لا ‏يكون خالقاً بل يكون مخلوقاً.

{لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}: أي أن الله مالك كل ما في السماوات و ‏الأرض من ذوي العقول كالملائكة والإنس والجن وغير ذوي العقول كالبهائم والجمادات، فالله سبحانه وتعالى ‏هو مالك الملك، هو المالك الحقيقي لكل هذا العالم، وهو الحاكم المطلق والآمر الناهي الذي لا آمر له ولا ناهي له.

‏‏{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}
: أي لا أحد يشفع عند الله إلا إذا أذن الله له، فيوم القيامة الملائكة يشفعون ‏لبعض عصاة المسلمين وكذلك يشفع الأنبياء والشهداء والعلماء العاملون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شفاعتي لإهل الكبائر من أمتي» (رواه أبو داود و غيره)، أما الكفار فلا يشفع لهم أحد بدلالة قوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ} [الأنبياء من الآية:28]، أي لا يشفع الشفعاء إلا لمن مات على الإيمان.

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}: أي أن أهل السماوات الملائكة وأهل الأرض جميعهم من إنسٍ ومن جنٍ لا ‏يحيطون بشىءِ من علم الله إلا بما شاء، أي إلا بالقدر الذي علمهم الله تعالى إياه قال تعالى: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5].

و معنى قوله تعالى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: الكرسي هو جرمٌ عظيمٌ خلقه الله تعالى، وهو تحت ‏العرش بمثابة ما يضع راكب السرير قدمه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «ما السماوات السبع بجنب الكرسي ‏إلا كحلقةٍ في أرضٍ فلاة و فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة»، والفلاة هي الأرض البرية أي ‏أن السماوات السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقة ملقاة في أرض برية والكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقةٍ ملقاةٍ في ‏أرض برية.

{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}: أي لا يُتعب الله حفظ السماوات والأرض، لأن كل الأشياء هينةٌ على الله فكما ‏أن خلق الذرة هينٌ على الله، فخلق السماوات السبع والكرسي والعرش هينٌ على الله، لا يصعب على الله شىء ولا ‏يصيبه تعب، وفي ذلك تكذيبٌ لليهود الذين قالوا إن الله تعب بعد خلق السماوات والأرض فاستلقى ليستريح يوم ‏السبت والعياذ بالله تعالى، فرد الله عليهم في القرآن بقوله {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق:38]، أي ما مسنا من تعب.

{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}: أي أن الله عالي القدر وليس المقصود علو ‏المكان لأن الله تعالى منزهٌ عن الجهة والمكان، بل المقصود أنه أعلى من كل شىءٍ قدراً وأقوى من كل قوي وأقدر ‏من كل قادر.

مما ورد كذلك في فضل آية الكرسي

هو أن أُبي بن كعب كان له جُرْنٌ من تمر، فكان ينقص، فحرسه ذات ليلة، فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم، فسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال: "ما أنت؟ جنيٌّ أم إنسيٌّ؟"، قال: "جني"، قال: "فناولني يدك"، فناوله يده، فإذا يدُه يدُ كلبٍ، وشعرُه شعرُ كلب، قال: "هذا خَلْقُ الجِنِّ؟!"، قال: "قد علمتِ الجنُّ أن ما فيهم رجلاً أشد مني"، قال: "فما جاء بك؟"، قال: "بلغنا أنك تحبُّ الصدقة، فجئنا نُصيبُ من طعامك"، قال: "فما ينجينا منكم؟" قال: "هذه الآية التي في سورة البقرة: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }، من قالها حين يُمسي أجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يُصْبِحُ أُجيرَ منا حتى يُمسي"، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له؟! فقال صلى الله عليه وسلم: «صدق الخبيث».

قوله: "جُرن"؛ الجرن هو موضع تجفيف التمر.

قوله: "بدابة شبه الغلام المحتلم"؛ أي: البالغ؛ والمعنى: أنه رأى مخلوقاً حجمه كحجم الغلام البالغ.

قوله: "أُجير"؛ أي: حُفِظَ ووُقي.

علماً بأن آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين هن تتمة أذكار ما بعد الصلاة.

Editorial notes: شارك في التنسيق: رانيا قنديل

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

  • 10
  • 0
  • 33,630
المقال السابق
[16] أذكار بعد السلام من الصلاة
المقال التالي
[18] سورة الإخلاص
  • محمد الهواري

      منذ
    كلمات جميلة إلا أن لي تعليق قد سبقني به الأخ خالد وهو قول الأخت : ({وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}: أي أن الله عالي القدر وليس المقصود علو ‏المكان لأن الله تعالى منزهٌ عن الجهة والمكان ) تعليقي هو أن الله يوصف بعلو الذات والقدر معا فكما أن قدره عالٍ بلا خلاف فكذلك ذاته سبحانه لها العلو المطق قال ابن القيم : والله يعلمُ أننا في وصفه لم نعدُ ما قد قال في القرانِ أوقاله أيضا رسول الله فهو الصادق المصدوق بالبرهان إلى آخر ما ذكر وقد بين العلامة ابن القيم أن علو الذات عليه ما يقارب الألفي دليل من كتاب وسنة وعقل وفطرة وغير ذلك وأوضح دليل على علو الذات من السيرة وحادثة المعراج فعندما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم ولقى ربه ،اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في هل رأى النبي ربه أم لا ؟ هذا لا يختلف فيه أهل السيرة وقد قال ابن القيم ما معناه أن اختلافهم في الرؤية دليل على اتفاقهم بأن الله في السماء فلو كان بينهم خلاف في ذات الله أهي في السماء أم كل مكان لما اختلفوا فانظر لهذا الفهم الدقيق من العلامة ابن القيم فهذا ما أردت توضيحه وإلا فالأدلة أكثر من أن تُذكر والعلم عند الله
  • Karim Kortobi

      منذ
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن أراد بنفي المكان : المكان المحيط بالله - عز وجل - فهذا النفي صحيح ، فإن الله تعالى لا يحيط به شيء من مخلوقاته ، وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء ، كيف لا ( والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) ؟ . وإن أراد بنفي المكان : نفي أن يكون الله تعالى في العلو ، فهذا النفي غير صحيح ، بل هو باطل بدلالة الكتاب والسنة ، وإجماع السلف والعقل والفطرة . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجارية : أين الله ؟ . قالت : في السماء . قال لمالكها : ( أعتقها فإنها مؤمنة ) رواه مسلم (537) .

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً