المقدمة والوسائل الأربعون (1)
محمود العشري
شهر رمضان الذي هو حقيقٌ بأن يُسمَّى سُوقَ الجنَّة؛ فهو سوق لا يُباع فيها إلاَّ قصورٌ ما رأت عينٌ مثلَها، وجواهِرُ ما طمحت نفسٌ إليها، وكواعب أتراب ما خطر حسنُهن على قلب بشر.
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطَفى، سبحانك لا عِلْم لنا إلاَّ ما علَّمتَنا؛
إنك أنت العليمُ الحكيم، اللهم علِّمْنا ما ينفَعُنا، وانفَعْنا بما علَّمتنا، وهيِّئ لنا من أمرنا رشَدًا.
أما بعد:
فهذه صفحاتٌ كنت قد جمعتُها ورتَّبتُها، وسمَّيتُها: "عون الرحمن في وسائل استغلال رمضان"؛ حتَّى أستفيد منها في دروسي في استقبال رمضان (في شعبان)، ووسائل الاستفادة من رمضان (في رمَضان)، ثم إنَّه قد تناقلَتْها أيدي بعض إخواني من الخُطَباء وطلَبة العلم؛ كي يستفيدوا منها أيضًا في دروسهم، ثم كانت مرحلة جديدة مع هذه الصفحات؛ إذْ قُمنا بتصوير أجزاءٍ كبيرة منها، وتوزيعها على المصلِّين في المساجد التي نُوجَد بها، فلما ازدادَتْ تكاليف ذلك، أشار عليَّ البعض بطباعة هذه الصفحات؛ حتَّى تقل تكلفتُها، ويَزداد نفْعُها، ففعَلْنا ذلك، وقُمنا بتوزيعه، والحمد لله ربِّ العالمين.
لكن لأنَّ هذه الصفحات الآن ستكون في متناول جمهور المسلمين، فلا بُدَّ من التنبيه على أنَّ جلَّ عملي فيها هو الجمع والتَّرتيب؛ فليس لي أدنى فضلٍ في كتابة أيِّ كلمة من كل ما ستَقْرؤه عنِّي - سواء في هذه الصَّفحات، أو في غيرها - إنَّما أنا فقط أتعلَّم وأقرأ، وأكتب ما تعلَّمتُ وما قرأت، أجمع وأرتِّب - كما قال بعضهم - بعد أن طُفْت في بساتين الحُكَماء، وحلَّقتُ في آفاق العلماء، وأبحرت في بطون الكتب، فانتقيتُ لك زهورًا طالما استرعت انتباهي فأخذَتْ بلبِّي، واخترت لك زادًا كان لي يومًا غذاءً، فآثرتُ وما استأثرت.
فيا أيُّها المسلم باغي الخير:
كلُّ عملي قطف الزُّهور، وتعبئة الزَّاد، والتنسيق بين هذا وذاك، ثم هو لك مَعِين؛ فخُذْه هنيئًا مريئًا، ولْتُحسن نيَّتك في الأخذ؛ عساك أن ينفعك بها ربُّك، فيرفعك مقامًا علِيًّا، ولا أعدم منك دعوةً صالحة بظهر الغيب تكون نِعْم المُعين.
ومن باب الإفادة ونشر العلم؛ أذكر أنَّ هذا الكتاب يكاد يكون قسمين:
الأول: يعتبر كمقدِّمة - زادَتْ عن حدِّها - في استقبال رمضان، وقد رجعتُ فيها لمجموعةٍ من الكتب، يأتي في مقدِّمتها: كتاب "القواعد الحسان" للشيخ/ "رضا صمدي" - حفظه الله - وكتاب "أسرار المُحبِّين" للشيخ/ "محمد حسين يعقوب" - حفظه الله - وكتاب "نداء الريَّان" للشيخ/ "سيد العفاني" - حفظه الله - وبعض الكتب الأخرى.
وأما القسم الثاني:
فيتناول بعض الوسائل التي تُساعد المسلمَ على الاستفادة من رمضان - بل والعمر كلِّه - في طاعة الله - سبحانه وتعالى - وهذه الوسائل قد جمعتُها من كتبٍ من الكثرة بمكان، أراني الآن عاجزًا عن ذِكْرها، لكن لعلِّي أعود إلى هذه الصفحات بنسبة كلِّ قولٍ إلى صاحبه فيما بعد - إن شاء الله - لو كان في العمر بقيَّة.
لكنَّك سترى بعض الموضوعات - وإن كانت قليلة - عبارةً عن درس كامل لبعض المشايخ، ولا أذكر منها الآن إلاَّ الوسيلة الحادية عشرة "المُحافظة على صلاة الفجر" فهي بكاملها للدكتور/ "راغب السرجاني" - حفِظَه الله - والوسيلة الثانية "القرآن"؛ ففيها عدَّة صفحات مقتبَسة من بعض كتب "ابن القيِّم" - رحمه الله - وقد ذكرتُها بعنوان: "مثال إمام لتدبُّر كلام العلاَّم"، وأيضًا عدة صفحات للدكتور/ "راغب" - حفظه الله - بعنوان: "كيف أحفظ القرآن الكريم؟".
ولا يُقلِّلُ هذا النقلُ والاقتباسُ من قيمة المجهود الذي بذلتُه في هذا العمل؛ فلقد ذكر ابنُ حزم - رحمه الله - من أسباب التَّأليف سبعةً؛ منها: "جَمْع المتفرِّق في مكانٍ واحد"، وكان هذا هو مقصدي من جَمْع هذه الصفحات.
كما أنبِّه على أني تعمَّدتُ ألا يكون هناك هوامش ولا حواشٍ؛ تخفيفًا على القارئ وتسهيلاً؛ لتكون قراءتُه مستمرةً، وفكرُه متَّصِلاً.
وأخيرًا أحبُّ أن أُعدِّل تسمية الكتاب من: "عون الرحمن في وسائل استغلال رمضان" إلى: "عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان"؛ وذلك نزولاً على رغبة فضيلة الشيخ الدكتور: "محمد عبد المعطي حجازي" - حفظه الله.
وإنَّما جمعت هذه الصفحات - في الأصل - لنفسي، ولِمَن فَهْمُه قاصِرٌ كفهمي، عسى الله - سبحانه وتعالى - أن يجعلها تذكرةً في الحياة، وذخيرةً لي يوم ألقاه، فإن وجدتَ - رحمك الله - فيها خيرًا، فادع الله أن يَجْزيني عنه خيرًا، وإن وجدت غير ذلك، فاستغفِر لي، وخُذها بنِيَّة صادقة، وتجرَّدْ لله ورسوله؛ فإنَّ ذلك أحرى أن يرزقك الله فيها الخير.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالَمين.
مقدمة الطبعة الأولى:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطَفى، سبحانك لا علم لنا إلاَّ ما علَّمتَنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللَّهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتَنا، وهيِّئ لنا من أمرنا رشَدًا.
أمَّا بعد:
فإن الله - سبحانه وتعالى - قد أعظم على عباده المِنَّة، بما دفع عنهم كيد الشيطان وفَنَّه، وردَّ أمله وخيَّب ظنَّه؛ إذْ جعل الصوم حصنًا لأوليائه وجُنَّة، وفتح لهم به أبواب الجَنَّة، وعرَّفهم أن وسيلة
الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكِنَّة، وأن بقمعها تُصبح النَّفس المطمئنَّة، ظاهرةَ الشوكة في قَصْمِ خصمِها قويةَ المُنَّة.
وأعظِمْ بعبادة متميِّزة بخاصيَّة النسبة إلى الله - سبحانه وتعالى - من بين سائر الأركان، وجاوز ثوابُها قانونَ التقدير والحُسْبان، فيفرغ للصَّائم جزاؤه إفراغًا، ويجازَف جزافًا، فلا يدخل تحت وهْمٍ ولا تقدير، وناهيك عن عبادة يباهي الله -تعالى- بها ملائكته، فالله الغنِيُّ - وهو الكريم - عن تجويع القَوْم، فافهم من الخُلُوف معنى الصَّوم، فأنت المراد من هذا الكون، فكَمْ من ملائكة كرام ما ذاقوا طعامًا ولا شربوا شرابًا، ليس لهم مرتبة: «ولَخلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (صحيح النسائي2214)!
فالبدارَ البدارَ أيُّها الإخوة الأخيار، كلُوا من طعام الجد، واشربوا دموع الأسف، تناولوا من كأس الاستغفار ولو جرعة، صاح مُمْسك قنديل الأمل، لرؤية فجر الأجل: رحم الله أقوامًا رمضانهم دائم، وشوَّالهم صائم.
فِي رِضَاكُمْ رَمَضَانٌ عُمْرُهُ *** يَنْقَضِي مَا بَيْنَ إِدْبَارٍ وَطَيّ
وآخَر على الطَّرَف الآخر، أحواله تشبه شهور السَّنة؛ ما له في باب الإيثار: المُحرَّم، وقلبُه من الذِّكْر: صَفَر، وهواه وشهواته: رَبِيعان، وكفاه من البذل: جُمادَيان، وسمعه عن المواعظ: رجَب، وهمُّه في شبابه: شعبان، فكن كما شئت، فإنَّما تجني ما تغرس، ولا يُدرك ألطافَ وعطايا الربانيَّة إلا من ربَّى للصوم نيَّة، غرس القومُ نخلَ العزائم من نهر باب الريَّان، ونبات عزمك الكشوت يُروى من ماء الصَّديد؟!
إن الصوم ليس صومًا عن الجِماع والطعام؛ إنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام، وصَمْت اللِّسان عن فضول الكلام، وغضُّ البصر عن النظر إلى الحرام، وكفُّ الكفِّ عن أخذ الحُطَام، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام..
المراد من التجويع خلوف الفم، والذين عندهم جُشاء التُّخَم يصبحون وبِهِم من الطعام بَشَم، ومن الماء بَغَر، جاعوا بالنهار وما يفهمون كيف صاموا، وشبعوا بالليل فناموا وما قاموا! قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الخرائطيُّ بإسناد حسن:«إنما الصَّوم أمانة، فلْيَحفظ أحدُكم أمانته» (طبقات الشافعية الكبرى: 6/299).
فاتَّق الله في أمانته عندك، واعلم أنَّ لكل عبادة ظاهرًا وباطنًا، وقشرًا ولُبًّا، ولقشرها درجات، ولكلِّ درجة طبقات، فإليك الخِيَرَة الآن في أن تَقْنع بالقشر عن اللُّباب، أو تتحيَّز إلى غمار أرباب الألباب.
طُوبَى لمن أظمأ نفسه ليوم الرِّيِّ الكامل، طوبى لمن جوَّع نفسه ليوم الشّبع الأكبر، طوبى لمن ترك شهوات حياةٍ عاجلة لموعد غيب لم يرَه! متى اشتدَّ عطشك إلى ما تهوى، فابْسُط أنامل الرجاء إلى من عنده الرِّيُّ الكامل، وقُل: قد عيل صبر الطَّبع في سِنيه العجاف، فعجِّل ليَ العام الذي فيه أُغاث وأعصر.
يا ابن الإسلام:
يا من اصطفاك الله -تعالى- بالإسلام - وكفى به نعمةً - وشرَّفك بِجَعْلِك من أمة النبيِّ محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - وتلك نعمة أخرى - وما تزال توافيك من الله تعالى - بسبب هاتين النِّعمتين - نعمٌ عظامٌ لا عدَّ لها ولا مُنتهَى، ولا تزال تُعاودك من الرحمات والبركات مواسِمُ عظيمات، خصَّ الله -تعالى- بها أمة الإسلام وأنت منهم، فاحمد الله - عزَّ وجلَّ - أنْ جعَلك منهم.
ومن بين مواسم العمر، ونفائس الدَّهر، التي هي مفاتِحُ الخير، ومجامع البِر، وطريق الجنَّة: شهر رمضان الذي هو حقيقٌ بأن يُسمَّى سُوقَ الجنَّة؛ فهو سوق لا يُباع فيها إلاَّ قصورٌ ما رأت عينٌ مثلَها، وجواهِرُ ما طمحت نفسٌ إليها، وكواعب أتراب ما خطر حسنُهن على قلب بشر.
فهل من مشمِّر؟! وهل من مُشْترٍ يقدِّم الثمن؟! فو الله ما أيسرَ الثمن! وما أعظم المبيع! ووالله إنه لموسم وفرصة سانحة لا تتكرر كثيرًا، مَغْبون كلَّ الغَبْن مَن ضيَّعها، وسعيدٌ كلَّ السعادة من ابتدرها واغتنمها، ففاز وربح، فاللَّهم اجعلنا من عبادك الفائزين الرابحين.
وإنِّي قد استعنت الله ربِّي في وضع رسالة لطيفة، في بيان بعض الوسائل التي تُساعد على استثمار رمضان؛ لتكون لي صدقةً جارية، وإعانةً لإخواني المسلمين على أمر دينهم، أسأل الله -تعالى- أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، وأن يكتب لها القبول في الأرض، وأن ينفع بها كلَّ من اطلع عليها، وأن يَرضى عن كلِّ مَن أسْهَم في نشرِها.
أخي يا بن الإسلام:
كيف نستثمر رمضان؟ وماذا نفعل في رمضان؟ هذا السؤال كثيرًا ما نسمعه جميعًا مِن الذين يَحْرصون على طاعة الله - عزَّ وجلَّ - ولذلك حرصت أن أفيدهم.
أخي يا بن الإسلام:
يمرُّ على الإنسان رمضان تِلْوَ رمضان، وهكذا تمر الرَّمضانات بدون رصدٍ للأعمال، وبدون تداركٍ للأخطاء والتقصير؛ مما يَجْعلنا في كلِّ رمضان يأتي نبدأ من جديد، ولا شكَّ أن هذا مضيعة للأوقات والأعمار، فكان هذا الرَّصدُ لهذه الوسائل.
أخي يا بن الإسلام:
لو لم يكن في شهر الصوم إلاَّ أنه أحدُ أركان الإسلام التي لا يتمُّ إسلامُ المرء إلاَّ بها، ثم إنه أيضًا العمل الذي اختصَّه الله -تعالى- لنفسه من بين عمل ابن آدم كلِّه، ثم فيه أيضًا ليلة القَدْر التي هي خيرٌ من ألف شهر، وأنَّه شهر المغفرة ومَحْوِ الذنوب والسيِّئات...
أقول: لو لم يكن في شهر رمضان إلا هذه الأمور، لكفاه شرَفًا ومَنْزلة، ولزادنا ذلك حرصًا وإصرارًا على استثمار أيَّامه، بل وساعاته، بل وكل لحظة من لحظاته.
وهذا الاستثمار منطلِقٌ من سُنَّة النبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فلقد قال ابن القيِّم - رحمه الله - في "زاد المعاد": "وكان من هَدْيِه -صلى الله عليه وسلم- في رمضان الإكثارُ من أنواع العبادات، فكان جبريلُ - عليه السَّلام - يُدارِسُه القرآن في رمضان، وكان إذا لَقِيَه جبريلُ أجْودَ بالخير من الرِّيح المرسلة، وكان أجْودَ الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يُكْثِر من الصَّدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة والذِّكر والاعتكاف، وكان يخصُّ رمضان من العبادة ما لا يخصُّ به غيرَه من الشُّهور، حتَّى إنه كان لَيُواصل فيه الصِّيامَ أحيانًا؛ ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة".
كلُّ هذه الأسباب جعلَتْني أختار هذا الموضوع، ألا وهو "وسائل استثمار رمضان"؛ لأقف عنده وقفةً تنفعني وإخواني الصادقين، الذين يسعَوْن في فكاك رقابهم من النار، فالله المستعان.
وهذا البحث يتضمَّن بيانَ سعة رحمة الله -تعالى- بعباده، وعظيمِ عطائه وإنعامه عليهم؛ إذْ يمنح الله -تعالى- بفضله الأجْرَ العظيم، والثوابَ الكبير على أعمالٍ يسيرة لا مشقَّة فيها، فيُدخِل بها عبادَه الجنةَ، مع كونهم لم يجدوا كبيرَ مشقَّة في أداء تلك الأعمال والإتيان بها، ولا يعجز مسلم
مهما قلَّت هِمَّتُه، وضعفت عزيمته - أن يُدْرِك واحدة منها - وهي بالعشرات - في يوم من أيام عمره الذي يمتدُّ لعشرات السنين.
ولقد كان علماء السلف - رحمهم الله - يمتنعون عن بيان تلك الأعمال اليسيرة على وَجْه التفصيل؛ لئلا يُثَبِّطُوا الهممَ عن أداء أعمال الخير الأخرى الجليلة، والتي تكون أكثر مشقَّة، وأشدَّ تكليفًا، فلقد دأب الصالحون في الأمَّة ألاَّ يفرقوا - لتنافسهم على الخير - بين الأعمال؛ إذْ الهِممُ متوافرة على تحصيل أكبر قدر ممكن من الأعمال الصالحة؛ رجاءَ ثوابها، والنجاةِ بها يوم القيامة.
أما اليوم، وقد انصرفت نفوسُ الكثيرين عن الطاعات، وقلَّ الصالحون وغلبَت المعاصي والشهوات، وتثاقلت على النُّفوسِ التكاليفُ والطاعات، حتَّى صار هناك مَن يرى عدم القدرة - وكذبوا - على تحصيلها؛ ولهذا رأى مشايخُنا لإعادة الأمل إلى هؤلاء، وتحبيب العمل لديهم، أن نفتح لهم أبوابًا للخير مُيَسَّرَة، تُعَرِّضُهم لرحمة ربهم الواسعة؛ لعلهم يعودون للجادَّة، باستشعار كرم ربِّهم، وقربه الشديد منهم؛ بعطفه وجوده وغناه وإحسانه وفضله - إلى جوار قربه الحقيقي الذي لا يماثل قربَ المخلوقين - فإذا تكرَّر منهم من العمل اليسير ما يَعْلمون أنَّ لهم به نصيبًا من مغفرة الله ورحمته، أقبلوا على الطاعات الأخرى يَنْهَلون منها ما يرفع قدرهم عند ربِّهم، ويبعدهم عن اليأس والقنوط، ويُدْرِكون بذلك شيئًا من الهِمَّة المفقودة، والعزيمة المنشودة.
ومِمَّا حفَّزني على بيان بعض تلك الأعمال اليسيرة، وأُجورها الجزيلة: أنَّ هذا الأمر يُبَيِّنُ قرب الجنة من العباد؛ فإنَّ العبد إذا حقَّق التوحيد واجتنب الكبائر، أو تاب مِمَّا اقترفه منها توبةً صادقة، وأدَّى الواجبات المفروضة، وعمل عملاً واحدًا من هذه الأعمال الميسَّرة الموجِبَة للجنة، دخل الجنَّة.
ولا تخلو حياة المسلم - بفضل الله ورحمته - من إتيان عملٍ - أو أكثر - من هذه الأعمال الصالحة المُيَسَّرة، فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله، وها هي سِلْعة الله الغالية - الجَنَّة - بين أيدينا سهلة ميسَّرة، ولله الحمد والمنة؛ إذْ رَضِيَ من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن كثيرٍ من الزلَل، فهو -تعالى- أهل التقوى وأهل المغفرة.
ولقد قسمتُ هذه الرِّسالة إلى ثلاثة أقسام رئيسة؛ وهي: التَّمهيد والموضوع والخاتمة، فأمَّا التمهيد فتناولتُ فيه مجموعةً من القواعد المهمَّة في الاستعداد لرمضان، وهذه القواعد - إن صدَقْتَ الله تعالى فوفَّقَك إليها - قد تكون أعظم ما تستفيدُه في حياتك كلِّها، وهذا الاستعداد من أهمِّ الأعمال المطلوبة لاستثمار رمضان - إن لم يكن أهَمَّها على الإطلاق -: استقبال رمضان، كيف يكون؟ وبماذا يكون؟!
وعلى قَدْر هذه الأهميَّة ينبغي أن يكون اهتمامنا بهذا الاستعداد؛ حتَّى يفتح الله -تعالى- علينا في العمل على استثمار رمضان الاستثمار الأمثل الذي يَرْضى الله -تعالى- عنه، فالله المستعان.
وأمَّا الموضوع، فبدأتُه بذِكْر بعض النصائح الكُلِّية الجليلة، والتي تندرج تحتها أعمالٌ وشُعَب من الإيمان كثيرة، ثم ذكَرْتُ - بعون الله - أعمالاً تفصيلية بعينها، ولكن أحبُّ أن أنبِّهَك - أخي يا بن الإسلام - على أنَّ معظم الأعمال التي ذكَرتُها ليست لاستثمار رمضان فحَسْبُ، وإنَّما هي دائمةٌ على مدار العام؛ لاستثمار العمر كلِّه، والحياة بكلِّ نفَس فيها، وقد نوَّعتُها بين الطُّول والقِصَر؛ دفعًا للسآمة والملَل.
كما أنبِّهك - أخي يا بن الإسلام - أنني ذكرتُ لك ثلاثًا وسبعين وسيلة لاستثمار رمضان، وضمَّنت هذه الثلاث والسبعين عددًا هائلاً من الوسائل الأخرى، فاصْدُق ربَّك، واستَعِن بإِلَهك، واقتفِ سيرة سلَفِك الصالح وقلِّدهم، تَصِل، وإلاَّ فرواحٌ في مكانك فإنك لن تبرحه!
وليتك - أخي يا بن الإسلام - تجعل لنفسك كُنَّاشًا - كراسًا - تُقَيِّد فيه كلَّ عمل صالح جديدٍ تَعْلمه؛ لِتَعمل به، وتنصح به إخوانك المسلمين؛ لعلَّ الله ينجيك وينجيهم معك بهذا العمل؛ متَى خلصت النِّية لوجهه - تعالى.
ولقد جعلتُ في الوسيلة قبل الأخيرة من هذه الوسائل مجموعةً ضخمة من الشُّرور التي ينبغي أن يكُفَّها المسلمُ عن الناس؛ حتى يستطيع أن يقابل الله -تعالى- يوم القيامة بوجهٍ حسَن، وحتى يتسنَّى له استثمارُ شهر رمضان، ويُوفَّق فيه للقيام بواجب العبودية، وسُقْتُها على هيئة الأبواب تسهيلاً وتذكيرًا.
وأما الخاتمة، فهي من الأهَمِّية بمكان؛ ذكرتُ فيها الشروط اللازمة للانتفاع بهذه الوسائل - وغيرها - من الأعمال الصالحات، ودخول الجنَّة بها، موضِّحًا إجابة السؤال الهام الذي يتعلَّق بهذه الوسائل - وغيرها مما هو على شاكلتها - وهو: هل هذه الوسائل تُكَفِّر الكبائر والصغائر، أوْ تكفِّر الصغائر فقط؟ ثم: ماذا بعد رمضان؟
واللهَ -تعالى- أسأل أن يَرضى عن كلِّ مَن استفَدْتُ منه في إتمام هذا البحث، أو نقلتُ عنه وإن لم أُشِر إليه، كما أسأله - سبحانه - أن يَجْعلها خالصةً لوجهه الكريم، وأن يكتب لي وله القبول في الأرض، وأن ينفعني به وإخواني المسلمين، وأن يذُبَّ عن عِرْضي كما وفَّقني للذبِّ عن شريعته، إنَّه نعم المولى ونعم النصير.
فلنبدأ من الآن - يا أبناء الإسلام - ونجعَلْ شهر رمضان هذا العام شهرًا عمَلِيًّا للتدريب الحقيقيِّ على الحياة في طاعة الله، وخضوع العبد الكامل، وانقياده التامِّ لسيده ومولاه، ثم ننطلق بعده بكلِّ قوةٍ في ميدان التَّقْوى وساحة الإيمان، ونمضي في الطريق إلى الجنة بكلِّ ثبات وصبر واصطبار؛ لعلَّ الله -تعالى- إذا رأى مِنَّا الصدق في المَحبَّة والرغبة، أن يَمُنَّ علينا، ويُلحقَنا بخير الصُّحبة في أعلى درجات الجنَّة، آمين.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 44].
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، سبحانك لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمْنا ما ينفَعُنا، وانفَعْنا بما علَّمتَنا، وهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا.
أمَّا قَبْلُ:
فأحمد الله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه على ما أولاني من قبولٍ طيِّب لهذا الكتاب بين عباده الصالحين؛ فقد قيَّض الله - سبحانه وتعالى - لهذا الكتاب من الانتشار والإقبال عليه ما يوجب حمده حمدًا يوافي نِعَمه، ويكافئ مزيدَه، فلك الحمدُ يا ربَّنا كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، الحمد لله الذي لو حبَس عن عباده معرفةَ حَمْدِه لتصرَّفوا في مِنَنِه فلم يحمدوه، وتوسَّعوا في رزقه فلم يشكروه، والحمد لله على ما عرفنا من نفسه، وألهمنا من شُكْره، وفتح لنا من أبواب العلم لربوبيَّتِه، ودلَّنا عليه من الإخلاص له في توحيده، وجنَّبنا من الإلحاد والشِّرك في أمره.
الحمد لله حمدًا نُكتب به في أحسن مَن حمده مِن خلْقِه، ونستبق به مَن سبق إلى رضاه وعفْوِه، والحمد لله حمدًا يضيء لنا به ظلمات البَرْزخ، ويُسهِّل علينا به سبيل المبعث، ويشرِّف به منازلنا عند مواقف الأشهاد يوم تُجزى كلُّ نفس بما كسبت وهم لا يظلمون.
الحمد لله حمدًا يرتفع منا إلى أعلى علِّيِّين، في كتابٍ مرقوم، يشهده المقرَّبون، والحمد لله حمدًا تقَرُّ به عيونُنا إذا برقت الأبصار، الحمد لله حمدًا تبيَضُّ به وجوهنا إذا ابيضَّت الأبشار، والحمد لله حمدًا نُعتَق به من أليم نار الله، إلى كريم جوار الله، والحمد لله حمدًا نزاحم به ملائكته المقربين، وننضَمُّ به إلى أنبيائه المرسَلين، في دار المقامة التي لا تزول، مَحِل الكرامة التي لا تحول.
الحمد لله الذي اختار لنا مَحاسن الخُلق، وأجرَى علينا طيِّبات الرِّزق، والحمد لله الذي أغلق عنَّا أبواب الحاجة إلاَّ إليه، فكيف نُطيق حمده، أم متى نؤدِّي شكْرَه؟! الحمد لله بكلِّ ما حَمِدَه به أدنى ملائكته إليه، وأكرَمُ خليقته عليه، وأرضى حامديه إليه، والحمد لله حمدًا يَفْضُل سائر الحمد كفضل ربِّنا على جميع خلقه، ثم لله الحمد مكان كلِّ نعمةٍ له علينا وعلى عباده الماضين والباقين، والحمد لله عددَ من أحاط به علمُه مِن جميع الأشياء، والحمد لله حمدًا لا منتهى لحدِّه، ولا حساب لعدده، ولا مبلغ لغايته، ولا انقطاع لأمَدِه، والحمد لله حمدًا يكون وُصْلةً إلى طاعته، وسببًا إلى رِضْوانه، وذريعةً إلى مغفرته، وطريقًا إلى جنَّتِه، وأمْنًا من غضبه، وظهيرًا على طاعته، وحاجِزًا عن معصيته، وعونًا على تأدية حقِّه ووظائفه، والحمد لله حمدًا نسعد به في السُّعَداء من أوليائه، ونسير به في نظم الشُّهداء بسيوف أعدائه، إنَّه ولي حميد.
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي ألهم عباده الصالحين أن يطلبوا إليَّ طباعةَ هذا الكتاب مرَّة أخرى؛ لِما لمسوا فيه من كبيرِ الفائدة، فالحمد لله حمدًا كثيرًا كما يحبُّ ربُّنا ويَرضى.
أما بعد:
فإنه ينبغي علينا - بعد أن نُراجع قلوبَنا، ونجدِّد نِيَّاتنا تُجاه استقبال هذا الشهر الحبيب - أن نَعمل على تحضير وتجهيز بيوتنا لاستقبالِه؛ فلا يَخْفى على كلِّ ذي لُبٍّ أهمية البيت المسلم ودوره في صلاح المجتمع، ومكانته السابقة بالنِّسبة لأفراده ومؤسساته.
وتتضاعف تلك الأهمية وذلك الدَّور في شهر رمضان المبارك؛ وذلك لأمرين مهمَّيْن:
الأول: أن البيت المسلم هو المَحْضن الأول من مَحاضِن تربية الأجيال، والأساس الأول الذي يُبنَى عليه جلُّ المعاني والقيم الواجب توفُّرها في المؤمن، والمتأمِّل في حال البيوت المسلمة (سواء في شهر رمضان المبارك أو غيره) يَجِد ما تبكي لأجله العينُ، ويحزن له القلب من حال تلك البيوت المؤلِم؛ فمن بيتٍ اشتَغل أهْلُه بالدُّنيا وزُخرفها، إلى بيت يعجُّ بالمنكرات والفواحش، إلى بيتٍ غَفل الوالدان فيه عن تربية أبنائهم، إلى بيتٍ سكنَتْه القذارة والجهل، إلى بيتٍ مهزوز الثوابت، ضعيف الأعمدة، بعيدٍ أهْلُه عن الإيمان... إلى آخر تلك البيوت وأحوالها المحزنة المؤلمة.
ثانيًا: أن شهر رمضان المبارك شهر تربية وتعليمٍ وتدريب، يتربَّى فيه المؤمن على معانٍ سامية، ويتدرَّب على مجموعةٍ من الأخلاق الطاهرة، مستغِلاًّ بذلك نفحات الله المتتالية، والأجواء الطَّاهرة، وحضور كلِّ خير، وغيابَ الشياطين وأعوانِهم.
ومن هذا المنطلق ومراعاةً لتلك الأهمية؛ فإنَّ من الواجب على الجميع أن يُقيم البَرامج الإيمانية، ويَعْقد الجلسات العائليَّة النافعة داخل مُحيط البيت في أيَّام الشهر المبارك؛ لكي يَنال فعلاً من الثَّمرات المرجُوَّة، والفوائد المتوقَّعة، وليحقِّق رسالة البيت المؤمن من خلال تلك البرامج والمَجالس الإيمانية في شهر الخير والبركة.
ومشاركةً في هذا الجانب؛ إليك أربعين وسيلةً نستطيع من خلالها أن نَجْعل بيوتنا بيوتًا رمَضانيَّة إيمانية وضَّاءة - بعون الله وقدرته - لكن قبل أن أعرض هذه الوسائل والأفكار، أحبُّ أن أشير إلى أنَّ هذه الوسائل والأفكار تختلف باختلاف الناس؛ فهناك أفكارٌ تَحتاج إلى دعمٍ مادي، وهناك وسائل لا تريد - لأجْلِ إقامتها - سوى تشجيعٍ معنوي، ومنها ما يستطيعه شخصٌ واحد، ومنها من لا يقوم إلاَّ بتحرك مجموعةٍ كاملة من أعضاء الأسرة، ومنها ما يقْبَل مباشرة بدون تردُّد أو مشورة، ومنها ما يحتاج تفعيلُه إلى آراء ووجهات نظر جميع أفراد الأسرة... إلى غير ذلك من الاختلافات والمُتباينات التي قد تحصل وتُثار.
والحاصل: أنه لا بدَّ من مراعاة كلِّ تلك الأمور، ومُحاولة إيجاد حلولٍ مباشرة متى ما تعطَّلَت فكرة معيَّنة، أو توقَّف برنامج مرسوم، المهمُّ ألاَّ نقف، بل نسارع في إحياء الإيمان في بيوتنا في هذا الشهر الكريم.
الوسيلة الأولى: هي إخلاص العمل لله - سبحانه وتعالى - والعلم أنْ لا توفيق ولا بركة ولا عزَّ إلاَّ إذا كان العمل لله - سبحانه وتعالى - وحده؛ فهو أساس كلِّ نجاح، ومنطلَقُ كلِّ تميُّز، وطريقٌ إلى جنة الرِّضوان، وكم من عملٍ صغير يفعله العبد لوجه الله - سبحانه وتعالى - فيجده عند الله عظيمًا! وكم من عمل عظيم وكبيرٍ يفعله العبد ليراه الناس، فيجده عند الله صغيرًا حقيرًا!
ولذا؛ فإنَّ علينا جميعا ألاَّ نبدأ في إقامة أيِّ مشروع أو نشاطٍ تربوي أو دعَويٍّ في البيت في شهر رمضان، حتَّى نُراجع أنفسنا، ونَختبر نيَّاتنا في سبب إقامته وتفعيله، فدرِّبْ نفسك على هذه الميزة، واجْعَل أعمالك وأقوالك لربِّ العالمين، واستشعِر الأجر المترتِّب على هذه النِّية الخالصة.
الوسيلة الثانية: إقامة حَلْقةٍ خاصَّة لأعضاء الأسرة لقراءة القرآن الكريم، ولا بُدَّ من تجهيز المكان المناسب لها، ويتعيَّن مشاركة جميع أعضاء الأسرة في هذه الحلقة، مع مراعاة مستوياتهم وأعمارهم، ومستوى حفظ كلِّ واحدٍ منهم، ولا بدَّ أيضًا من تخصيص وقتٍ دائم من كلِّ يوم، يُعْلَم عند الجميع طيلة أيام الشهر المبارك بأنَّ هذا الوقت مخصَّص للحلقة الأُسَرية؛ ليقيس مدى نجاح الأعضاء؛ ليشجِّع المتميز فيها، ويأخذ بيد المقصِّر، ويُفَضَّل أن يكون المشرفُ هو الأبَ أو الأخَ الأكبر أو الأمَّ (إن كان لها القدرة في ذلك)، وسيكون لهذه الجهود جميعًا (متى ما طُبِّقت) الأثَرُ الكبير على جميع الأعضاء - بإذن المولى سبحانه وتعالى.
الوسيلة الثالثة: إعداد جدول لتلاوة وحفظِ القرآن الكريم، يضمُّ فيه جميع أعضاء الأسرة، وإن كانت هذه الوسيلة تدخل ضمنًا مع سابقتِها، إلا أنَّها تختصُّ بإقامة تلاوتين في وقتين مختلفين؛ التلاوة الأولى: تلاوة تدبُّر وتأمُّلٍ في آيات الله - سبحانه وتعالى - والتلاوة الثانية: تلاوة لكسب الأجر المترتِّب لقارئ القرآن، وهذه يُقصد منها (إضافةً إلى طلب الأجر من الله) ختْمُ القرآن الكريم أكثر من مرَّة في هذا الشهر الكريم، فتسجَّل هاتان التِّلاوتان في الجدول المطلوبِ إعدادُه، ويُعطَى كلُّ عضو صورة من هذا الجدول للاحتفاظ به، وتسجيل سيره في التِّلاوتين خلال أيام الشَّهر المبارك، وهذه الوسيلة تُساعد في بثِّ الحماس بين أعضاء الأسرة الواحدة، وتقوية علاقتِهم مع القرآن الكريم.
الوسيلة الرابعة: إقامة درس تفسيرٍ لإحدى سُوَر القرآن الكريم القصيرة، أو لآيات الصِّيام في القرآن الكريم؛ على ألاَّ تتجاوز مدَّة الدرس عشرين دقيقةً، وأن يكون الدرس بعد حلقة القرآن الكريم، وعلى جميع الأعضاءِ المشاركةُ في تفعيل الدَّرس وحضوره، ويُستفاد من هذه الوسيلة زيادة تدبُّر أعضاء الأسرة في معاني القرآن الكريم، وأسبابِ النُّزول، ومعاني المفردات... إلى غير ذلك من الفوائد الجمَّة، ويُنصَح بأن يكون المَرْجعُ في هذا الدرس أحدَ كتب التفسير المبسَّطة والسهلة، والمتناول طرحها لدى أفهام المتلقِّين، وأنصح بتفسير السعديِّ - رحمه الله.
الوسيلة الخامسة: إعداد وتجهيز كلِّ ما تحتاج إليه الحلْقةُ من أدواتٍ وأثاث؛ كشراء المَصاحف لجميع الأعضاء، وإعداد حاملات المصاحف، وسجَّادات للصلاة، وتخصيص مصلًّى في المَنْزل، ومذكِّرات ورقيَّة لكتابة الفوائد إنْ حصل مثْلُ ذلك، ويراعى أيضًا تعليقُ بعض اللوحات المكتوب عليها بعض الجُمَل والأقوال التي تحثُّ على قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، وتُبيِّن أجْرَ تدبُّرِه وحفْظِه، وعلى الجميع أن يشاركوا في إعداد كلِّ المتطلبات والتجهيزات للحَلْقة، ويبقى (لِمَن في قدرته توفيرُها والاستفادة منها) تجهيزُ لوحة ورقيَّة أو خشَبِيَّة للكتابة عليها عند الحاجة، مع توفير أقلام الخطِّ، والماسحة، وغيرها.
الوسيلة السادسة: إعداد مسابقة في حفظ وتلاوة القرآن الكريم، وتكون في الأقسام التالية:
1- مسابقة في حفظ السُّور القصيرة، أو حفظ بعض الآيات المتعلِّقة بأحكام الصَّوم في شهر رمضان المبارك.
2- مسابقة في تلاوة آيات القرآن الكريم.
3- مسابقة في تفسير الآيات التي يتمُّ حفظُها أو تلاوتها.
4- مسابقة في أحكام التَّجويد، وغيرها من المسابقات التي تتعلَّق بالقرآن العظيم، ويُراعى أيضًا وجود مشرفٍ لهذه المسابقات، ومراعاة الأعمار والعقول لأعضاء الأسرة، والوقت المناسب لاستلام وتسليم الأسئلة والإجابات، وتبيين الثمرات، والفوائد المستنبَطة من إقامة هذه المسابقات.
الوسيلة السابعة: إقامة درسٍ واحد أو مجموعةٍ من الدُّروس خلال أيام الشَّهر المبارك، تبيِّن فضل قراءة القرآن الكريم في هذا الشَّهر المبارك، ويوضّح في هذا الدَّرس الآيات والأحاديث النبويَّة الدالَّة على ذلك الفضل، وأقوال السَّلَف والخلف في ذلك الفضل؛ على أن يتفرَّد أحدُ أعضاء الأسرة بإعداد الدَّرس وتحضيره وكتابته، ومن ثَمَّ شرحه على بقيَّة الأعضاء، والإجابة على الأسئلة المتعلِّقة بالدرس، ومثل هذه الدُّروس لها من الفوائد ما يعجز الشخصُ عن حصره، ولعلَّ من أهمها: تدريبَ أعضاء الأسرة على الانضباط، والحرص على الاجتماع والحضور، كما تربِّي فيهم حبَّ مجالس الذِّكْر، وفيها أيضًا حبُّ الاستنباط واستخراج الشواهد والفوائد من كلِّ درس يُقام.
الوسيلة الثامنة: تخصيص الجوائز والهدايا الماليَّة والعينيَّة للمتميِّزين في الحفظ والتلاوة، والمسابقات الخاصَّة بها، ويُراعى أن تكون الجوائزُ جوائزَ ذات قيمة؛ لتبعث الحرص والاجتهاد والتميُّز في أنفس الأعضاء، وقد تختلف الجوائز والمكافآت باختلاف الأوضاع الماديَّة عند ربِّ المَنْزل.
وهنا أقول: إنه إذا عجز ربُّ الأسرة عن توفير مثل تلك الجوائز، فيكتفي بأن تكون الجائزة أو المكافأة نُزْهة برِّية، أو زيارةً للأصدقاء، أو برنامجًا ترفيهيًّا.
وهنا ملاحظة مهمَّة: قد تتسبَّب هذه الجوائز والمكافآت في إدخال بعض الحسَد أو الحقد في قلوب الأبناء على بعضهم البعض؛ ولذا فإنَّ على ربِّ الأسرة أن يراعي مثل هذه الأحداث، وعليه أيضًا إخبارهم أنَّ الجائزة ما وُضعت إلاَّ لبثِّ التنافس بينهم، ولحثِّهم على المسابقة في الخير، وإن استطاع أن يَجْلب لجميع المشاركين جوائز ومكافآت، فهذا أفضل؛ بشرط اختلاف قيمتِها وحجمها، وأثرها على القلوب لإتمام مسألة العَدْل في ذلك.
الوسيلة التَّاسعة: أن يكون هناك برنامج لسماع الأشرطة الدعوية والتربويَّة والمتعلِّقة بأحكام شهر رمضان المبارك، وهذه الوسيلة جدُّ مثمِرة لأعضاء الأسرة من الآباء والأُمَّهات، والأجداد والجدَّات، الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، وعلى ربِّ الأسرة أن يخصِّص وقتًا لسماع هذه الأشرطة الدعويَّة على أن يُتْقِن اختيار عناوين هذه الأشرطة، وأن يجعل سماع هذه الأشرطة على فترتين كلَّ أسبوع.
ومن الإبداع في هذه الوسيلة أن يقوم ربُّ الأسرة بتركيب مجموعة من السماعات في جميع صالات وغُرَف المَنْزل؛ ليتسنَّى للجميع سماعُ الأشرطة أو الإذاعة، كلٌّ في محله؛ لتعمَّ الفائدة.
الوسيلة العاشرة: إقامة حلقة نسائيَّة للقرآن الكريم، وسبب إقامة هذه الحلقة هو كثرة عدد النِّساء في البيت الواحد، ويُشتَرط فيها ما يُشترَط في حلقة الرِّجال من ضرورة مشاركة جميع النِّساء، وتخصيص وقتٍ مناسب لها، وأن يكون هناك مَشْرفة للحلقة، وأن تُخصَّص السُّور أو المقاطع المطلوب حفظها.
الوسيلة الحادية عشرة: أن تُقام دورةٌ عائليَّة لحفظ أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ويراعى أن تكون الأحاديث متعلِّقة بأحكام الصِّيام والقيام، ولا بدَّ أن يُحدَّد عددُ الأحاديث المطلوب حفْظُها، ويحدد المصدر أو المرجع الأساسي الذي تُؤخذ منه الأحاديث النبويَّة الشريفة.
ومن فوائد هذه الوسيلة: ربْطُ أعضاء الأسرة بأحاديث النبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وتربيتهم تربية إيمانيَّة بما تتضمَّن هذه النصوص الكريمة، وتنويرهم بقضايا الصيام والقيام والتطوُّع والصدقة، والاعتكاف وقراءة القرآن من خلال أحاديث النبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
الوسيلة الثانية عشرة: أن يسعى ربُّ الأسرة على إقامة درسٍ لشرح الأحاديث المطلوب حفْظُها من قِبَل أفراد الأسرة؛ على أن يكون الشَّرحُ شرحًا مبسَّطًا، يصل إلى أفهام الجميع، وأن يُحدَّد بوقت، وألاَّ يكون وقتًا طويلاً، ويراعى فيه استخراج الفوائد والثَّمرات المهمَّة من كلِّ حديث يُحفَظ، ولا بدَّ أيضًا من تخصيص مكانٍ مناسب أيضًا للدرس، وأن يحدّد المشرف العامُّ عليه، وعليه أن يوضِّح أسباب إقامة هذا الدرس النبويِّ داخل محيط العائلة، وبيان أهدافه للجميع، ووجوب الاستفادة منه.
الوسيلة الثالثة عشرة: القراءة في أحد كتب السِّيرة النبويَّة - على صاحبها أفضل صلاةٍ وسلام - وأن تكون هذه القراءة بشكلٍ يومي، وأن يسعى جميعُ الأعضاء المنتمين للأسرة أن يقرأ كلُّ واحدٍ منهم على المَجموعة؛ على أن يَرسم المُشرف على اللِّقاء جدولاً يبيِّن خطة القراءة، وأسماء القُرَّاء، وتقسيمهم على أيام الشهر المبارك، ومن ثَمَّ يطلب من الجميع استخراج الفوائد والثمرات التي وجدوها من خلال سماعهم لقارئهم.
ومن فوائد هذه الوسيلة: ربطُ جميع الأعضاء بسيرة نبيِّهم وحبيبهم محمَّد -صلى الله عليه وسلم- والتعرُّف على مراحل سيرته ودعوته، ومَغازيه وأيَّامه، والأحداث التي صاحبَتْ سيرتَه -صلى الله عليه وسلم-.
الوسيلة الرابعة عشرة: أن يُقام لقاءٌ بين أعضاء الأُسْرة، وتُتَداول فيه سيرة صحابيٍّ من صحابة محمَّد -صلى الله عليه وسلم- وذلك على النَّحو التالي:
• يكون هناك مُشْرِفٌ عامٌّ على اللِّقاء.
• أن يُقسِّم المشرف عدد اللقاءات على أيام شهر رمضان المبارك.
• أن يكلِّف المشرفُ كلَّ عضو من أعضاء الأسرة القادرين على البحث والكتابة بإعداد بحثٍ عن صحابي جليل يختاره العضوُ نفسه.
• أن يشارك الجميعُ أثناء اللقاء بالمشاركة بما يعرفونه عن الصَّحابي الذي تُتداوَل بينهم سيرتُه، ومن ثَمَّ يجمع جميع ما كُتب عن الصحابة، ويُوضَع في ملفٍّ خاص، ويوضع في مكتبة المَنْزل للاستفادة منه عند الحاجة، ولكونه أحدَ أعمال الأسرة القيِّمة.
الوسيلة الخامسة عشرة: على غرار الوسيلة السابقة؛ فبدلاً من أن يتحدَّث الجميعُ عن سيرة صحابيٍّ من صحابة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يكون الحديثُ عن إحدى غزوات النبيِّ الكريم -صلى الله عليه وسلم- بنفس الشروط السابقة، مع إضافة الحديث عن أحكام الجهاد في سبيل الله - سبحانه وتعالى - وعرض صُوَر التَّضْحية والفداء للرَّسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الأجلاَّء.
الوسيلة السادسة عشْرة: إعداد مسابقة رمضانيَّة خاصة بالسُّنة النبوية أو السِّيرة المُحمَّدية - على صاحبها أفضل صلاةٍ وأزكى سلام - ويُراعى في هذه المسابقة مثْلُ ما يراعى في مسابقة حفظِ وتلاوة القرآن الكريم؛ من تعيين مشرفٍ على المسابقة، ومراعاة أعمار ومستوى فَهْم وإدراك أفراد الأسرة، والوقت المناسب لاستلام وتسليم الإجابات، ومن ثَمَّ لا بدَّ من تبيين الفوائد والثَّمرات من إقامة مثل هذه المسابقات المتعلقة بالسيرة، وعَرْضها على الجميع.
الوسيلة السابعة عشرة: أن يُقام درسٌ للأسرة بعنوان (رمضان في حياة الصَّحابة) ونحن في أمسِّ الحاجة لهذا الدَّرس؛ وذلك لضرورة معرفة حال ذلك الجيل الفريد في أيامِ أفضل شهرٍ من شهور الله - سبحانه وتعالى - وننتقل عَبْر هذا الدرس من حالهم مع الصيام، إلى حالهم مع قراءة القرآن، إلى حالهم مع الصَّدقة والزكاة، إلى حالهم مع مُعايشتهم لواقعهم، وما يَطْرأ في حياتهم في ذلك الشهر الكريم من أمورِ الخروج في سبيل الله، والسفر، والتِّجارة... إلخ.
ويُفضَّل أن يكون الدرس مجموعةً من الوقفات تُقسَّم على عددٍ من الأيام، وعلى ربِّ الأسرة أن يعيِّن من أعضاء الأسرة من عنده القدرة على الجمع والبحث لأطراف هذا الموضوع، ويمكن أن يعين أيضًا من يلقي الموضوع على بقيَّة الأعضاء.
الوسيلة الثامنة عشرة: أن يُقام درس أيضًا بعنوان (الشَّمائل المحمديَّة)، ويراعى فيه مثل ما يراعى في الوسيلة السابقة، ولعلِّي أَذْكر بعض الفوائد من إقامة مثل هذا الدَّرس، ومنها:
• رَبْط كلِّ عضوٍ من أعضاء الأسرة بشمائل النبِيِّ محمَّد -صلى الله عليه وسلم-.
• أن تعيش الأسرة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من خلال حياته في بيته ومكانته بين أصحابه.
• أن تزيد معرفةُ كلِّ عضوٍ عن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وهو القُدْوة الصَّالحة فنعرف عن ملابسه، ومآكله ومشاربه، ومركوبه، وأدوات حربه، وطريقة مشيه، ومنامه، ومزحه، وضحكه، وغضبه، ومدى جديته، وحرصه على أمور الدين، وحبِّه لإخوانه وأصحابه وأهل بيته، وطرق تَعامُلِه -صلى الله عليه وسلم- معهم... إلى غير تلك الصور التي نبحث عنها، والخاصة بالنبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
الوسيلة التاسعة عشرة: أن تُخصَّص جائزة للمتميِّزين في مسابقة السِّيرة النبويَّة أو في الدُّروس النبوية أو في حفظ المجموعة المحدَّدة من أحاديث النبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ويعلن عن الجائزة قبل دخول شهر رمضان؛ لبثِّ روح التنافس بين الأعضاء، ولتُدخِل فيهم العزم على دخول المسابقة، وهنا أيضًا يجب مراعاة الأعمار، ومستوى الإدراك في جميع أعضاء الأسرة، وينبغي أيضًا على ربِّ الأسرة أن يُراعي مسألة الأمور المادية بالنِّسبة له؛ لأنَّه هو من سيوفِّر الجائزة للأعضاء.
وأُذكِّر بأن يحرص ربُّ الأسرة أيضًا على ألاَّ تكون الجائزة أو الجوائز مما يثير الغضب أو الحسد، أو الاستهزاء بين الأبناء، وعليه أيضًا أن يذكِّرَهم بأن الهدف من الجائزة التشجيع فحسب، وإكرام المتميِّز والمجتهد، وأن ذلك يجب ألاَّ يُغضِب الجميع؛ بل عليهم أن يفرحوا لصاحب الجائزة، وأن يباركوا له الحصول عليها، وعليه أيضًا ألاَّ يتكبَّر أو يستهزئ بهم مهما كان الحال.
الوسيلة العشرون: أن تسمع الأسرة بكامل أعضائها الأشرطة الخاصَّة بِعَرْض سيرة النبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهذه الوسيلة فعَّالة جدًّا للأعضاء الذين لا يعرفون القراءة والكتابة (ككبار السنِّ من الأجداد والجدات، وبعض الآباء والأمَّهات)، وهذه الوسيلة على المشرف عليها أن يحدد وقتًا يوميًّا أو أسبوعيًّا لسماع كلِّ مادة، وأن يحاول بقدر الإمكان أن يختار وقتًا فيه جميع أعضاء الأسرة موجودون في البيت غالبًا؛ كبَعْد صلاة العصر مثلاً، ولا بد من اختيار المواد السَّمعية بعناية تامَّة، وعلى المشرف أيضًا أن يُحاور ويناقش أعضاء الأسرة عن النِّقاط أو المَحاور التي سمعوها في الشريط، وأن يحفِّزهم على مثل سماع هذه الأشرطة.
الوسيلة الحادية والعشرون: أن يقوم ربُّ الأسرة أو من يراه مِن أعضاء الأسرة الذين يمتَلِكون القدرة على إعداد درسٍ يتعلَّق بالأحكام الفقهية في رمضان، والأسرة في أمسِّ الحاجة إلى مثل هذه الدروس الفقهيَّة، ويراعَى في هذا الدرس أن يحدّد له وقتًا مناسبًا، وأن يكون درسًا واضحًا، ومحددًا وسهلاً، بعيدًا عن الاستطراد أو الإسهاب في المعلومات، أو ذِكْر اختلافات العلماء؛ الأمر الذي يجعله يصل إلى جميع العقول، وتستوعِبُه الأفهام، ولا بد أيضًا أن يكون درس الفقه درسًا مجزَّأً ومقسَّمًا على أيام رمضان؛ فمثلاً يكون كل خمسة أيام أو أسبوع درسٌ واحد، وألاَّ يكون درسًا يوميًّا؛ خشية من الملل أو عدم المواصلة.
الوسيلة الثانية والعشرون: إقامة درسٍ في الثَّقافة الإسلاميَّة والمعلومات العامة، وهذا الدرس لا بد من أن يغلب عليه طابع المناقشة وإبداء الأسئلة، إضافةً إلى الحرية في التحدُّث وسماع جميع المشاركين من أعضاء الأسرة في هذا الدَّرس، وهذا الدَّرس فيه من الفائدة الشيءُ العظيم؛ وذلك أنَّ أعضاء الأُسرة ينتقلون من يومٍ إلى يوم في شهر رمضان المبارك من عِلْم إلى علم؛ فمن التاريخ إلى اللُّغة، إلى الأدب، إلى الشعر، إلى الفِكْر الإسلامي، إلى القصص والروايات الإسلاميَّة، إلى الألغاز والألعاب الورقية... إلخ، ويراعى أن يكون هذا الدَّرس أو اللقاء يوميًّا، وأن يخصَّص لكلِّ يوم عضوٌ من أعضاء الأسرة لتحضير الدَّرس وإلقائه، والإجابة على أسئلة بقيَّة الأعضاء.
الوسيلة الثالثة والعشرون: برنامج: "حدَث في مثل هذا اليوم"، وهذه الوسيلة أو الفكرة من أمتَعِ وأروع الأفكار التي يمكن تفعيلُها بين أعضاء الأسرة في شهر رمضان المبارك، وصِفتُها أن يقوم كلُّ عضو من أعضاء الأسرة (بعد تقسيم أيام الشَّهر عليهم) بإحضار معلومات عن حدثٍ تاريخي حدث في ذلك اليوم (الذي هو من نصيبه)، ومثالٌ على ذلك: إذا وافق شهْرُ رمضان اليوم السابعَ عشر فإنَّ العضو الذي هو مسؤول عن إحضار المعلومات التاريخيَّة التي حدثَتْ في ذلك اليوم، سيتحدَّث عن: "غزوة بدر" لأعضاء الأسرة؛ فيربطهم بذلك اليوم وبتلك الحادثة، وفتح مكَّة كذلك، وعموريَّة، وعين جالوت... إلى آخر هذه السِّلسلة العظيمة من الأحداث التي وقعَتْ في شهر رمضان.
وهذه الفكرة لها فوائد عدة؛ ومن أهمِّها: تحقيق أهميَّة التاريخ الإسلامي والأحداث التي مرَّت به، إضافة إلى إشعار جميع أعضاء الأسرة بأنَّ رمضان شهرُ جدٍّ واجتهاد، وجهادٍ وعمَل، ولو لم يكن ذلك ما قرَأْنا تلك الشواهد العظيمة والأحداث الجليلة في هذا الشهر المبارك.
الوسيلة الرابعة والعشرون: أن تُقام مسابقة ثقافيَّة أُسريَّة منوَّعة، وهذه الوسيلة كسوابقها (مسابقة القرآن الكريم، ومسابقة الحديث النبوي، والسيرة النبوية)، إلاَّ أنها تختلف فقط في التنويع للمواضيع والطَّرح، ويُفضَّل في هذه المسابقة أن يقوم بتجهيزها وإعدادها مختصٌّ من خارج الأسرة؛ لِيُشارك الجميع في الحلِّ والإجابة.
الوسيلة الخامسة والعشرون: تفعيل جلسات إيمانيَّة لجميع أعضاء الأسرة، وتكون على النَّحو التالي:
• أن تكون جلسات يوميَّة.
• أن يكون وقتها قبل أذان صلاة المغرب.
• أن يشارك جميع الأعضاء في هذه الجلسات.
• أن يشارك كلُّ عضو في تقديم جلستين إلى ثلاث جلسات في شهر رمضان المبارك؛ حسب عدد أعضاء الأسرة.
• ومن فوائد هذه الجلسات الإيمانية: ربْطُ أعضاء الأسرة بربِّهم - سبحانه وتعالى - وزيادة نسبة الإيمان في قلوبهم، ومواضيع هذه الجلسات قد تكون سلسلةً من الوقفات في موضوعٍ واحد (كموضوع مَنازل الآخرة مثلاً)، وقد تكون مواضيع مختلفة؛ فالحديث عن نعم الله - سبحانه وتعالى - في يوم، وعن رِقَّة القلب في يوم آخر، وعن صلاة الليل في يوم ثالث، وعن الموت في يوم رابع، وهكذا دواليك، حتى نصبح بعد هذه الجلسات بإذن الله - سبحانه وتعالى - ممن يتربَّون على ما تعلموه في هذه الجلسات.
الوسيلة السادسة والعشرون: إعداد مجلَّة الأسرة الرمضانيَّة، وتكون على هيئة لوحةٍ ورقيَّة أو خشبية، تُعلَّق في إحدى صالات المَنْزل بشكل جميل وأخَّاذ، وتُقسَّم هذه المجلَّة إلى عدَّة أقسام يُعلَّق عليها يوميًّا مقالاتٌ وفوائد أُسَرية، وأخبار منوَّعة، ووقفات دينيَّة وتربوية، ويُراعَى أن يُشْرِف على هذه المجلَّة أحدُ أعضاء الأسرة، ومِن مهامِّه استلام المشاركات من بقيَّة أعضاء الأسرة، وتعليقها على اللوحة، ونزعها أيضًا، وعليه تقييم المشاركات الفعَّالة، والإعلان عن ذلك التقييم، وهذه الفكرة تُربِّي في الأعضاء حبَّ المشاركة، والقدرةَ على الكتابة واختيار المواضيع المناسبة، والتنافس على الخير.
الوسيلة السابعة والعشرون: أن يتعلَّم جميعُ أعضاء الأسرة مهارةً معينة، يُتَّفَق عليها سلفًا من قِبَل الجميع، ويكون هذا التعليم طيلةَ أيام الشهر المبارك؛ بشرط أن تُوافق هذه المهارة قدراتِ وإمكانات الأعضاء جميعهم، وأن تكون الأسرة والمجتمع والأُمَّة بأكملها في حاجة ماسَّة إلى أشخاص يَحْملون هذه المهارة.
ومن المهارات التي أنصح بتعلُّمِها: مهارةُ الحديث أمام النَّاس، والإلقاء، ومهارة التَّأليف والبحث، ومهارة التَّعامل مع الناس، ولا بُدَّ للجميع أن يحضِّروا ما سيُناقشونه أثناء تعلُّمِهم لأيِّ مهارة من خلال قراءاتهم وبَحْثهم في المراجع والمصادر التي تتحدَّث عن هذه المهارة وتلك.
الوسيلة الثامنة والعشرون: أن تُشارك الفتيات والدتَهم في إعداد الطَّعام وطَهْيِه بشكلٍ يومي، وعلى الأمِّ أن تقسم الأيام على الفتيات في المَنْزل، وأن تكون قريبةً منهم أثناء إعدادِهنَّ للأطعمة والأشربة، ويفضَّل من الأمِّ أيضًا التنويعُ في الأطباق والأكلات؛ ليتسنَّى لهن تعلُّم أكبر قدرٍ من تجهيز الأطعمة، وعلى الأم أيضًا أن تُشْعرهنَّ بأهميتهن في بيوتهن، وأن يحتَسِبْن الأجر في كلِّ عملٍ يقُمن به لوالدهنَّ وإخوانهن وأزواجهن في المستقبل، وعلى الأمِّ أن تقيِّم أعمال فتياتِها، وإن استطاع والدُهن (بمشاركة الأمِّ) تحفيزَ المتميِّزة منهن بجائزةٍ أو كلمة شكرٍ، لكان أفضل.
الوسيلة التاسعة والعشرون: إقامة برنامج ترفيهيٍّ يومي لأعضاء الأسرة؛ على أن يُحدَّد بوقت، وأن يكون البرنامج منوَّعًا ومشجِّعًا على الاستمرارية، وبرامج الترفيه التي يمكن تفعيلها في البيوت المُسْلِمة في شهر رمضان المبارك كثيرةٌ، ولكن الأهم من ذلك (وحفاظًا على حرمة هذا الشهر المبارك وصيانته) أن يُراعى أثناء البرنامج الترفيهي دخولُه تحت ضوابط الشَّرع، وأن يُمنع من خلاله كلُّ تهاون أو تَمادٍ في أداء العبادات أو ارتكاب المحرَّمات، ولا بد أيضًا من الاستفادة من إقبال أعضاء الأسرة على هذا البرنامج الترفيهيِّ، وذلك بإقامة بعض البرامج الدعويَّة والثقافية والتربويَّة من خلاله؛ وذلك بتخصيص وقتٍ يسير لها يُشْرف عليه أحد الأعضاء.
الوسيلة الثلاثون: أن يخصَّص وقت يسير أو طويل (حسب ما يراه أهل البيت وأعضاء الأسرة) بشكلٍ يومي طيلة أيام الشَّهر المبارك لدعاء الله - سبحانه وتعالى - وهذه الوسيلة غفل عنها الكثيرُ في الشهر المبارك، رغم ما فيه من أوقات روحانيَّة، ونغمات إيمانيَّة، ولعل ربَّ الأسرة في هذا الجانب يحرص مع جميع أعضاء الأسرة على تفعيل مثل هذه العبادة، وعلى الجميع أن يتحرَّوا أوقات الإجابة، وعليهم أيضًا العمل بكل ما يجعل دعاءهم مقبولاً - بإذن الله - كالطهارة، واستقبال القبلة، ورفع اليدَيْن، وإظهار الضعف والتضرُّع لله - سبحانه وتعالى - وتعظيم الربِّ - جلَّ جلاله - إلى آخر آداب الدعاء التي ستجدها في وسيلة الدُّعاء الثالثة والستين.
ومن فوائد هذه الوسيلة: ربْطُ أعضاء الأسرة بخالقهم - سبحانه وتعالى - وبيانُ وإعلان حاجتِهم إليه - جلَّ جلاله - وتربيتهم على التضرُّع والخوف والرجاء لله - سبحانه وتعالى - ومن الجميل أن تُفَعَّل هذه الوسيلة قبل أذان صلاة المغرب، وقُرْب تناول طعام الإفطار.
الوسيلة الحادية والثلاثون: تجهيز المَنْزل بالمأكولات والمشروبات قبل دخول الشَّهر الكريم، وهنا وقفات:
• على ربِّ الأسرة أن يجهِّز تلك المأكولات والمشروبات قبل وقت كافٍ من دخول الشهر الكريم.
• أن يجهِّزه بدون إسرافٍ أو تبذير.
• أن يَسْتشعر نعمة الله عليه، وأن يربِّي أعضاء أسرته على ذلك.
الوسيلة الثانية والثلاثون: اتِّخاذ قرار أُسَري جماعي مجمَع عليه تُجاه وسائل الإعلام، وما تبثُّه في رمضان، وللأسف الشديد فإنَّ معظم وسائل الإعلام لا تُضاعف من شرورها، ولا تزيد من بلائها إلا في شهر رمضان المبارك؛ بدعوى الترفيه والتسلية، وهي والله مَن دمَّر الانتماء، وسحق الهُوِيَّة، ولبَّت كلَّ دعاوي الأعداء في الداخل والخارج!
لذا فلا بد من تبيين ضررها لأعضاء الأسرة، وحمايتهم منها، وتوفير البدائل النافعة، والوسائل المُفيدة، ولو أنَّ كل أسرةٍ مسلمة اتَّخذت ذلك القرار المُجمَع عليه برفض كلِّ وسيلة إعلامية مسموعة أو مقروءة أو مرئية تبثُّ الشرَّ، وتنشر الرذيلة، لوجدت مجتمعًا نظيفًا نقيًّا في فِكْره ومعتقَده.
الوسيلة الثالثة والثلاثون: أن يقوم ربُّ الأسرة بتنسيق وتوزيع الأدوار بين أعضاء أُسرتِه في الخدمة، والهدف السامي الرئيسي من هذه الوسيلة هو (إعطاء المرأة حقَّها في العبادة)، فمن الملاحَظ في الكثير من البيوت المسلمة: أن تقوم النِّساء بتجهيز وجبات المَنْزل الرَّمَضانية، إضافةً إلى النظافة وغسيل الملابس، والعناية بالأطفال، والكثير من الأعمال المَنْزلية؛ الأمر الذي لا يجعلها تجد وقتًا (ولو يسيرًا) لعبادة ربِّها في هذا الشهر الكريم؛ لذا فإنَّ التنسيق بين الأعضاء في الأدوار وسيلةٌ فعَّالة لمساعدة المرأة في البيت على مَنْحها جزءًا من الوقت تتفرَّغ فيه لعبادة ربِّها - جلَّ جلاله.
الوسيلة الرابعة والثلاثون: تنسيق زيارات واستِضافات رمضانيَّة مع الأهل والجيران والأصدقاء، على أن يُراعَى فيها الفائدة والمُتْعة، وألاَّ تكون بشكلٍ دائم؛ خشية ضياع الأوقات وحصول الملَل، وعلى ربِّ الأسرة أن يسعى لتنسيق جدول للزيارات الخارجيَّة، والاستضافات المَنْزلية قبل دخول شهر رمضان المبارك، وينسِّق أيضًا مع الزائرين لبيته، والمَزُورين من قِبَلِه ومن قِبَلِ أعضاء أسرتِه، كل ذلك التنسيق يُساعد في تفعيل هذه الوسيلة بشكلٍ إيجابي ومثْمِر لجميع أعضاء الأسرة.
الوسيلة الخامسة والثَّلاثون: إعداد برنامج للعمرة من قِبَل ربِّ الأسرة لجميع أعضاء الأسرة (إن كان ثَمَّة استطاعة، أو لبعض الأعضاء إن أمكن)؛ وذلك باختيار الوقت المناسب للسَّفر، وتَفْعيل أيام السَّفر ولياليه ببرامج هادفةٍ وخفيفة، ودراسة صِفة العمرة، ومناقشة موضوع الاعتكاف وصفته وفضله، ومن الأفضل تفويضُ الأعضاء بمواضيع ومسابقات يميلون إليها وعندهم القدرة على تنظيمها وعرضها.
الوسيلة السادسة والثلاثون: المشاركة في إعداد طبق الإفطار اليوميِّ من قِبَل جميع أعضاء الأسرة؛ بهدف تقديم ذلك الطَّبق للصائمين في مسجد الحي؛ إذْ إن على كلِّ أسرة من أُسَر الحي الواحد (بعد الاتِّفاق والتنسيق مع إمام المسجد أو أحد أعضائه) تقديمَ طبق إفطارٍ للصائمين في المسجد، وهذه الوسيلة تهدف لبثِّ روح التعاون (سواء بين أعضاء الأسرة الواحدة، أو بين جميع الأُسَر في الحيِّ الواحد)، وكذلك تَزْرع الحبَّ والتآلف بين القلوب، وفيها من الأجر العظيم المترتِّب على ذلك كلِّه ما ستراه في بعض الوسائل التي معنا.
الوسيلة السابعة والثلاثون: تخصيص ليلة واحدةٍ من ليالي شهر رمضان المبارك، يناقِشُ فيها ربُّ الأسرة - أو مَن يراه جميعُ الأعضاء - قضيَّةً من قضايا الأمَّة الكبرى، وفي هذه الوسيلة ربْطُ الأسرة بقضايا الأمَّة الكبرى والمصيريَّة، وفيها إبداءُ ما يَخْفى على الأبناء والبنات من الأهداف المسمومة الموجَّهة إلى هذه الأمة، وفيها أيضًا بيان عظمة هذا الدِّين، وأثره على العالَم.
ومن تلك القضايا قضيَّة فلسطين، واحتلال الأعداء للأراضي المسلِمة، وقضايا الفقر والأسْرَى، وبعض القضايا المتعلِّقة بالمرأة، والمناهج، والمُجتمعات الدعويَّة والقضاء... إلى آخر تلك القضايا التي تمرُّ علينا بين الفَيْنَةِ والأخرى، ولا نُلْقِي لها بالاً، مع أنَّ مناقشتها مع الأبناء والبنات والأجيال بشكل عام أمرٌ بالغ في الأهمية؛ للأسباب السابقة.
الوسيلة الثامنة والثلاثون: تنسيق زيارات للأبناء من قِبَلِ ربِّ الأسرة لزيارة المرضى في المستشفيات، وكذا زيارتهم للمَقابر، ويُفضَّل أن تكون هذه الزِّيارات أسبوعيَّة، ويفضَّل أن تُسبَق ببعض الوقفات الإيمانيَّة، ومن فوائد هذه الزيارات بناءُ أعمال القلب؛ كالشَّفقة والإيثار والرحمة والحب، وغيرها من الصِّفات القلبية التي يجب أن يتحلَّى بها كلُّ مؤمن.
الوسيلة التاسعة والثَّلاثون: تدريب الأبناء والبنات على مساعدة الفقراء والمُحتاجين؛ وذلك من خلال زيارة بيوت الفقراء وإطْلاعهم عليها، ومن ثَمَّ إعطاؤهم الزَّكاة والصدقات لِيُقدِّموها لهم، وتعليمهم دراسة أوضاع الأُسَر الفقيرة، ومدى حاجاتهم إلى المساعدات والإعانات، وكذا جعلهم يوزعون وجبات إفطار صائم على الصائمين، وتعاونهم مع الهيئات والجمعيات واللِّجان الخيريَّة، والتي تُسْهِم في إغاثة الفقراء واليتامى والمعاقين.
الوسيلة الأربعون والأخيرة: إعداد برنامج العيد من قِبَل الجميع، ويتضمَّن البرنامَجُ توزيعَ زكاة الفِطر، وحضور صلاة وخُطبتَي العيد، وزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء، وشراء الهدايا والألعاب للأطفال، والذَّهاب بهم إلى مراكز الترفيه، وعلى ربِّ الأسرة أن يُبَيِّن حال الأسفِ والحزن على وداع رمَضان، والدُّعاء بأن يتقبَّل الله - سبحانه وتعالى - من الجميع الصِّيام والقيام، وعلى الأسرة أن تحرص أيضًا على صيام ستَّة أيام من شوال؛ طلبًا للأجر المترتِّب عليها.
أحبتي في الله، جاء رمضان، وقبل مجيئه لا بدَّ لنا من وقفة، ومضمونها يكمل في أن نجتهد بألاَّ نجعلَه كرمضاناتٍ كثيرة أدرَكْناها وقصَّرنا فيها، وعلينا أن نستشعر أنَّ رمضان القادم هو آخر رمضان نُدْرِكه، ومَن يدري؟ فقد لا نبلغ رمضان القادم، وعلينا أن نُخرج كلَّ أفعالنا في هذا الشهر المبارك - من صومٍ، وقيام، وصدقة، وقراءة قرآنٍ - من إِلْفِ العادة إلى روح العبادة، فلا نريد أن يكون حظُّنا من الصوم الجوعَ والعطش، ومن القيام التعبَ والسهر، وعلينا أيضًا بالجدِّ والاجتهاد، والعمل والمُثابرة في شهر المغفرة والرِّضوان من الرَّحيم الرحمن.
وأخيرًا:
إِنْ شِئْتَ أَنْ تَحْظَى بِجَنَّةِ رَبِّنَا*** وَتَفُوزَ بِالفَضْلِ الكَبِيرِ الْخَالِدِ
فَانْهَضْ لِفِعْلِ الْخَيْرِ وَاطْرُقْ بَابَهُ *** تَجِدِ الإِعَانَةَ مِنْ إِلَهٍ مَاجِدِ
وَاعْكُفْ عَلَى هَذَا الكِتَابِ فَإِنَّهُ *** جَمَعَ الفَضَائِلَ جَمْعَ فَذٍّ نَاقِدِ
يُهْدِي إِلَيْكَ كَلامَ أَفْضَلِ مُرْسَلٍ *** فِيمَا يُقَرِّبُ مِنْ رِضَاءِ الوَاحِدِ
فَأَدِمْ قِرَاءَتَهُ بِقَلْبٍ خَالِصٍ *** وَادْعُ لِكَاتِبِهِ وَكُلِّ مُسَاعِدِ