رسالة إلى (الشيخ محمد بن شاكر الشريف) في مرضه

منذ 2010-07-02

"تتقلب صفحات الحياة وتتعدد الأحداث التي تمر على الإنسان، فينال منها ما ينال و "هل تجيء الأيام بما نحب؟، ما أكثر العواصف التي تهبُّ علينا، وتملأ آفاقنا بالغيوم المرعدة، وكم يواجَه المرء بما يكره، ويُحرم ما يشتهي"..


فضيلة الشيخ الوالد: محمد بن شاكر الشريف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
جزاكم الله خيرا على ما قدمتموه لخدمة الدين من خلال ما تطرحونه من جهد علمي متمثل في كتب ومقالات وبحوث لها أثر ونفع كبير في تصحيح مفاهيم كثير من الشباب فجزاكم الله خيرا ونفع الله بكم.

شيخنا الحبيب...
ونحن نتابع مرضكم الذي أصابنا بالحزن لا نملك سوى دعاء الله عز وجل لكم بالشفاء العاجل وأن يجعل ما أصابكم رفعة لكم يوم الدين...
شيخنا الكريم قد لا يدرك الإنسان حجم أثره على الآخرين أوقد يعتقد أن تأثير بعض ما يطرح محدود الأثر، ولكن هذا الكلام قد يكون صحيحا إذا كان ما يطرحه الفرد من دعوة وعمل تتمحور حول الذات والشخص أو المصالح الدنيوية أو اللذات العاجلة، ولكن إذا كان ما يُطرح من أجل قيم شامخة وأهداف سامية وعمل يبتغى به وجه الله فهذا ما يرجى معه القبول، ونحن نحسبك والله تعالى حسيبك قد أشغلتك قضية الأمة في تفكيرك وفي إنتاجك العلمي المتنوع بين مقال وكتيب وكتاب فكان له القبول لدى الكثير والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
 
 
شيخنا الكريم...
حينما طالعت أول مقالتكم في مجلة البيان الإسلامية والمعنون بـ (أحكام أهل الذمة لم تنسخ) [1]، لم أكن أعرفكم ككاتب ولكن أعجبني قوة الطرح وقوة الرد الموجود في المقال على من يحاولون تغيير أحكام الله عز وجل، وقولكم الحق وعدم خوف لومة لائم في سبيل ذلك، ومنذ ذلك الحين وأنا أجد سعادة بالغة حينما أجد في مجلة البيان مقال من إنتاجكم فكنت أبتدئ به وأنتظر الأعداد التالية لعلي أجد ما يشبع نهمي وحبي لما تكتب،
ولم يكن تعلقي بما تكتب تعلق شخصي من النوع المرضي بقدر ما تعلق بالفكرة الصحيحة المطروحة...
ثم تابعت ما تنشرون فوجدت فيه الرد الدامغ والحق النافع والعلم الغزير، ومقالي هذا لم أخصصه لتحليل ما تكتبون فإنّ ما تكتبون لهو حريّ أن يمحص ويحقق ويدرس لاستخلاص الدروس المستفادة منه في واقعنا المعاصر...
 
 
شيخنا الكريم...
"تتقلب صفحات الحياة وتتعدد الأحداث التي تمر على الإنسان، فينال منها ما ينال و "هل تجيء الأيام بما نحب؟، ما أكثر العواصف التي تهبُّ علينا، وتملأ آفاقنا بالغيوم المرعدة، وكم يواجَه المرء بما يكره، ويُحرم ما يشتهي" [2].
ومن تلك الأحداث والعواصف التي تواجه الإنسان "المرض" فلا يكاد يخلو إنسان من عارض يمر به، فيصاب بمرض، أو يوجد عنده من يمر بمرض من الأمراض التي لا يملك داءها ودواءها إلا الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80].

ويقول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157]، يقول الشرباصي في هذه الآية: "أنتم جميعاً ستبتلون بشيء من هذا الابتلاء أو ذاك، ولكنكم لن تكونوا سواء في تحملكم التبعات والمسؤوليات في هذا الابتلاء، فمنكم من يصبر ومنكم من لا يصبر، ومنكم من يسترجع ومنكم من لا يسترجع.
 

إن الابتلاء نازل بكم جميعاً، ولكن صنفاً خاصاً منكم هو الذي يستحق الثمرة الطيبة: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155]، وكأن هذا إيحاء إلى الإنسان بأنه ما دام سيتعرض للابتلاء، وما دام سيصيبه ما قدر له من لون أو ألوان هذه الابتلاءات، فمن الخير له أن لا يجزع ما دام الابتلاء واقعاً سواء رضي أم أبى، وما دام سينال أجر الابتلاء وافق أم لم يوافق، فخير له أن يكون من الصنف الطيب {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة:155] [3].
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "إذا أصيب الإنسان بمرض فالله لم يرد به الضر لذاته بل أراد المرض، وهو يضره، لكن لم يرد ضرره، بل أراد خيراً من وراء ذلك، وقد تكون الحكمة ظاهرة في نفس المصاب وقد تكون غير ظاهرة في غيره، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الأنفال:25]، فالمهم أنه ليس لنا أن نتحجَّر حكمة الله، لأنها أوسع من عقولنا، لكننا نعلم علم اليقين أن الله لا يريد الضرر لأنه ضرر، فالضرر عند الله ليس مراداً لذاته بل لغيره ولا يترتب عليه إلا الخير"، القول المفيد على كتاب التوحيد، (342).
 

وبعد إخواني الكرام...
ما دورنا مع المريض وما الذي نفعله تجاهه؟
سنركز على أمرين وهما: (عيادة المريض، ودورنا التربوي تجاه من أصيب بالمرض من دعاة المسلمين).

أولاً :- عيادة المريض: (انظر موقع الإسلام سؤال وجواب بتصرف)
هي زيارته, وسميت عيادة لأن الناس يعودون إليه مرة بعد أخرى.
حكم عيادة المريض:
ذهب بعض العلماء إلى أنها سنة مؤكدة, واختار شيخ الإسلام أنها فرض كفاية، كما في "الاختيارت" (ص 85), وهو الصحيح... فقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: «خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم:»، وذكر منها: «عيادة المريض»...
وفي لفظ: «حق المسلم على المسلم...»...
وقال البخاري: "باب وجوب عيادة المريض وروى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أطعموا الجائع, وعودوا المريض, وفكوا العاني»" انتهى.
وهذا الحديث يدل على الوجوب, وقد يؤخذ منه أنها فرض كفاية كإطعام الجائع وفك الأسير. ونقل النووي الإجماع على أنها لا تجب، قال الحافظ في الفتح (10/117): يعني على الأعيان.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (5/173):
"الصحيح أنها واجب كفائي، فيجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم" انتهى بتصرف.
فضل عيادة المريض:
وورد في فضلها أحاديث كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ»، رواه مسلم (2568).خرفة الجنة أي جناها.
شبه ما يحوزه العائد من ثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر.
وللترمذي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا»، حسنه الألباني في صحيح الترمذي.وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ, فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا»، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2504).
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ, وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ»، صححه الألباني في صحيح الترمذي.
والخريف هو البستان.
 
وليست عيادة المريض خاصة بمن يعرفه فقط، بل هي مشروعة لمن يعرفه ومن لا يعرفه، قاله النووي في "شرح مسلم".
 
حد المريض الذي تجب عيادته:
هو المريض الذي يحبسه مرضه عن شهود الناس، أما إذا كان مريضاً ولكنه يخرج ويشهد الناس فلا تجب عيادته، "الشرح الممتع" (5/171) .
 
 
الدعاء للمريض:
وينبغي أن يدعو للمريض بما ثبت في السنة: «لا بأس، طهور إن شاء الله»، رواه البخاري
ويدعو له بالشفاء ثلاثاً, فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقال: «اللهم اشف سعداً، ثلاثاً»، رواه البخاري (5659) ومسلم (1628).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح بيده اليمنى على المريض ويقول: «أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ, وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي, لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا»، رواه مسلم (2191).
ولأحمد وأبي داود أن النَّبِيًّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ»، صححه الألباني في صحيح أبو داود.

ثانياً:- الواجب التربوي تجاه من أصيب بالمرض من دعاة المسلمين:
يمكن تلخيص هذا الدور التربوي في كلمات يسيرة ولكنها تحمل معاني كبيرة فنقول "إن من حق الدعوة علينا أن نُذّكر بأن العلاقة مع الدعاة السابقين (الذين سبقونا بالخير والنفع للأمة) لا بد أن تكون علاقة أبوة كريمة أعطت ومنحت وما بخلت...
تقابلها علاقة بُنّوة تربوية كريمة شكرت وأثنت وما جحدت...
علاقة لها احترام بار كاحترام الوالدين"، انظر أبوة الدعوة التربوية مجلة الرائد عدد (129).

وفي النهاية نقول نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حُسن الخاتمة ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).

وفي النهاية شيخنا الكريم نقول لكم: «لا بأس، طهور إن شاء الله».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقال نشر في العدد الثاني والثمانين من مجلة البيان.
2- جدد حياتك، محمد الغزالي وانظر {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} للأخت فاتن بنت سعد الصويلح مجلة البيان العدد (163).
3- يسألونك في الدين والحياة، الشرباصي، ج 3/ 271 انظر {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} للأخت فاتن بنت سعد الصويلح مجلة البيان العدد (163).
 

محمد المصري

معلم وباحث إسلامي مهتم بالقضايا التربوية والاجتماعية ،وله عديد من الدراسات في مجال الشريعة والعقيدة والتربية الإسلامية.

  • 1
  • 0
  • 3,923

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً