التواجد في دائرة الضوء

منذ 2016-08-19

من الناس من أدمن التواجد في دائرة الضوء حتى صارت هي منتهى آماله وغاية أحلامه
صار لا يستطيع البعد عن تلك الدائرة ولا يطيق حياة يكون فيها خامل الذكر لا تتمحور الأحداث حوله ولا تدور الأخبار والحوادث في فلكه
لأجل ذلك البقاء في دائرة الضوء ومركز الحدث تجده على استعداد لأن يرتقي أصعب مرتقىً ويختار أعجب الأقوال والأفعال وأكثرها شذوذا وغرابة ويستثير مشاعر الخلق بأي سبيل ولو كان باستجلاب اللعائن 
تظل حينئذ تضرب أخماسا في أسداس متسائلا في حيرة: لماذا؟!
ما الذي يضطره لما يقول ويفعل؟!
لماذا يصر على مواطن الريبة وما يدفعه لاقتحام تلك المناطق الموحشة دون داعٍ يُذكر
تأتيك الإجابة واضحة جلية
إنه يفعل كل ذلك للأسف ليظل مستقرا في تلك الدائرة التي أدمن المكث بداخلها….
دائرة الضوء
وحقيقة حرص ذلك النمط البشري على البقاء في تلك الدائرة لا تقتصر على لذة الشهرة وحلاوة تسلط الأنظار فتلك أمور ثانوية إلى جوار المشكلة الحقيقية التي تتلخص في كلمة واحدة
أنا…
إن ذاته قد تعاظمت و(أناه) قد تضخمت لدرجة ابتلعت معها كل الذوات والأشياء المحيطة التي اقتصر دورها في نظره على (التخديم) على تلميع ذاته وإنزالها منزلتها وإعطائها قدرها
لذلك تجد صاحب هذه الذات المتضخمة لا ينظر إلى أي شخص أو موقف أو حدث إلا من منطلق منفعته الشخصية وإمكانية الانتفاع به في الاستزادة من التقدير لذاته وإن لم يكن ذلك ممكنا تجده تلقائيا يتحول إلى الهجوم على ذلك الشيء أو الشخص الذي لم يستطع الانتفاع منه أو تراه يسارع إلى المقارنات الهجومية التي تكون رسالتها الضمنية دوما: انظروا إلى عظمتي وجمال شخصيتي وبديع صنعي مقارنة بأولئك الرعاع الحمقى…
أرجوكم قد آن الأوان لتنزلوني منزلتي وتقدروني حق قدري مقارنة بأولئك الأوباش
وحتى إن لم يستطع صاحبنا المتمحور حول ذاته أن يصنع تلك المقارنات المتكلفة فإنه يحرص في المقابل على البقاء في دائرة الضوء من خلال (حشر) ذاته و(دسّ) بطولاته وذكر مميزاته بمناسبة أو بدون مناسبة
لابد أن تكون ذاته المتضخمة و(الأنا) المتعاظمة حاضرة بقوة في كل مقام ومقال
تلك الذات التي تبهرك وتشعرك أن واجب الخلق الرئيسي هو أن ينبهروا بها مثلك وأن يقفوا إلى جوارك مشدوهين أمام روعتها الفائقة وعبقريتها الفذة وألا يشغلهم إلا الدفاع عن تلك الذات ضد من تجرأوا على الانتقاص منها أو حتى تجاهلها ومعاملتها معاملة البشر العاديين
والحقيقة أن ثمة فارق كبير بين حديثك عن خبرةٍ حياتية وتجربة شخصية مفيدة مررت بها فترويها لينتفع بها الناس، أو رأيٍ تراه حقا ينبغي الصدع به وبيانه، أو موقفٍ تود إظهاره وإثباته، وبين تمحور كل حديثك حول مركز واحد تطوف به جل إيحاءاتك وتعود عليه كل لفتاتك وتشير إليه غالب إيماءاتك
أنت..
أنت أنت..
ولا شيء غيرك

 

  • 0
  • 0
  • 1,988

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً