ورطات حلب.. هل بدأ يجنيها العَجَم قبل العرب
عبد العزيز مصطفى كامل
لا تبأسوا أهل حلب ولا تيأسوا
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
كتبت منذ شهرين تقريبًا مقالاً في ثلاث حلقات بعنوان: (لماذا صارت حلب ورطة للعجم والعرب)..ولم تكن وقتها معركة حلب الحقيقية قد بدأت، والآن؛ وقد استَعَرت تلك المعركة؛ فلا نظن أن سنن الله الكونية القدرية ستترك الظالمين يفوزون بظلمهم وتدع المظلومين في الساحات وحدهم، بل لابد من عقوبات إلهية في شكل ورطاتٍ للمفرطين والمجرمين قد تأتي عاجلة، وآيات للمؤمنين الصابرين ولو جاءت آجلة.
فهل وقع شيء من هذه الورطات أوتحققت تلك الآيات؟. هذه نظرةٌ على مواقف الأطراف المتورطة بعد التطورات الفائتة:
- (أمريكا): امتنعت، ومنعت حلفاءها – حتى الآن - من تزويد المدافعين عن المدنيين بما يحتاجون إليه من سلاح أمريكي أرضي رادع ضد السلاح الروسي الجوي المروع والمراوغ، وهاهي وحلفاؤها يجنون آثار الجنون الإيراني الشيعي في استدعاء الجموح الروسي الشيوعي، حتى أصبح الغرب كله وجهًا لوجه أمام تحالف روسي فارسي قريب من شواطئ أوروبا، وغير بعيد عن مداخل إفريقيا، قد ينطلق بعد حلب، طالباً المزيد من مواطئ الأقدام في العالم القديم، وذلك ما حاولت الإدارات الأمريكية المتتابعة إبعاد احتمالات عودته طوال عقود الحرب الباردة، التي تعود اليوم حارةً مع روسيا الصاعدة وأطماعها المتصاعدة.
- (تركيا) : اعتبرت الغرب صديقًا، وعَدَّت (الناتو) حليفاً؛ ولكن معارك حلب غيرت القناعات وبدلت المعادلات، بعدما صارت أنقرة في خطرٍ داهم على أبوابها الجنوبية (العراق وسوريا) وخاصرتها الشرقية (إيران)، وبعد فشل الانقلاب الداخلي الذي قادته الصوفية؛ ها هي تركيا بصدد تربصٍ خارجي وداخلي من الجماعات الكردية المسلحة، مدعوم بالمال والسلاح من عدوها التاريخي (إيران)! فإذا سقطت حلب – لا قدر الله - بعد أن كان يفترض أن تساندها تركيا؛ وإذا لم تترك تركيا التقارب مع أعداء الإسلام وأعدائها، فسوف تتفرغ إيران - حتى إشعارٍ آخر- لإشعال تركيا من داخلها، وإشغالها من خارجها، وربما تدخلان في حرب بالوكالة أو الأصالة، يشعلها الأكراد اللاهثون خلف سراب مشروع (كردستان الكبرى) الذي يمنيهم به أصحاب مشروع (إسرائيل الكبرى).
- (روسيا) : تعيش دببتها الكاسرة نشوة انتصاراتها المغشوشة العابرة، وقد فتحت عشوش الدبابير عليها بعد إمعانها في التدمير والتهجير بحلب؛ في تحدٍ غير مسبوق، استباقاً لمجيء (الفيل الهائج) ترامب، ورئيس أركانه جيمس ما "تيس" الملقب بـ (الكلب المجنون)!! وفي حال إعلان انتصار موسكو وطهران في سوريا على (تركيا والسعودية وقطر) المتحالفة مع الأمريكان؛ فلابد أن واشنطن ستعد ذلك هزيمة لها؛ لذلك ستعود حتماً لإعادة ترتيب الأوضاع السورية لحسابها، بعد أن تركت للروس - وفق مخططٍ ماكرٍ مدروس – أن يستنزفوا سلاحهم ويخرجوا ما في جعبتهم، ريثما ينتهوا هم من إعادة ترتيب أوضاعهم بعد الانتخابات، حيث سيكون من تلك الأوضاع استرجاع ما ضاع من الهيبة الأمريكية، بالمزيد من توريط الروس في مستنقعات سوريا، كما سبق أن غرقوا في أوحال أفغانستان.
- (إيران): رغم أنها تبدو المنتصر الأول في الآونة الأخيرة، بعد اجتياح ميليشياتها الإرهابية للبلدات الحلبية الشرقية؛ فقد بدأ تغولها يجلب عليها المتاعب بعد أقل من عام بعد التقارب المهزوز مع الغرب تحت مسمى (الاتفاق النووي) لذلك بدأت طهران تعيد إظهار نواياها النووية في تملك الأسلحة الذرية التي لن يسمح الغرب لإيران بتملكها، مهما أسقطت من عواصم أو تمكنت قدرات ومقدرات. وقد بدأت بوادر التدابر بتهديد أمريكي بتجديد فرض العقوبات على إيران ، وهذا ردت عليه طهران بالتهديد بالعودة العاجلة لتخصيب اليورانيوم بإيقاع سريع، وهو ما أعاد سجال المواجهة إلى الواجهة ،بين غدر الروم وغرور الفرس!
- (النظام العربي): غالبية أعضاء (الجامعة) العربية،الغائبة المنسية؛ أجمعت على ضلالة السكوت عن الظلم ، ويكفي العروبة "فخرًا" بجامعتهم (العربية) تخليها عن شعوب عربية سُنية، لحساب الطائفة الشيعة الفارسية الأعَجمية!، غالبية الدول الغنية في هذا النظام تدعم السوريين بتثاقل قاتل، أوتؤيد ثوارهم بشروط مقيتة مميتة؛ وأكثرها استمرأ طويلاً قتال غيرها نيابة عنها، ثم سريعًا ما تنقلب عليها! وهو ما جعلها معزولةً مذلولةً للأذلاء، حتى أصبحت قاب قوسين أو أدنى من مواجهة لحظة الحقيقة التي تقول: جاء وقت النزال أو النزول !
- (دول الخليج) بما أنه ليس بعد الشام والعراق إلا جزيرة العرب؛ فالأنظمة المجاورة لإيران تعيش الآن ورطة البحث عن مُنازِل وقت النوازل، وبخاصة من الشعوب، التي خذلها هؤلاء بالأمس واليوم، بعد ضرب ثوراتهم ضد الظلم، وانتفاضتهم ضد الاستبداد، مَنْ سيقنع هؤلاء بتلبية النداء لمن استكثروا عليهم حتى السماح لشعوبهم بالقنوت والدعوات في الجُمع والجماعات، فضلًا عن جمع الإعانات والمساعدات!، ليس أمام الشعوب إلا أن تتعامل مع الشعوب، كما تتعامل الأنظمة فقط مع الأنظمة.
- (الفصائل المقاتلة): مع أنها محاصرة في الميدان بسائر أنواع النيران؛ فهي مع ذلك تواجه نصيبها من الورطات بسبب طول العهد بالخلافات والتنازعات، التي ما كانت – بحسب سنن الله الربانية - لتنتج غير الفشل وذهاب الريح!، والأمر في ذلك صريح، لايحتاج إلى مجاملة أومجادلة، ولولا أنهم تداركوا أمرهم بجمع صفوفهم في (جيش حلب)؛ لذهب الرجاء فيهم وجاء القنوط منهم، لكن الأمل – بعد الله – معقودٌ على انتظام عودتهم للاعتصام بحبله والاستمساك بشرعه، وعندها؛ من يدري؟ فقد يكون جيش حلب مفخرة للمسلمين والعرب، يُرينا ويُرى العالم حولنا: كيف تُصنع المعجزات والآيات – بأمر الله - على أرض النبوات والنبوءات، سواء في حلب أو خارج حلب، فالأيام دول والحروب جولات..
لا تبأسوا أهل حلب ولا تيأسوا ..
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 139-141]