الصلاة.. الدقائق النورانية
خالد روشة
أرقى مستويات الضبط الإنساني للسلوك الذاتي الشخصي المنهجي يتمثل في لحظات الصلاة.
- التصنيفات: تزكية النفس -
أرقى مستويات الضبط الإنساني للسلوك الذاتي الشخصي المنهجي يتمثل في لحظات الصلاة.
إنها اللحظات التي تتبلور فيها الأهداف، وتتركز تركزًا دقيقًا نحو إرضاء الله سبحانه باستجابة أمره بالصلاة، فيخرج المؤمن من بيته لايخرجه إلا الصلاة وكأنما يسير في موكب نوراني سماوي راق، خطواته إحداها ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة، ففي الحديث: «وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» (صحيح البخاري [647])
لحظات تبدأ بعملية تطهير قلبي بنية السير لتلبية أمر الله سبحانه، وإعلاء لكلمة التوحيد، فالقلب يعلم أن الصلاة لا تصح إلا إن كانت لله سبحانه، وأنه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، وأن الصلاة المغشوشة يلقى بها في وجه صاحبها كالثوب الخلق، فمن ثم لزم أن تكون مخلصة، وأن يكون القلب أثناءها متوجها بكليته نحو ربه سبحانه.
فالطهارة الاولى هذه طهارة الباطن من أدران الشرك الخفي، ومن التردد في الإخلاص، ومما علق بالصدق في لحظات الإقبال على الله، فيدخلها المؤمن مخلصًا طاهرًا صادقًا.
ثم تطهير بالماء للأدران والنجاسات إن تعلقت بالجسد، وتطهير لمكان الصلاة وثيابها، إذ هي عمل رباني طاهر، والله سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبًا، و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر من الآية:10]، فالطهارة شرط لصحة الصلاة، لتتوافق مع منظومتها الطاهرة السامية.
ثم تطهير جسدي بالوضوء بالماء الطاهر المطهر لجوارح الإنسان الاساسية، ليتناسب مع عظمة الكلمات المتلوة، والعبادات القائمة، والملائكة الحاضرين الشاهدين.
والدخول إليها شرطه القبلة للبيت العتيق، استجابة وامتثالًا لأمر الله سبحانه، ودخولًا في منظومة الوحدة الإسلامية للمؤمنين عامة في لحظات الصلاة، إذ هم جميعًا يركعون ويسجدون نحو نقطة واحدة أمروا بالسجود نحوها.. وهم جميعًا يعلمون أنه {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة من الآية:115].
ولكل وقت صلاة تثبت العبودية الدائمة والمخلصة لله العظيم المتعال، فما من لحظة تمر على الأرض إلا وبمناطقها وأماكنها صلاة تقام.. وآذان يرفع، ليظل اسم الله سبحانه عاليًا في جميع أرجائها.
والدخول إليها بتكبيرة الإحرام، إيذانًا بالدخول في لحظات ربانية مخصوصة، بهيئة مخصوصة، وأعمال توقيفية خاصة، يحرم فيها كلام الناس، ولغو الناس، ويستدعى فيها الخشوع والخضوع، ويتلو فيها الإنسان كلام ربه بتدبر.
ثم وقوف بين يدي ربه سبحانه، يقرأ من آيات القرآن العظيم، ليعلن تبعيته وانتهاجه لهذا المنهاج الخالد المبارك، ويعلن إسلامه لربه، وإيمانه بكلامه.
ثم يركع تعظيمًا له سبحانه، يسبح ويقدس وينزه ربه سبحانه، فيعطر فاه بالتسبيح والتحميد، ويقر بتنزيه ربه عن كل نقص وكل شبيه أو ند أو مثيل.
ثم يسجد ويدعو بينما هو أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد.
إنها لحظات نورانية معجزة، تعيد بث السكينة والطمأنينة.. وتشعر بالمعية الإلهية.. لحظات تجدد الإيمان في القلب المؤمن، وتثبت العهد الصالح، وتزيد اليقين الراسخ.
فلا عجب أن يكون للصلاة تلك المنزلة العظيمة في دين الله، ولا عجب أن تكفر الصلاة تلو الصلاة ما بينهما من معاصٍ صغيرة، وتعين أكبر إعانة على التوبة من المعاصي الكبيرة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت من الآية:45].