مع القرآن - "سَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا"

منذ 2017-02-13

أنزل الهدى والحق كما أنزل الماء ليسيل الهدى والنور في أودية القلوب كما يسيل الماء في أودية الأرض

أنزل الهدى والحق كما أنزل الماء ليسيل الهدى والنور في أودية القلوب كما يسيل الماء في أودية الأرض، فمنها ما ينبت وتزداد بركته ويزداد خيره ويفيض ومنها غير ذلك وأما الشهوات ومتاع الدنيا فإما هي رغوةٌ لا قيمة لها تطفو دون أن يعيرها عابر أي اهتمام وإنما يهتم بشهوات الدنيا ورغوتها من ظن أنه فيها ماكث غير مغادر أو نسي أنه سيغادر يوماً مرغماً.


{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ}   [الرعد: 17].


قال السعدي في تفسيره:

شبّه تعالى الهدى الذي أنزله على رسوله لحياة القلوب والأرواح، بالماء الذي أنزله لحياة الأشباح، وشبّه ما في الهدى من النفع العام الكثير الذي يضطر إليه العباد، بما في المطر من النفع العام الضروري، وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها بالأودية التي تسيل فيها السيول، فواد كبير يسع ماء كثيرًا، كقلب كبير يسع علما كثيرًا، ووادٍ صغير يأخذ ماءً قليلاً كقلبٍ صغير، يسع علمًا قليلًا وهكذا.

وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات عند وصول الحق إليها، بالزبد الذي يعلو الماء ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها، وأنها لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له حتى تذهب وتضمحل، ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي والحلية الخالصة.

كذلك الشبهات والشهوات لا يزال القلب يكرهها، ويجاهدها بالبراهين الصادقة، والإرادات الجازمة، حتى تذهب وتضمحل ويبقى القلب خالصا صافيا ليس فيه إلا ما ينفع الناس من العلم بالحق وإيثاره، والرغبة فيه، فالباطل يذهب ويمحقه الحق {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} وقال هنا: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ} ليتضح الحق من الباطل والهدى والضلال.

#مع_القرآن

  • 0
  • 0
  • 3,310
المقال السابق
"قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ"
المقال التالي
اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً