في ظلال رمضان.. (5) من (30)

منذ 2017-05-31

في حركة الحياة ومواجهة الباطل تصير بالتوكل ستارا للقدرة، فيصبح الأثر لا لعملك أنت بل يصبح عملك سببا، ويصبح الأثر لقدرة الله تعالى الطليقة.  واعتبر في هذا بإلقائه صلى الله عليه وسلم كفا من حصى يوم بدر

(العبادة والتوكل قرينان)
قد تجد في الصيام أو الصلاة أو الجهاد أو العلم أو البلاغ، أو الحياة عموما مشقات، ولا بد..
 قد تجد في دحر الباطل ومواجهة الظلم والطغيان والاستبداد والفساد، نوعا من المشقة، ولا بد من ذلك، فعلى هذا جرى هذا العالم.. وبهذا جرت سنة الله تعالى وحكمته.
 لا قوة لك على هذا إلا بمعونته تعالى وحوله، ولهذا قرن تعالى عبوديته بالتوكل عليه، فإن توكلت عليه أعانك فقمت بما أمر من صيام أو صلاة، جهاد أو علم، مواجهة الظلم أو الباطل أو الطغيان.
لا تتم توبة ولا استقامة ولا هدى ولا علم إلا بتوكل.
 في حركة الحياة ومواجهة الباطل تصير بالتوكل ستارا للقدرة، فيصبح الأثر لا لعملك أنت بل يصبح عملك سببا، ويصبح الأثر لقدرة الله تعالى الطليقة.
 واعتبر في هذا بإلقائه صلى الله عليه وسلم كفا من حصى يوم بدر، فقد ألقى صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء، فكان جهده وتعبده صلى الله عليه وسلم أن يرمي به، لكن بتوكله، كان وصول الحصباء بقدرة الله تعالى؛ فما تركت مشركا إلا وأصابت عينيه ومنخريه.
 وقف المسلمون يوم بدر يتعبدون بالثبات والتضحية، وبالتوكل قتلوا صناديد الشرك، حتى قال سلمة بن سلامة بن وقش رضي الله عنه بعدها (وجدنا عجائز صُلعا بُدنا فنحرناها)، ولم يقدروا على هذا إلا بالله تعالى، فقد نهاه صلى الله عليه وسلم وقال له: «يا ابن أخي أولئك الملأ» ، وروي أنه ما زال متغيرا عليه حتى سأله سلمة فقال له: «فإنك عمدت إلى نعم من نعم اللّه تزهدها» .
 ثم فتحوا الدنيا، بجيوش كانت دائما أقل بكثير من عدوها، وغالب النسبة كانت كل رجل يقابل ستة أو سبعة من الكفار، فانتصروا، وفتحوا القلوب قبل البلاد، وتوطن الإسلام واهتدى الخلق بهم وأقاموا حضارة لأكثر من ألف سنة، أعظم وأقوى حضارة في التاريخ.
 وإن لم تتوكل عليه وكلك إلى نفسك وخذلك، فكنت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش» فيتعس ويقع فلا يحصل مطلوبا، وينتكس فينقلب على وجهه، وهذا غاية السوء وخيبة السعي، وإذا أصابه مكروه ولو شوكة، عجز عن استخراجها بالمنقاش «وإذا شيك فلا انتقش»  فهو عاجز عن تحصيل مطلوب له، وهو عاجز عن الهروب من مكروه ضار به..
 فمن توكل أفلح حيث عمل بحول ربه تعالى لا حول نفسه، وعمل بقوة ربه تعالى لا قوة نفسه، وهذا سريع الخطو الى الله تعالى، يقوى على ما لا يقوى عليه غيره، كيف لا وهو عالم بقوة ربه وقدرته وحوله تعالى.
 ولهذا قال تعالى {إياك نعبد وإياك نستعين} ، وقال {فاعبده وتوكل عليه} ، وقال {عليه توكلت وإليه متاب} )، وقال: {عليه توكلت وإليه مآب} )، وقال {عليه توكلت وإليه أنيب} .
المتوكل محمول ومُعان، ويكفي هذا لعبد يريد ذلك السفر العظيم إلى رب العالمين.
 غدا التوكل وبعد غدٍ التوكل.. إلى لقاء الله تعالى، إلى إقامة الدين، واستيفاء التعبد إلى آخر لحظة.. ولهذا كانت (لا حول ولا قوة الا بالله كنز من كنوز الجنة)..
فنسأل الله ولاية أمرنا في الدارين، وحملنا بحوله وقوته إلى الجنة، دار السلام..

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 1
  • 0
  • 1,742

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً