الجبناء في رمضان

منذ 2010-09-05

فليس هؤلاء الجبناء ثلاثة ولا أربعة ولا خمسة، بل إنهم أكثر من ذلك بكثير لأن كل من سار على هذا النهج من المسلمين فهو جبان. <br /> وربما يدافعون عن أنفسهم فيقولون نحن أولو قوة وأولو بأس شديد ...


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:


فليس هؤلاء الجبناء ثلاثة ولا أربعة ولا خمسة، بل إنهم أكثر من ذلك بكثير لأن كل من سار على هذا النهج من المسلمين فهو جبان.

وربما يدافعون عن أنفسهم فيقولون نحن أولو قوة وأولو بأس شديد نظرا لما يتمتعون به من صحة في أبدانهم وقوة في أجسادهم، وهذا صحيح من حيث الظاهر إذا كانت المواجهة بينهم وبين أمثالهم من بني آدم، ولكنهم رغم هذه القوة فإنه يصدق عليهم القول بأنهم جبناء انهزاميون أمام قوة خفية تتمثل في نوازع النفس ووساوس الشيطان.
وصفة الجبن ملازمة لهم في حياتهم ولكنها تظهر بشكل جلي وواضح في شهر رمضان المبارك...

وهؤلاء الجبناء هم:
1. المفطرون في رمضان من غير عذر ولا رخصة شرعية...
فهم أصحاء في أبدانهم وأقوياء في أجسادهم ولكنهم ينهزمون أمام قوة النفس الأمارة بالسوء وقوة شهوة الجوع أو الظمأ، وحيث إنهم يفتقدون قوة الإيمان الرادع فإنهم يأكلون ويشربون وما أجمل قول الشاعر في حق أمثالهم:

يا مفطــرين بلا عذر ولا سبـــــــــــــب *** صباحكم يوم فطر الناس مكبود
صوموا عن العيد واقضوا يومه خجلا *** إن يخجل في الأرض الجلامـيد


2. الرجل الذي يجامع زوجته في نهار رمضان...
وكذلك المرأة التي تمكن زوجها من نفسها في نهار رمضان، فكل منهما جبان حيث ضعفت قوة إيمانهم أمام قوة الشهوة الجنسية.
وكان على الرجل لو كان مؤمنا حقا أن يتذكر أنه متلبس بطاعة وعبادة سرية وكان على المرأة أيضا مثله، إضافة إلى أنه لا يحل لها طاعته بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» صحيح للمحدث الشوكاني .


3. النائمون...
وهذه الكلمة ليست على إطلاقها لأن كل مسلم ينام ولا بد من النوم فهو ضرورة من ضرورات الحياة، لكن المقصود بالنائمين هنا هم:

أ. النائمون بعد السحور...
ولم يبق على الفجر إلا وقت يسير فهؤلاء أغرتهم الشياطين واستسلموا للنوم والراحة وفاتتهم صلاة الفجر وباءوا بالخسران المبين.

ب. النائمون أكثر النهار...
حيث تفوتهم صلاة الظهر وصلاة العصر وقد فاتتهم صلاة الفجر، ثم استيقظوا ليتناولوا طعام الإفطار، وقد تلهيهم لذة الطعام وتغريهم أطايبه فلا يصلون المغرب وإلا وقد أزف الشفق الأحمر على المغيب ليحين وقت العشاء، فهؤلاء جبناء هُزموا أمام قوة النفس ونهمها في الطعام والشراب وأهملوا طاعة الله فلم يؤدوا الصلاة في وقتها بل أخروها، وليتهم تذكروا قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [سورة الماعون:4، 5]، والسهو هنا تأخيرها عن وقتها.

ج . اللاهون في ليالي رمضان...
وأخص منها ساعات التجلي الرباني في الثلث الأخير من الليل، ولقد آثروا أن يسمروا مع وسائل اللهو المتعددة وتناسوا قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [سورة المزمل:6]، وقوله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [سورة الإسراء:79].

وكم من عوائل يتبادلون الدعوات إلى طعام السحور ويحضرون في ساعات متأخرة، ويجلس الرجال في المجلس يتحدثون ويلهون ويلعبون، والنساء في المطبخ يعددن السحور ويتحدثن عما رأته كل منهن ليلة أمس في السوق من بضائع وموديلات وما اطلعت عليه بعضهن من صناعة جديدة لأكلات شهية وحلويات لذيذة...

كل ذلك وصلاة القيام في المساجد وكتاب الله سبحانه وتعالى يتلى والملائكة تحيط بالمصلين من كل جانب والرحمات تتنزل عليهم، وإذا أدلى أحد الجالسين بنصيحة قائلا: لو أنا ذهبنا إلى المسجد وصلينا ما تيسر لنا، يفاجئه أكثرهم قائلين: هيا اجلس إنها سنة وحسبنا أن نؤدي الفرائض، وهكذا فقد استسلموا لنوازع النفس الأمارة بالسوء وهم أمام الشهوة واللهو والراحة الجسدية وتنازلوا عن أجر عظيم وثواب كبير من لدن رحمن رحيم سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل مبينا أجر القانتين والقائمين: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة السجدة:17].


د. رواد ورائدات الأسواق في ليالي رمضان...
هؤلاء أوتوا صحة في أبدانهم وسعة في أموالهم ولكنهم خُدعوا وجبنوا أمام شهوة نفوسهم في التجوال في المحلات التجارية والاطلاع على الجديد من البضائع، وقد ينخدعون بالتنزيلات الحقيقية والتنزيلات الأخرى الغير موصوفة، وبعض النساء ينخدعن بما شاهدته أم فلان في محل كذا في شارع كذا وهي صادقة وخبيرة لأنها تنزل يوميا إلى السوق وزوجها مثل العسل لا يخالف لها رأيا ولا يعصي لها أمرا وهو رجل مؤدب لا يحب أن ينزل معها ويرافقها إلى المحلات التجارية بسبب ازدحام النساء في تلك المحلات بل تنزل هي ويواعدها في ساعة معينة ليأخذها، وهي عظيمة الثقة بنفسها ولا يستطيع أي بائع أن يخدعها لأن لها خبرة طويلة بالسوق وتعرف جيد البضاعة من رديئها ولا يمكن أن تدفع الألفين أو الخمسة أو العشرة آلاف ريال إلا في البضاعة المناسبة أو الفستان المناسب الجيد تقديرا منها لجهد زوجها وتعبه في تحصيل النقود وتحاشيا للإسراف والتبذير.

وتقول إن لديها حنكة ودهاءا فهي تشترط على البائع إرجاع البضاعة واستبدالها بأحسن منها إذا لزم الأمر ولو كلفها ذلك أن تنزل إلى السوق مرات ومرات في ليالِ عديدة ولا مانع من أن تستأنس برأي صديقتها أم فلان فهي أنشط منها لأنها تنزل إلى السوق صباحا ومساءا.
وبعضهن لا يكلفن أزواجهن عناء الذهاب إلى السوق، حيث السائق يقوم بالمهمة وصاحب البيت يمكث مع أولاده في البيت يساعدهم في المذاكرة حرصا على نجاحهم ومستقبلهم.


وعند عودة هذه العوائل إلى منازلهم لا بد من أن يستسلموا للراحة بعد التعب حيث يذهبون إلى سررهم ولا بد أن يسمع كل منهم هاتفا شيطانيا يقول له: (ارقد وراءك ليل طويل) بعد أن يعقد على قافية رأس كل منهم ثلاث عقد كما ورد في الحديث الشريف ولا يستيقظون إلا في الضحى أو وقت الظهيرة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» رواه البخاري.


هـ. المتقاعسون عن العمل والموظفون المتأخرون عن الدوام...
أعتقد أنني لا أذيع سرا ولا أظلم أحدا ولا أنتقص من شأن أحد إذا قلت: إن كثيرا من المسلمين الصائمين يخف إنتاجهم العملي في شهر رمضان وكأن الصوم قد أضفى عليهم جانبا واسعا من الكسل وهذا خطأ فادح وتهمة لا مبرر لها والصوم من هذا بريء، بدليل أن كثيرا من الأمور العظيمة في تاريخ سلفنا الصالح ومن بعدهم قد تمت في شهر رمضان المبارك مما يدلنا على صدق العقيدة والبسالة والقوة والنشاط والصبر، وأهم هذه الأعمال:
1. غزوة بدر.
2. فتح مكة.
3. موقعة الزلاقة.
4. موقعة عين جالوت.
5. فتح الأندلس.

وبهذا يتبين جليا أن التقاعس في أداء العمل جبن وانهزام أمام حب الراحة المصطنع الذي توسوس به النفس الأمارة بالسوء.
وما أسوأ منظر ذلك الموظف الذي يدخل المراجع عليه فيجده قد ضم ذراعيه إلى عضديه ووضعهما على الطاولة وجعل منهما متكئا لرأسه ينام ويستيقظ فترة أخرى حتى ينتهي الدوام، مبررا صنيعه ذلك أنه صائم !!!

ومثل هذا الموظف الذي يتأخر عن الدوام بحجه أنه صائم وقد تناسى أن تحديد بدء الدوام في رمضان بالساعة العاشرة لا يدع مجالا لمحتج، وهي نعمة عظيمة يفتقدها كثيرون في بلاد أخرى.

علما بأننا لو أجرينا استفتاءا في أهل الصدق والأمانة من الصائمين المنصفين لوجدنا أنهم يقولون: إن الصيام يزيد من صفاء الذهن ويشحذ الهمم للعمل وهو مصدر قوة معنوية ونشاط حسي وقوامهما تقوى الله عز وجل المشار إليه بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة:183].

سبحان من فرض الصيام وخصه *** باليمن والآلات والغفـران
الصــــوم مدرسة تجسد طاعـــــة *** وعبادة للمــــــالك الديــان
صوموا تصـحوا من مبادئ ديننا *** والحق لا يحـتاج للـبرهان
والمؤمنون الصـــــائمون أعـزة *** في ظل تقوى الله والإيمان
لا جبن ولا اهمال لا تقــصير في *** عمل وظيــــفي ولا إحــسان
يا رب أكرمـــنا بطــاعتك التـــي *** تضفي علينا محبة الرحــمن


وختاما نسأل الله سبحانة وتعالى أن يعيذنا من الجبن والبخل والعجز والكسل ومن غلبة الدين وقهر الرجال والحمد لله رب العالمين.

 
المصدر: محمد مصطفى الخطيب
  • 1
  • 1
  • 8,035

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً