الإمام أحمد: وحده حمل اللواء

منذ 2017-01-14

كانت الأمة على عقيدة صافية قائمة على الاتباع الخالص للكتاب والسنة المطهرة حتى ظهرت الفرق بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وتنوعت ضلالاتها.

فتنةٌ عظيمة ومحنةٌ وقعت فيها الأمة كادت أن تشوه عقيدة الأمة كلها، استغرقت عهودًا ثلاثة من الخلفاء العباسيين وتسبب فيها علماء المعتزلة الحاقدين.
ملخصها في رأيي: عالمٌ رباني عرف بطبيعته اللينة المتسامحة لما رأى شرع الله ينتهك غيّر من طبيعته وتحول وحده إلى أسدٍ من أسد الله يحمل وحده راية الحق حتى نصرها أمام الدنيا ولو لم يفعل لتشوهت عقيدة المسلمين إلى قيام الساعة. 
والمشهد الآن يتضمن:
1- علماء ضُلال: علماء المعتزلة يتقدمهم أحمد بن أبي دؤاد، يتقربون من أولى السلطان ويداهنوهم ليضمن هؤلاء مقعدهم من جهةٍ ومن أخرى يضمن الخلفاء لعلماء الضلال  نشر ضلالهم، تنبيه: كان هؤلاء أمام عامة الناس علماء ولهم هيبة العلم وشيوع الذكر.
2- خلفاء رغم فتوحاتهم إلا أنهم جهال بعقيدتهم انبهروا بكلام المعتزلة وتحالفوا معهم على علماء الأمة الربانيين مثل أحمد بن حنبل ومن على شاكلته.
3- علماء ربانيون يحملون لواء الكتاب والسنة يتقدمهم أحمد ابن حنبل الذي أصر على الدفاع عن صفات الله وعدم تحريفها رغم لمعة السيف أمام عينيه، (بالرغم من طبيعته اللينة المتسامحة التي عرف بها قبل المحنة) بينما خضع أو صمت أو استخدم المداراة باقي العلماء خوفاً ورهباً.
4- جماهير تشاهد ما يحدث ومعظمها مع السلطان وأهل الباطل، وآخرون قلة يتبعون علماء الحق يتمنون ظهوره على أيديهم.
المحنة:
كانت الأمة على عقيدة صافية  قائمة على الاتباع الخالص للكتاب والسنة المطهرة حتى ظهرت الفرق بعد مقتل عثمان رضي الله عنه  وتنوعت ضلالاتها  ومن تلك الفرق كانت المعتزلة والتي كان مقدمها بشر المريسي الذي حكم عليه هارون الرشيد رحمه الله بالقتل "حتى ولي المأمون العباسي وكان محبًا للعلوم العقلية وكلام الفلاسفة الأوائل، فبنى دارًا لترجمة كتب فلاسفة اليونان وأسماها بيت الحكمة، فأخذت أفاعي البدع تخرج من جحورها وأخذت في التسلل بنعومة إلى بلاط المأمون ثم التفت حول عقله ولعبت به ونفثت سموم الاعتزال في رأسه، ونفق عليه رجال من عينة بشر المريسي الذي كان هاربًا أيام أبيه الرشيد الذي كان يتطلبه بشدة ليقتله ببدعته، وأحمد بن أبي دؤاد رأس الفتنة ومسعرها، وأبي الهذيل العلاف وثمامة بن أشرس وغيرهم، حتى مال المأمون لقولهم واعتنق مذهب الاعتزال والذي يقوم على عدة أصول وهي:
1ـ نفي الصفات وتعطيلها، وأبرز معالم نفي الصفات القول بأن القرآن مخلوق.
2ـ نفي القدر وأن العباد هم خالقو أفعالهم.
3ـ القول بالمنزلة بين المنزلتين بالنسبة لمرتكب الكبيرة.
4ـ الوعد والوعيد، ومعناه تخليد مرتكب الكبيرة في النار وإيجاب دخول المؤمن الجنة على الله.
5ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعناه الخروج على ولاة الأمور بالسلاح " شريف عبد العزيز : سلسلة ترويض المحن1.

اعتقد المأمون عقيدتهم الفاسدة دون أن يجبر عليها أحد من العامة أو العلماء حتى ألح عليه  ابن أبي دؤاد ومن معه في فرضها على الناس وليس ذلك فحسب بل إجبار العلماء على القول بها وتهديدهم بقطع الأرزاق والسجن والنفي وظل يلح حتى أمر المأمون صاحب شرطته أن يقتاد العلماء ويمتحنهم.
تحت وقع التهديد الجاد قال كثير من العلماء بخلق القرآن واستسلموا تحت التهديد قهراً ..
"حتى أجاب كل العلماء ما عدا أربعة: أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، والقواريري، وسجَّادة، فقام إسحاق بحبسهم وتهديدهم بالضرب والحبس، فأجاب سجَّادة والقواريري فخرجا من السجن وبقي أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح، فأرسل بخبرهما إسحاق إلى الخليفة المأمون الذي استشاط غضبًا وأمر بحملهما مقيدين زميلين إلى طرسوس، وقد أقسم ليقتلهما بيده إذا لم يجيبا في هذه الفتنة، بل أشهر سيفًا ووضعه بجانبه استعدادًا لقتلهما إذا أصرا على الرفض." شريف عبد العزيز : سلسلة ترويض المحن 1 .
وفي الطريق التزم أحمد بالدعاء وخاصةً وقت السحر حتى أصاب دعاءه المأمون فمات قبل أن يصل أحمد إلى طرطوس.
وبعد موت المأمون انفرد أحمد بحمل الراية حيث مات محمد بن نوح في سجنه ثابتاً على الحق ولم تلن لأحمد قناة نصرة لدينه بعد أن أكمل المعتصم مسيرة أخيه بل أمر بعودة أحمد إلى بغداد وسجنه في سجن مظلم ثلاثين شهراً يرسل خلالها علماء الضلال ليناظروه وهو ثابت على دينه معلنٌ لعقيدة أهل الحق دون أي انكسار .
ناظروه ثلاثة أيام متصلة وهو ثابت على الحق يجيبهم بكتاب الله وسنة رسول الله وهم يجيبونه بأقوال الفلاسفة حتى غلبهم في الرابع فلم يجدوا بُداً من زيادة الوقيعة بينه وبين المعتصم الذي بدأت تأخذه الشفقة بأحمد فقال له بن أبي دؤاد: يقولون غلب خليفتين، فأمر بزيادة الضرب والعقاب حتى خلعت يداه وهو ثابت حتى أن المعتصم طلب منه مجرد كلمة يقولها لينقذ نفسه من يده فلم يجبه الإمام فأخذوا في ضربه حتى أغمي عليه من شدة الضرب وتمزق ظهره.
بعدها أطلق سراحه ...والعجيب أن الإمام أحمد جعله في حل مما صنع به بعد فتح المعتصم لعمورية.
وبعد وفاة المعتصم وكان أحمد قد تماثل للشفاء تولى الخلافة ابنه الواثق تلميذ أحمد بن أبي دؤاد الذي نشر هذه العقيدة الفاسدة في الناس حتى كان يفرق بين الرجل وزوجه إن قال بغير مذهبهم ويترك أسرى المسلمين الذين لا يقولون بقولهم في  أسر الروم بلا فداء.
" وقد أمر هذا الخبيث بنفي الإمام أحمد من بغداد وأرسل إليه يقول: «لا يجتمعن إليك أحد ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها»، فخرج الإمام من بيته واختباْ بدار أحد تلاميذه عدة أيام، ثم انتقل إلى موضع آخر فمكث فيه عدة شهور حتى هدأ الطلب عليه، ثم تحول إلى مكان آخر وظل هكذا لا يستطيع أن يخرج إلى صلاة ولا إلى مجلس علم وتحديث حتى هلك الواثق العباسي سنة 231هـ، فخرج الإمام للناس وجلس للتحدث، وذلك أن المتوكل الذي ولي بعد الواثق كان على مذهب أهل السنة وقد أمر برفع البدعة وإظهار السنة، وأيضًا لم يسلم الإمام من الفتنة أيام المتوكل ولكنها كانت فتنة بالسراء ليس بالضراء، ذلك أن المتوكل قد أفاض عليه بالأموال والعطايا الجزيلة وحاول استمالته ليسكن مدينة سامراء ويترك بغداد، وأن يتولى تعليم وتأديب ولده «المعتز» ولكن الإمام رفض ذلك بشدة وعانى بسبب هذا الرفض معاناة شديدة" شريف عبد العزيز: سلسلة ترويض المحن 1.
خلاصة:
ما أروع الثبات على حمل الراية وإنقاذ عقيدة أمة بأكملها على يد عالم رباني دافع كالأسد الهصور عن دين الله وفي رأيي أن الأصعب في الاختبار أن هذا الأسد كان ذا طبيعة لينة سهلة مما تطلب منه مجاهدة مضاعفة ليتحمل هذا العناء وفي النهاية تحقق النصر وثبت الحق.
وسؤالي: في ظل ما نراه من محن تحاول اجتثاث العقيدة من أصلها ترى أين نحن من أحمد بن حنبل رضي الله عنه وقدس روحه .

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 0
  • 9,093

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً