الإمام الشوكاني وموقفه من الدعوة السلفية الإصلاحية (3/3)

منذ 2017-05-03

نستعرض بإيجازٍ رسائلَ منسوبةٍ إلى بعض أئمَّة أهل نَجْد، فمِن ذلك رسالةٌ جاء في مقدمتها. وصل في شهر شوال سنة 1216هـ، إلى حضرة مولانا الإمام المنصور بالله حفظه الله كتابٌ من سلطان نجد عبدالعزيز بن سعود..

ويحسُن أن نستعرض بإيجازٍ ما في هذا الكتاب من رسائلَ منسوبةٍ إلى بعض أئمَّة أهل نَجْد، فمِن ذلك رسالةٌ جاء في مقدمتها[1]:

وصل في شهر شوال سنة 1216هـ، إلى حضرة مولانا الإمام المنصور بالله حفظه الله كتابٌ من سلطان نجد عبدالعزيز بن سعود، وهذا لفظه:

السلام التام، والتحية والإكرام، يُهْدَى إلى سيِّد الأنام، محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ثم ينتهي إلى جناب الإمام ابن الإمام، الشريف علي، أسعده الله بطاعته، وسلَّمه من الآفات، وحَفِظَه من طوارق البليَّات، واستعمله بالباقيات الصالحات،

وبعدُ: الخط الذي مع محمد بن محمسة، وصل وصلك الله إلى رضوانه وما فيه من مواصلة الدعوة والدرس والذي غيره كذلك وصل، وهذا واصلك بيد ابن محمسة إن شاء الله هديةٌ، وهي أجلُّ الهدايا عندنا، فالمأمولُ فيك قَبولُها، وقبولُها جزاؤُها، وهي مجموع فيه

: "تفسير الشهادتين"، وفيه "توحيد الله بالعبادة وما عليه من الأدلة"، وفيه "كشف الشبهات" التي يوردها أعداء الإسلام على أهل التوحيد، وفيه "تفسير فاتحة الكتاب"، وفيه "ستة مواضيع منقولة من السيرة"، فالمأمول فيك تمعن النظر، وتجمع له علماء أهل السُّنة، وتوثقهم حتى يعطوك العلم على حِلِّه، وفي الحديث عن الصادق المصدوق صلاة الله وسلامه عليه قال: «الدِّينُ النصيحةُ»، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «للهِ، وكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامَّتِهم»، وأنا أحلف لك، ما حمَلَني على هذا إلاَّ هذا، ومقتضى هذه الآية الكريمة قوله تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]، وقوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} [فصلت: 32].

 

وفي الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرايةَ يوم (خَيبر) عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: «انفذ على رِسْلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادْعُهم إلى الإسلام، وأخبرْهم عمَّا يجب عليهم فيه من حقِّ الله تعالىى فواللهِ لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعم»، وفي الحديث الصحيح أيضًا عن معاذ رضي الله عنه لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: «إنكَ تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أوَّلَ ما تدعوهم إليه شهادةُ أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقةً، تُؤخَذ من أغنيائهم، فتردُّ على فقرائهم» إلى آخر الحديث.

 

ثم قال: "أنهى إلينا مع ابن محمسة من عالم من علماء صنعاء أسئلة كثيرة، وغالبها ما يصير سؤال مسترشد، وكل مسألة جاوبناه عنها بما يكفي ويشفي من الأدلة التي لا تُنكر، وتراني لَزَّمْتُ على ابن محمسة ما يعرضُ كتاب الأجوبة إلاَّ عليك، ويصلك مع السلامة إن شاء الله مع ابن محمسة وقدرُك عندنا أجلُّ ثلاثةُ حُصُنٍ: أزرق وأصفر وأحمر، ويكون عندك معلوم أنهن من أنسب ما وجد عندنا على عجلة الطارش، فأنت اعْذِرْ وسامح، والمأمول فيك ترد لنا جواب ما ذكرنا لك في الورقة، وما أقرَّ به علماء صنعاء وما أنكروا، وسعود وإخوانه وأبناء الشيخ كثير والسؤال عنك والدعاء لك، ثم أنت في حفظ الله وأمانه".

 

وقال في آخر هذه الرسالة: "والعمائم لا تغرّك، لا تقلِّدهم دينَك، قلد دينك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح، ترى كثيرًا منهم مثل ما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]، فلا يوهموك"،

إلى آخر الرسالة التي توقيعها: "الواثق بالله عبدالعزيز بن سعود"، ثم ذكر جوابها، ويظهر أنه من إملاء الشيخ الشوكاني.

 

ثم أورد رسالةً من سعود بن عبدالعزيز إلى أحمد بن الإمام المنصور، وهي في الدعوة إلى العقيدة السلفيَّة، جاء في مقدمتها[2]: "وما ذكرتَ من قبولِك الدعوةَ، واستجابتك لما دعوت إليه من الحق، فهذا هو اللائق بجنابك والظنُّ بك، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق والإرشاد إلى سبيل النجاة، فإن الاستجابة لله ولرسوله؛ كما قال تعالى:  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]، وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]، وما دعَوْناك إليه فهو كما قال تعالى عن شُعيبٍ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]، ولا دعونا الناسَ إلى هذا الأمر إلا بعدما بيَّن الله لنا الحُجةَ، وأوضح لنا المَحَجَّة، وسلكنا الطريق قبل أن ندعوَ الناسَ إليه؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

 

وموضوع الرسالة شامل، وفي آخرها: "الواصل إليك ثلاثة بشوت[3] قزّ، وثلاث قربات أمهات علامتين[4]، وشبريتين من شباري أهل نجد"[5].

 

ثم رسالة من عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز، إلى أحمد بن المنصور، في الدعوة للعمل على نشر الدعوة الإصلاحية في بلاد اليمن، وفي آخرها[6]: "والواصل إليه إن شاء الله بيد حفيظه عباءتين جوخ وسيف وثلاثة بُشُوت قزّ، والمأمولُ فيك قَبولُهن".

 

ثم جوابها من أحمد بن المنصور، يعلِّق على بعض ما ورد في رسالة الإمام عبدالله بن سعود، ثم رسالة من المنصور علي بن المهدي ردًّا على رسالة الإمام سعود بن عبدالعزيز، جاء فيها[7]: "وبعدُ، فقد وَفَدَ علينا كتابُ محبِّنا سعود بن عبدالعزيز، لا برح في حرز الله الحريز، فسرَّنا ما اشتمل عليه من عافية وصلاح شأنه، وحمدنا الله على إيجاد مثله هو ووالده في تلك الأقطار، التي كان قد غلب على أكثرها حكمُ الجاهلية الأولى، فنشر بها أعلام الإسلام، وأقام بها الشرائع والأحكام".

 

وفي الكتاب رسائلُ متبادلةٌ بين الشريف حمود شريف (أبي عَرِيش) وبين عامل الجهات اليمنيَّة، ومن الإمام المنصور علي بن المهدي إلى الشريف حمود، ورسائل أخرى بين الشريف غالب وبين المتوكل، عن وصول محمد علي باشا إلى (جدة)..

 

ثم رسالة من المتوكل لمحمد علي باشا عن انضمام الشريف حمود إلى قبول الدعوة الإصلاحية، جاء فيها[8]: "فلما كان تمام ستَّ عشرةَ قبل اليوم بثلاثَ عشرةَ سنةً، وقعتْ من حمود الموالاةُ لعرب المشرق من أهل نجد وغيرهم، وكانت الولاية في تلك الأيام لوالدنا الإمام المنصور رحمه الله وكان مريضًا في بدنه، فلم يَنصحْ له وزراؤه، وخدعوا في الخدمة، فاغتنم الفرصةَ الشريفُ حمود، واستعان بطوائف العرب، ووافقهم فيما يدْعون الناسَ إليه، وعاهدهم وعاقدهم، وجلبهم إلى هذه الديارِ اليمنيَّة، فأخذوا أطرافَ البلاد بغيًا وظلمًا وعدوانًا، وكافأ حمود ما تقدَّم منا من الإحسانِ إليه بهذه الإساءات"، ويستنصر بالباشا على حمود.

ورسالة من الشوكاني لدعوة الشريف حمود إلى الصلح مع الإمام المتوكل، وجواب من حمود يُبْدي استعداده للصلح.

ورسالة من الإمام سعود إلى المتوكل عن انتصاره على أعداء الإسلام، ودعوته لقبول الحق والانقياد له.

 

ثم رسالة منسوبة للشوكاني بعنوان: "شكوى الإمام المتوكل من غزو الوهابيين لأراضيه"، كما يشكو من التعرُّض لحُجاج بيت الله الحرام، جاء فيها[9]:

"غير خافٍ عليك أرشدنا الله وإياك أنه قد توثَّب على أطراف البلاد التي إلينا جماعةٌ، لا ندري أكان ذلك عن أمرك، أم من جهة أنفسهم، فبهذا السبب حصل الاضطرابُ في تلك الأطراف، فليكن من جنابك رفعُ هؤلاء المتوثبين، وكَفُّ أيديهم، حتى يتمَّ لنا ولك نشرُ الحق، ونجتمع على كتاب الله وسنة رسوله، ونلزم بذلك جميع الرعايا في جميع هذه الأقطار، فإن تمام هذا المقصد لا يكون إلا بعد سكون الرعايا، واستقرارهم عن الاضطراب، وإذا قد علموا اجتماعنا نحن وأنتم على هذا المقصد الصالح، وعرفوا اتِّحاد الكلمة في دين الله، أطاعوا وامتثلوا بذا، طرف آخر: وهو ما وقع هذا العام، والعام الذي قبله، من صَدِّ مَنْ أمَّ البيتَ الحرام من أهل هذه البقاع، وهم وفدُ الله وحُجاج بيته، ونحن لا نشكُّ أن مثل هذا لا يَصْدُرُ عن أمرك ولا ترضاه، فإن فيه من المخالفة للدِّين، وسوء القالة بين المسلمين، ما لا يخفى عليك"، ولعل الرسالة موجهة إلى الإمام سعود.

 

وأكتفي باستعراض ما تقدم مما ورد في هذا الكتاب من الرسائل، التي لا أطمئنُّ إلى صحة نصوصها الواردة، ما لم يتمَّ الاطِّلاعُ على أصلها، وهذا من الميسور لِكَثير من المحافل العلمية المعنية بنشر التراث كـ(مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية)، ومراكز البحث والتحقيق في الجامعات، ومن المهتمين بدراسة تاريخ البلاد بصفة عامة السعي للحصول على نسخة مصورة لهذه المذكرات، وأصلها في (مؤسسة الإمبروزيانا) في (إيطاليا) تحت رقم (E 87)، وهي مصورة على الشريط (الميكروفيلم) بمكتبة عبدالله باديب رحمه الله في (عدن)، ولها نسخة أخرى في (دار الكتب المصرية) في المخطوطات اليمنية التي صورتْها البعثةُ المصرية إلى اليمن عام 1385هـ (1965م)، وقد تكون مصورة في (معهد المخطوطات) التابع لـ(الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية) في القاهرة، وأن تتَّجه الجهات المعنية بشؤون البحث والدراسة في جامعاتنا وغيرها لتولي هذه المجموعة ما يهيئ الاستفادة منها، وذلك بنشرها محققة؛ فهي تمدُّ تاريخَ هذه البلاد بروافدَ علميةٍ عن بعض الحوادث التي وقعتْ مما لا تزال مصادرُه غامضةً.

 

يضاف إلى هذا أن عبث هذا العابث الذي وصَفَ نفسَه بالعلم والمعرفة، بالنسبة لما نشر منها، قد أحدث في بعض أفكار الذين لا يعرفون الإمامَ الشوكاني شيئًا من التشويش عن معتقده الصحيح، ونُصرته للكتاب والسنة، فأبرز ما نشر من رسائله بصورة مشوهة، تزري بمقام ذلك العالم الجليل، الذي يجب أن يصان عن عبث العابثين من أمثاله، وذلك بنشر آثاره نشرًا علميًّا محققًا، كما فعل حيالها الأستاذ الدكتور حسين بن عبدالله العَمْرِي، فيما نشر منها ومن غيرها من المؤلفات النافعة.

 تاليف: حمد الجاسر

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] "رسائل الشوكاني"، ص: 133.

[2] ص: 123.

[3] البشوت كلمة عامية جمع بشْت وهو العباءة، والقز نوع من الحرير، وكان هذا النوع من العباءات ينسج من القَيلان، وهو نوع معروف.

[4] جمع قِرَاب، ولعله نوع من الخناجر الطويلة المعروفة في ذلك الوقت.

[5] الشِّبْرِيَّة واحدة الشباري، نوع من الخناجر بطول الشبر.

[6] ص: 129.

[7] ص: 133.

[8] ص: 154، 155.

[9] ص: 165.

  • 0
  • 0
  • 4,104

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً