ظاهرة الاقتتال الإسلامي/الإسلامي

منذ 2017-01-27

خبط الرأس في الصخر هو والاقتتال بالسلاح بين المسلمين وبعضهم البعض سيان.

تثير أحداث اقتتال عدد من الفصائل والحركات الإسلامية في سوريا هذه الأيام مسألةً غايةً في الأهمية وهي: كيف يدير المسلمون بعامة والحركات الإسلامية بخاصة خلافاتهم؟؟
لأن ظاهرة الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هذه تكررت وبشكلٍ خطير في العصر الحديث، فاقتتلت فصائلٌ مسماة بالإسلامية في أفغانستان بعدما انتصروا على الاحتلال الروسي وتحولت أفراح النصر إلى بحورٍ من دماء الشعب الأفغاني، وعاشت أفغانستان حالةً من الفتن المسلحة وسفك الدماء لعدة سنوات إلى أن تشكلت حركة طالبان وقهرت جميع الأطراف وحكمت أفغانستان كدولةٍ واحدة (تقريبًا) لكن لم تعترف بها أي دولةٍ في العالم سوى باكستان والسعودية، إلى أن داهمها الغزو الأمريكي بنهاية عام 2001 فقضى عليها ونَصَب نظامًا عميلًا له هناك.
واقتتل الإسلاميون المختلفون أيضًا في الصومال حيث جرت بحورٌ من دم بين "المحاكم الإسلامية" التي حكمت الصومال لفترةٍ وبين حركة "الشباب المجاهدين".
وتكرر ويتكرر مشهد صراعات الإسلاميين في كل مكان بالعالم بأشكالٍ شتى فحين يكون هناك سلاحٌ يستخدم السلاح وعندما لا يكون هناك سلاح فهناك أساليبٌ لا تقل في فداحة ضررها عن السلاح مثل التشهير وإطلاق التهم الباطلة ومثل إبلاغ أجهزةٍ معاديةٍ بأن الشخص أو الجهة هذه أو تلك هي إرهابيةٌ أو متطرفة ومثل الصمت عن ذبح فصيلٍ إسلامى ما بدعوى أنه إرهابي أو متطرف وفي كثير من الأحيان جرى الإعلان عن تأييد هذا الذبح وفي بعض الأحيان جرت المشاركة في الذبح ووصل الأمر فى حالات أخرى لمشاركة جهاتٍ لا خلاف في عدم إسلامها وعدواتها للإسلام وللأمة الإسلامية (مثل أمريكا والناتو) في غزو دولٍ إسلامية كأفغانستان والعراق وغيرها أو إطلاق الفتاوى بوجوب أو جواز مشاركتها في العدوان على المسلمين.
فهل معنى هذا أن حل الاقتتال الإسلامى/الإسلامى هو أن يفوز فصيلٌ على الجميع ويقهرهم ويمنع اقتتالهم؟؟
وبتعبير أكثر تجريدًا وتعميمًا: هل خلافات المسلمين وبالأخص الحركات الاسلامية لا تحسم إلا بالقتال ولا ينتهي اقتتالهم وسفكهم للدماء إلا بانتصار أحد الفصائل وهيمنتها على الباقين بقوة السلاح؟؟  
لا نجد بالدراسات المنشورة (في حد علمي) دراسةً علميةً موضوعية محايدة لهذه الظاهرة وتصور علمي شرعي لسبل حل هذه الأزمة، وكل الذي نجده (في حدود ما اطلعت عليه) دراساتٌ وكتاباتٌ تعميمية عن أدب الخلاف وفِقه الخلاف والحوار والتعدد والتنوع الفقهي ونحو ذلك، وهذا سببه أمران:
الأول-اعتلاء أشخاصٍ لايهتمون بالعلم ولا الموضوعية لمناصب القيادة والتأثير والتوجيه في الحركات الإسلامية بالعالم كله، فهم إما ممن لايعلمون أو أنهم ممن يعلمون عِلمًا غطى على نوره التعصب الحزبي والمذهبي فذهب بفائدته وثمرته فصاروا مثلهم مثل من لا يعلمون في قراراتهم وسلوكهم، وبالتالي فكلا النوعين لا يهتمون بدراسة هذه "الظاهرة/الأزمة" علميًا وإيجاد الحلول العلمية والموضوعية لها.
الثاني-تصميم جميع مفكري وعلماء وكتاب وقادة كافة الحركات الإسلامية القائمة (أو أغلبها) على أن لايروا إلا أنفسهم فهم يعتبرون أن أي جماعةٍ أو شخصٍ من خارج جماعتهم لا يمثل عملًا إسلاميًا ولا يفيد الأمة الإسلامية ويعتبرون مسلكه خاطئٌ ويعطل انتصار العمل الإسلامي (ويقصدون بالعمل الإسلامي ما تقوم به جماعتهم فقط) ويعتبرون أن أي عملٍ يقوم به من سواهم يجر الويلات والانتكاسات على الأمة الإسلامية حتى لو كان هذا العمل هو نفس عملهم إلا أنه لا يرفع رايتهم، ومن هنا فكل فريقٍ لايعترف بأي فريقٍ إسلامي آخر، ولذا كل منهم يرى أنه لا حل إلا بإزاحة الآخرين من الوجود لأنه يرى أنه لامبرر لوجودهم بل ويرى أن وجودهم يعطله.
ومن هنا فالحل يحتاج أن يقوم الباحثون المستقلون عن الجماعات والأحزاب ممن تجردوا من التعصب الحزبي والفكري بدراسة الظاهرة علميًا موضوعيًا في إطار السياسة والاستراتيجية الشرعية، وأن يروجوا هذه الدراسات التي تحمل حلولًا عملية بين شباب المسلمين ليخلقوا رأيًا عامًا ضاغطًا على هذه الجماعات المتحزبة المتعصبة.
كما ينبغي أن يسعى الكتاب والناشطون وأصحاب المنابر بجانب الباحثين والعلماء إلى ترسيخ فكرة أن واقع العمل الإسلامي والحركات الإسلامية هو واقعٌ متعددٌ ومتنوعٌ وأن هذا التعدد والتنوع هو من قبيل المذاهب الفقهية التى يعذر فيها بالتأويل والتي ينبغي التعايش معها فهي لا حل لها لا فكريًا ولا فقهيًا ولا عسكريًا، فجميع أراء العلماء الموجودة حتى الآن بكتب الفقه الموسوعية منذ عهد الصحابة والتابعين وحتى يومنا هذا مازالت موجودة وظلت موجودة وتجد من يتبناها ويدرسها ويعمل بها عبر جميع العصور الإسلامية ولم يتمكن بحثٌ فقهيٌ أو فكريٌ مهما بلغ من قوة أن يزيل رأيًا مخالفًا له من منظومة الفقه الإسلامي فطبيعة الحياة وطبيعة الإسلام تقبل وتتعايش مع التعدد والتنوع وهكذا ازدهرت حضارة المسلمين وسادوا الدنيا لقرونٍ كثيرةٍ متتالية.
وكي نكون صرحاء فنحن نحدد هنا بكل وضوحٍ أن مذاهب العمل الإسلامي الآن هي من قبيل الاجتهاد في السياسة الشرعية التي هي فرعٌ من علم الفقه، وهذه المذاهب الآن تبلورت كالتالي:
- مذهب الفريق الأكبر من الإخوان المسلمين ومن نحا نحوهم فى كل أرجاء العالم ممن يرون أنه لاسبيل لوجود إسلامي إلا بالتعايش مع النظم القائمة بما فيها النظام الدولي الذي تهيمن عليه الآن الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وما تفرع عنه من نظمٍ إقليمية وحكامٍ لدول العالم، ويرون أنه لايجوز مناوئة هذا النظام ولا حمل السلاح ضده.
- مذهب شبكة القاعدة وفروعها المختلفة والتيار العام من "الجهاديين العالميين" الذين يرون أن هذا النظام الدولي هو نظامٌ معادي ومحارب للإسلام والمسلمين ولا سبيل لنهضة الأمة إلا بتحطيمه عبر الدخول في حربٍ دائمةٍ مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو حتى ولو لم تمتلك إمكانات وموارد ذات بال اقتصادية أو تسليحية أو سياسية.
- مذهب الإسلاميين القُطريين (ومنهم انبثقوا عن الإخوان ومنهم جهاديون) الذين رأوا أنهم لو ساروا على نهج المذهب الأول (مذهب الإخوان) فلن يقيموا دولةً أو لن يحققوا أي من أهدافهم لأن النظام الدولي لن يسمح لهم بذلك، وأنهم لو سلكوا مسلك مذهب القاعدة فإن النظام الدولي والإقليمي سيسحقهم لضعفهم وقلة مواردهم ومن هنا تولد مذهبهم القائم على إقامة دولةٍ إسلاميةٍ قُطرية ليس لها أهداف أو شعارات دولية ولا حتى إقليمية معلنة فهم يعلنون أن هدفهم هو إصلاح واقعهم القُطري على النهج الإسلامى وفقط وذلك هروبًا من الدخول في صدامٍ مع قوى دولية او إقليمية، ومثال ذلك الاتجاه متمثل في حركة حماس في غزة وأحرار الشام بسوريا وحركة طالبان أفغانستان منذ نشأتها وحتى الآن بما في ذلك فترة حكمها لأفغانستان كدولةٍ حتى بداية الغزو الأمريكي عام 2001، وهناك قُوى إسلامية مشابهة عدة في أماكن أخرى، وهم يرون أنهم وإن كان النظام الدولي والنظم الإقليمية لم يتغاضوا عنهم وعارضوهم معارضات شتى إلا أن هذه المعارضات هي أقل من معارضتهم لشبكة القاعدة ويعتبرون أن هذا يثبت صحة مذهبهم القُطري هذا.
- مذهب الإسلاميين الدعويين وهؤلاء يرون أن الانغماس في أي عملٍ سياسي سيجر عليهم متاعب تعرقل عملهم الدعوي (وهو عملٌ دعويٌ وخيريٌ وعلميٌ ونحوه) كما أنه سيجبرهم على تبنى إما تملق النظام الدولي والإقليمي والمحلي وهو ما قد يتحرجون منه شرعًا، وإما معارضة هذه النظم وهو ما سيؤدي لنهايتهم بحسب رأيهم فالأسلم لهم (بحسب مذهبهم هذا) هو البعد عن السياسة والانشغال بالعمل الدعوي، وهؤلاء مثل جماعات التبليغ والدعوة وجمعيات إسلامية كثيرة بكافة أنحاء العالم لها أسماءٌ شتى مثل أنصار السنة المحمدية بمصر والسودان والجمعية الشرعية بمصر وغير ذلك.
وكل مذهب من هذه الأربعة له تفريعات شتى.
ولكن بداية الحل هو أن نعترف أن كل مذهبٍ من هذه المذاهب هو مذهبٌ إسلاميٌ نشأ وسيستمر موجودًا بالواقع بشكل أو بآخر سواء قلنا بصحته أو جزمنا بخطأه، وأنه لا مناص من التعامل معه تعاملًا يحقق مصالح الأمة الإسلامية ودين الإسلام ولا سبيل لتصفيته وجوديًا وإزالته نهائيًا من الواقع، لأن هذا الاعتراف والتعامل بالتعايش وبشكل من أشكال التعاون هو السبيل الذى سار عليه المسلمون في أزمنة عزهم ومجدهم وهذا هو الواقع الذي لن يتغير حتى لو خبطنا رأسنا في الصخر، وخبط الرأس في الصخر هو والاقتتال  بالسلاح بين المسلمين وبعضهم البعض سيان.
وصدق الشاعر:
                                     كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها.... فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 1
  • 0
  • 2,362

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً