خطب مختارة - [135] المظاهرات وبيان هيئة كبار العلماء

منذ 2016-08-23

الهيئة إذ تؤكِّد على حرمة المظاهرات في هذه البلاد، فإن الأسلوب الشرعي الذي يحقِّق المصلحة، ولا يكون معه مفسدة؛ هو المناصحة، وهي التي سنّها النبي صلى الله عليه وسلم، وسار عليها صحابته الكرام وأتباعهم بإحسان.

الخطبة الأولى

أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بيانا حول المظاهرات التي بدأت تظهر ويخطط لها في مملكتنا الغالية، وهذا نص هذا البيان:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلقد أخذ الله عز وجل على العلماء العهد والميثاق بالبيان؛ قال سبحانه في كتابه الكريم:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]. وقال جل وعلا:  {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [ البقرة: 159].

ويتأكَّد البيان على العلماء في أوقات الفتن والأزمات؛ إذ لا يخفى ما يجري في هذه الأيام من أحداث واضطرابات وفتن في أنحاء مُتفرِّقة من العالم، وإن هيئة كبار العلماء إذ تسأل الله- عز وجل- لعموم المسلمين العافية والاستقرار والاجتماع على الحق حكّاماًَ ومحكومين، لتحمَد الله سبحانه على ما مَنَّ به على المملكة العربية السعودية من اجتماع كلمتها وتوحُّد صفها على كتاب الله عز وجل، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل قيادة حكيمة لها بيعتها الشرعية، أدام الله توفيقها وتسديدها، وحفظ الله لنا هذه النعمة وأتمّها.

وإن المحافظة على الجماعة من أعظم أصول الإسلام، وهو مما عظَّمت وصيةُ الله تعالى به في كتابه العزيز، وعظَّم ذمَّ مَن تركه، إذ يقول جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

وقال سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 105]، وقال جل ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159] .

وهذا الأصل الذي هو المحافظة على الجماعة مما عظَّمت وصية النبي صلى الله عليه وسلم به في مواطن عامة وخاصة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «يد الله مع الجماعة» [صحيح ابن حبان: 4577]. وقوله عليه الصلاة والسلام: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»  [صحيح مسلم: 1851]. وقوله عليه الصلاة والسلام: «إنه ستكون هنّات وهنّات، فمن أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان» [صحيح مسلم:1852]

وما عَظُمت الوصيةُ باجتماع الكلمة ووحدة الصف إلا لما يترتّب على ذلك من مصالح كبرى، وفي مقابل ذلك لما يترتّب على فقدها من مفاسد عظمى، يعرفها العقلاء، ولها شواهدها في القديم والحديث.

ولقد أنعم الله على أهل هذه البلاد باجتماعهم حول قادتهم على هدي الكتاب والسنة، لا يفرّق بينهم، أو يشتّت أمرهم تيارات وافدة، أو أحزاب لها منطلقاتها المتغايرة؛ امتثالاً لقوله سبحانه: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:31- 32] .

وقد حافظت المملكة على هذه الهوية الإسلامية، فمع تقدُّمها وتطوُّرها، وأخذها بالأسباب الدنيوية المباحة، فإنها لم ولن تسمح- بحول الله وقدرته- بأفكار وافدة من الغرب أو الشرق، تنتقص من هذه الهوية أو تفرّق هذه الجماعة.

وإن من نعم الله عز وجل على أهل هذه البلاد حكامًا ومحكومين أن شرَّفهم بخدمة الحرمين الشريفين- اللذَين ينالان الرعاية التامة من حكومة المملكة العربية السعودية؛ عملاً بقوله سبحانه: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]. وقد نالت المملكة بهذه الخدمة مزيّة خاصة في العالم الإسلامي، فهي قبلة المسلمين وبلاد الحرمين، والمسلمون يؤمُّونها من كل حدب وصوب في موسم الحج حجاجًا وعلى مدار العام عمّاراً وزوّاراً.

وهيئة كبار العلماء إذ تستشعر نعمة اجتماع الكلمة على هدي من الكتاب والسنة في ظل قيادة حكيمة، فإنها تدعو الجميع إلى بذل كل الأسباب التي تزيد من اللحمة، وتوثِّق الألفة، وتحذِّر من كل الأسباب التي تؤدّي إلى ضد ذلك، وهي بهذه المناسبة تؤكِّد على وجوب التناصح والتفاهم والتعاون على البر والتقوى، والتناهي عن الإثم والعدوان، وتحذِّر من ضد ذلك من الجور والبغي، وغمط الحق.

كما تحذِّر من الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة، إذ الأمة في هذه البلاد جماعة واحدة متمسِّكة بما عليه السلف الصالح وتابعوهم، وما عليه أئمة الإسلام قديمًا وحديثًا من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة، وعدم اختلاف العيوب وإشاعتها، مع الاعتراف بعدم الكمال، ووجود الخطأ وأهمية الإصلاح على كل حال وفي كل وقت.

وإن الهيئة إذ تقرِّر ما للنصيحة من مقام عالٍ في الدين، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة. قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» [صحيح أبي داود: 4944]

ومع أنه مِن آكد مَن يناصح وليَّ الأمر، حيث قال عليه الصلاة والسلام:   «إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، وأن تناصحوا مَن ولّاه الله أمركم» [مجموع فتاوى ابن باز: 160/3] . فإن الهيئة تؤكِّد أن للإصلاح والنصيحة أسلوبُها الشرعي الذي يجلب المصلحة، ويدرأ المفسدة، وليس بإصدار بيانات فيها تهويل وإثارة فتن وأخذ التواقيع عليها، لمخالفة ذلك ما أمر الله عز وجل به في قوله جل وعلا: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83]

وبما أن المملكة العربية السعودية قائمة على الكتاب والسنة والبيعة ولزوم الجماعة والطاعة، فإن الإصلاح والنصيحة فيها لا تكون بالمظاهرات والوسائل والأساليب التي تُثير الفتن وتفرِّق الجماعة، وهذا ما قرَّره علماء هذه البلاد قديماً وحديثًا من تحريمها، والتحذير منها.

والهيئة إذ تؤكِّد على حرمة المظاهرات في هذه البلاد، فإن الأسلوب الشرعي الذي يحقِّق المصلحة، ولا يكون معه مفسدة؛ هو المناصحة، وهي التي سنّها النبي صلى الله عليه وسلم، وسار عليها صحابته الكرام وأتباعهم بإحسان.

وتؤكِّد الهيئة على أهمية اضطلاع الجهات الشرعية والرقابية والتنفيذية بواجبها كما قضت بذلك أنظمة الدولة وتوجيهات ولاة أمرها ومحاسبة كل مقصر.

والله تعالى نسأل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يصلح ذات بيننا، ويهدينا سبل السلام، وأن يرينا الحق حقًا، ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا، ويرزقنا اجتنابه، وأن يهدي ضال المسلمين، وهو المسؤول سبحانه أن يوفِّق ولاة الأمر لما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.                 

                                                                 

  • 7
  • 0
  • 2,771
المقال السابق
[134] المسكرات والمخدرات
المقال التالي
[136] المفلحون

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً