في المسألة قولان!

مشعل بن عبد العزيز الفلاحي

هل الخلاف وتعداد الأقوال في المسألة الواحدة هو للبحث عن مواطن إجلال الشريعة وكيف نحقق مراضي الله تعالى ونُجل شعائره؟ أو لنتخلّص من أحكامها ونسعد بالبقاء على شهواتنا ورغباتنا؟!

  • التصنيفات: الطريق إلى الله -

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:

دهشت وأن أقرأ هذه الآية: {أُولئِكَ الَّذينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّن حَمَلنا مَعَ نوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبراهيمَ وَإِسرائيلَ وَمِمَّن هَدَينا وَاجتَبَينا إِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُ الرَّحمنِ خَرّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58] وأنا أنظر في مقابل هذه الصورة إلى هذا النزاع المحموم بيننا في كل شعيرة من شعائر الله تعالى: في المسألة قولان، وثلاثة، وهذا رأي الحنفية والشافعية، والجمهور على أنها سنة! وبقيت أتأمل هذا البون الشاسع بين أجيال لا تملك أمام شريعة الله تعالى إلا البكاء والذل والخضوع وبين أجيال هذه الأمة في هذه العصور المتأخرة التي تفزع لكل شعيرة تريد أن تفرغها من معناها وتتخلّص من أحكامها وتبيت سالمة من تبعاتها {ذلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِن تَقوَى القُلوبِ} [الحج:32].

السؤال المهم: هل هذا الخلاف وتعداد الأقوال في المسألة الواحدة للبحث عن مواطن إجلال هذه الشريعة وكيف نحقق مراضي الله تعالى ونُجل شعائره؟ أو لنتخلّص من أحكامها ونسعد بالبقاء على شهواتنا ورغباتنا؟!

ماذا لو قيل لنا بأنه لا حرج علينا في الأخذ من شعورنا وأظافرنا في العشر الأول من ذي الحجة وقيل لنا بأن حديث النهي الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعَرِهِ، وَأَظْفَارِهِ» أعلّه الدار قطني؟! وقيل لنا لا تعقوا عن أبنائكم ولا تضحّوا عن أنفسكم يوم النحر لأنها سنة عند جماهير العلماء! وكل محظور ترتكبونه في الحج فليس عليكم فيه فدية، افعلوا ما شئتم لأن مبنى الفدية على أثر ابن عباس: "من ترك نسكًا فليهرق دمًا" (مجموع فتاوى ابن باز: 398/17-خلاصة حكم المحدث: روي مرفوعًا والموقوف أصح)، ولو تركتكم المساجد من صلاة الجماعة بالكلية فهي سنة عند الشافعية ليست بواجب!

أترون سيبقى لنا دينًا نتعبّد الله تعالى به وشريعة تحكم سيرنا إلى الله؟!

يا أيها المؤمنون:

إذا بلغكم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة فمن كمال توفيق الله تعالى لكم إجلالها والفرح بها وتحويلها إلا واقع تطبيقي في حياتكم والوعد الكبير الذي تنتظره من خلال هذه السنة وعد ربك تعالى: {قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ} [آل عمران:31].

العظمة الحقيقية ليست في أن تتخلّص من كل حكم في شريعة الله تعالى بقولك في المسألة قولان وثلاثة، العظمة أن يرى الله تعالى قلبًا مستسلمًا لوحيه وشريعته وأمره ونهيه يريد ما عنده من الجزاء!

ولو قدمنا على الله تعالى يوم القيامة فلن ينفعنا في المسألة قولان، ولا ثلاثة، ولن يسألنا عن ماذا قالت الحنفية ولا الحنابلة ولا المالكية والشافعية سيسألنا هذا السؤال الكبير: {وَيَومَ يُناديهِم فَيَقولُ ماذا أَجَبتُمُ المُرسَلينَ} [القصص:65].