الحرب المذهبية الكبرى (5)

منذ 2017-02-18

سيناريو الصِدام الإقليمي المذهبي المتصور؛ بعضه واقعٌ وبعضه متوقع

سيناريو الصدام
كونت أمريكا خلال الأربعين عامًا الماضية؛ عدة تحالفاتٍ عسكرية، كانت كل واحدةٍ منها تستهدف عدوًا لها أرادت التخلص منه بيد غيرها.

التحالف الأول عام 1980كان ضد الاتحاد السوفييتي في عهد (ريجان) بعلة تحرير أفغانستان من الروس؛ والثاني عام 1990بدعوى تحرير الكويت من صدام، والثالث عام 2001 بحجة تحرير أفغانستان من حكومة طالبان، والرابع عام 2003 بزعم تحرير العراق من حزب البعث، والخامس عام 2015 بذريعة تحرير سوريا والعراق ممن أسمتهم أمريكا بـ (الإرهابيين)...وهي تتوجه اليوم نحو تكوين تحالف جديد بعدد من الدول العربية وتركيا ضد إيران، وليس معلومًا لتحرير من..؟ فإيران تحتل بالفعل مناطق واسعة من عدة دول عربية، غضت أمريكا الطرف عنها – مؤقتًا - لأغراضٍ لا تخفى..

التوجه نحو ضرب إيران أخذ في الآونة الأخيرة منحىً خطيرًا، دلت عليه تصريحات ترامب المتكررة باتهامها بأنها "دولة إرهابية"، وأنه لن يكون معها مثلما كان أوباما، بل وصفها وزير دفاعه بأنها " الدولة الإرهابية الأولى في العالم " وتحدثت تقارير دولية متعددة عن عزم أمريكا ضرب مفاعلات إيران النووية عند أول بادرة لخرق الاتفاق النووي مع الغرب، وكان إطلاق طهران لصواريخ بالستية عابرة مداها 2000 كم بعد تسعة أيام من تولي ترامب؛ نقطة تحول جعلته يوجه تحذيرً لها بعواقب وخيمة قائلًا: "إيران تلعب بالنار"! مؤكدًا أن كل الخيارات مفتوحة ضدها ..

كتبتُ منذ أكثر من عام في كتاب (حتى لايستباح الحرم) أقول: " لن تسكت أمريكا ولا دول الغرب على تهديد مصالحها في منطقة الخليج المليئة بالمصالح، ولن يُمِرُّروا خطف إيران لثمرات غزو العراق كلها، ولا محاولاتها الدائبة لاستثمار نتائج الثورات العربية الذاهبة، ولا يمكن أن يتسامحوا معها طويلاً في وضع أيديها على اليمن؛ حيث مضيق باب المندب الذي يتحكم في قناة السويس. ولن يتركوها تمرح حتى تفرح بثروات البترول والغاز الهائلة على الضفاف الشرقية للجزيرة العربية، ولن يبتلع نصارى الروم تسلل الفرس وتسليحهم لحلفائهم في الشام؛ حيث مهَّد المسيح الأول وأرض ميعاد عودته الثانية، أما اليهود فيريدون ضرب الجميع بالجميع..

سيناريو الصِدام الإقليمي المذهبي المتصور؛ بعضه واقعٌ وبعضه متوقع، وخسائر أمريكا من غزوها لأفغانستان ثم العراق؛ لا تدع مجالاً للتخيل بأنها سترتكب مرةً أخرى حماقة التدخل العسكري المباشر بجنودها في الشرق الأوسط اختيارًا وطوعًا- كما أثبتت وقائع أحداث سوريا والعراق في السنوات الأخيرة - ولكن مسارعة الإيرانيين في اختصار المراحل نحو إنجاز مشروعاتهم المناقضة لمصالح الغرب في كل من العراق والشام واليمن ودول الخليج؛ لا تمهل الأمريكيين وحلفاءهم لملاحقة القفزات الإيرانية الجامحة و الطامحة لوضع أيديها على المستطاع من إمكانات ومقدَّرات المنطقة، للانطلاق بها ضمن مشروعها في قفزات نوعية إلى الأمام، كي تحتل موقعًا متقدمًا في عالم ما بعد القطبية الواحدة.

وهنا يبرز سيناريو إسقاط الاتحاد السوفييتي، بمعنى تعمد أمريكا والغرب النفخ في أوار إشعال حرب دينية مذهبية إقليمية، يستنفر فيها السواد الأعظم من المسلمين السُّنَّة في المنطقة والعالم، باسم الدفاع عن الحُرمات والمقدسات (التي يعرفون جيدًا موقف كل المسلمين من وجوب صدّ الخطر عنها في كل الأحوال)، والخطر هنا جاهزٌ ومعلن ومعلوم، فإيران وحلفاؤها لا يمكن التشكيك اليوم في عداوتهم وخطورتهم عندما تنادي أمريكا بمواجهتهم، خاصة بعد أن أعلنوا مخططاتهم التي تستهدف أقدس المقدسات وأكبر الثروات..

ولإشعال عود الثقاب لإلهاب تلك الحرب الإقليمية الطائفية؛ يكفي أن نتصور استدراج إيران كي تقوم هي أو بعض وكلائها في فورة الأحداث المتوقعة بخطوة ما؛ من شأنها أن تهدد بالاقتراب من حِمى الحرمين الشريفين.. ماذا سيحدث حينها؟!.

المتوقع، بل المتيقن وقتها- والعلم عند الله - أن تُستنفر الأمة بشعوبها، من رجالها وشبابها وعوامها وعلمائها، بل ومجاهديها، وبكثير من حكوماتها بمؤسساتها السياسية والعسكرية والدينية والإعلامية لخوض الحرب بالنيابة، وستحاول أمريكا والغرب تكرار الانتصار على عدوهم بنا - كما حدث في حرب الروس في أفغانستان- مستخدمة أرواحنا ودماءنا وأموالنا ومستقبل أجيالنا!".

فلنتابع تداعيات التصعيدات التي تدق طبول الحرب بين معسكري خامنئي وترامب، ولكن مع مراقبة سنن الله القدرية، فقد يوحدون الأمة - بإرادة الله - فيما يخططون.. ويخلصونها من أخطر العقبات - بإذنه – وهم لا يشعرون! فمن تأمل حصاد التحالفات الأمريكية السابقة، وقيَّد نتائج الكيد فيها، سيزداد يقينه بحكمة الله في تلك السُنن التي يقول فيها: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [الزخرف: 79] ويقول: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].

  • 2
  • 0
  • 2,139

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً