عبدالناصر والإسلام
عبد المنعم منيب
إذا كان لنا أن نناقش موقف جمال عبدالناصر من الإسلام فلابد أن نتعرض لموقفه إزاء عدد من المؤسسات والقضايا.
- التصنيفات: التاريخ والقصص - قضايا إسلامية -
هل كان جمال عبد الناصر متدينا أم علمانيا؟؟
وإذا كان متدينا فلماذا حارب الإخوان المسلمين وقتلهم وسجنهم عبر محاكم عسكرية قاسية وضيق على العديد من الدعاة الإسلاميين ولماذا ألغى المحاكم الشرعية؟؟
وإذا كان علمانيا فلماذا سجن وعذب الشيوعيين والليبراليين ولماذا قام بدعم أنشطة إسلامية من قبيل تأسيس إذاعة القرآن الكريم وإنشاء جامعة الأزهر ودعم دور الأزهر الخارجي بل ولماذا استخدم الإسلام كثيرا في خطابه السياسي؟؟
وإذا كان لنا أن نناقش موقف جمال عبدالناصر من الإسلام فلابد أن نتعرض لموقفه إزاء عدد من المؤسسات والقضايا.
وأول هذه المؤسسات هي جماعة الإخوان المسلمين الذين وثق جمال عبد الناصر علاقاته وتحالفاته معهم عشية الثورة ثم سرعان ما دخل معهم في صراع على الحكم والنفوذ؛ وبدأ هذا الصراع في الظهور عندما طلب الإخوان المسلمين من جمال عبدالناصر تطبيق استحقاقات هذا التحالف والمتمثلة في تطبيق الشريعة وإقامة الحكم الإسلامي؛ ورفض جمال عبدالناصر وتنكر لأي اتفاقات مع الإخوان تلزمه بذلك؛ وبدلا من ذلك طلب منهم أن يرشحوا له اثنين ليشاركوا في الوزارة واحد للتعليم وآخر للأوقاف؛ لكن الإخوان قرروا عدم التعاون مطلقا مع عبدالناصر؛ كما قرروا مقاطعته من منطلق أنهم يرون أنه خانهم باعتبار أنه تنكر لهم؛ وعندما خالف أحد قادة الجماعة قرار الجماعة في هذا المجال وهو الشيخ الباقوري ووافق على تولي وزارة الأوقاف قامت الجماعة بفصله من عضويتها. ومنذ ذلك الحين اشتعل الصراع بين الإخوان وعبدالناصر.
لكن على ماذا كان الصراع؟؟
من جانب عبدالناصر كان الصراع مع الإخوان المسلمين جزءا من صراع واسع على السلطة خاضه جمال عبدالناصر على عدة أصعدة مع حلفاء وزملاء الأمس مثل الشيوعيين وعدد من قادة تنظيم الضباط الأحرار مثل محمد نجيب وخالد محي الدين ويوسف صديق وعبدالمنعم عبدالرؤف وغيرهم من قادة الجيش وتنظيم الضباط الأحرار؛ و في هذا الإطار أحبط العديد من محاولات الإنقلاب التي قام بها ضباط في الجيش يميلون للإخوان أو الشيوعيين أو الليبرالية؛ وفي هذا الإطار أيضا جاء صراع عبدالناصر مع الإخوان كي يستحوذ على السلطة وحده على النحو الذي آل إليه الأمر فيما بعد عندما أمكنه التخلص من أخر زملائه الأقوياء وهو عبدالحكيم عامر غداة هزيمة 1967م بعد أن كان قد تخلص من الإخوان والشيوعيين والليبرالين وسائر قادة الضباط الأحرار.
وهكذا كان عبدالناصر واضحا في أهدافه كما حدد وسائله بدقة ودون تردد.
أما الأخوان المسلمون فقد ترددوا ما بين داعيين للرضى بما يعرضه عليهم عبدالناصر والاستمرار في التحالف معه؛ وما بين معارضين له داعيين لمقاطعته وممارسة النضال ضده حتى إسقاطه.
وهؤلاء المعارضون لعبدالناصر من الإخوان المسلمين انقسموا أيضا إلى قسمين قسم رأى أنه يمكن معارضته وإسقاطه عبر العمل السياسي السلمي كالإضرابات والمظاهرات ونحو ذلك؛ بينما رأى القسم الثاني أن الأفضل هو عمل إنقلاب عسكري على عبدالناصر.
كما رأى فريق آخر من الإخوان المسلمين أن على الإخوان ترك العمل السياسي إلى حين بما في ذلك عدم اتخاذ أي مواقف مؤيدة أو معارضة تجاه جمال عبدالناصر؛ وذلك بهدف التفرغ لاصلاح جماعة الإخوان المسلمين وترتيب أوضاعها الداخلية التي كانت تعصف بها الخلافات والتناحرات لاسيما وأن عبدالناصر قد بدأ يؤجج هذه الصراعات الداخلية ويشجع فريق على حساب أخر.
وعلى كل حال فقد أدى تردد الإخوان واختلافهم حول ماهية وطبيعة علاقتهم بكل من جمال عبدالناصر والثورة؛ وحول الوسائل والأساليب الواجب اتباعها في إدارة هذه العلاقة إلى ضعف وتفكك أصابا أجهزة جماعة الإخوان المسلمين مما مكن عبدالناصر من هزيمة تنظيم الإخوان المسلمين الضخم وتفكيكه ووضعه في السجن عام 1954م؛ وذلك لأن جمال عبدالناصر حدد ما يريده بدقة وحزم؛ ونفذه عبر أجهزة الدولة السياسية والإعلامية والأمنية التي أجاد السيطرة عليها وتطويرها لا سيما وأنه حرص على أن يحتفظ لنفسه بمنصب وزير الداخلية بجانب منصبه الأساسي كرئيس وزراء في بداية سنوات حكم الثورة؛ بجانب سيطرته على الجيش والمخابرات عبر صديقه الحميم في ذلك الحين عبدالحكيم عامر.
لكن هل وجه جمال عبد الناصر ضربته للأجهزة السياسية والأمنية للإخوان المسلمين فقط وترك الأجهزة الإعلامية والدعوية؟؟!
في الواقع فإن جمال عبدالناصر قد وجه للإخوان ضربة شاملة ساحقة وقاسية شملت حتى الذين لم يكونوا يميلون لخوض أي مواجهة سياسية أو عسكرية مع جمال عبدالناصر والثورة؛ بل إن الذين كانوا على صلة بعبدالناصر واستغلهم لتأجيج الصراع داخل أجهزة وتنظيمات الإخوان المسلمين قبيل هذه الضربة لم يسمح لهم جمال عبدالناصر بعد الضربة بأي نشاط دعوي اللهم إلا دور الشيخ الباقوري الذي كان في إطار الحكم الناصري ولصالحه.
أما الأزهر الذي يعد أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر والعالم الإسلامي فقد كان لجمال عبدالناصر معه شأن آخر ممكن أن نعتبره استمرارا للنهج الثابت الذي بدأ الحكام في مصر ينهجونه منذ نابليون بونابرت وحتى الآن وهو نهج الاحتواء والسيطرة تحت ستار التطوير والتجديد؛ وفي هذا الإطار نتذكر ما فعله محمد علي ومن بعده خلفائه مع الأزهر الشريف وذلك النهج تلخصه كلمة الخديو عباس حلمي التي قال فيها محددا دور الأزهر: "أول شئ أطلبه أنا وحكومتي أن يكون الهدوء سائدا في الأزهر والشغب بعيدا عنه فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقي العلوم الدينية النافعة البعيدة عن زيغ العقائد وشغب الأفكار لأنه مدرسة دينية قبل كل شئ. إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر استتباب الأمن فيه. وأطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا دائما بعيدين عن الشغب وأن تحثوا إخوانكم العلماء وكذلك الطلبة على ذلك. ومن يحاول بث الشغب بالأقوال أو بواسطة الجرائد والأخذ والرد فيها فيكون بعيدا عن الأزهر" (يقصد أن من يفعل ذلك عليه أن يبتعد عن الانتماء للأزهر)
فالحكام منذ نابليون حتى الآن حرصوا على منع الأزهر من العمل السياسي؛ كما حرصوا في نفس الوقت على توظيف الإسلام وعلماء الإسلام لتحقيق أهداف الحاكم السياسية كلما أمكن ذلك.
ولم يشذ جمال عبد الناصرعن ذلك النهج فاتخذ العديد من الخطوات للسيطرة على الأزهر وتوظيفه لصالح أهداف نظام ثورة يوليو1952م.
ونجد عبدالناصر يحدد دور العلماء في "ارشاد المواطنين إلى حقيقة وأهداف الثورة" و "تعبئة الرأي العام في كل البلاد الإسلامية وكافة دول العالم على اعتبار أن الجهد الذي يبذله علماء المسلمين في العالم الإسلامي أو الأمة العربية في مجال مواجهة إسرائيل مازال جهدا متواضعا".
وقد دعا جمال عبد الناصر في إطار ذلك إلى "عمل لجان في كل بلد إسلامي من أجل متابعة العمل لنصرة القضايا العربية وذلك في إطار مواجهة إسرائيل والاستعمار العالمي الذي يقف خلفها".
ولكن كيف وظف جمال عبدالناصر الأزهر لتحقيق أهدافه هذه؟؟
تضمن المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمس شهور من حكم الثورة إلغاء الوقف الأهلي كما كانت هناك اجراءات صحبت ذلك كله وأخرى تتابعت في السنوات التالية أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بأخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي؛ حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلا لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيها في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه؛ ولذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه وبتطبيق هذه القوانين انخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ أن الريع تم تحديده بـ3% و4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض فضلا عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة هذا فضلا عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لا سيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد؛ و بهذا ضربت ثورة 23 يوليو الركيزة الاقتصادية لعلماء الأزهر تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة الأمر الذي كان يكفل لهم الاستقلال عن الحكومة ويتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم.
وعلى حين عوملت أوقاف المسلمين هذه المعاملة استثنيت أوقاف غير المسلمين من أحكام هذه القوانين حيث وضعت لها قوانين خاصة وتركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان وما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه وتدفع ثمنه بسعر السوق وهو ما أدى في أواخر السبعينات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين.
ثم كان إلغاء المحاكم الشرعية خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور الأزهر في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة إذ أن ممارستها لنشاطها كانت تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية عن الحكومة خاصة في مجال المنطلقات الأيدولوجية؛ وعبدالناصر وثورة يوليو كانا يهدفان لتأميم الدين لصالح نظام الحكم فكان لزاما القضاء على هذه المحاكم التي كان يستحيل تأميمها لصالح النظام الحاكم؛ وكانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م؛ وبذا بدأت هيمنة ثورة 23 يوليو على القوة الإسلامية الأكبر في مصر وفي العالم الإسلامي وهي الأزهر الشريف وعلماؤه؛ حيث شكل إلغاء المحاكم الشرعية تحديا لنظام الشريعة الإسلامية نفسه في دولة إسلامية يعلن دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام.
وبإلغاء المحاكم الشرعية وبالهيمنة على إدارة الأوقاف نجح الرئيس جمال عبد الناصر فيما فشل فيه الاحتلال الغربي من الهيمنة على أبرز مؤسسة لعلماء الإسلام في العالم كله.
وقد شنت أجهزة إعلام الدولة- الثورة حملة إعلامية صاحبت ذلك كله؛ ووصفته بأنه ثورة جديدة تجري داخل الأزهر وتقودها الدولة من أجل التجديد والتقدم لخدمة الأزهر والإسلام؛ وبلغ الأمر أن هاجم د. محمد البهي في جلسات مجلس الشعب (1961م) ما وصفه بأنه جو العداوة والجمود الذي يسود الأزهر وقال: "إن الثورة أعطت الإصلاح للأزهر لأن الشيوخ لم يريدوه"؛ وكان محمد البهي أحد المواليين لعبد الناصر داخل الأزهر.
وبعد أن هيمن عبدالناصر على الأزهر و موارده الاقتصادية كان عليه أن يكرس هذه الهيمنة بقانون رسمي محدد المعالم فتم إصدار قانون تنظيم الأزهر (103 لسنة 1961م). وكي يتضح المدى الذي كبلت به الحكومة مؤسسة الأزهر قبل هذا القانون لابد أن نعود لأحداث جلسة مجلس الأمة (البرلمان) التي أقرت قانون تنظيم الأزهر؛ يقول فتحي رضوان: "لإجبار المجلس على الموافقة حضر رجال الثورة وجلسوا أمامنا على المنصة؛ وتحديدا كان على المنصة أنور السادات وكمال حسين وكمال رفعت؛ وهدد أنور السادات المجلس عندما علت أصوات تعارض مشروع القانون قائلا: كانت ثورة في 23 يوليو 1952م والذين حاولوا الوقوف أمامها ديسوا بالأقدام واليوم ثورة جديدة وسيصاب الذين يقفون أمامها بنفس المصير".
ووفقا للوثائق الرسمية فإنه تغيب عن جلسة إقرار القانون بمجلس الأمة 179 عضوا أي ما يعادل 49% من إجمالي أعضاء المجلس؛ ووفقا لنفس الوثائق الرسمية فإنه لم يعترض من الأعضاء الحاضرين سوى النائب صلاح سعده؛ بينما ذكر فتحي رضوان أن أكثر من نصف الحاضرين عارضوا القانون.
وهذا القانون وإن كان أعاد تنظيم الأزهر فعلا وقسمه إلى هيكل تنظيمي جديد لكنه ربط هذا التنظيم كله بجهاز الدولة وخاصة رئاسة الجمهورية بشكل مباشر؛ فشيخ الأزهر ووكيل الأزهر ورئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية؛ كما أن كافة أجهزة الأزهر الرئيسية كالمجلس الأعلى للأزهر وجامعة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين القيادات العليا فيها؛ فمجمع البحوث يرأسه شيخ الأزهر وأعضاء المجمع يعينهم رئيس الجمهورية؛ أما جامعة الأزهر فبالإضافة لانفراد رئيس الجمهورية بتعيين رئيس جامعة الأزهر فعمداء الكليات يعينهم أيضا رئيس الجمهورية؛ وبصفة عامة فالهيكل العام الإداري والمالي للأزهر أصبح وفقا لقانون تنظيم الأزهر جزءا من الهيكل المالي والإداري للحكومة (أي السلطة التنفيذية).
وبعد كل هذا فكيف للأزهر أن يعصي لرئيس الجمهورية أمرا فضلا عن أن يعارضه؟؟
ولكن ما النتيجة العملية لهيمنة نظام ثورة يوليو على الأزهر؟؟
النتيجة أن الأزهر لم تصدر من داخله أي مواقف أو تصريحات تعارض النظام الحاكم لا من قريب ولا بعيد؛ بل بالعكس وقف إلى جانب جمال عبد الناصر في كل مواقفه ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر يساند بها جمال عبدالناصر في صراعه مع محمد نجيب (الأهرام 17 فبراير 1954م)؛ وأيضا التأييد الذي قدمه الأزهر لنظام حكم جمال عبدالناصر فيما يتعلق باتفاقية الجلاء (الأهرام 26 فبراير 1954م)؛ وكذلك المساندة التي قدمها الأزهر لنظام حكم جمال عبد الناصر إثر الأزمة مع اسرائيل التي سبقت هزيمة يونيو1967م بإعلان تأييده لجمال عبدالناصر ومباركته لخطواته في صد عدوان الصهيونية والاستعمار(الأهرام 25 مايو 1967م).
أما الطرق الصوفية التي كانت تمثل وقتها نحو 3 ملايين منتسب ينتظمون في 60 طريقة فكان لها شأن أخر مع جمال عبد الناصر؛ إذ أيدته بوضوح في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية من البداية فعلى سبيل المثال وقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبدالناصر في صراعه ضد الإخوان وأصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانا في مولد الرفاعي عام 1965م أبرز فيه هذا الموقف؛ كما أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانا استنكر فيه ما أسماه المؤامرات الرجعية التي يدبرها الملك فيصل (ملك السعودية) وشاه إيران والملك حسين (ملك الأردن) ورئيس تونس الحبيب بورقيبة (الأهرام 12ابريل 1967م)؛ وكذلك أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بيانا يبرر فيه ويؤيد قرارات عبدالناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في مايو 1967م (الأهرام 27مايو 1967م)؛ وفي ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدا لعبدالناصر في أعقاب هزيمة يونيو.
أما الجمعيات الإسلامية المستقلة كأنصار السنة والجمعية الشرعية وغيرها من الجمعيات المسجلة وفقا لقانون الجمعيات فقد وضعها جمال عبدالناصر تحت وصاية الدولة وعين أحد ضباط الجيش للإشراف عليها جميعا؛ وتندر الكثيرون من أن ضابط جيش ليس متخصصا في الدين أصبح يشرف على الجمعيات الدينية؛ كما كانت بعض هذه الجمعيات متعارضة في أهدافها ومناهجها مثل أنصار السنة والجمعية الشرعية من جهة والجمعيات الصوفية من جهة أخرى ومع ذلك أشرف هذا الضابط على هذه الجمعيات المتعارضة في آن واحد؛ وقد شغل هذا المنصب لبعض الوقت كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار.
وهكذا نجد أن جمال عبد الناصر كما أمم الاقتصاد لصالح رأسمالية الدولة (أو ما أسماه بالاشتراكية العربية) أمم علماء الإسلام لصالح نظام حكمه؛ وكما أدارت ديكتاتورية دولة جمال عبدالناصر الاقتصاد والسياسة أدارت مؤسسات علماء الإسلام؛ والعجيب أنه منذ عصر الانفتاح وحتى الآن تراجع الرئيسان السادات وحسني مبارك عن أغلب إجراءات الحقبة الناصرية إلا أنهما استمرا في ترسيخ تأميم الإسلام وعلماء الإسلام ومساجد وجمعيات الإسلام.
ولكن ماذا عن الأنشطة والجهود التي بذلها جمال عبدالناصر في المجال الإسلامي مثل إنشاء إذاعة القرآن الكريم (1964م) وجامعة الأزهر (1961م) وتوسع المعاهد الأزهرية وإنشاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف (1960م) وفي الخارج إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (1954م)؟؟
لقد فعل الرئيس جمال عبد الناصر ذلك كله في إطار استثماره للرأسمال الديني الذي امتلكه بالتأميم.