رسالة إلى ملحد
سعيد عبد العظيم
من إنسان يحب لك الخير، ويسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات، فلا تغمض عينيك ولا تغلق قلبك..
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب - العقيدة الإسلامية - التوحيد وأنواعه - مذاهب باطلة - مذاهب فكرية معاصرة -
من إنسان يحب لك الخير، ويسأل الله أن ينفعك بهذه الكلمات، فلا تغمض عينيك ولا تغلق قلبك.
أولا: أيها الغادي قف ساعة وتفكر، من خلقك؟ ولماذا خلقك؟ وإلى أين المصير؟ أراحل أنت أم مقيم؟ وإذا كنت مرتحلاً فإلى أين؟ إلى جنة أم إلى نار؟ فالحياة بغير الله سراب، يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.
أربأ بك أن تخالف العقل والفطرة، وقبل ذلك الشريعة وأن يحدث هذا التنافر عندك بين الظاهروالباطن، والأرض والسماء، والدنيا والآخرة، وبين السنن الشرعية والسنن الكونية، وإلا فما أعظم الاتفاق بين صفحات الكتاب المسطور مع الكون المنظور.
نسمع الملاحدة يذكرون الله بعبارات مختلفة مثل: الطبيعة، فيقولون الطبيعة منحتنا أو أعطتنا، ويعبر علماء المادة التجريبين عن القوة العظمى التى تصرف شئون الكون، وقديما قالوا الإبرة تدل على صانعها، وأثر السير يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج وسماء ذات أبراج، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير.
وفى كل شيء له آيه تدل على أنه الواحد
وأنت تتكلم على الميتافيزيقا وماوراء الطبيعة وعن أشياء كثيرة غير مرئية ولكنها محسوسة أو لها آثار مثل الكهرباء والأشعة البنفسيجية والبكتريا، وما آمن أحد إيماناً أفضل من إيمان بغيب، ولو قيل سفينة ترسو وتحمل البضائع وتسير فى المحيط ثم تفرغ حمولتها فى مكان آخر، تفعل ذلك مع نفسها، لقيل هذا هو الجنون بعينه، لذلك لما سئل البعض عن وجود الله قال (وهل غاب عنا حتى نستدل على وجوده) {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} {وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا} [النازعات:27]
فالخلق يدل على الخالق {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35]
ثانيا: قد تجد بعض الملحدين هنا أو هناك وقد نرى دول قامت على الإلحاد فلا تغتر ولا تنبهر، وإلا فالناس قديما وحديثا هنا وهناك على خلاف ذلك، فمشركو العرب واليهود والنصارى وأهل النار وإبليس كلهم يقر بوجود الله، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ} [لقمان من الآية:25] {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ . بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [المؤمنون:84-90].
وقد تظاهر فرعون بالجحد وكان فى قرارة نفسه يقر بأن الله هو الخالق الرازق المحيى المميت {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ} [النمل من الآية:14].
ولذلك قال له نبي الله موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:102].
وحكى لنا سبحانه عن أهل النار قال: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ} [الأنعام من الآية:30].
وكفر مشركو العرب واليهود والنصارى لا لكونهم جحدوا وجود الرب سبحانه وتعالى، ولكن لأنهم لم يوحدوه ولم يفردوا الله بالعبادة وجعلوا مع الله آلهة أخرى ونسبوا له الصاحبة والولد، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
ثالثاً: رد العلماء على نظرية داروين للنشوء والارتقاء، وهى مع فسادها لا تخدم الإلحاد، فإذا كان الإنسان قد تطور عن قرد، فمن الذى خلق القرد؟ وهل تطورت النملة وصارت فيل؟ وهل تحول القمر إلى شمس؟ وهل تطورت الموزة إلى تفاحة وهل تحول الأكسجين إلى نيتروجين. الخلق خلقه، والعبد عبده، والحلال ما أحل، والحرام ما حرم، والدين ما شرع، {هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ} [لقمان من الآية:11] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ . مَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ} [الحج:73-74].
لا صدفه فى الوجود، وكل شئ عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.
هل قرأتم عن أوزان المعادن؟ وعن الهرمونات؟ وعن النيترونات والالكترونات؟ وعن تركيب العين والأذن؟ وعن الخلايا العصبية؟ وتركيب الجلد؟ وماذا لو اختلت نسب الهواء فى الجو المحيط بك؟
رابعاً: قد تجد بعض صور الانحراف والقصور والضعف في واقع المسلمين، وقد تجد مثل ذلك أيضًا في واقع الكفرة والملحدين، راجع قيام ما يسمى بالحضارات وسقوطها هنا وهناك، قديمًا وحديثًا، فمحاكم التفتيش وحال الشيوعية في الصين وروسيا والإذلال والقهر والتسلط والحروب والبؤس وما فعله الصليبيون والتتر وجثو الناس على الركب أمام تمثال العذراء في أوروبا وطواف الملاحدة الروس حول قبر "لنن" وادعاء الفرعون للربوبية والألوهية قديمًا وحالة المصريين معه وبذاءة وجهالة وضحالة وتناقد ملاحدة العصر وتهافت الليبراليين المعاصريين ومحاكمة من أنكر السامية أو سب الملكة أو خرج على دستور البلاد، بينما يتم السماح بسب الإسلام والدين والنبي والصحابة، تناقض وتهافت وهو يعبر عن الثمار الخبيثة للكفر والإلحاد.
وما يعيشه هؤلاء من تقدم مادي أو بناء مسلات وأهرامات لا يجعلنا ننبهر {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].
انظر لنسب الانتحار في النرويج والدنمارك وامتلاء المصحات النفسية بالنزلاء {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج من الآية:31].
وفي المقابل فإن الإسلام يدعو إلى الأخذ بأسباب القوة والتقدم في كل نواحي الحياة، وإقامة حضارة على منهاج النبوة، والمعاملات الأصل فيها الإباحة إذا روعيت ضوابطها الكلية، فلا مانع من صنع الصاروخ والطائرة، والطب والهندسة والزراعة من فروض الكفاية.. وأخذ العلوم النافعة من كل من أفلح فيها لا حرج فيه.
أما علوم الهداية فلا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة، فإذا انحرف المسلمون عن منهج ربهم وعن دينهم الذي رضيه لهم كان الضعف والشقاء وتسلط الأعداء {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه:124] فالفارق كما بين السماء والأرض بين المنهج الرباني والمناهج الوضعية الكفرية الإلحادية.
خامساً: لا بد من التفريق بين الإسلام كدين والمسلمين كواقع، ولا يقدح ولا يطعن في الإسلام ما يفعله بعض المسلمين هنا وهناك قديمًا وحديثًا، والسهام التي توجه إلى الصحابة وإلى القرآن والسنة والخلفاء.. كل ذلك مردود على صاحبه كائنًا من كان، فالقرآن محفوظ، حفظته الصدور والسطور، ونُقل لنا نقلاً متواترًا {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
والسنة محفوظة، وقد ميز العلماء لنا بين الصحيح والضعيف، ولما قيل لابن المبارك: "ما بال هذه الأحاديث الموضوعة؟" قال: "تعيش لها الجهابذة".
والدين مبني على الكتاب والسنة، وكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل ستجد التقديس لكلمات ونظريات وتجارب البشر مع سفورها وتباينها وتناقضها ونقص وعوار أهلها، بشر يستعبد البشر ويشرع للبشر، ويتكلمون على الحرية ويرسفون في أغلال العبودية المقيتة لا يملكون إلا الشعارات والهتافات الجوفاء، ونحن لا نقبل محاولات التشويه والتشكيك والإساءة التى يمارسها أعداء الإسلام لإقامة الحواجز بين الإسلام وبين من يرغب في التزامه والدخول فيه.
ولا داعي لنقل نعرات مثل: "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، فحال الكنيسة والقساوسة في الغرب لا يصح أن يستدل به لصرف المسلمين عن دينهم.
ومن أراد فهم الكتاب والسنة فعليه أن يرجع لمثل ما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، وينظر للشرع بمنظار العلماء المعتبرين وأهل الفضل من القرون الخيرية الثلاثة، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ} [آل عمران من الآية:110] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم» (صحيح الترمذي [2302]) وقال ابن مسعود عن الصحابة الكرام "كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفا" فعلى الجميع أن يلزم حده ويعرف قدره.
سادساً: تحدى القرآن الإنس والجن مجتمعين ومنفردين عبر العصور وكر الدهور بأن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بسورة من مثله أو بعشر سور منه أو بحديث مثله، والعرب أهل الفصاحة والبلاغة فلم يستطيعوا مواجهة التحدى، وقيل لهم {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24] فالعجز ثابت لهم في الماضى والحاضر والمستقبل، رغم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أميا، وقال تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] بل لو كان عالمًا ويقرأ ويكتب لما استطاع مواجهة التحدي، فالبشرية كلها أشبه بأطفال يلعبون بساحل البحر وهم يجهلون أعماقه، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، وقد اشتمل القرآن على كل صنوف الإعجاز العلمي والحكمي والتشريعي والبلاغي والطبي والفلكي.. وتضمن إشارات عن الأرض والنبات والسحاب والبحار والأجنة والكثير من الحقائق العلمية التى يعدها العلماء اكتشافات عصرية وكانت سبباً في إسلام الكثيرين من العلماء والمشاهير مثل: قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:12-14].
وقوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور:40] وقوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} [النبأ:19] وقوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ . لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:38-40] وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [أنبياء:30] وقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ . وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة:75-76] وقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ} [النساء من الآية:56] وقوله: {بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4].
مؤتمرات وكتب الإعجاز والإرشادات وأسباب الدخول في دين الله وإسلام الوجه لله كثيرة جداً، فحاول أن تقرأ المصحف من أوله إلى آخره، وأن تطالع وتتابع بعض ما جاء من صور الإعجاز، فلا تتصور حياة حقيقية بلا إيمان.
سابعاً: القرآن الكريم هو أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معجزة باقية بين أيدينا، والتحدي مازال قائمًا، وجهالة العلماء وضحالة العلم مازالت واضحة، ويعجز البشر عن مواجهة التحدي، ثبت الإعجاز بكتاب الله، والنبي صلى الله عليه وسلم معجزاته كثيرة وعديدة، تخطت معجزات جميع الأنبياء السابقين، بل لا تثبت نبوة نبي إلا من طريق الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخبره مذكور في الكتب السابقة: حوالي مائة وخمسون بشارة فيها دعوته وشاملة لصفاته ومبعثه ومهجره..
فهو كما يحكي عبد الله بن سلام الحبر اليهودى الذي أسلم "لا يأكل الصدقة ويقبل الهدية وبين كتفيه خاتم النبوة ووجهه ليس بوجه كذاب".
ووُصف في الجاهلية بالصادق الأمين، وكما قال هرقل لأبى سفيان وهو يطرح عليه الأسئلة العشرة: "ما كان ليذر الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله" وذلك عندما سأله: "هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل ذلك؟" وكان كافرًا يومئذ: "لا".
فأخلاقه ودعواته المستجابة وإخباره بالكثير من الأمور الغيبية التي أطلعه الوحى عليها مثل: امتلاك قصور كسرى وقيصر وإنفاق كنوزهما في سبيل الله، وحديثه عن كثرة الزلازل وفشو الربا والزنا وفتح روما والقسطنطينية وتقارب الزمان والأسواق وتطاول الناس في البنيان والحديث عن الحبة السوداء وماء زمزم وحديث الذبابة وحديثه عن الكاسيات العاريات ورجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس والحديث عن الخوارج ومصرع جبابرة قريش في غزوة بدر ومقتل أمية وأبي بن خلف وأن قزمان من أهل النار وأن فاطمة أول أهله لحوقًا به وأن زينب رضي الله عنها أسرع أزواجه لحوقًا به وأن الحسن سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين..
والأخبار كثيرة جدًا لا يتسع المقال لذكرها، فعليك بالرجوع لكتب السير ودلائل النبوة فكل الطرق مسدودة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم.
وفي كتاب العظماء مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي ترجمه أنيس مصور تقديم للنبي صلى الله عليه وسلم على كافة العظماء مثل أنشتين وإديسون وبيتهوفن..
وهذا الكتاب يحتاج الى تصحيح، فالعظمة عظمة النبوة والرسالة، ولا يصح تقديم أمثال أينيشتين على نبي الله موسى ولا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتقديم والتأخير على ما جاء في الشرع، وأفضل الناس أولي العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأعظمهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بقية المرسلين ثم بقية النبيين، ثم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر العشرة المبشرين بالجنة، وكل صحابي أفضل من كل من جاء بعده و يكفيهم شرف الصحبة.
ثامناً: كما فرقنا بين الإسلام كدين والمسلمين كواقع نفرق أيضًا بين ابن سينا الطبيب وابن سينا الفيلسوف، فنقبل طبه ولا نقبل فلسفته، وقس على ذلك بقية الفلاسفة المسلمين كالكندي والفارابي، وقد صرح كثير من هؤلاء الفلاسفة حال موته بأنه يموت على عقيدة العجائز، أو على عقيدة أمه، وقال الرازي: "إقدام العقول عقال، ومعظم سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا، وما جنينا طول العمر إلا قيل وقال".
وكذلك فنحن لا نقبل إسلام غلاة وملاحدة الصوفية كابن عربي وابن سبعين والحلاج وابن الفارض، ولا نقبل إسلام الشيعة المبني على سب الصحابة والادعاء بعصمة الأئمة، ولا يصح تقديم العقل على النقل، أي على نصوص الكتاب والسنة، لا نقبل إلا إسلام الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وأئمة الدين العدول، لا بد من الرجوع لمثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، لا نقبل هذا الفصل المريب بين العلم والعمل، فالعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.
لا نقبل الفصل بين بعض الساعات وبعض، فهذا منطق أهل الجاهلية كانوا يقولون: اليوم خمر وغداً أمر، ونحن نقول اليوم ساعة لقلبك وساعة لربك.
لا نقبل الفصل بين الرجال، فهؤلاء رجال الدين وهؤلاء رجال الدولة، عندنا علماء وولاة أمر يحكمون بشرع الله، والحكم موضوع لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، لا فصل بين الأرض والسماء، فالأرض تحكم بوحي السماء، ولا فصل بين الدنيا والآخرة، فالحياة ممتدة زمانًا ومكانًا، زمانًا إلى أبد الآبدين، ومكاناً لجنة عرضها كعرض السماء والأرض.
لا فصل بين الدين والدولة، فالدين شامل لكل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية، وما يتعلق بالحرب وما يتعلق بالسلم..
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163] وقال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ} [المائدة من الآية:3].
تاسعاً: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف من الآية:54] فالكون كله ملك لله والبشرية لا تستطيع إيجاد ذرة من العدم، يفسرون الماء بعد العسر بالماء، وخلقك والكون من حولك يدل على عظمة الخالق واتصافه بصفات الكمال ونعوت الجمال وأنه المستحق وحده دون سواه العبادة والتشريع والحكم {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر من الآية:2] {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف من الآية:40].
ولم تكن مشكلة الأمم في إنكار وجود الله وإنما في صرف العبادة لغير الله، فشبهوا الخالق بالمخلوقين، وجعلوا مع الله آلهة أخرى، ولذلك فما من نبي إلا قال: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف من الآية:59] {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ } [النحل من الآية:36].
وقد بدأت البشرية بنبى مكلم هو آدم عليه السلام، أي بدرجة من أعلى درجات الهداية، وكانت عشرة قرون بين آدم ونوح على التوحيد الخالص ثم طرأ الشرك في قوم نوح {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:23] ثم تتابع إرسال الرسل {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر من الآية:24] {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ} [النساء من الآية:165] فلم تتطور العقيدة، وإن الدين عند الله الاسلام، وشريعتنا حاكمة ومهيمنة على سائر الشرائع السابقة، ولم يكن "أخناتون" أول من دعا بدعوة التوحيد و قد دعا بتوحيد عبادة الكواكب.
عاشراً: القرآن فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم وهو الصراط المستقيم والذكر الحكيم، من عمل به أُجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم،لا تشبع منه العلماء ولاتزيغ به الأهواء، ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا.
وما ورد فيه من مناظرات مثل مناظرة موسى مع الفرعون، وإبراهيم مع النمرود، ودعوة القرآن من مشركين وعبدة الكواكب والآيات الكثير في الخلق والقدرة، وما اصطلح عليه بتوحيد الربوبية أي الخلق والرزق والإحياء والإماتة هو بمثابة أمر واجب مركوز في الفطر والعقول السليمة، وهو مقدمة تقود إلى نتيجة هي توحيد الله وإفراد الله بالعبادة.
وما يسمى بتوحيد الألوهية وهو الذي ركز العلماء عليه في كتبهم ولم يتكلم بعضهم في مسألة وجود الله لاعتبارها موضع إقرار من البشر، بل والجن والإنس قديمًا وحديثًا، لا تحتمل عناء الإثبات، بل هذا الإقرار لا يكفي حتى يقر بتوحيد الله جل وعلا، أي توحيد الألوهية.
ولذلك نقول للملاحدة أسلموا وجوهكم لله، وادخلوا في السلم كافة من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، آمنوا بالله واتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
حبي للخير لكم يجعلني أدعوكم للإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، حلوه ومره، اغتسلوا غسل الإسلام وانطقوا بالشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وحجوا البيت إن استطعتم إليه سبيلاً.
توبوا إلى ربكم توبة نصوحًا، واستقيموا يرحمكم الله، والسلام على من اتبع الهدى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.