الإيثار عند المرأة

منذ 2016-07-24

ومعنى الإيثار: تقديم الآخر على النفس في النفع، وقال أحد علماء الأخلاق البارزين في تاريخنا الإسلامي وهو ابن مسكويه: "الإيثار فضيلة للنفس بها يكفُ الإنسان عن بعض حاجاته التي تخصُه حتى يبذلها لمن يستحقه".

في ظني لا جدال في هذه الحقيقة: إن إحساسنا الأول بمعنى فضيلة (الإيثار) يتكّون ويتجلّى في مدرسة اسمها (الأم).

ولن أجاوز حد الاعتدال حين أقول: إن كل رجل يحمل في مخزون ذاكرته مواقف لإيثار المرأة أماً وزوجة وأختاً وبنتاً، بل أؤكد على أن من الملاحظ أن فضيلة الإيثار تكثر في النساء حتى أمست و كأنها من غرائز المرأة الفطرية.

ما معنى الإيثار؟

ومعنى الإيثار: تقديم الآخر على النفس في النفع، وقال أحد علماء الأخلاق البارزين في تاريخنا الإسلامي وهو ابن مسكويه: "الإيثار فضيلة للنفس بها يكفُ الإنسان عن بعض حاجاته التي تخصُه حتى يبذلها لمن يستحقه".

مثال من السُنة يصور إيثار المرأة!

من صور إيثار الأم الواضحة الجلية المؤثرة، ما ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ» (صحيح مسلم [2630])".

متى يكون الإيثار ظلماً في حق المرأة؟

ولشدة ارتباط الإيثار بالمرأة أصبح المجتمع يطالبها به وكأنه فرض عليها وواجب ملزم لها، وهذا لون من ألوان الظلم التي تحاصر المرأة بغير وجه حق.

ولقد تنبهتُ إلى أمر قد يظنه الكثير من الرجال دليلاً على ضعف المرأة ونقص قدراتها، ولكن الانتباه إلى فكرة الإيثار تجبرنا على تغيير هذا الخطأ، ذلكم الأمر هو: أن المرأة لشدة إيثارها، تتوارى عن المشهد العام، وتزهد في الشهرة والظهور ؛ لتصنع من ابنها أو زوجها رمزاً نافعاً، ولو دققنا في العظماء من رجال تاريخنا الإسلامي سنجد أن المرأة أسهمت بقوة في تكوين عبقريتهم وتميزهم.

قصة رائعة لأم سفيان الثوري!

لنتدبر هذه القصة: فقد جاء في سيرة الإمام المشهور سفيان الثوري أن أمه قالت له: "اذْهبْ، فَاطْلُبِ العِلْمَ، حَتَّى أَعُولَكَ بِمِغْزَلِي، فَإِذَا كَتَبتَ عِدَّةَ عَشْرَةِ أَحَادِيْثَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ فِي نَفْسِكَ زِيَادَةً، فَاتَّبِعْهُ، وَإِلاَّ فَلاَ تَتَعَنَّ".

لقد ضحت هذه المرأة بالكثير من وقتها وجهدها لتنفع الأمة بصنع عالم مميز يكون خيره متعدياً للآخرين وقد شيدت بمغزلها ظاهرة تاريخية اسمها سفيان الثوري.

والسؤال: لو لم تكن لسفيان مثل هذه الأم المضحية.. هل كان يمكن أن تتشكل شخصيته ومعرفته الواسعة؟ هل كان سيصل علم سفيان للأمة بدون تلك المُساندة المادية من والدته، التي تبنته على أنه مشروع عمرها؟

هل المرأة بإيثارها شريك فاعل في صناعة التقدم الحضاري؟

ليتنا نقرأ في سِير علمائنا دور إيثار المرأة في صناعة عبقرياتهم، وسنجد الكثير من الشواهد على أن المرأة شريك فاعل في صناعة المجد والحضارة ولكن لإيثارها تتوارى وراء الستار ولا تظهر على مسرح التاريخ.

وهذه دعوة للباحثات والباحثين بأن يكشفوا عن تلك النماذج الخالدة في تراثنا التي تُظهر وظيفة الأمهات والزوجات في رعاية العبقريات المشهورة، ونقدمهن بعد ذلك بوصفهن شريكات مؤثرات في صنع التفوق العلمي والإنجاز الحضاري.

إن إيثار المرأة يعد قراراً واعياً منها، يجب أن يذكر فيشكر، وعلينا أن نعيد اكتشاف مكانتها التاريخية المؤثرة في البناء الفكري والحضاري بإبراز إيثارها للرجل على نفسها.

صفوة القول في إيثار المرأة!

ختاماً أقول: ماذا سيبقى من إنجازات الرجال حضارياً لولا إيثار النساء تاريخياً؟!

المصدر: موقع الدكتور خالد بن منصور الدريس

خالد بن منصور الدريس

أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي

  • 2
  • 0
  • 11,281

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً