شرح حديث: إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها

منذ 2017-10-13

هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهو يحوي أصول الدين، وليس في الأحاديث حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه منه.

عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشرٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء - رحمةً لكم غير نسيانٍ - فلا تبحثوا عنها»؛ حديث حسن، (رواه الدارقطني وغيره).

 

 ترجمة الراوي:

 

أبو ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر، قال الدارقطني وغيره: هو من أهل بيعة الرضوان، وأسهم له النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وأرسله إلى قومه، وأخوه عمر بن جرهم أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 عن أبي ثعلبة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، اكتب لي بأرض كذا وكذا بالشام، لم يظهر عليها النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ، فقال: ألا تسمعون ما يقول هذا؟ فقال أبو ثعلبة: والذي نفسي بيده، لنظهَرَنَّ عليها، فكتب له بها[1].

 

 قال خالد بن محمد الكندي، سمع أبا الزاهرية: سمعت أبا ثعلبة يقول: إني لأرجو ألا يخنقني الله كما أراكم تخنقون، فبينما هو يصلي في جوف الليل، قبض وهو ساجد، فرأت بنته أن أباها قد مات، فاستيقظت فزعة، فنادت أمها: أين أبي؟ قالت: في مصلاه، فنادته فلم يجبها، فأنبهته فوجدته ميتًا، توفي رضي الله عنه سنة خمس وسبعين[2].

 

 منزلة الحديث:

 

هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهو يحوي أصول الدين، وليس في الأحاديث حديث واحد أجمع بانفراده لأصول الدين وفروعه منه[3].

 

  قال عبيد بن عمير رحمه الله: إن الله عز وجل أحل حلالًا، وحرم حرامًا، وما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عَفْوٌ؛ فحديث أبي ثعلبة قسم فيه أحكام الله أربعة أقسام: فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت عنه، وذلك يجمع أحكام الدين كلها[4].

 

  قال أبو بكر ابن السمعاني رحمه الله: من عمل بهذا الحديث، فقد حاز الثواب، وأمن من العقاب؛ لأن من أدى الفرائض واجتنب المحارم ووقف عند الحدود، وترك البحث عما غاب عنه، فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدين؛ لأن الشرائع لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث، وقال أيضًا: هذا الحديث أصل كبير من أصول الدين وفروعه[5].

 

  قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم الوجيزة البليغة؛ وذلك لتضمُّنه جميع قواعد الشرع وأحكامه وآدابه؛ إذ الحكم الشرعي إما مسكوت عنه أو متكلم به، وهو إما مأمور به وجوبًا أو ندبًا، أو منهي عنه تحريمًا أو كراهة، أو مباح، فالواجب: حقُّه ألا يضيع، والحرام: حقُّه ألا يقارَب، والحدود - وهي الزواجر الشرعية؛ كحد الرِّدَّة والزنا والسرقة والشرب -: حقها أن تقام على أهلها من غير محاباة ولا عدوان[6].

 

  وحكي عن أبي واثلة المزني أنه قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين في أربع كلمات، ثم ذكر حديث أبي ثعلبة[7].

 

 غريب الحديث:

 

فرض الفرائض: أوجبها وحتم العمل بها.

 

فلا تضيعوها: فلا تتركوها وتتهاونوا في أدائها.

 

حد حدودًا: أي بيَّن وعيَّن أحكامًا؛ كحد الزنا والسرقة.

 

فلا تعتدوها: لا تتجاوزوها.

 

فلا تنتهكوها: لا تقعوا فيها ولا تقربوها.

 

وسكت عن أشياء: أي لم يحكم فيها بوجوب أو حرمة؛ فهي شرعًا على الإباحة الأصلية.

 

 شرح الحديث:

 

«إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها»؛ أي: أوجب إيجابًا حتميًّا على عباده فرائض معلومة؛ كالصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وغير ذلك.

 

«وحد حدودًا»؛ أي: أوجب واجباتٍ وحددها بشروط وقيود «فلا تعتدوها»؛ أي: لا تتجاوزوها.

 

«وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها»؛ مثل الشرك والزنا والخمر وعقوق الوالدين وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق والسرقة وأشياء كثيرة، فلا تقعوا فيها؛ فإن وقوعكم فيها انتهاك لها، وعن ابن شبرمة أنه قال: العجَب ممن يحتمي من الحلال مخافة الداء، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار!

 

«وسكت عن أشياء»؛ أي: لم ينزل حكمها على نبيه صلى الله عليه وسلم «رحمةً لكم» من أجل الرحمة والتخفيف عليكم، «غير نسيانٍ» عدم إنزال الحكم فيها غير نسيان لأحكامها؛ لأن النسيان مستحيل عليه سبحانه تعالى؛ كما قال سبحانه على لسان موسى عليه السلام: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52]، وإذا كان الأمر كذلك «فلا تبحثوا عنها»؛ أي: لا تسألوا عنها؛ لأن السؤال عما سكت الله عنه يفضي إلى التكاليف الشاقة؛ لأن البحث عنها إن كان في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ربما أفضى إلى تشديد بإيجاب وتحريم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم المسلمين جُرْمًا مَن سأل عن شيءٍ لم يحرم، فحُرِّم لأجل مسألته»[8]، وإن كان في غيره فهو من التعمُّق والتنطع والبحث عما لا ينبغي، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «مِن حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه»[9].

 

 الفوائد من الحديث:

 

1 - أن الله تعالى فرض على عباده فرائض وأوجبها عليهم على الحتم واليقين.

 

2 - العمل بالواجبات طريق إلى دخول الجنة؛ قال تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].

 

3 - وجوب إقامة الحدود حفاظًا على المجتمع، وصونًا لحقوق الفرد.

 

4 - النهي عن البحث عن حقائق الأشياء التي أمرنا الشارع الحكيم بالإيمان بها ولم يبين حقائقها؛ قال تعالى في بيان صفات المؤمنين المفلحين: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3].

 

5 - انتفاء النسيان عن الله عز وجل، وهذا يدل على كمال علمه، وأنه بكل شيء عليم.

 

الكاتب: عبدالعال بن سعد الرشيدي

 


[1] رواه أحمد في المسند (29/ 273 ح 17737)، عبدالرزاق في المصنف (8503).

[2] السير (2/ 567) الإصابة (4/ 29 رقم 177) أسد الغابة (6/ 44 رقم 5744) تهذيب التهذيب (12/ 49 رقم 198).

[3] جامع العلوم والحكم (2/ 70) الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (289) الإلمام (375).

[4] جامع العلوم والحكم (2/ 70) الحلية لأبي نعيم (3/ 268).

[5] جامع العلوم والحكم (2/ 70).

[6] فتح المبين (205).

[7] جامع العلوم والحكم (2/ 70).

[8] رواه البخاري ومسلم.

[9] رواه الترمذي (7/ 23) ابن ماجه (3976).

  • 4
  • 0
  • 12,585

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً