المُهِمَّات في صفات القُدُوات من القرآن الكريم " 5 " (41-50)

أيمن الشعبان

برقيات عاجلة، تنير الطريق وترسم المعالم، مستقاة من أخلاق الكبار وصفات العظماء، من الأنبياء والأصفياء، لصناعة وإيجاد قُدوات عملية ونماذج ربانية.

  • التصنيفات: موضوعات متنوعة -

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه همسات تربوية وخواطر قرآنية من هداية كلام رب البرية؛ عبارة عن فوائد وإرشاداتٍ مقتضبة،  ووصايا وتوجيهاتٍ مختصرة، وبرقيات عاجلة، تنير الطريق وترسم المعالم، مستقاة من أخلاق الكبار وصفات العظماء، من الأنبياء والأصفياء، لصناعة وإيجاد قُدوات عملية ونماذج ربانية.

41- مراقبة الله سبحانه وتعالى: في كل قولٍ وعملٍ وقرارٍ وسلوك وخطوة، فقول يوسف لامرأة العزيز (معاذ الله) لفت لنظرها إلى أن البيت وإن خلا من الرقباء؛ فإن عليهما رقيبًا لا يغيب، هو الله سبحانه وتعالى، وجاء في معنى قوله سبحانه {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} [يوسف جزء من الآية:24]، مراقبة الله تعالى ورؤية ربه متجليا له ناظرا إليه[1].

42- التثبت قبل إلقاء التهم: إذ أن القائد الناجح لا ينبغي له الاستعجال وإلقاء التهم دون بينة وبرهان، ولننظر لسليمان عليه السلام مع الهدهد لم يُصدِّقه ولم يكذّبه، وَكَانَ مَوْقِفُهُ  عَلَيْهِ السَّلَامُ -مَوْقِفَ التَّثَبُّتِ مَعَ مَا لَدَيْهِ مِنْ إِمْكَانِيَّاتِ الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ مِنَ الرِّيحِ، وَالطَّيْرِ، وَالْجِنِّ، فَقَالَ لِلْمُخْبِرِ وَهُوَ الْهُدْهُدُ: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [2].

43- استثمار كل الطاقات: فأرسل سليمان لمهمة عظيمة هدهدا، وفيه مؤشر للاستفادة من كل الطاقات والخبرات بعد التأكد من الأهلية لأداء المهمة وتحمل المسؤولية، كما وظَّف ذو القرنين في بناء الردم طاقات القوم فيما يحسنوا قال:{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ }[3]، وقال: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ }[4]، وقال: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [5].

44- الاستفادة من الموارد المتاحة: إذ استخدم ذو القرنين المعادن المتوفرة كالحديد والنحاس في بناء الردم، وحثهم على البحث عنها واستخراجها، قال سبحانه عنه {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [6]، وَالزُّبَرُ: جَمْعُ زُبْرَة، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْهُ[7]، وقال تعالى عن ذي القرنين {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [8]، أي: نحاسا مذابا[9].

45- سرعة الحسم: وعدم ترحيل المشكلة من أبرز صفات القدوة الناجح، حتى لا تتفاقم وتتحول إلى أزمة، فلما تبين لسليمان عليه السلام خطورة كلام الهدهد، كلفه بالمهمة في الحال دون تأخير، قال سبحانه على لسان سليمان {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}.[10]

46- التمسك بالحق أشد من الأتباع: ليكون القدوة أكثر وأول الممتثلين للأحكام والتوجيهات، قال سبحانه موجها موسى عليه السلام بعد أن أخبره أنه كتب له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء؛ ( {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف:145]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُمِرَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ -أَنْ يَأْخُذَ بِأَشَدِّ مَا أَمَرَ قَوْمَهُ. تفسير ابن كثير (3/474).

47- عرض الحق بقوة ووضوح: يستنبط من رد بلقيس على رسالة سليمان ووضوحها وقوتها وروعتها فوصفتها كما قال سبحانه { قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } [11]، ثم قرأت مضمونه الجلي ( {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [12].

48- الرحمة بالخلق: وحب الخير لهم والشفقة عليهم، بعيدا عن الأنانية وحب الذات، ولنتأمل رد فعل القائد الناجح موسى عليه السلام عندما خرق الخضر السفينة، {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا}[13]، فمع شدة الموقف وهوله كان حرصه على غيره أشد رحمة بهم، فلم يقل"لتغرقنا" وصدق الله إذ يقول عن نبينا عليه الصلاة والسلام {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }[14].

49- الشجاعة: في الثبات والجرأة والقدرة على الحسم، فذكر الله سبحانه شجاعة إبراهيم عليه السلام عندما كسَّر الأصنام بقوله {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ}[15]، وأيضا موقف موسى وصدعه بالحق أمام فرعون {وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً} [16]، أي: ممقوتًا، ملقى في العذاب، لك الويل والذم واللعنة.[17]

50- الثبات في المُلمَّات: والشدائد والمواقف الحرجة حتى يكون قدوة لغيره، فهذا خليل الرحمن ثبت أمام أعتى المشركين عندما ألقوه في النار، ونبينا عليه الصلاة والسلام في أصعب وأحلك الظروف يثبُت ويُثَبِّت أبا بكر في الغار،  {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [18].

20- جمادى الأولى – 1438هـ
17/2/2017م

[1]تفسير المراغي (12/128).
[2](النمل:27)، ينظر أضواء البيان (8/229).
[3](الكهف:95).
[4](الكهف:96).
[5](الكهف:96).
[6](الكهف:95).
[7]تفسير ابن كثير (5/196).
[8](الكهف:96).
[9]تفسير السعدي ص486.
[10](النمل:28).
[11](النمل:29).
[12](النمل:30-31).
[13](الكهف:71).
[14](التوبة:128).
[15](الصافات:93).

[16](الإسراء:102).
[17]تفسير السعدي ص467.
[18](التوبة:40).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام