أمتنا و الفيس بوك - أبعاد الأزمة

منذ 2016-09-16

دعـــونا نأخذ نظرةً سريعةً في واقع الفيسبوكيين -وأنا منهم -؛ لعلنا ندرك طرفًا من أبعاد الأزمة في جوانبَ عدة، ربما تُسهِمُ في وقفة جادةٍ منا جمــيعاً، نرجــو أن يتبعه إصـــلاحٌ ولو نِســـبِيٌّ بإذن الله وتوفيقـــه

دعـــونا نأخذ نظرةً سريعةً في واقع الفيسبوكيين -وأنا منهم -؛ لعلنا ندرك طرفًا من أبعاد الأزمة في جوانبَ عدة، ربما تُسهِمُ في وقفة جادةٍ منا جمــيعاً، نرجــو أن يتبعه إصـــلاحٌ ولو نِســـبِيٌّ بإذن الله وتوفيقـــه:

أبعاد الأزمة على العبادات:

الصـــلاة :
1- كثيرون يمكــثون يقلبون صفحات الفيس حتى تأتي الصـــلاة تلو الصـــلاة وهم غارقون في سُــباتٍ عمـــيقٍ لا تغادر أعينهم الشاشة الزرقاء!
2- وآخرون يقومون للصـــلاة على مضضٍ، وفي الطريق إلى المسجد يقلبون الصفحات في هواتفهم الذكية حتى يصلوا للمسجد وما نطقت ألسنتهم ذكراً للخروج من المنزل ولا للذهاب إلى المسجد ولا لدخول المسجد ولا شيئاً أبداً، ثم يدخل المسجد فلا يزال يقلب الفيس في تركيز مدهش ولا يأتي بالنافلة القبلية، ثم لا ينتبه إلا على صوت الإقامة ليقف في الصف ولا زال الهاتف في يده وأنامله تداعب شاشته بتوتر، وقد يقف يتابع ويترك تكبيرة الإحرام وربما الفاتحة أيضاً، وقد ينتظر الركوع ثم يدرك الإمام، ويتابع معه الصلاة وقلبه وعقله وذهنه تجوب صفحة فلانٍ وعلّان، وتتذكر تعليق فلان ومناســبة فلان والجروب الفلاني والرد الفلاني، وهلم جــرى، ثم يخرج من الصــلاة وما عقل منها شيئاً يذكر، بل ربما لو سألته ماذا كان يتلو الإمام في الجهرية ما درى !
فإذا ما انفــــتل من صـــلاته هَرَع إلى هاتفه من جــديد يدرك ما فاته من الأحداث في تلك الدقائق التي صلاها - أو بالأحرى: ما صلَّاها -، وربما يهمهم ببعض أذكار الصلاة التي لا يَعِي منها شــيئًا يُذكَــر، بل لسانه في الذكر وقلبه في الفيس وأحداثه ومعاركه الوهمــية!
ثم يؤجل النافلة ليصليها في البيت أفضــل (كذا يمنّيه الشيطان ويعِدُه غرورًا)، فيعود للبيت يقلب صفحات الفيس حتى الصلاة التي تليها وما تنفَّل للأولى، لا قبليّةً ولا بعديَّةً، ولا هو خشع في الفريضـــة أصــلًا!
3- يقضي ليلَهُ كاملاً من العشــاء حتى الفجر يتجول في الفيس وما صلَّى لله ركعة قــيام، وما استغفر بالسحر الـــبتة!، ثم يغدو لصــلاة الفجــر كالمخمـــور يترنّح من فرط الإجهاد لعينيه أمام الجهاز فلا يعي من قرآن الفجر شيئاً، فأي حرمـــانٍ هذا؟
4- في رمضــان وبين ركعات التراويح ترى القوم عن اليمين والشمال عِزِين، صرعى الهواتف الذكية يتهاوون كالذباب عليها يدركون ما فاتهم خلال كل ركعتين، وأما مواعظ التراويح فليست لهم، بل الشيخ يحادث نفسه أو يحادث كبار الســن ممن فاتتهم تلك المدنية ولا زالوا يرزحـــون تحت خط الفقر الإلكــتروني - يا ويحهم - !

 الصــيام والقرآن :

وأما الصيام والقرآن فقد نالهما قســطٌ وافرٌ من سهام تلك الأزمة؛ فنهار الصــيام يقضيه الكثيرون على صفحات الفيس والمهاترات، ولا يُفيدون من صيامهم إلا الجوع والعطش، وغالبا ما يصحب التصفح لغوٌ وغيبةٌ وتطاولٌ على عباد الله واستطالةٌ في أعراضهم بما يُذهب أجر الصوم ويبقى على الصائم بعده دينٌ من حســناته أيضا!
وأما القرآن فلا تســـل عنه في دوامة (آخر الأخبار) المهلكة، التي ما تخبو ساعةً إلا ويتطاير شررها مجــدَّدًا، ولقد صــار يطيب للكثيرين، بل الأكثرين؛ أن يواصلوا الساعات الطوال خلف شاشات الأجهزة بمختلف أنواعها وبين جنبات العالم الأزرق ما لا يطيب لهم أن يقضوها ولا نصفها ولا ربعها ولا عشرها في النظر في كتاب الله .. وإنها والله لمؤســـفة جِدُّ مؤســـفة .. فإن الحرمانَ كُلَّ الحرمان؛ أن نقرأ كل شــيءٍ إلا القــرآن .. وما أبرِّئُ نفســي - نسأل الله العفو والعافـــية - .

الذكـــر والدعـــاء:

وأما الذكر الذي أمرنا الله بالإكـــثار منه فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:41]؛ فقد ذهب به الفيس بوك بمشغلاته، فأذكار الصــباح والمســاء لا وقت لها، وأذكار النوم لا يدركها الكثيرون لأنهم غالباً ما يغلبهم النعاس على شاشة الهاتف أو الحاسوب فيقومون عنه أو يتساقطون عليه تساقُطَ الفَراش على النار!
ولا تســل عن أذكار دخول المنزل والخروج منه ولا أذكار الطعام والشراب ونحوها؛ فإن الوقت كله مستغرقٌ إما حقيقةً أو حكمًا لصالح العالم الأزرق وخيوطه المتشابكة ومنتدياته الفسيحة والمتنوعة .

وأما الدعاء فلا وقتَ له، لا في أدبار الصلوات، ولا في السحر الأعلى، ولا بين الأذان والإقامة، ولا غيرها من مظـــانّ الإجابة، بل كثيرا ما ضاعت عشية الجمعة التي هي أرجى أوقات الأسبوع إجابةً؛ ضاعت لأجل الفيس وترهاته أو ما قد يمكن تأجيله فيه فلم يؤجــل، ويضــيع الفضل العظـــيم، والخـــيرُ العمــــيم.

 الحــــج والعمــــرة :

وما أدراك ما الحج والعمـــرة ؟! يا لها من مأســـاةٍ مضحكةٍ مبكـــيةٍ مع الفيس بوك ..
فالحاج والمعتمر لا يشغله سوى التقاط الصور لنفسه ولأهله ونشرها على الفيس مرحلةً بمرحلةٍ، ومشهدًا بمشهد، لكأنما يقول بلسان حاله : (خذوا عـــني مناســـككم) !

وآخـــر تخطر له خواطر الحج ودروسه العظيمة فيهرول يسطرها على صفحته، وما أجملها حقاً، لكن ما ضـــره لو كتبها في ورق معه أو مذكرة ثم نشرها بعد الحج، ليريح نفسه من شتات ذهنه في متابعة التعليقات والإشعارات التي تفرِّق من خشوع القلب ما تجمَّع، ومن تركــيز العقـــل ما العبدُ في أمسّ الحاجة إليه في رحلته التي قد لا تتكـــرر!
(يتــبع)

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

إبراهيم بن نبيل سابق

باحث شرعي - حاصل على ليسانس دراسات إسلامية - شعبة الشريعة - بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف

  • 1
  • 0
  • 2,072
المقال السابق
مقدمة
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً