دورة علمية ميسرة - الحلقة (16): أحكام المسح على الخفين ونواقض الوضوء
مختصر الحديث حول أحكام المسح على الخفين، ونواقض الوضوء.
في أحكام المسح على الخفين
مسح الخفين أو ما يقوم مقامهما من الجوربين والاكتفاء به عن غسل الرجلين؛ فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة المستفيضة المتواترة في مسحه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، وأمره بذلك، وترخيصه فيه.
قال الحسن: "حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين"، وقال النووي: "روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة".
ومدة المسح على الخفين بالنسبة للمقيم ومن سفره لا يبيح له القصر يوم وليلة، وبالنسبة لمسافر سفرًا يبيح له القصر ثلاثة أيام بلياليها؛ رواه مسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة
وابتداء المدة في الحالتين يكون من أول مسحة على الخفين بعد اللبس.
شروط المسح على الخفين ونحوهما:
1- يشترط للمسح على الخفين وما يقوم مقامهما من الجوارب ونحوها أن يكون الإنسان حال لبسهما على طهارة من الحدث؛ لما في (الصحيحين) وغيرهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما أراد نزع خفيه وهو يتوضأ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، وحديث: (أمرنا أن نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ). وهذا واضح الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس للخفين، فلو كان حال لبسهما محدثا؛ لم يجز المسح عليهما.
2- ويشترط أن يكون الخف ونحوه مباحًا، فإن كان مغصوبًا أو حريرًا بالنسبة للرجل؛ لم يجز المسح عليه؛ لأن المحرم لا تستباح به الرخصة.
3- ويشترط أن يكون الخف ونحوه ساترًا للرجل؛ فلا يمسح عليه إذا لم يكن ضافيًا مغطيًا لما يجب غسله؛ بأن كان نازلًا عن الكعب.
ويمسح على ما يقوم مقام الخفين؛ فيجوز المسح على الجورب الصفيق الذي يستر الرجل من صوف أو غيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (مسح على الجوربين والنعلين)، رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي، ويستمر المسح عليه إلى تمام المدة؛ دون ما يلبس فوقه من خف أو نعل ونحوه، ولا تأثير لتكرار خلعه ولبسه إذا كان قد بدأ المسح على الجورب.
وصفة المسح على الخفين أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثم يمرهما إلى ساقه، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، ويفرج أصابعه إذا مسح، ولا يكرر المسح. وفقنا الله جميعًا للعلم النافع والعمل الصالح.
ويجوز المسح على العمامة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على العمامة بأحاديث أخرجها غير واحد من الأئمة، وقال عمر: "من لم يطهره المسح على العمامة، فلا طهره الله".
ويجوز المسح على الجبيرة ونحوها في الحدث الأصغر والأكبر، وليس للمسح عليها وقت محدد، بل يمسح عليها إلى نزعها أو برء ما تحتها؛ لأن مسحها لأجل الضرورة إليها، فيتقدر بقدر الضرورة.
والدليل على مسح الجبيرة حديث جابر رضي الله عنه؛ قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل، فمات، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أخبر بذلك، فقال: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا» (رواه أبو داود [336]، وابن ماجه [572]، وصححها ابن السكن).
بيان نواقض الوضوء
1- الخارج من سبيل، أي: من مخرج البول والغائط، والخارج من السبيل إما أن يكون بولًا أو منيًا أو مذيًا أو دم استحاضة أو غائطًا أو ريحًا.
فإن كان الخارج بولًا أو غائطًا، فهو ناقض للوضوء بالنص والإجماع، قال تعالى في موجبات الوضوء: { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [النساء من الآية:43]، وإن كان منيا أو مذيا، فهو ينقض الوضوء بدلالة الأحاديث الصحيحة، وهي الإجماع على ذلك ابن المنذر وغيره.
وكذا ينقض خروج دم الاستحاضة، وهو دم فساد، لا دم حيض؛ لحديث فاطمة بنت أبي حبيش؛ أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي، فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ». رواه أبو داود: [286]، والدارقطني: [789]، وقال: إسناده كلهم ثقات.
وكذا ينقض الوضوء خروج الريح بدلالة الأحاديث الصحيحة وبالإجماع، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»، وقال صلى الله عليه وسلم فيمن شك هل خرج منه ريح أو لا: « فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».
وأما الخارج من البدن من غير السبيلين كالدم والقيء والرعاف؛ فموضع خلاف بين أهل العلم، هل ينقض الوضوء أو لا ينقضه؟ على قولين، والراجح أنه لا ينقض.
2- من النواقض زوال العقل أو تغطيته، وزوال العقل يكون بالجنون ونحوه؛ وتغطيته تكون بالنوم أو الإغماء ونحوهما.
3- من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل سواء كان قليلًا أو كثيرًا، لصحة الحديث فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصراحته. قال الإمام أحمد رحمه الله: فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما أكل اللحم من غير الإبل فلا ينقض الوضوء.
وهناك أشياء قد اختلف العلماء فيها؛ هل تنقض الوضوء أو لا؟ وهي: مس الذكر، ومس المرأة بشهوة، وتغسيل الميت، والردة عن الإسلام، فإن العلماء من قال: إن كل واحد من هذه الأشياء ينقض الوضوء، ومنهم من قال: لا ينقض، والمسألة محل نظر واجتهاد، لكن لو توضأ من هذه الأشياء خروجًا من الخلاف؛ لكان أحسن.
حكم الشاك في وضوئه:
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا». فدل هذا الحديث الشريف وما جاء بمعناه على أن المسلم إذا تيقن الطهارة وشك في انتقاضها؛ أنه يبقى على الطهارة؛ لأنها الأصل، ولأنها متيقنة، وحصول الناقض مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك.
وهذه قاعدة عظيمة عامة في جميع الأشياء؛ أنها تبقى على أصولها حتى يتيقن خلافها، وكذلك العكس، فإذا تيقن الحدث وشك في الطهارة؛ فإنه يتوضأ؛ لأن الأصل بقاء الحدث؛ فلا يرتفع بالشك.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مختصر بتصرف من كتاب الملخص الفقهي للعلامة صالح الفوزان
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: