انتخابات فرنسا: فضائح سياسية

مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، والتي تتنافس مع المستقل إيمانويل ماكرون، على صدارة الترتيب ضمن استطلاعات الرأي لنوايا التصويت، تواجه تحقيقا في قضية توظيفها لمساعدين وهميين لفائدة 23 نائبا من حزبها في البرلمان الأوروبي.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -

"وظائف وهمية" و"محاباة" و"محسوبية".. توليفة من الاتهامات التي تهز مرشحي الرئاسة الفرنسية حتى الأوفر حظا منهم، قبل شهر من السباق المقرر ربيع العام الجاري.

 

مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، والتي تتنافس مع المستقل إيمانويل ماكرون، على صدارة الترتيب ضمن استطلاعات الرأي لنوايا التصويت، تواجه تحقيقا في قضية توظيفها لمساعدين وهميين لفائدة 23 نائبا من حزبها في البرلمان الأوروبي.

 

وماكرون نفسه، مؤسس حركة "إلى الأمام"، يجد نفسه قبل شهر من السباق الرئاسي، موضوع تحقيق أولي فتحته النيابة المالية، في 15 من هذا الشهر، حول شبهات بـ "المحاباة" بخصوص زيارة قام بها في 2016، حين كان وزيرا للاقتصاد، إلى لاس فيغاس الأمريكية.

 

أما الفضيحة المدوية، فكانت من نصيب مرشح اليمين الفرنسي، فرانسوا فيون، على خلفية "الوظائف الوهمية" لعائلته.

 

فيون.. "صامد" رغم العاصفة الإعلامية

عاصفة إعلامية رجّت فيون واليمين الفرنسي عموما منذ أن كشفت صحيفة "لو كانار أنشينيه"، في 25 يناير/ كانون ثان الماضي، أن زوجة المرشح، بينيلوب كروز، "تقاضت 500 ألف يورو كرواتب خلال 8 سنوات (1986- 1990 و1998- 2002)، بصفتها مستشارة برلمانية وهمية لزوجها في مجلس الشيوخ.

 

"الفضيحة" كما سمّتها الصحافة الفرنسية زلزلت الأرض تحت أقدام مرشح "الجمهوريين"، لتخصم سريعا من رصيده الإنتخابي، سيما وأن تقارير إعلامية محلية سابقة سبق وأن ذكرت أن ابنته "ماري" وابنه "تشارلز"، تقاضيا، بين 2005 و2007، حوالي 84 ألف يورو، بصفتهما "مستشارين" لوالدهما إبان عمله كبرلماني، رغم أنهما كانا لا يزالان في مرحلة الدراسة حينها.

 

ارتدادات الزلزال الإعلامي حيال القضية تجلت بالأساس على مستوى استطلاعات الرأي لنوايا التصويت، حيث قفز فيون، على الفور، من صدارة الترتيب، تاركا مكانه لكل من لوبان وماكرون.

 

ومع أن فيون حاول البقاء صامدا، وجاهد من أجل طمأنة أنصاره عبر تصريحه الشهير إبان اندلاع أزمته: "سأنسحب في حال توجيه الاتهام لي"، إلا أن استدعاءه من قبل قضاة التحقيق في 14 من هذا الشهر وتوجيه الاتهام له رسميا، كان بمثابة الضربة التي وأدت جميع آماله باجتياز محنته السياسية، والإفلات من محاكمة مفتوحة على أسوأ السيناريوهات.

 

قبل ذلك بأسبوع، وتحديدا في 8 من الشهر الجاري، أي في الفترة التي كان فيها فيون يسعى لاستعادة ثقة ناخبيه، ورأب الصدع اللاحق بتياره جراء قضيته، والأهم الخروج بأقل الخسائر الانتخابية، كشفت أسبوعية "لو كانار أنشينيه" أن المرشح حصل في 2013، على قرض غير معلن بقيمة 50 ألف يورو من رجل الأعمال مارك لادريت دي لاشاريار.

 

 

لوبان تمرّدت على القضاء:

رفضت مرشّحة اليمين المتطرّف، في 10 مارس/ آذار الجاري، تلبية دعوة القضاء الفرنسي، في إطار التحقيق معها بقضية توظيفها لمساعدين وهميين لصالح 23 نائبا من حزبها في البرلمان الأوروبي.

 

الملف قديم متجدّد، غير أن صعوده إلى السطح في توقيت فائق الحساسية، يطرح تحدّيات جسيمة بالنسبة لهذه المرأة التي تطرح تيارها الشعبوي بديلا "ناجعا" للتوجهات الراهنة في بلادها.

 

وبدأ البرلمان الأوروبي، منذ 2014، بالاشتباه حول القضية، قبل أن يقدم الرئيس السابق للمؤسسة الأوروبية، مارتن شولتز، في 2015، شكوى رسمية إلى المكتب الأوروبي لمكافحة الفساد، عقب اكتشافه أن أسماء 20 من المساعدين البرلمانيين الـ 24 الموجودين بالبرلمان موجودة بالهيكل التنظيمي للحزب الفرنسي.

 

وإثر ذلك، فتح المدعي العام بالعاصمة باريس، تحقيقا أوّليا في الموضوع، عهد به إلى مكتب مكافحة الفساد، قبل تحويل الملف، في ديسمبر/ كانون أول الماضي، إلى قضاة التحقيق.

 

غير أن رفض المرشحة الرئاسية المثول أمام قضاء بلادها جعلها تبدو وكأنها تمضي عكس التيار، لأنه قبل ذلك بيوم واحد، نشر موقع "ميديابارت" وصحيفة "ماريان" الفرنسيين، اثنين من الرسائل الإلكترونية التي أظهرت أن لوبان كانت على علم بأن أعضاء من حزبها كانوا يتقاضون رواتب من البرلمان الأوروبي مقابل خدمات تهم الحزب بشكل حصري، ما يعني أنه من الصعب أن تعزف على وتر الجهل بالأمور.

 

لكن اللافت هو أنه وبقدر الضرر السياسي الذي لحق فيون جراء "الوظائف الوهمية" لعائلته، إلا أن القضية نفسها لم تلق بظلالها على ما يبدو على اليمينية المتطرفة، والتي حافظت على صدارة الترتيب في استطلاعات الرأي ببلادها، حتى أن بعض المراقبين يبدون قناعة بأنها قد تكون الساكن الجديد لقصر "الإليزيه" في باريس (القصر الرئاسي).

 

ماكرون.. «كاريزما» تشوهها شبهات «محاباة»

النيابة العامة بالعاصمة الفرنسية فتحت، في 14 من هذا الشهر، تحقيقا أوّليا حول شبهات بـ "المحاباة" حول زيارة قام بها المرشح الرئاسي، في 2016، إلى لاس فيغاس الأمريكية، حين كان وزيرا للاقتصاد في بلاده.

 

وأفادت وسائل إعلام فرنسية، نقلا عن مصدر قضائي لم تسمّه، أن التحقيق فتح للنظر في شبهات بـ "المحسوبية والتستّر على المحسوبية".

 

وأضافت أنه يأتي عقب تقرير صدر، في 8 من الشهر، عن "التفقدية العامة للمالية"، وهي هيئة مراقبة حكومية، خلصت من خلاله إلى وجود شبهات حول جريمة "المحسوبية" أثناء تنظيم زيارة ماكرون حين كان وزيرا للاقتصاد، إلى الولايات المتحدة في يناير/ كانون ثان 2016. 

 

وقدرت التفقدية أن تنظيم الزيارة التي التقى خلالها ماكرون برجال أعمال فرنسيين، عهد به دون مناقصة، إلى عملاق الاتصالات في فرنسا "هافاس"، من قبل الوكالة الترويجية التابعة لوزارة الإقتصاد الفرنسية، "بيزنس فرانس". 

 

من جانبها، كشفت "لوكانار أنشينيه"، وهي الصحيفة الفرنسية التي أثارت المسألة، أن كلفة الأمسية في لاس فيغاس بلغت 381 ألف و795 يورو، بينها 100 ألف نفقات فندقية.

 

ماكرون، المرشح المحبوب لدى الكثير من الفرنسيين بحسب استطلاعات الرأي، حتى أنه استطاع، لمرة، الإطاحة بـ «لوبان» ويتقدم عليها في نوايا التصويت للدور الأول للرئاسية المقرر في 23 أبريل/ نيسان المقبل.

 

غير أن فتح التحقيق أفقده الكثير من «كاريزمته» المعهودة وفق الإعلام الفرنسي، وهذا ما يخشاه المرشح نفسه، رغم إدراكه أنه في حال كان للتحقيق ارتدادات على قرار الناخبين بشأنه، فلن تكون أكثر سوءا مما ستكون عليه بالنسبة لمنافسته اليمينية المتطرفة، والتي تواجه ملفا قضائيا قد تتفاقم حيثياته في المستقبل القريب.

 

وفي الواقع، فإن تداعيات «أزمة» ماكرون لم تتجل بالشكل المتوقع - على الأقل من قبل خصومه- وذلك لما تلاها من أحداث منفصلة هزت البلاد، أبرزها حادثة إطلاق النار بثانوية «غراس» جنوب شرقي البلاد الخميس الماضي، ثم الهجوم الذي استهدف، السبت الماضي، مطار «أورلي» بباريس، وأسفر عن مقتل المهاجم.

 

أحداث متتالية كان لابد وأن تستقطب الرأي العام الفرنسي، وتقلل من تداعيات الملفات القضائية لمرشحي الرئاسة، وخصوصا في ما يتعلق بقضية ماكرون التي لم تأخذ مساحة إعلامية هامة مقارنة بكل من فيون ولوبان، ما يفسر أن الوزير السابق نجا على ما يبدو من ارتدادات فضيحة كانت ستكلفه الكثير في سياق مختلف.

 

ومع أن المطلعين على الشأن الفرنسي تنتابهم شكوك واسعة حول هوية الرئيس القادم للبلاد نظرا لكثرة السيناريوهات المطروحة، إلا أن الثابت هو أن شبهات الفساد كانت نقطة تقاطع واضحة في السِيَر الذاتية لمرشحين يتفننون في طرح برامج انتخابية تعج وعودا بالشفافية.