خطب مختارة - [109] الصلاة الصلاة

منذ 2016-08-07

الصلاة، التي هي عمود هذا الدين وأهمُ أركانه بعد الشهادتين، بهذه الصلاة يرتفع المؤمنون، وبدونها يسقط الفجرة والمنافقون، بها يعرف أولياء الرحمن من أولياء الشيطان، بها يتميز المؤمن من المنافق، من حفظها حفظه الله، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وسيجد عذابه أشنع.

الخطبة الأولى

أما بعد: فإن دين الإسلام الذي أكرمنا الله به، وأتمه لنا، ورضيه لنا، ورتَّب عليه الفوز والفلاح ؛ قد بُني على أسسٍ متينةٍ  ومن أعظم هذه الأسس: الصلاة، التي هي عمود هذا الدين وأهمُ أركانه بعد الشهادتين، بهذه الصلاة يرتفع المؤمنون، وبدونها يسقط الفجرة والمنافقون، بها يعرف أولياء الرحمن من أولياء الشيطان، بها يتميز المؤمن من المنافق، من حفظها حفظه الله، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وسيجد عذابه أشنع؛ قال  تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]

أيها الإخوة المؤمنون: إن الصلاة هي الفيصل بين الكفر والإيمان، فمن أداها وحافظ عليها كان هو المؤمن، ومن تهاون بها وتركها كان هو الكافر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر تركُ الصلاة» [صحيح الترمذي: 6620]، وقال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر» [سنن الترمذي: 2621]. روى الطبراني وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: آخرُ ما تفقدون من دينكم  الصلاة . قال الإمام أحمد معلقا على كلام ابن مسعود: كلُّ شيء ذهب آخرُه لم يبق منه شيء.

جاء ابن عباس إلى عمر رضي الله عنهما حين طعن؛ فقال: الصلاةَ يا أمير المؤمنين، فقال عمر: إنه لا حظ في الإسلام لأحد أضاع الصلاة؛ فصلى عمر وجرحه يثعب دمًا.

عباد الله؛ أمر الله بالمحافظة على هذه الصلوات؛ فقال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } البقرة: 238]، وأمر الله بأداء هذه الصلاة في أوقات معينة، وحذر من إخراجها عن وقتها، فقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4:5]، قال أهل التفسير: ساهون أي: يؤخرونها عن وقتها. وتمام المحافظة التي أمر الله بها وكمال الإقامة التي يريدها الله لا يحصلان إلا بأداء الصلوات في جماعة، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، قال ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية (واركعوا مع الراكعين): كونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم ؛ ومن أخص ذلك وأكمله الصلاة. وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة) .

أيها الإخوة المؤمنون؛ إن الآياتِ والأحاديثَ التي فيها إيجاب صلاة الجماعة والترهيب من تركها كثيرة، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَدَ ناسا في بعض الصلوات فقال: «لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أخالفُ إلى رجال يتخلفون عنها فآمرُ بـهم ؛ فيَحرقوا عليهم بحزمِ الحطب بيوتَهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سمينا ( أي به شيءٌ من اللحم) لشهدها» [صحيح مسلم: 651] يعني صلاةَ الجماعة.

أيها الإخوة المؤمنون: لما وَقَرَ تعظيمُ الصلاة وأمرُ الله في قلوب الصحابة هانت أمامهم كلُّ الصعاب في سبيل المحافظة على صلاة الجماعة حتى من بَعُدت بيوتهم عن المسجد النبوي فيأتون إليها بكل إقبال ونشاط، يمرض أحدُهم فيؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، يوصي بها ابن مسعود رضي الله عنه فيقول: «من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن - يعني في المسجد - فإن الله شرع لنبيكم  صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلفُ في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم،وما من رجل يتطهرُ فيحسن الطُهور، ثم يعمِد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كَتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة،ويُرفع بها درجة،ويَحُط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» [صحيح مسلم: 654].

 ولم يرخصْ عليه الصلاة والسلام  للأعمى أن يتخلف عنها، فكيف بمن متّعه الله بنعمة البصر؛ روى مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: أتى ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله: إني رجل ضرير البصر، بعيد الدار، ولي قائد لا يرافقني، فهل لي رخصةٌ أن أصليَ في بيتي قال: «هل تسمع النداء، قال: نعم، قال لا أجد لك رخصة» [سنن أبي داود: 552]، وروى ابن ماجه وابن حبان وغيرهما، وصححه الألباني، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» [صحيح ابن حبان: 2064].

أيها المسلمون؛ إن قصص سلفنا الصالح  لهي شاهدة على حرصهم على هذه الصلاة حيث ينادى لها؛ يقول تميم الداري رضي الله عنه: ما دخل عليّ وقت صلاة من الصلوات إلا وأنا لها بالأشواق. وهذا التابعي الربيع بن خثيم يقاد به إلى الصلاة وبه مرض الفالج، فقيل له: قد رخص لك قال: إني أسمع حيّ على الصلاة. فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبوا. وكان التابعي سعيد ابن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى. وهذا سعيد بن المسيب لم تفته التكبيرةُ الأولى مدةَ خمسين سنة، وما نظر إلى قفا رجل منذ خمسين سنة، يعنى لمحافظته على الجماعة والصف الأول. وهذا أبو زرعة الرازي لم تفته صلاة الجماعة عشرين سنة . - هذا يا عباد الله - كلُّه لأنهم عظموا الصلاة وأدركوا منـزلتها، وتلقوا أمر الله بها بالتعظيم والتوقير.

أيها الإخوة المؤمنون: إن العلاقة بين الاهتمام بصلاة الجماعة والمحافظة عليها وبين الخشوع فيها وإحسانها علاقةٌ كبيرة جدًا، فكلما كان العبد محافظًا على صلاة الجماعة مبكرًا إليها، مسابق إلى الصفوف الأولى منها كلما كان على جانب كبير من الإقبال على الله وانشراح الصدر فيها والتنعم والتلذذ بها.

جعلنا الله وذرياتنا ممن تعلقت قلوبهم بالصلوات والمساجد، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

الخطبة الثانية

روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ؛ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» [صحيح مسلم: 233]، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شيء ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» [صحيح مسلم: 667]، وروى الطبراني في المعجم الأوسط، وحسنه الألباني، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: «الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر» [المعجم الأوسط: 1/84].

وقال عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه: «أكثِر من السجود، فإنه ليس من مسلم يسجدُ لله تعالى سجدةً إلا رفعه الله بها درجة في الجنة، وحط عنه بها خطيئة» [السلسلة الصحيحة: 1519]، وروى الإمام مسلم عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: «لن يلج النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» [صحيح مسلم: 634] يعني : صلاةَ الفجر والعصر. وروى الطبراني، بإسناد حسنه الألباني، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا» [صحيح الترغيب: 357]

إنها الصلاة، إنها حياة القلوب، إنها الميثاق إنها العهد بين الإنسان وبين ربه، ويوم يتركها المرء أو يتهاون بها يدركه الخذلان وتناله اللعنة، وينقطع عنه مدد رب العالمين . فعلينا يا عباد الله إذا أردنا أن نستجلب السعادة والتوفيق لنا في الدنيا والآخرة أن نحافظ على عهد الله في هذه الصلاة، وأن نتواصى بها، وأن نأمر بها أبناءَنا وبناتنا وأهلينا ، وأن نعمر المساجد بحضورنا وأبنائنا بدءً من سن السابعة كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَاتَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].

  • 12
  • 2
  • 11,274
المقال السابق
[108] الصدقة الجارية (الوقف)
المقال التالي
[110] الصلاة فلاح

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً