عندما تغيب لغة الحوار بين الزوجين
تثرثر المرأة عندما يكون لديها وقت كبير تقضيه بمفردها، وتعاني من وقت فراغ كبير لا تستثمره في أعمال مفيدة .. هنا يجب التنسيق بين الزوجين على وسائل معينة للاستفادة من وقت الفراغ، بإعداد برنامجاً من النشاطات والأعمال المفيدة التي تساعد الزوجة على الاستفادة من وقتها وتفريغ طاقاتها. ومن الرائع أن يتشاركا في أعمال واحدة يحققان فيها المزيد من التواصل بينهما.
{بسم الله الرحمن الرحيم }
كلما زادت سنوات العشرة بين الزوجين، وكلمات زاد الاقتراب، وكلما عمقت العلاقة .. كلما زادت قدرتهما على التحاور غير المنطوق .. تصبح هناك وسائل أخرى غير الكلام للحوار والتواصل والإحساس، فيصبح كل منهما قادراً على قراءة وجه الآخر، بل من متابعة حركة العين ذاتها يستطيع أن يعرف الكثير عما يدور بخلده. تصبح الابتسامة أكثر تعبيراً وتأثيراً، وكذلك الإيماءة والحركة، وكذلك السلوك التلقائي والسلوك المقصود .. إنها درجات راقية من الاقتراب إلى الحد الذي يصبحان فيه كأنهما شخص واحد. ومنطقياً فإن الإنسان لا يتكلم مع نفسه بصوت مسموع، ولكن الحوار يكون داخلياً بين الإنسان ونفسه، حوارا غير مسموع، وهذا هو ما يحدث بين الزوجين الحبيبين بعد سنوات من الزواج. تصبح حواراتهما غير مسموعة لأنها غير كلامية وغير شفهية.
هناك شيء آخر أكبر يتعلق بالإحساس بين الزوجين. فإحساس كل منهما بالآخر ينمو ويكبر ويعظم إلى الحد الذي لا يحتاج فيه إلى كلمات لنقله والتعبير عنه، إذ يصبح كل منهما في حالة إحساس دائم بالآخر. إحساس كل الوقت. عاطفة حقيقية راسخة مؤكدة، تبعث على الإحساس بالاطمئنان والأمان والاستقرار والثبات والخلود، ولذا تصبح أي كلمات غير كافية للتعبير عن هذه الدرجة السامية من العواطف. بذلك يصبح الصمت بليغاً أبلغ من الكلمات. يصبح للصمت قدرة تعبيرية هائلة. يصبح الصمت معناه قمة الإحساس بالآخر. يصبح الصمت معناه أن كلاً منهما يعيش داخل عقل الآخر، وأن روح كل منهما ملتصقة بروح الآخر.
وهذا النوع من «الصمت الصحي» يختلف تماماً عن «الصمت المرضي» والذي يقصد به التعبير عن غضب أو رفض أو عداوة أو فراغ بالإحساس .. عندها يفقد الزوجان لغة التواصل، وتتفجر المشكلات، فتشتكي الزوجة من ظاهرة «الزوج الصامت» ويشتكي الزوج من ظاهرة «المرأة الثرثارة».
لماذا يصمت الرجل؟
بداية لابد من التفريق بين صمت الزوج الجبلي الذي هو سمة من سمات شخصيته عموما، وبين صمت الزوج الوقتي بالأخص مع زوجته وداخل البيت، وهذا النوع من الخطورة التي تتعدد دوافعها ومسبباتها:
1- عندما يواجه الرجل مشكلة أو مسألة معقدّة أو يمّر بظروف صعبة، فغالباً ما يلجأ إلى الصمت، فهو يصمت لأنه يفكر بهدوء، ولأنه يعتبر أنه المسئول عن حلّ مشاكله بنفسه، ولا يحب أن يشاركه أحد في التفكير، وبعد أن يجد حلاً يعود تلقائيا إلى الحوار والتواصل مع الآخرين.
في هذا الموقف من الخطأ أن تصرّ الزوجة على أن يتكلم الزوج عما يعتمل بداخله، فهذا يزيد من توتره لعدّم تفهّم زوجته حاجته النفسية للصمت والتفكير الذاتي. فالزوج لا يحب أن يشعر بأنه محط رعاية دائمة من زوجته فهذا يشعره بالضعف.
2- صمت الزوج المرهق الذي يحتاج فترة من الراحة للاستجمام واستعادة الطاقة.. جدير بالذكر أن المرأة عندما تكون متعبة تعبّر بصوت عال وتتكلم بطلاقة عما يتعبها، وعندما تخرج ما بداخلها ترتاح. لكن الرجل على العكس تماما حيث يفضل الصمت لاستعادة طاقته.
من المهم للزوجة في تلك الحالة تجنب إمطار الزوج بوابل من الأسئلة خاصة عند دخوله المنزل بعد يوم عمل شاق، فهذا يزيد من ضجر الزوج، وقد يلجأ إلى الصمت أكثر للتهرّب من ثرثرة وفضول الزوجة .. التصرف الأمثل للزوجة يكون باستقباله بالملاطفة، فهذا من شأنه أن يعجل خروج الزوج من صمته ويستعيد نشاطه. وكم هو جميل أن تهتّم الزوجة بتأمين الجو الهادئ لراحة زوجها المرهق: كتجهيز حماما دافئا له، وترتب غرفة نومه بطريقة لطيفة، وإعداد طعاما يحبه، وتشعره بأنها تقدّر تعبه من أجلهم.
3- انشغال تفكير الزوج لفترات طويلة في قضايا العمل ومسؤولياته، فهذا الانشغال الفكري يدفعه للصمت والانغلاق في دائرة واحدة من التفكير ألا وهو العمل واهتماماته.
تستطيع الزوجة أن تتحيّن الفرص والأوقات المناسبة للحديث معه ومناقشته في مشاكله واهتماماته. ولا بدّ للزوجة أن تتعلّم الأسلوب التشويقي والجذّاب لنقل الزوج من دائرة التفكير المغلقة إلى الحوار معها، ومن هذه الأساليب:
- أن تتعلّم هواية الزوج، وتشاركه فيها.
- أن تختار المواضيع الشيّقة التي تجذبه وتشد اهتمامه.
- أن تتحدث بأسلوب تشويقي يتخلله طرح أسئلة مفتوحة، مثل: "هل تعلم ماذا حدث؟ ماذا تقول أنت؟"، وأن تدخل عنصر المفاجئة في حديثها، وتدخل عنصر الفكاهة والمرح في الحوار.
- تعرض عليه مسألة معقدّة أو مشكلة ما وتطلب منه المساعدة في حلّها.
4- أسباب أخرى تدفع الزوج للصمت، منها:
-سماع تعليق خاطئ واستهزاء من زوجته عندما يتحدث.
- مقاطعته كثيرا عند الكلام.
- إصدار الأحكام المسبقة على حديثه قبل الانتهاء منه.
- الاتهام المباشر واللوم والتهكّم أثناء الحديث معه.
- تسخيف ما يطرحه من حديث أو يقترحه من حلول وأفكار.
- أن تشعره الزوجة أنها تفهم أكثر منه في الموضوع الذي يحاورها فيه أو أن تلجأ إلى تصحيح معلوماته أو تحقّره بذلك.
- أن لا تبدي الزوجة اهتماماً لما يطرحه من حديث.
هنا يصمت الرجل ضجرا أو دفاعاً عن نفسه، وهذا الموقف له آثار سلبية على العلاقة الزوجية، ويجب على الزوجة أن تراجع نفسها وتغير من أسلوبها، وإلا فهي المسئولة عن صمت زوجها. من المهم أن تستبدل ذلك بمفردات المدح والتقدير والثناء، وتشعره بحاجتها إليه، وأن تعبّر له عن ثقتها فيه.
لماذا تثرثر المرأة؟
1- حاجة المرأة الدائمة للحوار، وأنها عندما تتحدث فهي تتواصل مع الآخرين، وبالتالي تشعر بقيمتها الذاتية.. هذه الثرثرة تعالج بالمصارحة والاتفاق بين الزوجين، على أنه باستطاعته أن يصغي إليها لفترة محددة، وعندما يمل يخبرها بالتوقف، أو يستأذناها بالاستراحة على أساس أن يكملا الحديث في وقت لاحق. وقد يتفق معها على أن يديرا الحوار، ويقسّما المواضيع المطروحة على أن ينهيا كل موضوع على حدة.
2- تثرثر المرأة عندما يكون لديها وقت كبير تقضيه بمفردها، وتعاني من وقت فراغ كبير لا تستثمره في أعمال مفيدة .. هنا يجب التنسيق بين الزوجين على وسائل معينة للاستفادة من وقت الفراغ، بإعداد برنامجاً من النشاطات والأعمال المفيدة التي تساعد الزوجة على الاستفادة من وقتها وتفريغ طاقاتها. ومن الرائع أن يتشاركا في أعمال واحدة يحققان فيها المزيد من التواصل بينهما.
3- تكثر الزوجة الكلام لأنها تشعر بعدم اهتمام الزوج بها وقلة تقديرها، ولا يعطي لها الوقت الكافي لأن يجلسا معا أو يخصصا وقتا بمفردهما. فتكثر الكلام لإثبات ذاتها لشعورها بأنها مهمّشة .. هنا يجب أن يحرص الزوج على تخصيص وقت محدد للإصغاء للزوجة، والسماح لها بالتعبير الحرّ عن ما يدور في خاطرها وما تكن مشاعر.. ومن المهم أن يعبّر لها عن تقديرها في الأمور الصغيرة والكبيرة التي تقوم بها لخدمته ولخدمة الأسرة، وأن يكافئها بالعطايا والهدايا المختلفة.
- التصنيف: