دليل المسلم الجديد - [42] مسائل فقهية خاصة بالنساء

منذ 2016-10-15

مجموعة متنوعة وقيمة من المسائل الفقهية التي تخص النساء.

ضوابط خروج المرأة من بيتها
قال الشيخ محمد صالح المنجد:
جاء الإسلام ليحفظ للمرأة كرامتها وعرضها ، وشرع لها من الأحكام ما يحافظ على ذلك، وقال الله تعالى: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب: 33] وبناء على ذلك فإنّ الأصل: بقاء المرأة في بيتها، وعدم خروجها إلا لضرورة أو حاجة، وجعل الإسلام صلاة المرأة في بيتها خيرا لها من صلاتها في المسجد - ولو كان المسجد الحرام -.
وهذا لا يعني أن تظل المرأة حبيسة البيت، بل أباح لها الإسلام الذهاب إلى المسجد، وأوجب عليها الحج والعمرة وصلاة العيد وغير ذلك، ومن الخروج المشروع لها خروجها لزيارة أهلها ومحارمها والخروج للاستفتاء وسؤال أهل العلم وكذلك أُذَن للنساء أن يخرجن لحوائجهن، لكن كل هذا لا يكون إلا وفق ضوابط الشرع من حيث المحرم للسفر، والأمن في الطريق في الحضر، وكذا أن تخرج بحجابها الكامل، وأن لا تكون متبرجة أو متزينة أو متعطرة.
وقد ورد في ذلك بعض النصوص الشرعية ومنها:
أ. عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها» رواه البخاري ( 827 ) ومسلم ( 442 ) .
ب. عن زينب امرأة عبد الله قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا» (مسلم:443).
ج. عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يقول طُلِّقت خالتي فأرادت أن تَجدَّ نخلها ( أخذ ثمار الشجر) فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « بلى فجُدِّي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا » (مسلم:1483).

ضوابط عمل المرأة
الحمد لله
أولاً:
الأصل أن تبقى المرأة في بيتها، وألا تخرج منه إلا لحاجة، قال الله تعالى:
{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} ) [الأحزاب: 33]، وهذا الخطاب وإن كان موجها إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهن، فإن نساء المؤمنين تبع لهن في ذلك، وإنما وجه الخطاب إلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لشرفهن ومنزلتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهن، ولأنهن القدوة لنساء المؤمنين رضي الله تعالى عنهن.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
«المرأة عورة، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها» رواه ابن حبان وابن خزيمة، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (2688) .
وقال صلى الله عليه وسلم في شأن صلاتهن في المساجد :
«وبيوتهن خير لهن» رواه أبو داود (567)، وصححه الألباني في (صحيح أبي داود).

ثانياً:
يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للعمل، وذلك وفق ضوابط معينة إذا توفرت جاز للمرأة أن تخرج ، وهي:
- أن تكون محتاجة إلى العمل، لتوفير الأموال اللازمة لها.
- أن يكون العمل مناسبا لطبيعة المرأة متلائما مع تكوينها وخلقتها، كالتطبيب والتمريض والتدريس والخياطة ونحو ذلك.
- أن يكون العمل في مجال نسائي خالص، لا اختلاط فيه بالرجال الأجانب عنها.
- أن تكون المرأة في عملها ملتزمة بالحجاب الشرعي.
- ألا يؤدي عملها إلى سفرها بلا محرم.
- ألا يكون في خروجها إلى العمل ارتكاب لمحرم، كالخلوة مع السائق، أو وضع الطيب بحيث يشمها أجنبي عنها .
- ألا يكون في ذلك تضييع لما هو أوجب عليها من رعاية بيتها، والقيام بشئون زوجها وأولادها.
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله تعالى: "المجال العملي للمرأة أن تعمل بما يختص به النساء مثل أن تعمل في تعليم البنات سواء كان ذلك عملا إداريّاً أو فنيّاً، وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك، وأما العمل في مجالات تختص بالرجال، فإنه لا يجوز لها أن تعمل حيث إنه يستلزم الاختلاط بالرجال، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها , ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال :
«ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وأن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»، فعلى المرء أن يجنب أهله مواقع الفتن وأسبابها بكل حال " انتهى.
(فتاوى المرأة المسلمة:2 / 981).
فإذا كانت هذه الشروط متوفرة في عملك فلا حرج عليك فيه إن شاء الله تعالى.



حكم إزالة شعر الوجه للمرأة
الحمد لله
أولاً:
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/133):
"لا تجوز إزالة شعر الحاجب لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله، وهو من تغيير خلق الله الذي هو من عمل الشيطان، ولو أمرها به زوجها فإنها لا تطيعه؛ لأنه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ.
ثانياً:
يجوز إزالة جميع شعر الجسم ما عدا شعر الحاجب .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (17/130):
"دليل أخذ المرأة لشعر بدنها العمل بالأصل، وأنه مطلوب منها أن تتزين لزوجها، وليس هناك دليل يمنع من ذلك غير ما ورد في النهي عن النمص، وهو أخذ شعر الحاجبين" اهـ .
وجا فيها أيضاً (5/197):
"ما حكم الإسلام في نتف الشعر الذي بين الحاجبين؟ فأجابت اللجنة: يجوز نتفه؛ لأنه ليس من الحاجبين" اهـ .
والله تعالى أعلى وأعلم.


حكم استعمال مواد التجميل
الحمد لله
استعمال النساء أدوات التجميل جائز من حيث الأصل، إلا أنه ينبغي عند القول بالجواز مراعاة عدة أمور، منها:
1. أن يكون تجملها هذا لغير الأجانب من الرجال، وأولى من تتجمل لأجله هو زوجها، فإذا استعملت أدوات التجميل من أجل أن يراها زوجها على أحسن حال، أو ظهرت بها عند النساء، أو محارمها: جاز لها ذلك، وإلا لم يجُز ؛ لأن الأصل أنها تستر بدنها جميعه عن الرجال الأجانب، فكيف يباح لها زيادة على ذلك أن تتجمل لهم؟!.
2. أن تكون الأدوات المستعملة في التجمل مباحة، كالحناء ، والكحل ... ولا يجوز لها استعمال شحوم الميتة، أو المواد النجسة؛ لنهي الشرع عن قربان النجاسات والمحرمات.
3. أن تكون الأدوات المستعملة في التجمل غير ضارَّة لبدنها، فلا يجوز لها استعمال المواد الكيميائية الضارة، سواء كان ذلك الضرر حالاً، أو مستقبلاً؛ لنهي الشرع عن الضرر بالنفس، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:
«لاَ ضَرَر ، وَلاَ ضِرَار».

4. أن تكون مواد التجميل مؤقتة الأثر على البدن، فلا يحل لها استعمال تلك الأدوات في تغيير خلق الله تعالى، كما تفعله بعض النساء من نفخ الشفتين، وتقشير الوجه، ومن الوشم الدائم، وتغيير لون الجلد تغييراً دائماً.


قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
تجمُّل المرأة لزوجها في الحدود الشرعيَّة من الأمور التي ينبغي لها أن تقوم به؛ فإن المرأة كلما تجمَّلت لزوجها كان ذلك أدعى إلى محبَّته لها وإلى الائتلاف بينهما، وهذا مقصود للشارع، فالمكياج إذا كان يجمِّلها ولا يضرها فإنه لا بأس به ولا حرج.
ولكني سمعت أن المكياج يضر بشرة الوجه وأنه بالتالي تتغير به بشرة الوجه تغيُّراً قبيحاً قبل زمن تغيرها في الكبَر، وأرجو من النساء أن يسألن الأطباء عن ذلك، فإذا ثبت ذلك: كان استعمال المكياج إما محرَّماً أو مكروهاً على الأقل؛ لأنَّ كل شيءٍ يؤدي إلى التشويه والتقبيح فإنه إما محرَّم وإما مكروه.
وبهذه المناسبة أود أن أذكر ما يسمَّى (المناكير) وهو شيءٌ يوضع على الأظفار تستعمله المرأة وهو له قشرة، وهذا لا يجوز استعماله للمرأة إذا كانت تصلِّي؛ لأنه يمنع وصول الماء في الطهارة، وكل شيءٍ يمنع وصول الماء فإنه لا يجوز استعماله للمتوضئ أو المغتسل؛ لأن الله تعالى يقول : {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } [المائدة:6]، وهذه المرأة إذا كان على أظفارها مناكير فإنها تمنع وصول الماء فلا يصدُق عليها أنها غسلت يدها، فتكون قد تركت فريضة من فرائض الوضوء أو الغسل، وأما من كانت لا تصلي فلا حرج عليها إذا استعملتْه إلا أن يكون هذا الفعل من خصائص نساء الكفار فإنه لا يجوز لما فيه من التشبه بهم (فتاوى المرأة المسلمة:1 / 474).

وأيضا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"تحمير الشفاه لا بأس به لأن الأصل الحل حتى يتبين التحريم ، ... ، ولكن إن تبين أنه مضر للشفة، ينشفها ويزيل عنها الرطوبة والدهنية فإنه في مثل هذه الحال ينهى عنه، وقد أُخبرت أنه ربما تتشقق الشفاة منه، فإذ ثبت هذا فإن الإنسان منهي عن فعل ما يضره " (فتاوى منار الإسلام: 3 / 831).

وكتب الدكتور وجيه زين العابدين مقالاً في مجلة الوعي الإسلامي عن الأضرار التي قد تسببها أدوات التجميل المنتشرة الآن والتي تستعملها النساء جاء فيه:
... وقد يُعرِّض الأحمر الشفاة للتورم أو تبيس جلدها الرقيق وتشققه لأنه يزيل الطبقة الحافظة للشفة ...
نقلاً من كتاب (زينة المرأة المسلمة للشيخ عبد الله الفوزان: ص 51 ).
فعلى المرأة المسلمة التأكد قبل استعمال أدوات التجميل المنتشرة الآن من أنها لا تضر بدنها.
والله تعالى أعلى وأعلم.

حكم استعمال مزيل العرق للنساء
الحمد لله
يمكن تقسيم أنواع مزيل العرق – من حيث حكم استعمال المرأة له – إلى نوعين :
الأول: مزيل عرق معطر برائحة ظاهرة، فهذا النوع لا يجوز للمرأة استعماله خارج المنزل، إذا غلب على ظنها أنها ستمر ببعض الرجال فيشمون رائحته.
والدليل على ذلك حديث زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا» رواه مسلم (443).
فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد نهى المرأة عن الخروج إلى المسجد بالطيب؛ لأن الغالب أن الرجال سيجدون من ريحها بسبب قرب المكان وعدم الحواجز بين الرجال والنساء، فمن باب أولى أن تمنع المرأة التي تخرج إلى الأسواق ومجامع الناس من استعمال الطيب.

النوع الثاني: مزيل عرق غير معطر، أو له رائحة يسيرة غير ظاهرة، لا تتعدى من استعمله، فهذا النوع لا حرج على المرأة أن تستعمله، وليس هناك ما يمنع منه.
قال الرملي الشافعي رحمه الله تعالى:
"أما المرأة فيكره لها الطيب والزينة وفاخر الثياب عند إرادتها حضورها، نعم، يسن لها قطع الرائحة الكريهة " انتهى.
وقد علق الشبراملسي على كلامه بقوله:
" (نعم، يسن لها قطع الرائحة الكريهة) أي: وإن ظهر لما تزيل به ريح حيث لم يتأت إلا به – يعني بشرط ألا يشتم رائحته الرجال - " انتهى من (نهاية المحتاج:2/340).
وأما إذا غلب على ظن المرأة أنها لن تمر بالرجال، وإنما ستكون بين النساء وبنات جنسها، فلا حرج عليها حينئذ أن تستعمل الطيب، وكذلك مزيل العرق.
والله تعالى أعلى وأعلم.



حكم تركيب الرموش الصناعية
الحمد لله

يحرم على المرأة تركيب الرموش الصناعية، لأنها تدخل في وصل الشعر الذي لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعله .
روى البخاري ومسلم (2122) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ابْنَةً عُرَيِّسًا (تصغير عروس) أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ ( وفي رواية : تمزق ) شَعْرُهَا أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ».
روى البخاري (5205) ومسلم (2123) عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ جَارِيَةً مِنْ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرَّطَ شَعَرُهَا (أي سقط) فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهُ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَلَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ.
قال النووي رحمه الله تعالى:
(تَمَرَّقَ) بِمَعْنَى تَسَاقَطَ.
وَأَمَّا الْوَاصِلَة: فَهِيَ الَّتِي تَصِل شَعْر الْمَرْأَة بِشَعْرٍ آخَر، وَالْمُسْتَوْصِلَة: هي الَّتِي تَطْلُب مَنْ يَفْعَل بِهَا ذَلِكَ، وَيُقَال لَهَا: مَوْصُولَة. وَهَذِهِ الأَحَادِيث صَرِيحَة فِي تَحْرِيم الْوَصْل، وَلَعْن الْوَاصِلَة وَالْمُسْتَوْصِلَة مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمُخْتَار اهـ.
والرموش الصناعية يتحقق فيها هذا المعنى، وهو وصل الشعر، فإن الرموش الطبيعية توصل بالرموش الصناعية.
وأيضاً: ذكر بعض الأطباء أن الرموش الصناعية تؤدي إلى حساسية مزمنة بالجلد والعين والتهابات في الجفون وتؤدي إلى تساقط الرموش. فيكون في استعمالها ضرراً، وقد منع الشارع ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام «لا ضرر ولا ضرار»
انظر : (زينة المرأة بين الطب والشرع: ص 33).
وينبغي أن تتنبه المرأة المسلمة إلى أن الاهتمام بمثل هذه الأمور قد يكون إغراقاً في التنعم والترفه، وإهداراً للأوقات والأموال التي يمكن الاستفادة منها فيما هو أنفع للمسلمين، لاسيما في هذه الأوقات التي ضعفت فيها العزائم، وفترت الهمم. وصُرِفت المرأة عن مهمتها الأساسية في تربية الجيل إلى الاهتمام البالغ بمثل هذه الأمور.
والله تعالى أعلى وأعلم.

صبغ المرأة لشعرها من أجل التجمل
الحمد لله
"الأصل في الأشياء غير العبادات الحل، وعلى هذا فيجوز للمرأة أن تصبغ رأسها بما شاءت من الصبغ، إلا إذا كان سواداً تخفي به شيبها فإن ذلك لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بتغيير الشيب، وقال:
«جنبوه السواد» أو إذا كانت هذه الأصباغ مما تختص به النساء الكافرات بحيث إذا شوهدت هذه المرأة قيل: هذه امرأةٌ كافرة، لأنه لا تصبغ هذا الصبغ إلا امرأةٌ كافرة، فحينئذٍ يحرم على المرأة أن تصبغ به، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من تشبه بقومٍ فهو منهم» فإذا خلا هذا الصبغ من هذين العنصرين أعني : السواد لإخفاء الشيب، أو الصبغ الذي تختص به النساء الكافرات، فإن الأصل الإباحة، فلتصبغ المرأة بما شاءت" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى (فتاوى نور على الدرب).


أحكام الحيض
الحمد لله
"للحيض أحكام كثيرة تزيد على العشرين، نذكر منها ما نراه كثير الحاجة، فمن ذلك:
الأول: الصلاة 
فيحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها ولا تصح منها، وكذلك لا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة، فتجب عليها الصلاة حينئذ، سواء أدركت ذلك من أول الوقت أم من آخره.
مثال ذلك من أوله: امرأة حاضت بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة المغرب لأنها أدركت من وقتها قدر ركعة قبل أن تحيض.
ومثال ذلك من آخره: امرأة طهرت من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا تطهرت قضاء صلاة الفجر، لأنها أدركت من وقتها جزءاً يتسع لركعة.
أما إذا أدركت الحائض من الوقت جزءاً لا يتسع لركعة كاملة، مثل أن تحيض في المثال الأول بعد الغروب بلحظة أو تطهر في المثال الثاني قبل طلوع الشمس بلحظة، فإن الصلاة لا تجب عليها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (متفق عليه)، فإن مفهومه أن من أدرك أقل من ركعة لم يكن مدركاً للصلاة.
* وأما الذكر والتكبير والتسبيح والتحميد، والتسمية على الأكل وغيره، وقراءة الحديث والفقه والدعاء والتأمين عليه واستماع القرآن فلا يحرم عليها شيء من ذلك، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكيء في حجر  أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي حائض فيقرأ القرآن.
وفي الصحيحين أيضاً عن أم عطية رضي الله تعالى عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض ـ يعني إلى صلاة العيدين ـ وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى» .
فأما قراءة الحائض القرآن الكريم بنفسها، فإن كان نظراً بالعين أو تأملاً بالقلب بدون نطق باللسان فلا بأس بذلك، مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فتنظر إلى الآيات وتقرأها بقلبها، قال النووي رحمه الله تعالى في (شرح المهذب): جائز بلا خلاف.
وأما إن كانت قراءتها نطقاً باللسان فجمهور العلماء على أنه ممنوع وغير جائز.
وقال البخاري وابن جرير الطبري وابن المنذر رحمهم الله تعالى: هو جائز، وحكي عن مالك وعن الشافعي في القول القديم حكاه عنهما في (فتح الباري) وذكر البخاري تعليقاً عن إبراهيم النخعي: لا بأس أن تقرأ الآية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى) : "ليس في منعها من القرآن سنة أصلاً، فإن قول: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث. وقد كان النساء يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة، لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً لم يجز أن تجعل حراماً، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم" انتهى .
* والذي ينبغي بعد أن عرفنا نزاع أهل العلم أن يقال: الأولى للحائض ألا تقرأ القرآن الكريم نطقاً باللسان إلا عند الحاجة لذلك، مثل أن تكون معلمة فتحتاج إلى تلقين المتعلمات، أو في حال الاختبار فتحتاج المتعلمة إلى القراءة لاختبارها أو نحو ذلك.
الحكم الثاني: الصيـام 
فيحرم على الحائض الصيام فرضه ونفله ، ولا يصح منها لكن يجب عليها قضاء الفرض منه لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان يصيبنا ذلك ـ تعني الحيض ـ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (متفق عليه).
وإذا حاضت وهي صائمة بطل صيامها ولو كان ذلك قبيل الغروب بلحظة، ووجب عليها قضاء ذلك اليوم إن كان فرضاً .
أما إذا أحست بانتقال الحيض قبل الغروب لكن لم يخرج إلا بعد الغروب فإن صومها تام ولا يبطل على القول الصحيح ، لأن الدم في باطن الجوف لا حكم له، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها من غسل ؟ قال : «نعم إذا هي رأت الماء». فعلق الحكم برؤية المني لا بانتقاله، فكذلك الحيض لا تثبت أحكامه إلا برؤيته خارجاً لا بانتقاله.
وإذا طلع الفجر وهي حائض لم يصح منها صيام ذلك اليوم ولو طهرت بعد الفجر بلحظة.
وإذا طهرت قبيل الفجر فصامت صح صومها، وإن لم تغتسل إلا بعد الفجر، كالجنب إذا نوى الصيام وهو جنب ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صومه صحيح ، لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان» (متفق عليه).
الحكم الثالث: الطواف بالبيت
فيحرم عليها الطواف بالبيت، فرضه ونفله، ولا يصح منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لما حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري» .
وأما بقية الأفعال كالسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار وغيرها من مناسك الحج والعمرة فليست حراماً عليها، وعلى هذا فلو طافت الأنثى وهي طاهر ثم خرج الحيض بعد الطواف مباشرة، أو في أثناء السعي فلا حرج في ذلك .
الحكم الرابع: سقوط طواف الوداع عنها 
فإذا أكملت الأنثى مناسك الحج والعمرة، ثم حاضت قبل الخروج إلى بلدها واستمر بها الحيض إلى خروجها، فإنها تخرج بلا وداع، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» (متفق عليه).
وأما طواف الحج والعمرة فلا يسقط عنها بل تطوف إذا طهرت.
الحكم الخامس: المكث في المسجد 
فيحرم على الحائض أن تمكث في المسجد حتى مصلى العيد يحرم عليها أن تمكث فيه، لحديث أم عطية رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض» وفيه : «يعتزل الحيض المصلى» (متفق عليه).
الحكم السادس: الجماع
فيحرم على زوجها أن يجامعها، ويحرم عليها تمكينه من ذلك  لقول الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} .
والمراد بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» يعني الجماع . (رواه مسلم).
ولأن المسلمين أجمعوا على تحريم وطء الحائض في فرجها.
وقد أبيح له ولله سبحانه الحمد ما يكسر به شهوته دون الجماع، كالتقبيل والضم والمباشرة فيما دون الفرج، لكن الأولى ألا يباشر فيما بين السرة والركبة إلا من وراء حائل، لقول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم، يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض"(متفق عليه).
الحكم السابع: الطلاق 
فيحرم على الزوج طلاق الحائض حال حيضها، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، أي : في حال يستقبلن به عدة معلومة حين الطلاق، ولا يكون ذلك إلا إذا طلقها حاملاً أو طاهراً من غير جماع، لأنها إذا طلقت حال الحيض لم تستقبل العدة حيث إن الحيضة التي طلقت فيها لا تحسب من العدة، وإذا طلقت طاهراً بعد الجماع لم تكن العدة التي تستقبلها معلومة حيث إنه لا يعلم هل حملت من هذا الجماع ،فتعتد بالحمل، أو لم تحمل فتعتد بالحيض ، فلما لم يحصل اليقين من نوع العدة حرم عليه الطلاق حتى يتبين الأمر.
فطلاق الحائض حال حيضها حرام للآية السابقة، ولما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض فأخبر عمر رضي الله تعالى عنه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» .
فلو طلق الرجل امرأته وهي حائض فهو آثم، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يرد المرأة إلى عصمته ليطلقها طلاقاً شرعياً موافقاً لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيتركها بعد ردها حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها، ثم تحيض مرة أخرى، ثم إذا طهرت فإن شاء أبقاها وإن شاء طلقها قبل أن يجامعها.
ويستثنى من تحريم الطلاق في الحيض ثلاث مسائل:
الأولى: إذا كان الطلاق قبل أن يخلو بها، أو يمسها فلا بأس أن يطلقها وهي حائض، لأنه لا عدة عليها حينئذ، فلا يكون طلاقها مخالفاً لقول الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} .
الثانية: إذا كان الحيض في حال الحمل.
الثالثة: إذا كان الطلاق على عوض ، فإنه لا بأس أن يطلقها وهي حائض.
وأما عقد النكاح على المرأة وهي حائض فلا بأس به لأن الأصل الحل، ولا دليل على المنع منه، لكن إدخال الزوج عليها وهي حائض ينظر فيه فإن كان يؤمن من أن يطأها فلا بأس، وإلا فلا يدخل عليها حتى تطهر خوفاً من الوقوع في الممنوع .
الحكم الثامن : اعتبار عدة الطلاق به ـ أي الحيض ـ
فإذا طلق الرجل زوجته بعد أن مسها أو خلا بها وجب عليها أن تعتد بثلاث حيض كاملة، إن كانت من ذوات الحيض ، ولم تكن حاملاً لقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ } . أي : ثلاث حيض. فإن كانت حاملاً فعدتها إلى وضع الحمل كله، سواء طالت المدة أو قصرت لقول الله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } . وإن كانت من غير ذوات الحيض لكبر أو عملية استأصلت رحمها أو غير ذلك مما لا ترجو معه رجوع الحيض ، فعدتها ثلاثة أشهر لقول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} . وإن كانت من ذوات الحيض لكن ارتفع حيضها لسبب معلوم كالمرض والرضاع فإنها تبقى في العدة وإن طالت المدة حتى يعود الحيض فتعتد به، فإن زال السبب ولم يعد الحيض بأن برئت من المرض أو انتهت من الرضاع وبقي الحيض مرتفعاً فإنها تعتد بسنة كاملة من زوال السبب، هذا هو القول الصحيح، الذي ينطبق على القواعد الشرعية، فإنه إذا زال السبب ولم يعد الحيض صارت كمن ارتفع حيضها لغير سبب معلوم وإذا ارتفع حيضها لغير سبب معلوم، فإنها تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل احتياطاً غالب الحمل ، وثلاثة أشهر للعدة .
* أما إذا كان الطلاق بعد العقد وقبل المسيس والخلوة، فليس فيه عدة إطلاقاً، لا بحيض ولا غيره لقول الله تعالى:  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} .
الحكم التاسع: الحكم ببراءة الرحم
أي بخلوه من الحمل، وهذا يحتاج إليه كلما احتيج إلى الحكم ببراءة الرحم وله مسائل:
منها: إذا مات شخص عن امرأة يرثه حملها، وهي ذات زوج، فإن زوجها لا يطأها حتى تحيض، أو يتبين حملها، فإن تبين حملها، حكمنا بإرثه، لحكمنا بوجوده حين موت مورثه، وإن حاضت حكمنا بعدم إرثه لحكمنا ببراءة الرحم بالحيض.
الحكم العاشر: وجوب الغسل 
فيجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل بتطهير جميع البدن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله تعالى عنها : «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي» رواه البخاري.
* وأقل واجب في الغسل أن تعم به جميع بدنها حتى ما تحت الشعر ، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث سألته أسماء بنت شكل عن غسل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم : «تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً، حتى تبلغ شئون رأسها ، ثم تصب عليها الماء ، ثم تأخذ فرصة ممسكة ـ أي قطعة قماش فيها مسك فتطهر بها ـ فقالت أسماء : كيف تطهر بها ؟ فقال : سبحان الله ! فقالت عائشة لها: تتبعين أثر الدم» (رواه مسلم).
* ولا يجب نقض شعر الرأس، إلا أن يكون مشدوداً بقوة بحيث يخشى ألا يصل الماء إلى أصوله، لما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ وفي رواية للحيضة والجنابة؟ فقال: «لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» .
وإذا طهرت الحائض في أثناء وقت الصلاة وجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتدرك أداء الصلاة في وقتها، فإن كانت في سفر وليس عندها ماء أو كان عندها ماء ولكن تخاف الضرر باستعماله، أو كانت مريضة يضرها الماء فإنها تتيمم بدلاً عن الاغتسال حتى يزول المانع ثم تغتسل.
وإن بعض النساء تطهر في أثناء وقت الصلاة، وتؤخر الاغتسال إلى وقت آخر تقول: إنه لا يمكنها كمال التطهر في هذا الوقت، ولكن هذا ليس بحجة ولا عذر لأنها يمكنها أن تقتصر على أقل الواجب في الغسل، وتؤدي الصلاة في وقتها، ثم إذا حصل لها وقت سعة تطهرت التطهر الكامل " انتهى.
فهذه أهم الأحكام التي تترتب على وجود الحيض من المرأة.
(رسالة في الدماء الطبيعية للنساء) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.

والله تعالى أعلى وأعلم

  • 35
  • 3
  • 157,979
المقال السابق
[41] الزي الإسلامي للمرأة
المقال التالي
[43] حقوق الزوج والزوجة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً