محنة الأقليات المسلمة حول العالم

منذ 2010-07-15

المسلمون في روسيا الاتحادية يبلغ عددهم أكثر من خمسة وعشرين مليوناً (عدد سكان روسيا 150 مليوناً) يتوزعون في (14 جمهورية) ذات حكم ذاتي ومنطقة داخل روسيا الاتحادية...



الأحداث الدامية التي اندلعت بين "أوسيتيا الجنوبية" و"جورجيا"، ثم اتّسع نطاقُها بعد التدخل الروسي الواسع، تثير الحديث عن أوضاع الأقليات الإسلامية في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، بل وأوضاع الأقليات الإسلامية حول العالم، تلك الأقليات التي أصبحت كالأيتام على موائد اللئام، ف"أوسيتيا" و"أبخازيا" الواقعتان تحت مقصلة "جورجيا" هما جمهوريتان إسلاميتان في الأساس، لكن المسلمين فيهما تحولوا عبر أكثر من قرن من الزمان إلى أقلية مضطهدة، بعد أن فعلت الثورة الشيوعية فيهما كغيرهما من المناطق والجمهوريات الإسلامية أفاعيلها تشريداً، وقتلاً، وتمزيقاً، حتى حوّلتها إلى أقليات مهيضة الجناح، ولم يكن التحرك الروسي ضد "جورجيا" انتصاراً لحقوق "أوسيتيا" أو "أبخازيا" في الاستقلال بقدر ما كان تحركاً للحفاظ على مصالحها وأمنها ضد تمدد النفوذ الأمريكي في المنطقة عبر "جورجيا" حليف الغرب في المنطقة، وبوابته لمحاصرة النفوذ الروسي.
 
 
إن "أوسيتيا" و"أبخازيا" ليستا البلدين المسلمين الوحيدين اللذين تحوّل سكانهما المسلمون عبر التاريخ إلى أقلية مضطهدة، بل إن هناك العديد من الأقليات داخل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق مازالوا يعيشون في أوضاع متفاوتة في درجات الاضطهاد، بل إن الأقليات المسلمة في العالم كله.. شرقه وغربه تعيش معظمها أوضاعاً مأساوية بين التضييق والاضطهاد والحرمان من أبسط حقوق المواطنة، وإن نظرة سريعة على أوضاع تلك الأقليات المسلمة في قارات العالم الخمس، نجد أنها بالغة السوء.
 
 
فالمسلمون في روسيا الاتحادية يبلغ عددهم أكثر من خمسة وعشرين مليوناً (عدد سكان روسيا 150 مليوناً) يتوزعون في (14 جمهورية) ذات حكم ذاتي ومنطقة داخل روسيا الاتحادية، ويعيشون أوضاعاً صعبة، وخاصة في منطقة "القوقاز" التي تسيطر عليها روسيا، وتقوم بحرب إبادة منذ عشر سنوات ضد الشعب "الشيشاني" المسلم ومناطق مجاورة، دون أدنى تحرّك من العالم ومنظماته الحقوقية ومؤسساته الدولية.
 
 
وإذا نظرنا إلى قارة آسيا باتساعها، نجد أن الأقليات الإِسلامية فيها تصل إلى أكثر من (250 مليوناً)، وهناك أكثر من (40 مليون نسمة) من المسلمين يعيشون كأقليات في قارة أفريقيا، إضافة إلى أكثر من (20 مليوناً) يعيشون في أوروبا، وأكثر من (6 ملايين) يعيشون في امريكا، وغيرها وغيرها، وهكذا أكثر من (300 مليون) مسلم يعيشون في العالم كأقليات، خلاف الدول الإسلامية ذات الأغلبية المسلمة، حيث يصل تعداد المسلمين في العالم إلى (المليار ونصف المليار مسلم). لكن الناظر في أوضاع تلك الأقليات يجد أنها تعاني الحرمان، والجور، والعنت، دون رادع من قانون، أو ضمير، أو مراعاة لحقوق الإنسان، ولا تتحرك الدول الكبرى للوقوف بجانب تلك الأقليات في محنها إلا إذا كانت هناك مصالح إستراتيجية لتلك الدول، فأمريكا تحركت لإنقاذ "البوسنة" و"كوسوفا" من المذابح الصربية طمعاً في تواجد دائم في تلك المنطقة، وبسط نفوذها وهيمنتها ضد الهيمنة الروسية، واليوم تتحرك روسيا دفاعاً عن "أوسيتيا" و"أبخازيا" سعياً لتاكيد نفوذها على المنطقة قطعاً للطريق على إقامة قواعد أمريكية تمثل تهديداً للنفوذ الروسي، وبينما تحرك الغرب كله اليوم دفاعاً عن "جورجيا"، مدعياً دفاعه عن حقوق الإنسان، فإن هذا الغرب يلتزم الصمت المطبق منذ ما يقرب من عشر سنوات على حرب الإبادة المتواصلة التي تمارسها روسيا ضد الشعب الشيشاني المسلم.
 

إن الأقليات المسلمة حول العالم تمثّل ثروة غالية، وتمثّل عمقاً إستراتيجياً ومهماً للعالم الإسلامي في أماكن وجودهم، وينبغي على العالم الإسلامي أن يلتفت إلى تلك الثروة الغالية ويوليها اهتماماً وفق رؤية واضحة وجامعة، تضعها وتتبناها منظمة المؤتمر الإسلامي، وترعاها دول العالم الإسلامي، ولو تحرك العالم الإسلامي بما له من إمكانات وعلاقات؛ لكان لذلك أبلغ الأثر في تخفيف الضغوط الواقعة عليهم، ورفع الحيف والظلم الذي يقع عليهم صباح مساء، ولتم استرداد الكثير من الحقوق المهضومة.. ولتغيّر وجه القضية، وأصبحت تلك الأقليات قوة كبرى تُضاف إلى قوة العالم الإسلامي في مواجهة عالم تسوده التكتلات، ويفرض فيه الأقوياء أجنداتهم وبرامجهم، حيث لا مكان ولا حقوق للضعفاء.>


أغسطس 2008 م - مجلة المجتمع

المصدر: مجلة المجتمع
  • 3
  • 1
  • 5,584
  • nada

      منذ
    ina lillah wa in ilaihi raji3oon,

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً