الأسرة، مصفاة الهواء الإلكتروني

منذ 2016-10-25

إن تعميق الرقابة الذاتية النابعة من الإيمان العميق في نفوس الأبناء، يوفر كثيراً من المناورة والخطط السوداء وسوء النوايا، ولتضع الحرب الدائرة بين الأبناء ووالديهم بسبب الإنترنت أوزارها، وليكن وسيلة علوٍ وتنويرٍ ودعوةٍ إلى الخيرِ من كل أفراد الأسرة.

أعزائي المربين والمربيات:
ما دمنا متفقين على أن الأسرة هي اللبنة الأولى في أي مجتمع، يقوى بقوتها، ويضعف بضعفها، فلنتفق أيضاً على أنها المسئولة عن الحفاظ على هوية المجتمع وعاداته وقيمه الخُلُقيَةِ من خلال غرس تلك الثوابت في شخصية الأبناء الذين تربيهم الأسرة.

ومن أهم وظائف الأسرة أيضاً تنمية شخصياتهم وتوجيههم إلى التصرف الرشيد في المواقف المختلفة، ورعايتهم من المشاكل والأخطار، بما في ذلك مخاطر الانحراف والوقوع في مكائد عالمٍ جديدٍ غامضٍ غير مرئيٍ ومتغيرٍ كل لحظةٍ هو :عالم الإنترنت.

فلا تزال الأسرة هي خط الدفاع الأول ضد سلبيات هذه المستجدات، وهي المسئولة أيضاً عن تفعيل هذه الوسائل الجديدة والاستفادة من جوانبها الإيجابية وتدريب الأبناء على حسن استخدامها، وعدم الانهيار إدراكياً وسلوكياً أمام تلك المؤثرات.

حجب الهواء عن الأبناء ليس هو الحل الصحيح:

الكثير من المربين داهمهم الوافد الجديد (الإنترنت) بقوة انتشاره، وسهولة وصوله إلى الأبناء، وسرعة تعلم الأبناء لتقنياته بطريقةٍ مذهلةٍ فاقت آبائهم وأمهاتهم بمراحل، فأصابهم الشعور بالعجز وعدم القدرة على السيطرة تجاه علاقة الأبناء بالإنترنت وما شابهه من مستجدات العصر، وهؤلاء عادةً يتصرفون بطريقتين كل منهما خاطئة:

  • التسليم والإهمال: بدعوى أنهم مهما قالوا وفعلوا فلن يستطيعوا منع أبنائهم من الانترنت بخيره وشره، فلماذا يتعبون أنفسهم؟
  • المنع والحجب: وهذا أيضاً خطأ فالمنع من جهة الأسرة مع انتشار الإنترنت من حولهم وفي متناول أقرانهم، سيترك آثاراً سلبيةً مثل ضعف الشخصية وعناد الأهل، وفي النهاية سيصل الأبناء إلى الإنترنت بسهولة ولكن بدون تأهيلٍ وتدريبٍ جيد من الأسرة على كيفية التعامل الواعي مع هذه الشبكة.

قانون 5×5 للتعامل الواعي مع الانترنت
يقول الدكتور "جاسم المطوع" رئيس تحرير مجلة "ولدي" راصداً ومعلقاً على وسائل الاتصال الحديثة وكيف أثرت على الأسرة:

(وقد تأملت خمس ظواهر اجتماعيةٍ تحدث لأول مرة في العالم، علينا أن نتأملها ونستوعبها وهي:
أولًا: لأول مرة يشهد العالم جيلاً تكون معرفة الأبناء فيه أكثر من الآباء، حتى أن أسئلة الأبناء للآباء صارت اختبارية وليست معلوماتية، فصار الطفل اليوم يسأل والديه، ثم يفتح النت ليتأكد من صحة جوابهما.
ثانيًا: لأول مرةٍ يحصل في العالم أن الأسرة لا تجد وقتًا للتربية وإنما هي مشغولة في الأعمال والأكل والنوم والترفيه ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعية إدمانًا عليها.
ثالثًا: لأول مرة تصبح العلاقة بين الجنسين في الخليج سهلةً وطبيعيةً وعاديةً، وصار الوالدان لا يستطيعان منعها ومراقبتها سوى القيام بردود أفعالٍ سريعةٍ وغير ناضجةٍ.
رابعًا: لأول مرة تعيش الأسرة في ديونٍ كثيرةٍ تقترضها وتصرف من دخلها على الأمور الاستهلاكية اليومية والترفيهية أكثر من الأمور الرأسمالية التي تعود عليها بالنفع في المستقبل.
خامسًا: لأول مرة ينقسم الجيل الواحد في المجتمع إلى عدة أجيال، ففي السابق كان لدينا ثلاثة أجيال واليوم في الجيل الواحد ثلاثة أجيالٍ وكل جيل له لغته ومفاهيمه.

كل هذه المفاهيم تدعمها وتروّج لها المجتمعات الافتراضية على الانترنت، ويتبناها أطفالنا من غير علمنا، ثم نكتشف بعد مدةٍ أن أطفالنا ليسوا نتاج تربيتنا وذلك لسهولة وصول المعلومة إليهم وتنوّع مصادر التلقي والمعرفة عندهم.

وسأذكر لهذه الخمس ظواهر خمسة حلول عملية لنتجاوز هذه الفجوة الرقمية بيننا وبين أبنائنا وهي :
أولًا: أن يعيش الوالدان عصرهما من خلال متابعة الجديد وقبول أن يتعلما من أبنائهما.
ثانيًا: أن تتبنى الأسرة دور التفاعل الواعي مع المجتمع وقضاياه الفكرية والاجتماعية المطروحة ولا يعزل الوالدان أبناءهما عنه.
ثالثًا: الإهتمام بالتثقيف الديني والتركيز على الإيمان وتزيينه في قلوب الأبناء؛ لأنه هو العاصم من القواصم، ومن خلاله يتكون الضمير ويكتسب الأبناء الرقابة الذاتية التي تحفظهم من الانحراف التكنولوجي.
رابعاً: الحوار ثم الحوار ثم الحوار مع أبنائنا والاستماع لهم ومناقشتهم وتفهّم آرائهم.
وخامسًا: التركيز على مفهوم القدوة الوالدية فإنها تختصر المسافات التربوية وتعين على الصناعة النموذجية للمنهج النبوي.) (د.جاسم المطوع:مقال:قانون 5×5 بتصرف)

وهناك بعض الإجراءات التي تساعد المربي لكي يحسن إدارة التعامل مع الإنترنت داخل المنزل:
1- وضع الكومبيوتر المتصل بالإنترنت في مكان مرئي بالمنزل بصفةٍ دائمة. إن هذا المبدأ يساعد بشكل كبير في انضباط استعمال الأبناء للإنترنت، بدون التجسّس عليهم أو استراق السمع أو النظر، في حال إذا كانت الخدمة في مكان معزول غير مباشر في المنزل، مثل غرف النوم أو أماكن الجلوس أو الدراسة الخاصة للأبناء.
2- عدم التعويل تماماً على برمجيات الحماية المتوفرة الآن لحجب المواقع و المعلومات السيئة على الإنترنت، لأن الأبناء الآن وهم ماهرون أكثر مما نتوقع في استعمال الكومبيوتر والإبحار في الإنترنت، قد يستطيعون فك شفرات الحظر وبالتالي ارتكاب أخطاءٍ أو انحرافاتٍ غير حميدةٍ، خاصة عند الاطمئنان بأن الأسرة مشغولة عنهم وإنها وثقت ببرمجيات غبيةٍ أحياناً في نظرهم، إضافةً  إلى إرادة التحدي لديهم على كسر أقفال التشغيل المعلوماتي والإطلاع و إشباع فضولهم؛ فالممنوع دائماً مرغوب .
3- تعميق التربية الإيمانية لدى الأبناء، وتعويدهم بالقول و العمل على مبادىء الأمانة  والصدق و الصراحة و التصرف ذاتياً على الإنترنت بطريقةٍ سليمةٍ، سواء كانوا على مرأى من الأسرة أو بمفردهم أو بصحبة أقرانٍ لهم خارج المنزل.
4- عقد مجلس عائلةٍ يضم الأبناء جميعاً للتفاهم مع الأبناء حول سياسةٍ عمليةٍ مناسبةٍ لاستعمال الإنترنت، باعتبار الضوابط الدينية و تقاليد الأسرة ومتطلبات العمل اليومي للأب والأم و الأخوة الكبار، والمسؤوليات الدراسية للأبناء وتقسيم الوقت، ولا مانع من كتابة بنود هذا الاتفاق.

5- تعريف الأبناء باجراءات الأمان عند التعامل مع شبكة الانترنت، مثل:
أ- الانتباه الجاد لخداع البعض على الإنترنت، بالإدعاء أنهم من عمرٍ أو جنسٍ أو عرقٍ أو طبقةٍ أو عملٍ أو دراسةٍ محددةٍ، وهم في الواقع خلاف ذلك تماماً.
ب- الابتعاد عن استعمال الاسم الحقيقي الأول أو الكامل على الإنترنت، وليكن لهم أسماء مستعارة دائماً، خاصة مع الغرباء الذين يجهلون هويتهم.
ج- عدم إعطاء معلوماتٍ شخصيةٍ تخص الأسرة و الأقران أو العناوين باختلاف أنواعها حتى إذا طلبها الآخرون على الإنترنت.
د- الابتعاد عن إرسال الصور الشخصية أو الأسرية أو الخاصة الأخرى للآخرين على الإنترنت لإمكانية انتشارها غير السوي و سوء استعمالها من الغير.
ه- الابتعاد عن كتابة معلوماتٍ خاصةٍ في السيرة الذاتية أو خدمة الإنترنت، و إذا طلب من الأبناء ذلك أحياناً،  فيتم التنسيق مباشرةً مع الأسرة و بإشرافها.  
و- استعمال الكومبيوتر والإنترنت دائماً لتحقيق أغراضٍ مفيدةٍ محدودةٍ وفي وقتٍ محدودٍ من اليوم، دون أن يكون ذلك على حساب المسؤوليات و المواعيد اليومية الأخرى.
ز- الابتعاد عن أي تصرفٍ على الانترنت يكلف مالاً مهما كانت مبالغه قليلةً أو كبيرةً، وقبل الرغبة في أي تصرفٍ من هذا القبيل يتم استشارة الوالدين أو الأخ الأكبر في ذلك.
ح- تنبيه الأبناء إلى نقر زر الرجوع (Back) على شريط صفحة الانترنت فوراً، عند رؤية صورةٍ أو مشهدٍ فاضحٍ أو مسيءٍ للذوق والخلق العام، مع أخبار الأسرة فورًا عن ذلك للتعامل بحكمةٍ مع الأمر.
ط- تحذير الأبناء من إعطاء كلمة السر الخاصة بالكمبيوتر أو الإنترنت لأي إنسانٍ خارج نطاق الأسرة، مهما كانت صداقته أو قرابته لهم.
ي- تحذير الأبناء من إعطاء معلومات عن بطاقات الاعتماد البنكية لأعضاء الأسرة، أو عن حساباتها المصرفية أو طبيعة عملها أو دخلها الاقتصادي وغير ذلك على الإنترنت (وغير الانترنت بالطبع).
ك- تجنب انتحال شخصيات أو معلومات أو كلام أو ألقاب الآخرين على الانترنت، والتوثيق المناسب دائماً للمعلومات، عند الاستفادة منها في أعمال أو كتابات على الانترنت أو خارجها في الواقع.
ل- تجنب السباب و الألفاظ السيئة أو الدخول في مجادلاتٍ مع أفرادٍ يتلفظون بمثل هذه الأشياء على الإنترنت ، أو الإجابة عليهم، مع إخبار الأسرة أولاً بأول عن أي مواقف تحدث من هذا القبيل.
م- المحافظة على صفحة الإنترنت مفتوحة -أي عدم إقفالها أو ترجيعها  إلى صفحة أخرى أو إغلاق الكومبيوتر- عند مواجهة الأبناء لموقفٍ أو تعليقٍ أو معلومةٍ أو صورةٍ أو طلبٍ أو سبابٍ أو غيرها من تصرفاتٍ سيئةٍ أو غير خُلُقيةٍ، وإخبار الوالدين فوراً عن الأمر لإمكانية تتبع الجهة الخاطئة و محاسبتها قانونياًً على انتهاكاتها السلوكية على الإنترنت.

وأخيراً عزيزي المربي:
إن تعميق الرقابة الذاتية النابعة من الإيمان العميق في نفوس الأبناء، يوفر كثيراً من المناورة والخطط السوداء وسوء النوايا، ولتضع الحرب الدائرة بين الأبناء ووالديهم بسبب الإنترنت أوزارها، وليكن وسيلة علوٍ وتنويرٍ ودعوةٍ إلى الخيرِ من كل أفراد الأسرة.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام
  • 1
  • 0
  • 7,148

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً